العدد 443 -

السنة الثامنة و الثلاثون، ذو الحجة 1444هـ الموافق تموز 2023م

أساليب المستعمر الغربي في الحرب الفكرية والكيد على الإسلام  وضرب التوجه الإسلامي نحو إقامة دولة الخلافة الإسلامية

محمد اليمني

أخذت أوروبا تغزو العالم الإسلامي غزوًا استعماريًّا عن طريق التبشير باسم العلم والإنسانية، ورصدت لذلك الميزانيات الضخمة؛ وذلك لتمكين دوائر الاستخبارات السياسية ودوائر الاستعمار الثقافي من التمركز في البلاد؛ حتى كانت طليعة الاستعمار الغربي؛ وبهذا فُسح المجال لهذا الاستعمار وفُتح باب العالم الإسلامي على مصراعيه أمامه، وانتشرت الجمعيات التبشيرية في كثير من البلدان الإسلامية، وكان معظمها جمعيات إنجليزية وفرنسية وأمريكية؛ فتغلغل النفوذ البريطاني والفرنسي والأمريكي عن طريقها. ولقد أصبحت هذه الجمعيات هي الموجِّهة للحركات القومية والمسيطرة على توجيه التعليم بين المسلمين؛ وذلك  من أجل: 1- فصل العرب عن الدولة الإسلامية للإجهاز عليها، وقد نجحوا في ذلك وحققوا مبتغاهم. 2- إبعاد المسلمين عن الرابطة الحقيقية التي لم يكونوا يعرفون سواها وهي رابطة الإسلام.

فقد قامت هذه الجمعيات بأدوار عديدة خبيثة، وكانت آثار أعمالها في العالم الإسلامي ما نعانيه اليوم من ضعف وانحطاط، فقد عمدوا إلى حرف المسلمين عن فهم الإسلام؛ لأنهم عندما بحثوا عن مكمن القوة لدى المسلمين وجدوه في الإسلام، ووجدوا أن عقيدته هي منشأ هذه القوة فيهم؛ لذلك فكر الكافر المستعمر بطريقة يغزو بها العالم الإسلامي فوجد أن خير طريقة لذلك هو سلوك الغزو الثقافي.

فقاموا في أواخر القرن السادس عشر بتأسيس مراكز كبيرة للتبشير في مالطة، ونقلوها إلى بلاد الشام في سنة 1625م، فعانوا من مشقات كبيرة من الاضطهاد والإعراض والمحاربة لهم من الجميع؛ إلا أنهم صبروا ولبثوا حتى سنة 1773م حتى انقطع أثر المبشرين والتبشير. ثم عاودوا الكرة سنة 1834م، وكان من قام بتنشيط هذه البعثة الأمريكي المشهور (إيلي سميث) حيث قام هو وزوجته بفتح مدرسة للإناث في بيروت، واتَّسع المجال أمامه، وأوقف حياته للعمل في بيروت بوجه خاص وفي بلاد الشام بوجه عام.

لقد كان الكافر الغربي المستعمر يقوم بهذه الحملات فيفشل، ويحاول ويفشل ويحاول؛ ولكن بعدما تمكَّن من احتلال بلاد المسلمين قام بوضع مناهج التعليم والثقافة على أساس فلسفته هو وحضارته ومفاهيمه ووجهة نظره الخاصة في الحياة، ثم جعل الشخصية الغربية الأساس الذي تنتزع منه الثقافة التي يثقفنا بها، كما جعل تاريخه  ونهضته وبيئته المصدر الأصلي لما نحشو به عقولنا، وكان ذلك عامًا حتى في دروس الدين الإسلامي، وتاريخ الدين الإسلامي؛ إذ صار يعلَّم في المدارس الإسلامية كمادة روحية خُلقية، كما هو مفهوم الغرب عن الدين، وصارت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تدرس لأبنائنا منقطعة الصلة عن النبوة والرسالة، وتدرس كما تدرس حياة نابليون أو يسمارك مثلًا، من غير أن تثير في نفوسهم أي مشاعر أو أفكار، وصارت مادة العبادات والأخلاق هي المادة التي تشتمل عليها مناهج الدين كله، وتعطى من وجهة  النظر النفعية. وصار التاريخ الإسلامي تُعلَّم فيه المثالبُ التي يخترعها سوء القصد وسوء الفهم، ويوضع في إطار أسود تحت اسم (النزاهة التاريخية والبحث العلمي) وبهاذا صار مثقفو المسلمين ما هم إلا أبناء الثقافة الغربية وتلاميذها، وصاروا ينتــقدون الثقافة الإسلامية إذا تعارضت مع الثقافة الغربية. والأقبح من ذلك أنهم صاروا يأخذون مفاهيم الحضارة الغربية وينسبونها للإسلام زورًا وبهتانًا؛ حيث غلب على المسلمين أن يقولوا: (إن الغرب أخذ حضارته من الإسلام والمسلمين).

وبذلك قبلوا الحضارة الغربية قبولًا عامًّا تامًّا، فصارت الحضارة في المجتمع تخضع للحضارة الغربية والمفاهيم الغربية؛ وبهذا صار عامة المسلمين لا يدركون أن النظام الديمقراطي في الحكم والنظام الرأسمالي في الاقتصاد هما من أنظمة الكفر، وصاروا لا يتأثرون إذا فَصل القضاء بينهم على غير ما أنزل الله، مع أن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ) [المائدة: ٤٤].(وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ) [المائدة: ٤5].(وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ) [المائدة: ٤7].

 وهم لم يكتفوا بذلك، بل جعلوا مركز التنبُّه الفردي والعام لدى المسلمين هو الدول الأجنبية ومفاهيمها عن الحياة بدل أن يكون مبدؤهم؛ وبذلك فقدوا إمكانية نجاح مسعاهم مهما أخلصو له وبذلوا من مجهود؛ ولذلك صارت جميع الحركات السياسية حركات عقيمة، وصارت كل يقظة في الأمة تتحول إلى حركة مضطربة متناقصة تشبه حركة المذبوح، وتنتهي بالخمود واليأس والاستسلام. وأما الدول المستعمرة فقد أملت على الحكام العملاء بأن يُقصُوا كل ما فيه شبهة تمتُّ إلى إقامة دولة إسلامية لضمان عدم رجوع الدولة الإسلامية للوجود، وهم لا يزالون يعملون لأجل هذه الغاية… ولم يكتفِ المستعمر الغربي بذلك، بل أخذ أيضًا يصرف المسلمين عن التفكير بالدولة الإسلامية بأعمال تافهة يتلهَّى بها المسلمون، فقد شجع المؤتمرات الإسلامية لتكون أُلْهيات الأمة الإسلامية عن العمل الحقيقي (الدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية) وكانت هذه المؤتمرات متنفَّسًا للعواطف تعقد وتنشر أخبارها بالصحف والإذاعات لمجرد النشر فقط دون أن ينفذ شيء منها، ثم شجع المؤلفين والمحاضرين ليبينوا خطر  وجود الدولة الإسلامية، وليقولوا مقولته بأن الإسلام ليس فيه نظام حكم، وصدرت كتب ورسائل لبعض المسلمين المأجورين تحمل دعوة الاستعمار هذه حتى يضللوا المسلمين ويصرفوهم عن دينهم في وعن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية حسب أحكام الإسلام… وهكذا كان دأب الاستعمار الغربي للمسلمين منذ أن قضى على الدولة الإسلامية إلى الآن، فهو يُقيم العراقيل التي تحول دون قيام الدولة الإسلامية ويركز جهوده للحيلولة دون إيجادها من جديد بعد أن محاها من الوجود.

كذلك عمل الغرب على تأسيس مراكز أبحاث فكرية وسياسية، وجعل من مهمتها وضع الدراسات التي تؤدي إلى حرف الأمة الإسلامية عن دينها ومنعها من تلمُّس سبيل نهضتها. وهذه المراكز منتشرة في أوروبا وأمريكا خاصة، وفيها الكثير والكثير من رجال السياسية والفكر الغربيين، وينفَق على هذه المراكز أموال كثيرة لكي يقدموا لحكامهم التوصيات التي تبقي الأمة الإسلامية مكبَّلة. ومثل هذه الدراسات تقوم دول الغرب بتبني ما تراه مناسبًا للكيد للإسلام ولاستمرار استعمار البلدان الإسلامية. وفي هذه الدراسات، يبرز الصراع بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي على مختلف الصعد، ويتم الترويج لمصطلحات الفكر الرأسمالي وأنظمته بصور منمقة ذات بريق على حساب الفكر الإسلامي والتعمية على وجود نظام حكم وشريعة حياة فيه. وبسبب الانحطاط الفكري للمسلمين وقلة الوعي لديهم وعدم معرفتهم بدينهم المعرفه الصحيحة، أظهر الغرب أن المسلمين، وعبر سياسيين وأحزاب سياسية تابعة له، وعبر إدخالهم في لعبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على طريقته والتي تؤدي إلى وصول عملائه السياسيين إلى الحكم، بعد أن يؤمن لهم شعبية وهمية مزيفة عبر إعلام تابع له… أظهر أنهم، أي المسلمين هم مَن يطالبون بتلك الأنظمة التي ليست من الإسلام بتاتًا، والتي لا يجوز أخذها كمصطلحات، فما بالكم اليوم بأخذها كنظام حياة… ومن هذه المصطلحات التي فرضها الغرب على المسلمين فأظهرها وكأنها أفكارهم: العلمانية التي تعني التخلي عن حكم الدين والتحرر من قيوده، والديمقراطية التي تشكل الإطار السياسي للعبة تداول السلطة عبر انتخابات تمكن عملاءه من الحكم. ويمكن القول إن الغرب يتحرك على أساس مبدئي؛ ليضمن إبعاد المسلمين عن اللجوء إلى دينهم في الحكم… ويمكن القول أيضًا إن الغرب إنما استطاع أن يروج لكل استعماره الثقافي عبر تلك الأنظمة  العميلة التابعة له؛ حيث أبعد أفكار الإسلام وبالذات المتعلقة بالحكم عن تصور المسلمين، ويمكن القول بشكل رئيسي إن انحطاط الأمة الإسلامية بمجملها يقف وراءه بشكل أساسي تطبيق الأفكار الغربية عليها في الحكم.

ولكن، بعدما أحس الغرب الكافر أن الأمة الإسلامية بعد كل أعماله الخبيثة لم يستطع إقناعها بفصل دينها عن الحياة والحكم، وبعدما علم إنها أخذت تتحسَّس طريق نهضتها عن طريق العمل لإقامة دولة الخلافة من جديد؛ لذلك رأيناه كيف أنه يعمد إلى التهجم على الإسلام وتشويه الخلافة الإسلامية، ويطلق مصطلح الأصولية والإرهاب على كل من يدعو لتطبيق الإسلام، ويصف أي جماعة تعمل للإسلام بأنها إرهابية، ويقسِّم المسلمين إلى إرهابيين ومعتدلين ويعمل على دعم من سماهم المعتدلين ومحاربة الأصوليين… نعم، يقسِّم الغرب المسلمين بين إرهابي ومعتدل. وفي مقابل ذلك كان لرسول صلى الله عليه وسلم تقسيمه الشرعي الذي يصف فيه حال الصراع بين الإسلام والكفر بالفسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط كفر لا إيمان فيه… وبالخلاصة لا يمكن القيام بعملية التجديد الشرعي إلا من خلال إقامة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة.

إننا نشاهد كيف يكيد الغرب للإسلام كي يستطيع التدخل السياسي والعسكري في البلدان الإسلامية تحت حجة (محاربة الإرهاب) كي يستطيع غرس القواعد العسكرية، وقمع كل جماعة تنادي بإقامة دولة إسلامية بأساليب ظاهرة وخفية، وحتى لا تستطيع الأمة الإسلامية حتى التفكير بأن يعيدوا حكم الإسلام الحقيقي المتمثل بالخلافة؛ لأنهم يعون بأن من المسلمين من يعمل بقوة لإقامة الخلافة الإسلامية؛ لذا فهم يجتهدون على جعل المسلمين يقبلون بأنظمتهم وينسون وعد ربهم القائل: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ٥٥) [النور: ٥٥]. وقول رسولهم الكريم الذي يبشر به: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت».

لقد آن لنا أن نعود لتحقيق وعد ربنا وإعادة مجد الاسلام… آن لنا أن نتصدى للغرب الكافر وننال منه لننال رضى الله سبحانه وتعالى. لقد آن لنا أن نكون ممن ينصرهم الله بقوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ٧) [محمد: ٧]

إلى متى سنظل منقادين للغرب؟! على الأمة أن تعي على ما يجري حولها من كيد وحرب على الإسلام، عليها أن تقوم بالعمل مع حزب التحرير أو تأييده لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية… فالعمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية فرض، والنصر من الله وحده للعاملين المخلصين الواعين، ونسأله تعالى أن يعجل لنا بالنصر والتمكين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *