العدد 438-439-440 -

السنة السابعة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1444هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2023م

الشباب هم عدة التغيير وأمل أمة الإسلام ورجال دولتها القادمة

أحمد علاء

لقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم للشباب الثقة ومنحَهم المسؤولية خلافًا لما يعيشه كثيرٌ من الناس اليوم بعدم منحهم المسؤولية بانتزاع الثقة منهم وإيجاد الأعذار لطيشهم بحجة أنهم مراهقون. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منح زيد بن حارثة وهو شاب ،وجعفر بن أبي طالب وهو شاب، وعبد الله بن رواحة وهو شاب، منحهم الثقة، وسلَّمهم قيادة جيش مؤتة، وما أدراك ما مؤتة! أول معركة بين المسلمين وأكبر إمبراطورية في ذلك الوقت،

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسامة بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، وقد كان عمرُ أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة، وأرسل معاذًا إلى اليمن، وهي بلاد بعيدة ذات حضارة، في مهمة عظيمة ومسؤولية جسيمة، وهو كان لا يزال بعد في ريعان شبابه إلى قومٍ لم يكونوا من قبل على ملته وديانته… وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: «كنا نغزو مع صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليعجب من الشاب الذي ليست به صبوة» أخرجه أحمد والطبراني من حديثِ عقبة بنِ عامر… فالشباب هم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا دولته وطبَّقوا شريعته ورفعوا رايته وافتدَوها بالأرواح.

أيها الشباب، إن أمتكم اليوم تشهد هجمة شرسة لم يشهد لها التاريخ مثيلًا من قبل، فقد غزا الغرب الكافر أمتكم فكريًّا وسياسيًّا، ثم أتبعه بغزو عسكري بمعونة عملاء له من هذه الأمة قاموا بالترويج لأفكاره العفنة والعمل على ترسيخها في نفوس المسلمين، وفي الوقت نفسه زعزعة ثقة المسلمين بدينهم وسلخهم من هُويتهم الإسلامية وفصل دينهم عن واقع حياتهم بتطبيق أنظمة وضعيَّة من علمانية وديمقراطية ما أنزل الله بها من سلطان، وتجريم كل من يسعى لإعادة الوعي الإسلامي الصحيح بين المسلمين؛ ليبقوا هم المهيمنون على الأمة ومقدراتها؛ فجعل أمتكم تعيش سنين عجاف من ظلم وقهر وقتل وتشريد، وأذاقها  من سوء العذاب ما لا يطاق.

ويا شباب المسلمين، إن الله سبحانه وتعالى قد حرَّم علينا أن نسكت ونرضى بهذا الوضع المزري الذي فرضه علينا أعداء ديننا، فلابد لأمتنا أن تتحرك صوب التغيير الجذري الذي يقلع أنظمة الكفر وثقافته من بلادنا. إن التغيير الجذري اليوم هو أمر ضروري، ونحن مأمورون به شرعًا، وليس للقاعدين من المسلمين القادرين على تغيير الأوضاع من عذر، وليس هنالك من ثواب هو أعظم من ثواب قيامهم بهذه المهمة الشاقة، وليس من عمل يمدح الله فاعليه أجلَّ من عملهم هذا في التغيير؛ لأنهم بعملهم هذا ينقذون الأمةكل الأمة من الهلاك، ويخلِّصون شعوبًا من الدمار، فإذا كان من أحيا نفسًا فكأنما أحيا الناس جميعًا، فما ظنكم بمن يحيي الناس جميعًا بالعمل لإعادة الحكم بما أنزل الله، استجابة لأمر الله تعالى القائل في محكم كتابه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ) [الأنفال: 24]، واستجابة لقوله تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٢٢) [الأنعام: 122].

فهل هنالك عمل يثيب الله عليه فاعليه أعظم من العمل لإعادة سلطان الإسلام بعد أن دُثِرَ؟ وإحياء القرآن بعد أن هُجِرَ؟ وفي المقابل إن قصَّر هؤلاء القادرون على التغيير فلم يقوموا بواجبهم وتركوا الأمة تهلك، أيكون ذنب أكبر من ذنبهم ،وأثم أعظم من إثمهم؟ وجريمة يعاقب الله عليها فاعليها أفظع من جريمتهم؟…

فيا شباب الإسلام ،أنتم أمل في أمتكم، ونخصُّكم بالذكر لأنَ أمل الأمة منعقد بكم إلى حد كبير، فأنتم سلاح الأمة وعدتها، بكم تعلو الهمم والرايات، وبقوتكم تُبنى الأمم والشعوب، ولكم الدور الكبير في نهضة الأمة الإسلامية، والسد المنيع في مواجهة أعدائها…

فاللهَ اللهَ في شباب المسلمين، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه،و ن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه». فتأمل، أخي الشاب كيف أن العبد يسأل يوم القيامة أول ما يسأل عن العمر كله فيما أفناه، ومع أن الشباب من العمر؛ ولكنه يسأل عنه خاصة لأهمية هذه المرحلة من العمر. فيا شباب المسلمين، فيما تبلون شبابكم، وقد خلقكم الله في زمن تكالبت فيه على أمتكم أمم العالم من شرقها إلى غربها، وتوحَّدت شياطين الإنس والجن لمنع إقامة دولتكم من جديد، وقد علمتم أن الإسلام نظام حياة؛ ولكنه مستبعد من واقع الحياة اليوم، وإن الله سائلكم عن عدم وجود نظامه والتحاكم إليه، فماذا أنتم فاعلون؟…

ويا شباب المسلمين، أنتم على ثغر من ثغور الإسلام، فإياكم أن يؤتى الإسلام من قبلكم وفيكم شفر عين يطرف، إيّاكم أن تناموا عن السعي لإعزاز الإسلام وفيكم شفر عين يطرف… هذه أمانة في أعناقكم وجميع أعناق المسلمين، أمانة حمل الإسلام بهمةٍ وعزمٍ واقتدار، ما جئنا فقط لنقيم الصلاة ونصوم رمضان ونؤتي الزكاة ونذرف دموع الخشية لله في الليل، بل جئنا لنضيف إليها العمل لإعزاز هذا الدين، جئنا لنعمل لتكون كلمة الله في هذه الأرض هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، جئنا لكي نرفع راية رسول الله عاليةً فوق كل الرايات، جئنا لنكون شهداء على هذه البشرية، قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ)[البقرة: 143]

‏فهل نكون شهداء على الناس وليس لنا عزٌّ في ديننا ولا سلطان في الحكم به، وإن كنا نصلي ونصوم؟ وهل نكون شهداء على الناس ونحن قاعدون؟ وهل نكون شهداء على الناس ونحن في هذا الحال التي تبكي عليه البواكي وتندب عليه النادبات!!…

لا يا إخوة الإسلام، فلابد من أن نسير جميعًا في مسير عزٍّ صعودًا إلى الله تعالى وصولًا إلى يوم العز يوم الفرج يوم النصر القادم الموعود الذي وعدنا به الله تعالى وبشَّرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم. فإن كنتم تريدون عزًّا لدينكم وصلاحًا لحال أمتكم، فإن عزة المسلمين وصلاح حالهم، وقبل هذا كله رضوان الله سبحانه وتعالى، لن يكون إلا في ظل دولة الخلافة الإسلامية، التي تتخذ العقيدة الإسلامية أساسًا لها، وتتخذ من الأحكام الشرعية «الحلال والحرام “مقياسًا لها، لا تحكم إلا بأحكام الإسلام، رسالتها حمل دعوة الإسلام للعالم أجمع، تتبنَّى مصالح الناس ورعاية شؤونهم. وإن الطريق لهذه الدولة لن يكون إلا بالعمل الجاد والصادق استجابة لقوله تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ١٠٤) [آل عمران: 104]، ولن يكون إلا بالعمل الجماعي للتصدي لهؤلاء الحكام وإلقائهم وأنظمتهم في مزابل التاريخ، واستبدال حكمهم بحكم إسلامي، وبمبايعة خليفة مسلم على كتاب الله وسنة رسوله.

فهلمُّوا أيها الشباب المؤمنون لأجلِّ عمل أوجبه الله على أمتكم، وأنتم في قلبها، ألا وهو نصرة الإسلام، وأهل الإسلام، والعمل مع العاملين المخلصين الذين يعملون جادِّين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والحكم بما أنزل الله تبارك وتعالى. قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ٦٠ لِمِثۡلِ هَٰذَا فَلۡيَعۡمَلِ ٱلۡعَٰمِلُونَ ٦١)[الصافات: 60-61]، وقال تبارك وتعالى: (وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ)[المطففين:26].

نسأل الله أن يُقِرَّ أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وأن يجعلنا من شهودها وجنودها الأوفياء المخلصين…آمين يارب العالمين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *