العدد 438-439-440 -

السنة السابعة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1444هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2023م

الدعوة إلى الديانة الإبراهيمية تحريف وتضليل

ليث أبو أحمد

في هذه الأيام، ينتشر موضوع الدعوة للديانة الإبراهيمية عالميًا كجامع لما يسمى بالديانات السماوية الثلاث (الإسلام والنصرانية واليهودية)، فما حقيقة هذه الدعوة؟ وما هي أهدافها؟ وكيف نواجه التضليل والتحريف من خلال التصدي لدعاتها؟. وقبل أن نجيب على هذه الأسئلة الثلاثة سنقف على حقيقة تسمية الديانات، وما هو الوجه الصحيح. فكلمة دين في لغة العرب كما ورد في قاموس اللغة أن دان بمعنى خضع وأطاع، فالدين هو التعظيم والخضوع والطاعة. والدين في هذه المعاني هو المنهج والطريقة التي ندين لله بها سبحانه وتعالى. وإن كلمة دين مرتبطة بالله عزَّ وجلَّ، وأنه دين واحد وهو دين الإسلام؛ لأن جميع الأنبياء والرسل كانت دعوتهم إلى دين واحد وهو الإسلام، وقد بيَّن الحق تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ذلك في القرآن الكريم والسنَّة النبوية، قال سبحانه: (إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰامُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ١٩)، وقال تعالى (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰامِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٨٥). وقال عليه الصلاة والسلام «والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» رواه مسلم. أما حقيقة هذه الأديان، فإن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، وبعثه الله عزَّ وجلَّ لينقذ الناس من عبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الديَّان في الفترة التي عاش فيها، وكان حنيفًا مسلمًا كما ذكر القرآن الكريم في وصف دينه ومنهجه (مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ٦). والحنيف وهو من يميل عن الباطل إلى الحق، وهو عكس الجنف وهو الميل عن الحق إلى الباطل، وقد تجاهل اليهود والنصارى أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال اليهود: لقد كان إبراهيم يهوديًّا، وقال النصارى بل كان نصرانيًّا، فرد عليهم القرآن الكريم ردًّا بليغًا (يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٦٥) وقال تعالى (مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٦٧)واليهودية والنصرانية المحرَّفة إشراك بالله، وقال تعالى يصف إشراكهم (وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِ‍ُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٣٠).

أما حقيقة الدعوة اليوم لهذه الديانة فإنها تضليل وتحريف وصدٌّ عن سبيل الله ويبغونها عوجًا، وهذا التحريف والتضليل في موضوع الدين ليس جديدًا، فالأمر الظاهر أنها دعوة توحيد للناس خلف ديانة إبراهيم عليه السلام؛ ولكن الأمر المراد هو أسلوب من أساليب الحرب على دين الله القويم المستقيم، وهي تمامًا التقارب بين الأديان والتعايش السلمي ووحدة الأديان ومحاربة التطرف والوسطية المضلة، وكلها دعوات هدَّامة فاشلة لم تؤتِ ثمارها كما أراد الغرب المجرم عدو دين الله وأمة الإسلام.

أما أهداف هذه الدعوة المضلَّة:

1- لقد فشل الغرب فشلًا ذريعًا في مواجهة الفكر الإسلامي بالفكر الغربي، ومن قبله بالمعتقدات المحرَّفة من اليهودية والنصرانية؛ وهذا بفضل الله عز وجل وحفظه لهذا الدين قال تعالى (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩).

2- إن الدين الإسلامي قد انتشر في العالم انتشارًا كبيرًا في نهايات القرن الماضي وأوائل القرن الحادي والعشرين؛ حيث أعلنت مراكز الأبحاث في أمريكا (مركز الأبحاث الفيدرالي) أن حوالى عشرين ألف يدخلون في الإسلام سنويًّا عدا عن دول أوروبا وباقي العالم.

3- لقد فشل الغرب في تغيير صورة اليهود وجعلهم جسمًا مقبولًا عند المسلمين، رغم عقد معاهدات سلام ورغم إقامة مراكز أبحاث ورغم علماء التضليل التابعين للحكام، وما زال قوله تعالى يرسخ في قلوب المؤمنين (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ).

4- الدعوة لإعادة الحكم في الإسلام لاقت قبولًا عند المسلمين. ولقد صار هذا الأمر رأيًا عامًّا واسعًا عند معظم المسلمين، وهذا أغاظ الكفار وجعلهم يبحثون في سبيل صدِّ المسلمين عن دينهم. والحقيقة، إن أهداف هذه الدعوة هي من ضمن برامج الصد عن دين الله عزَّ وجلَّ وخدمة المشروع الصهيوني على حساب أمة الإسلام ومنها أهل فلسطين، وعلى حساب المقدسات في أرض فلسطين، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك والوقوف في وجه المشروع الإسلامي العظيم بإعادة الحكم بالإسلام. أما كيف يستغل الغرب ممثَّلًا بالصليبية الجديدة والصهيونية العالمية هذه الدعوة، فلا بد أولًا من الرجوع قليلًا إلى تاريخ هذه الدعوة الباطلة، وكيف وصلت إلى المرحلة الحالية. هنالك جذور بعيدة تهدف إلى تطوير المسلمين بزعمهم وإبعادهم عن دينهم، وتوظيف النواحي الدينية، وتضليل المصطلحات لخدمة الصليبية والصهيونية في الجذور التاريخية القديمة، والتي كانت في بداية الإسلام، عندما أراد كل من اليهود والنصارى تضليل المسلمين بأنهم أحق بإبراهيم عليه السلام، وأنهم على طريقته وشريعته، وقد رَدَّ عليهم القرآن ردًا بليغًا كما بيَّنا آنفًا.

ولقد تبنى هذه الدعوة كذلك بعض الدعاة الزنادقة في العصر العباسي ويطلق عليهم الدهريون ودعاة وحدة الوجود مثل الحلاج وغيره. وهنالك الكثير من الدعوات التي يقوم بها الغرب واليهود والنصارى لنشر هذه الدعوة في معظم البلاد العربية الإسلامية للتطبيع مع الصهاينة. وفي الآونة الأخيرة قامت الإمارات والبحرين بإقامة ما يسمى بالبيت الإبراهيمي وإنشاء معبد مشترك للديانات الثلاث، وقد اكتمل بناؤه سنة (2022م).

وفي الختام نقول: لقد حاول الكافر قديمًا تضليل المسلمين بأمور كثيرة، وقد هيَّأ الله من أبناء هذه الأمة من يذود عن حياض الإسلام، وسوف يبقى هذا الأمر مستمرًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ وذلك مِصداقًا لقوله عز وجل: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ٣٦) وقوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ٣٢) (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ٩) ومصداقًا لقوله عليه الصلاة والسلام «لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الدِّينِ ظاهرينَ، لعدوِّهم قاهرينَ، لا يضرُّهم مَن خالفَهُم؛ إلَّا ما أصابَهُم مِن لأواءَ؛ حتَّى يأتيَهُم أمرُ اللَّهِ وَهُم كذلِكَ. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، وأينَ هُم؟ قالَ: ببيتِ المقدسِ وأَكْنافِ بيتِ المقدسِ) الراوي: أبو أمامة الباهلي.

نسأله تعالى أن يصرف عن أمة الإسلام كيد المشركين، وأن يبعد عنهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكرمهم بقائد رباني كصلاح الدين الأيوبي يطهر المسجد الأقصى وأكنافه من دنس يهود ويوحد أمة الإسلام بدولة واحدة تطبق شرع الله عزَّ وجلَّ، وتنفي عنه كل هذه الخرافات والتحريفات والتضليلات… اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *