العدد 438-439-440 -

السنة السابعة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1444هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2023م

الإيمان بوعد الله سبحانه وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم ، «ثم تكون خلافة على منهاج النبوَّة»

كرم الفارس

يواجه المسلمون اليوم هجمة شرسة، وكيدًا عظيمًا من أعدائنا، وحقدًا دفينًا على ديننا ووجودنا، وقد بينّه الله تعالى لنا بقوله: (قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ )، وأمام هذه المصائب والقواصم لا بد من بث روح الأمل والثقة بنصر الله تعالى وموعوده في نصر أوليائه والانتقام من أعدائه مع التذكير بنماذج إيمانية قد خلت من قبلُ، وواجهت كثيرًا من التحديات والأخطار ثم كانت لها العاقبة الحسنة، ولنتذكر ما وعد الله تعالى به وبشّر به رسوله صلى الله عليه وسلم من النصر والغلبة والظفر والتمكين للمؤمنين الصادقين وجند الله المخلصين بعد المحن والابتلاءات، يقول صلى الله عليه وسلم: «لينُتقضنّ عُرا الإسلام عروةً عروة، فكلما انتقضَت عروة تشبّث الناس بالتي تليها، وأولهنّ الحكم وآخرهنّ الصلاة».

واليوم نجد من يتحدث من الدعاة وغيرهم من المضبوعين بثقافة الغرب حديثًا يوحي بالخذلان لأهل الإسلام وتثبيطهم متأثرين بالمدنية التي وصل إليها الغرب ومتمسكين بالديمقراطية الغربية ومفاهيمها عن الحياة التي فصلت الدين عن شؤون الحياة العامة، وازداد الأمر سوءًا بعد أن صنع الكافر وعملاؤه من النموذج الداعشي ودولته المزعومة والذي حاول فيها تشويه صورة الإسلام ودعاة الإسلام ليبين هذا الكافر للناس أن هذا هو إسلامكم الذي يُكفّر من يخالفه ويقتل ويسبي ويغتصب حقوق الناس وغيرها من الأمور التي أذاقت الناس فيها الويلات من الخوف والرعب، «وهكذا يظنون أنهم أسقطوا النظام السياسي للإسلام بهذا النموذج وبالنماذج السيئة الأخرى من الأحزاب والحركات الإسلامية التي وصلت وأوصلها الكافر إلى الحكم»، ويقولون: أما الغرب فهو من يمتلك منظومة الحكم السياسي والتي فيها حقوق الإنسان والحريات وغيرها، وبهذا اُعطي النموذج السيئ للمسلمين ليقولوا بعدها للناس أن إعادة الإسلام إلى الحكم والحياة لم يحِن وقته الآن، وعلينا أن ننتظر المهدي، أو أن إعادة الحكم بما أنزل الله حلم وخيال، وأن لا أمل في التغيير ولا رجاء في الإصلاح، وأن حال المسلمين ينتقل من سيئ إلى أسوأ، وهذه من علامات الساعة، وما من يوم يمضي إلا والذي بعده شرّ منه حتى تقوم الساعة.

ونحن نقول لأمثال هؤلاء: لقد أغفلتم وعود الله سبحانه وتعالى ومبشرات النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بأن المستقبل للإسلام، وأن هذا الدين سيظهره الله تعالى على كل الأديان ولو كره المشركون، بينما نجد بالمقابل من مفكري الغرب وقساوستهم وكهنتهم وأحبارهم يتكلمون ويكتبون ويصرّحون أن المستقبل في هذا العالم هو للإسلام، حتى نجد منهم من أسلم. وهذا ما وجدناه في المرأة اليهودية التي أسلمت وقد سألها المذيع عن حال اليهود في فلسطين فأجابت إجابة دقيقة وكأنها تعلم ببشارات النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن اليهود لا مكان لهم في أرض فلسطين، وكأني أرى صلاح الدين الأيوبي يظهر من جديد…

لهذا كان من الواجب علينا أن نتحدث عن هذه المبشِّرات ونشيعها بين المسلمين فهي تبعث الأمل عندهم، وتقتل اليأس الحاصل في نفوسهم، ونبدأ بقول الله عز وجل: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ٣٣)؛ حيث نجد أن هذه الآية قد تكررت بهذه الصيغة مرتين، مرة في التوبة وأخرى في الصف، كما نجد تكرارها في سورة الفتح بصيغة جديدة بنفس المعنى مع زيادة شهادة الله لهذا الأمر بقوله تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا ٢٨) فهذا وعد من الله تعالى بظهور دين الحق الإسلام على الدين كله، أي على الأديان كلها، وكان وعد الله حقًا، ولن يخلف الله وعده… مع علمنا أن الغرب وأهل الكفر لا يدينون بدين النصرانية إلاّ اسمًا، وإنما يدينون بالرأسمالية العفنة وبالديمقراطية الزائفة التي أحلّت كل شيء، وأطلقت الحريات الشخصية والإباحية والمثلية والإلحادية وكل ما هو دون الإنسانية، فقاموا بمحاولات للنيل من الإسلام وعرقلة تقدّمه وانتشاره، فنذكرهم بقول الله تعالى في سورة الصف: (يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ٨) وقوله تعالى في سورة التوبة: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ٣٢) فهذا التعبير القرآني هو للسخرية من هؤلاء؛ حيث يشبّه محاولاتهم في إطفاء نور الإسلام كالذي يحاول أن يطفئ الشمس بنفخة من فيهِ. أليس هذا وعدٌ من الله سبحانه وتعالى لهذا الدين ويجب علينا أن نؤمن به؟

وتأتي البشارة القرآنية الأخرى في قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ) سبحان الله وكأنّ هذه الآية تعيش معنا وفي زماننا هذا، وما أشبه اليوم بالبارحة وقد اجتمع أحزاب اليوم كما اجتمع الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتمعوا علينا ليصدّونا عن تطبيق الإسلام وإعادة مجد وعزّة هذا الدين، فبدؤوا بإنفاق الأموال على العملاء والخونة وأشباههم من الحكام بحجة محاربة الإرهاب؛ ولكن خاب فألهم وبطل ظنّهم وسيبطل إن شاء الله بوعد الله سبحانه وتعالى لنا: (فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ).

أيها المسلمون، إنّ مما ينبغي أن نكون عليه وما يجب أن نؤمن به هو اليقين بما أخبر به سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من النصر والتمكين يقينًا بقول الله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا) ، وقوله تعالى: (وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ١٧١)، وقوله تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥)، إلى غير ذلك من المبشِّرات بوعد الله.

فيجب أن نؤمن بوعد الله تعالى لنا بالاستخلاف والتمكين في الأرض بتطبيق شرع الله تعالى وليس بتطبيق الديمقراطية التي أوجدها الكافر في بلاد المسلمين، هذا بالإضافة إلى بشارات النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدين، فقد كان من ثقته صلى الله عليه وسلم بربّه أنه كان دائمًا يعتقد بنصرة الله تعالى له، وأنه لن يخذله ولن يتخلى عنه سبحانه وتعالى، وكان بعض الصحابة يصابون بإحباطٍ ويأسٍ من كثرة رؤيتهم لقوة الكفار وضعفهم وقلة عددهم، فكان عليه الصلاة والسلام يذكِّرهم في أحلكِ المواقف بأنّ المستقبل للإسلام؛ ولذلك لـمَّا جاء الخبَّاب بن الأرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو له الشدّة التي أصابته والمسلمين في مكة وهو يقول للمصطفى صلى الله عليه وسلم: ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلاّ الله والذئب على غنمه؛ ولكنكم تستعجلون»، قالها عليه الصلاة والسلام في أصعب الظروف في مكة عندما كانت تلاحقه قريش وتصدّه عن دعوته لله سبحانه وتعالى، وقد تمّ له عليه الصلاة والسلام هذا الأمر لأنه وعد من الله سبحانه وتعالى له، وهكذا يجب أن نكون نحن أيضًا واثقين بوعد الله تعالى لنا، لا أن نتخاذل ونثبط من وراءنا من المسلمين.

وقد لخصت هذه البشارات النبوية لهذا الدين بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها»، أي أنّ الله تعالى جمع له عليه الصلاة والسلام الأرض وضمّها له فنظر إليها نظرة حقيقية بعينه وسيبلغ هذا الأمر، أي الإسلام، لأمته صلى الله عليه وسلم كما رآها….فهذه بشارة لنا بأننا سوف نملك أمر مشارق الأرض ومغاربها ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلاّ أدخله الله هذا الدين بعزّ عزيز أو بذّل ذليل، عزًا يعزّ الله به الإسلام وذلًا يذّل به الكفر»، أي سيبلغ هذا الدين وسيكون مطبَّقًا في مشارق الأرض ومغاربها حتى لا يبقى بيت حجر على الكرة الأرضية ولا بيت وبر وشعر في الباديات إلا ويدخله الإسلام.

وهناك بشارات ذكرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما تحقق ومنها ما لم يتحقق بعد، ومن هذه البشارات:

عند هجرته صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو في طريق الهجرة أدركهما سراقة بن مالك على فرس، وكانا مطاردان وفي حالة حرجة جدًا. وعندما وصل قريبًا منهما غاصت قدما فرس سراقة إلى الركبتين، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسراقة في ذلك الموقف الحرج: «كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى»، لم يقل ذلك عليه الصلاة والسلام بعد أن خرج منتصرًا في معركة بدر أو بعد فتح مكة، وانما قال ذلك وكفار مكة يتربَّصون به صلى الله عليه وسلم ويطلبون دمه ووضعوا الجائزة لمن يأتي به، (وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ٣٠) أما سراقة فلا يمكن أن يأتي إلى ذهنه أو يفكر فيه في تلك اللحظة؛ ولكن تحققت تلك البشارة ليست في حياته صلى الله عليه وسلم وانما في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أي بعد أربعة عشر عامًا من وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لسراقة.

بعد أن حاصرت الأحزاب المدينة واجتمعوا عليها، جمعوا كيدهم بعشرة آلاف، والمسلمون أقلّ عددًا وعدّة، وفي ذلك الوقت والليل المظلم والريح الباردة الشديدة بدأ المسلمون بحفر الخندق حول المدينة، وهم يحفرون خرجت لهم صخرة تعيق عملهم، فنزل صلى الله عليه وسلم ليكسر تلك الصخرة وهو يقول بعد الضربة الأولى: «الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة»، ويضرب الثانية ويقول: « الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض»، ويضرب الثالثة ويقول: « الله أكبر أُعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة»، ومع هذه الظروف وما أسوأها، وقد بلغت القلوب الحناجر وصار المؤمنون يظنون بالله الظنونا، وهنالك أُبتلوا وزُلزلوا زلزالًا شديدًا؛ ولكنّ الله تعالى يردّ الذين كفروا بغيظهم بريحٍ لم تتوقع وبملائكة تُنزَّل، واندحر الأحزاب ورجعوا خائبين خاسرين… وقد تحقَّقت بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصول الإسلام إلى اليمن في حياته، وفتحت الشام والمدائن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب؛ إذ سُئل أي المدينتين تفتح أولً:ا قسطنطينة أو رومية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بل مدينة هرقل أولًا)، ومدينة هرقل هي القسطنطينية، وقد تحققت هذه البشرى في عهد السلطان محمد الفاتح والذي قال عنه عليه الصلاة والسلام: «لتفتحنّ القسطنطينية، فلنعمَ الأمير أميرها ونعمَ الجيش ذلك الجيش»، فلقد كانت لهذه المدينة في السياسة الدولية دور كبير كما هي حال أمريكا اليوم، والتي ستُهزم وتُقهر وتُذل بإذن الله، ثم توجه الفاتح بجيشه ليحقق نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح رومية؛ ولكن المنيّة عاجلته في الطريق وترك لنا الأمل بعودة الخلافة من جديد وفتحها بإذن الله، وهذا ما نرجوه ونؤمن به.

هكذا كانت مواقف الرجال من بشارات النبي صلى الله عليه وسلم وليس كمواقف أشباه الرجال من حكام بلاد المسلمين الخونة الذين سلّموا العراق عاصمة الرشيد وأفغانستان للكفار المحتلين، ومن قبلهم فلسطين ليهود أحفاد القردة والخنازير.

روى الامام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعه، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت»، ففي هذا الحديث بيّن لنا عليه الصلاة والسلام المراحل التي يمر بها الحكم، وقد تمّت النبوة بوفاته صلى الله عليه وسلم فكان عيه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء، ثم تمّت الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ثم تمّ الملك العاض، وها نحن في الملك الجبري، ولم يتبقَّ من هذا الحديث الشريف إلا البشارة الأخيرة بانتهاء هذا الحكم الجبري «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» وسوف تتحقق هذه البشارة إن شاء الله تعالى على أيادي المخلصين من أبناء هذه الأمة الإسلامية العاملين لها الباذلين جهدهم ووقتهم من أجل تحقيقها، وهم من سينالون هذا الشرف العظيم والبشارة النبوية بمبايعة الخليفة الذي سيحقق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح رومية معقل النصرانية وعودة الإسلام إلى أوروبا مرة أخرى فاتحًا منتصرًا إن شاء الله، ونسأله تعالى أن نكون من شهود وجنود هذه الخلافة، وذلك مصداقًا لقول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ
لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ)، أليس هذا وعد من الله تعالى وبشرى من نبيه عليه الصلاة والسلام لهذا الدين ويجب أن نؤمن به؟

أيها المسلمون: إنّ هذه البشارات يجب أن يكون لها في القلب موقع، كما يجب الإيمان بها وإلا لماذا اُخبرنا بها؟ لنكون على استعداد للعمل لها مع الإيمان المطلق بها، فخطاب الله تعالى ووعده لعباده المؤمنين وبشارات النبي صلى الله عليه وسلم هي خطاب لنا نحن المؤمنين، فإذا لم نؤمن بهذا الوعد أو أن نعتبره حلمًا أو خيالًا أو أن ننتظهر المهدي كما يدّعيه بعض الدعاة المتأثرين بمفاهيم الغرب وبهرجته المدنية ومن هو على شاكلتهم، إذًا فكيف نستطيع القيام بموجبه والعمل من أجله، فما علينا إلا أن نعمل جادِّين مخلصين لهذا الفرض العظيم وتحقيق هذه البشارة « ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» والا فلن يبعث الله تعالى الملائكة لتحقيقها لنا، وهي لابدّ من أن تتحقَّق؛ لأنها خبر من الغيب من الله عزّ وجلَّ، كما لابدّ من أن يعتقد المسلمون أن الإسلام هو من سيسود ويحكم الأرض قطعًا بعد أن أفلس الغرب والشرق من القيم والمفاهيم التي لا توجد إلا في الإسلام.

نعم إن الإسلام هو الدين المرشّح للانتشار والظهور لأنه سوف يعود ويكون الدين الوحيد الذي يقتنع به غالبية البشر، لا رأسمالية ولا ديمقراطية ولا شيوعية ولا قومية ولا نصرانية ولا بوذية ولا ولا…، بل إيمان وجهاد ودخول فيه، قال تعالى: (إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا ٢ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا٣).

واليوم ومع غياب نظام الإسلام عن واقع الحياة كنظام للحكم وضعف المسلمين؛ فإننا نجد أعداد الذين يدخلون في الإسلام تتزايد يومًا بعد يوم في بلاد الغرب مع أننا لم نسمع يومًا أنّ أحدًا من المسلمين ارتدّ عن الإسلام إلا من كان شاذًّا، فدين الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا، هذا إذا كان هذا الحال مع ضعف المسلمين وعدم وجود دولة ترعاهم، فكيف بهم إذا رأَوا عزّة الإسلام وبطولاتهم وفتوحاتهم…

اللهم انصر الإسلام وأعزَّ المسلمين بدولة الخلافة التي بشرنا بها الحِبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، واجعلنا اللهم من شهودها وجنودها. اللهم آمين والحمد لله رب العالمين…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *