العدد 438-439-440 -

السنة السابعة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1444هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2023م

طلب النصرة فرض الله على أهل القوة خاصة (الأمة تستصرخ أهل القوة فيها، فهل من مجيب؟)

سلافة شومان – بيت المقدس

قال تعالى: (وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ)[الأنفال: 72]

قال ابنُ إسحاق: وحدّثني يعقوبُ بنُ عتبة بنُ المغيرة بن الأخنس أنّه حدّث: «أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الكفَّ عن الدعوة، بعثَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «يا ابنَ أخي، إنَّ قومَكَ قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأَبقِ عليَّ وعلى نفسِك ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق»، قال: «فظنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ قد بدا لعمِّه فيهِ بداء وأنهُ خاذله ومسلمه وأنّهُ قد ضعف عن نصرتِه والقيام معه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عَمُّ، واللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ في يَمِينِي، والقَمَرَ في يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، ما تَرَكْتُهُ» (السيرة النبوية لابن هشام).

إنّ هذا الرّدَ الحتمي الذي لا بديلَ لهُ لمن كان يحملُ رسالةً كرسالةِ الإسلام، الغايةُ منها إيجادُ الإسلام في معترك الحياة وتغيير المجتمع تغييرًا جذريًا على أساسِهِ. فالرسولُ صلى الله عليه وسلم مأمورٌ بتبليغِ رسالةِ الإسلامِ كاملًا دون زيادة أو نقصان، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ) [المائدة: 67]. والتقصير بأيِّ جزئية من جزئياتِ الدعوة والتراخي فيها يترتّبُ عليه الوعيدُ الشّديدُ من اللهِ سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡ‍ٔٗا قَلِيلًا ٧٤ إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا٧٥) [الإسراء: 73-75]. لقد فرض الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالإسلام، وحرَّم عليه أن يتحاكم لغير ما أنزل الله، قال تعالى: (وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ ٤٩) [المائدة: 49].

وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»، فما أرسل الله رسوله إلا لإقامةِ حكمِ اللهِ في الأرض؛ وذلك بإيجاد الإسلام في معترك الحياة عن طريق الدّولة، وقد كلّف اللهُ رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسير بذلك وفق طريقة حدّدها الشّرع لا يجوز الحيادُ عنها، قال تعالى: (وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ ٤٩) [يوسف: 108]. أي هذه طريقتي في الدعوة إلى اللهِ وإلى الإسلام بالعمل على إيجاد الإسلام في معترك الحياة أنا ومن آمَنَ بي وتكتَّل معي وسارَ معي في الدّعوة.

فكما أن الله تعالى شرع لنا في الإسلام أحكامًا شرعيّة تعالج مشاكل الإنسان في حياته في كلِّ صغيرة وكبيرة، وتنظم له علاقاتِهِ مع خالقه بالعبادات، ومع نفسه بالمطعومات والملبوسات، ومع غيره من الناس بالمعاملات، فكذلك شرع أحكامًا تتعلق بطريقة إقامته في معترك الحياة عن طريق إقامة الدّولة الإسلامية، وهذه الطريقة هي طريقة شرعيّة تعلَّمناها من نصوص الكتاب والسّنة ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة حتى يستقيم أمرنا ولا نحيد عن الحق.

ومن استقراء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة حتى هجرتِه نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قامَ بأعمال معينة، وهي أعمال شرعيّة لأنها كانت أوامر من الله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ٤) [النجم: 3-4]؛ حيثُ بدأ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالدعوة والتثقيف المركَّز بأفكار الإسلام ومفاهيمه بعد ضم الأفراد في حلقات يتلو عليهم فيها آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم حتى ينصهروا بالدعوة ويتكتَّلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم… حتى إذا أصبحوا شخصيات إسلاميّة بدأت مرحلة التفاعل في المجتمع من قِبلِ الرسول صلى الله عليه وسلم وكتلتِه لإيجاد رأي عام مع الإسلام وتغيير المجتمع على أساسِهِ عن طريقِ الصّراع الفكري والكفاح السِّياسي. وعندما استعصى المجتمع المكي على الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، بدأ يعمل خارج مكة عن طريق دعوة القبائل إلى الدخول في الإسلام وطلب النصرة والمنعة من أهل القوة والمنعة.

وظلَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم وأصحابه السابقون الأوّلون ثابتين على الطريق لا يثنيهم شيء مهما واجهوا من مقاومة وتحدّيات استجابةً لأمر الله تعالى، قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ٥٢) [الشورى: 52]، وقال تعالى: (ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡأَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ١٨) [الجاثية: 18]، حتى هيأ الله لرسولِهِ صلى الله عليه وسلم الأنصار، فأسس الدولة الإسلاميّة الأولى التي استمرت تفيض بالعدل وتنشرُ النور للبشرية زهاء ١٣٠٠ سنة حتى تمكن الاستعمار من إزالتها سنة ١٩٢٤م.

إنّ طلب النّصرة من أهل القوّة والمنعة لنصرة دينِ اللهِ وإقامة الخلافة هو عمل من أعمال الطريقة؛ طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لإقامة الدولة الإسلامية، فهو حكم شرعي يجب اتِّباعه، وفرض على من يمتلك القوة والمنعة أن يستجيب له.

قال ابن إسحاق في كتاب السيرة النبويّة لابن هشام: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس النّصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومِهِ بعد أن يدعوهم للإسلام. قال ابن إسحاق: حدثني يزيدُ بنُ زياد عن محمد بن كعب القرطبي، قال: لـمّا انتهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، عمَدَ إلى نفرٍ من ثقيف هم يومئذ سادتُها وأشرافُها وهم أخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير ومسعود بن عمير وحبيب بن عمرو بن عمير، وعند أحدِهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى اللهِ وكلّمهم بما جاءهم له من نصرتِهِ على الإسلام، والقيام معه على مَن خالفه من قومِه، فقال له أحدهم: سأمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك (أنزعه وأرميه). وقال الآخر: أما وجدَ اللهُ أحدًا يرسلُه غيرك، وقال الثالث: واللهِ لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولًا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك، فقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من ثقيف وقال لهم: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني، فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومَهُ عنه فيذئرهم ذلك عليه (أي يجرئهم عليه) فلم يفعلوا وأمروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، واجتمع الناسُ عليه حتى ألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة».

ثم إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لم يتوان عن طلب النصرة ما يدل على فرضيتها وأهميتها في استلام الحكم فقد روي أنّه صلى الله عليه وسلم أتى كندة في منازلهم فدعاهم إلى الله ولم يقبلوا، وكذلك بني حنيفة الذين كانوا أقبحهم ردًا، كذلك أتى بني عامر بن صعصعة وعرض عليهم نفسَهُ، فقام منهم بيحرة بنُ فراس عبد الله بن سلمة فقال: أرأيت إن بايعناك ثم أظهرك اللهُ على مَن خالفك، يكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأَمْرُ إِلَى اللهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، فقال: أفنهدفُ نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك اللهُ كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك.

وظلَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم يعرض نفسَهُ على القبائل داعيًا للإسلام وطالبًا للنصرة، حتى قيّضَ له ستة نفر من الخزرج فدعاهم إلى الإسلام وآمنوا ورجعوا إلى المدينة، ثم أخذوا يدعون إلى الإسلام، فانتشر الإسلام في المدينة في سنةٍ واحدة حتى لم تبقَ دار إلا وفيها ذكر من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وفي موسم الحج قدم وفدٌ من مسلمي المدينة وبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى ولما رجعوا إلى ديارهم أرسل معهم مصعبَ بنَ عمير رضي الله عنه داعيًا للإسلام ولتهيئة المجتمع في المدينة واستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم حتى انتشر الإسلام في المدينة. وفي موسم الحج قدم مسلمو المدينة (وفد عنهم) وبايعوا الرسولَ بيعة العقبة الثانية على أن يحموه ويمنعوه إذا قدم إليهم، حتى أذنَ اللهُ لرسوله وللمؤمنين من مكة بالهجرة…فهاجرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ومعهَ أصحابُه السابقون الأولون إلى الإيمان فأسس معهم ومع الأنصار الدولة الإسلاميّة الأولى في المدينة؛ فأقامت الحق وحققت العدل ونشرت نور الإسلام في ربوع الأرض.

واليوم فإنّ حزب التحرير بما مَنَّ الله عليه من وعي على واقع الأمّة الإسلاميّة ومن إيمان بحتميّة التّغيير الجذري بإقامة الدولة الإسلاميّة الثانية على منهاج النّبوّة، وما منّ اللهُ به عليه من فهم صحيح ووعيٍ على طريقة الرسولِ صلى الله عليه وسلم في حمل الدّعوة لإقامة دولة الإسلام، فقد أخذ الحزبُ على عاتقِهِ اتبّاع سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم، دون أن يحيد عن ذلك قيد أنملة: من مرحلةِ التثقيف وتكوين الكتلة، إلى مرحلة التفاعل مع المجتمع عن طريقِ الصّراع الفكري والكفاح السّياسي، واليوم هو على أعتاب استلام الحكم بعد أن وفَّقه اللهُ في إيجاد رأي عام عند الأمّة على الخلافة، والحزب لا يتوانى عن طلب النصرة من أهل القوّة والمنعة في سبيل الوصول إلى غايته العظيمة.

نعم إنّ طلب النّصرة من قبل التكتل أو الحزب، والذي يشكل شبابه رجال دولة وحملة دعوة ستقع على عاتقِهم الأعباء الثّقال في حمل الدعوة بعد إقامة الدولة في الداخل والخارج، كما حملوها قبلَ إقامتها… هو عملٌ من أعمال طريقةِ الرسول صلى الله عليه وسلم وهي فرضٌ يجب اتِّباعُهُ، كما أنّ أهل القوّة والمنعة من الأمّة الإسلاميّة من قادةٍ وضباط وجنود فرض عليهم أن لا يتوانوا عن نصرةِ إخوانِهم وحمايتهم، فهم يؤجرون على ذلك، ولعمري إن هذا لهو فضل ما بعده فضل أن يكونوا أنصار هذا الزمن فيكونوا كأنصار الأمس في الأجر والفضل والرضا من الله، بل إنّ من يأبى ذلك فإنهُ يلحق به الإثم العظيم من الله… ومن منّا يأبى أن يكون مثل المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد قال الله جلّ من قائل فيهم: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ) [الأنفال: ٧٢]، وقال تعالى: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ٧٤).

إن الأمّة الإسلاميّة أمّة عريقة بإسلامها لا يليقُ بها إلا الحياةُ الكريمة وأن تظلَّ عزيزةً، فالله تعالى يقولُ: (وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ) [المنافقون: 8]. وهي إلى جانب ما تعانيه من فقرٍ وذلٍّ وتدميرٍ ونهبٍ لثرواتها ومقدّراتِها وانتهاكٍ لدماءِ المسلمين وأعراضِهم وأموالِهم ومقدّساتهم، فقد عمّ الفسادُ وطمَّ في كلِّ ركن من أركان حياتها وفي كلِّ جنب من جَنَباتِ بلادِها من سوء حكم ورعاية وانهيارٍ اقتصادي وأخلاقي وتعليم، والآن يشنونَ حربًا شعواء على الأسرة لتدميرها بإفساد المرأة، وكلُّ ذلك بسبب غياب الإسلام عن الحكم وغياب الحامي الإمام الُجنّة، ما مكّنَ لأعدائنا منا حتى وصَلَ بهم الحال لدرجة الاستهانة بالامّة والتجرّؤ على دينِها وقرآنها ومقدساتها.

فيا أهل القوة والمنعة من ضباط وقادة وجنود، إلى متى نبقى غرضًا يرمى وفيئًا ينهب؟! هل هان عليكم دينكم؟!

هل هانت عليكم صرخات الحرائر والثكالى، أم على قلوبٍ أقفالها؟!

هل هان عليكم كتابُ اللهِ وقد انتهكوا حرمته وقدسيته بالتمزيق والإحراق أكثر من مرّة؟!

هل هان عليكم الحبيبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أصبح الاستهزاء به حرية تعبير؟!

هل هان عليكم الأقصى الشريف مسرى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟! وهل هانت عليكم دماء الشهداء التي ارتوى منها تراب فلسطين؟!

إن كلَّ حرةٍ مسلمة تستصرخكم النجاء النجاء.. لقد باتت أعراضنا في خطر، إن الأجيال القادمة تستصرخكم أن أنقذونا ممّا يحيكونه لنا من تضليل للعقول وإفساد للفطرة.

أيتها الجيوش: ألا يهولنكم ما يحدث للمسلمين والمسلمات في كل مكان؟! ألا يهيب بكم ما يحدث في فلسطين؟! لعمري إن الأقصى وأمهات الشهداء بل كلّ ذرة تراب مروية بدماء الشهداء تستصرخكم لإزالة كيان يهود من الأرض المباركة وإعادة فلسطين كاملة إلى دار الإسلام.

يا جيوش المسلمين، ألا تحبونَ أن تكونوا كأنصار رسول الله فتفوزوا مثلهم بخيري الدنيا والآخرة؟! نصرٌ من الله وفتحٌ كبير في الدنيا وجنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار في الآخرة؟! فعن أبي موسى رضي الله عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ» صحيح مسلم.

فيا جيوش المسلمين، قادتها وضباطها وجنودها: هل فيكم رجل رشيد فيطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصر من آلوا على أنفسهم إقامة الدين وتطبيق حكم الله متبعين في سبيل ذلك سبيل المؤمنين ومنهج الله ورسوله عليه الصلاة والسلام في نصرة الدين؟!

يا من تملكون القوة والمنعة من جيوش المسلمين: إن حزب التحرير ومن ورائه الأمة الإسلامية يستصرخونكم، فإنكم إن خذلتموهم هلكتم وإن نصرتموهم فزتم وفازوا.

اعلموا أن النصر لهذه الأمة بالإسلام وعد من الله سبحانه وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو كائن لا محالة إن لم يكن بكم فبغيركم، ولكن يكون الله قد استبدلكم وأحاط بكم الإثم من كل جانب فتنالوا لعنة الأمة والأجيال القادمة!

فسارعوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض لتكونوا أنصار اليوم كأنصار الأمس أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تحبُّون أن تكونوا مثل سعد بن معاذ، وأسعد بن زرارة، وأسيد بن الحضير، فتكونوا عند الله مثلهم وترتقوا مكانتهم فأنظار الأمة ترنو إليكم وتستصرخكم النجاء النجاء؟َ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *