العدد 438-439-440 -

السنة السابعة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1444هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2023م

بين يدي العدد

 يصدر هذا العدد، ونحن على بُعد مئةٍ من السنين وتزيد سنتين، وكلنا ثقة وأمل بأننا في كل سنة نقرب فيها من تحقيق هدفنا بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة… إننا نعلم، ويعلم معنا المسلمون أن ليلنا البهيم قد آن انبلاجه وفجرنا الصادق الذي يصدح بـ(الله أكبر، ألله أكبر) قد حان أذانه… كيف لا! وكل الإرهاصات تشير إليه وتؤكده… ونقول للجميع: «كل آتٍ قريب»… نعم، نقول للجميع إنه يجب تطهير الأرض من رجس الغرب الرأسمالي الكافر الظالم الذي بدأ منذ سنة تقريبًا حربًا (بين روسيا وأوكرانيا) يقولون هم عنها إنها تشكل نذر حرب عالمية (ثالثة) أين؟ في دياره… وبين مَنْ؟ بين روسيا ودوله… وبتدبير ممنْ؟ من أمريكا التي تريد أن توسع ساحة الصراع حتى تشمل الصين والهند ومحيطها… وبهدف أي؟ (نعتذر عن قلب الأسلوب لأن الأوضاع مقلوبة) بهدف أن تبقى أمريكا متزعمة العالم، ولو على الأشلاء… ولو على الدمار… بئست الحضارة هذه، لقد أصبح القضاء عليها وإنقاذ البشرية جمعاء من شرورها أكثر من ضرورة.

ولكن هل في العالم اليوم من مبدأ آخر يحلُّ محلَّ هذه الحضارة المتهالكة المتهاوية، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور؟… نعم، يوجد، وإنه دين الإسلام كمبدأ قائم على عقيدة سياسية عالمية، ونظام حياة يعالج مشاكل حياة الناس جميعًا. نعم، يوجد، ولا يوجد سواه. ودول العالم المتصارعة اليوم فيما بينها على المصالح والسيطرة والنفوذ، تجتمع على محاربته بقوة خوفًا من عودته، في الوقت الذي لا تملك مبدأ آخر غير مبدئها المتوحش. وليس عند أحد من هذه الدول الوحوش سوى ما عند الآخر من شعار (الغلبة للأقوى ماديًّا). وإن أكثر ما يخيف اليوم هو طغيان القوة المادية وإفلاس القوة الفكرية، وهذا معناه أن لا ضابط ولا وازع أخلاقيًّا أو دينيًّا أو إنسانيًّا عند المتصارعين، وهذا يعني هلاك ودمار العالم إن لم يتم تداركه…

وحده الإسلام هو الدين الحق والمبدأ الصحيح، والذي تعالج أحكامه الإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو جنسه، وهو موجود على أرض الواقع؛ ولكن هناك من يعمل على منعه من الظهور، إنه الغرب نفسه: زارع الشر، يمنع الخير وشجرته الطيبة أن تؤتي أكلها؛ ولكن أنَّى له أن يقف في وجه إرادة الله في إنجاز وعده! وفي منع الأمة من إقامة شرعه!..

وهكذا نجد أن العالم اليوم ذاهب مع هذه الدول الغربية الرأسمالية نحو الدمار واستحرار القتل بالملايين على غرار ما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية… في حين نجده قادمًا مع دولة الخلافة على إعمار الأرض بالحق، بعقيدة سياسية تقوم على (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، بعد أن تلقي بعقيدة (فصل الدين عن الدولة وعن الحياة) في مزابل التاريخ. وبنظام إلهي صالح يقوم على طاعة الناس الله وحده واتِّباع رسوله صلى الله عليه وسلم في إشباع حاجاتهم وغرائزهم، بعد أن يدفن النظام الوضعي القاصر والقائم على التنازع على المصالح… وسعادته أن يرضي ربه في دينه ودنياه ليرضيه الله في آخرته، لا تأمين الملذات الجسدية والدنيوية الهابطة.

إن التاريخ يدور دورته، وهو الآن بانتظار التغيير الكوني الذي تفكر الدول الكبرى بشكل جدي أن يأتي لمصلحتها، أو يكون لها موقع فيه… ووحده حزب التحرير من يفكر في الجهة المقابلة على مستوى هذا التغيير المنشود، ويهيئ نفسه له، وهو كامل الثقة بوعد الله، وطمعه في ذلك آتٍ من أن عمله من أوله إلى آخره هو بهداية الله وتأييده وتوفيقه وتثبيته وحفظه ورد كيد الكائدين والمثبطين… وبإيمانه أن الله هو أشد منهم قوة، وأنه غالب على أمره، وأنه لا يعجزه شيء في السماوات والأرض، أن أمره بين الكاف والنون، وأن وعده بالنصر حق، وبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم بإقامة الخلافة الراشدة صدق. وإن غدًا لناظره لقريب.

في هذا الإطار، جاءت مقالات الوعي في هذا العدد الخاص مقسَّمة على المحاور التالية:

المحور الأول، ويعرض في مقالاته موضوع أن دول العالم الفاعلة على المسرح الدولي هي الآن في خضم صراع دولي عنوانه: من سيحكم العالم؟ وبأي نظام دولي جديد، ويبين فيها أن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم من جديد لما تملكه من نظام إلهي إنساني شامل يمكنه إخراج العالم من أزماته؛ بينما لا تملك الدول الأخرى المتصارعة أي مشروع حضاري جديد إلا النظام الحالي الذي ثبت فشله وإفلاسه وتوليده المستمر للأزمات والحروب وعدم قدرته على معالجة شؤون الناس والعالم معالجة صحيحة. ويبين أن هذا التغيير المرتقب يلتقي مع وعد الله تعالى وبشرى رسوله الكريم بأن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ستحكم العالم في آخر الزمان، وأن دولته ستكون دولة عالمية، بل هي الدولة العالمية الأولى.

أما المحور الثاني،  فهو يدور حول (حزب التحرير) كحزب أخذ على عاتقه مهمة إقامة الخلافة الراشدة الموعودة، وتناولت مقالاتُ هذا المحور فعالياتِه السنويةَ التي يقوم بها في مختلف البلاد التي يعمل فيها لإقامة هذا المشروع، وهي تأتيكمثل حي على جدية مشروعه العظيم في إقامة الخلافة الراشدة… فكان خير ما بدأنا به هذا المحور هو تلك الكلمة التي ألقاها أمير الحزب العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله بهذه المناسبة والتي جدَّد فيها ثقته بما يقوم به الحزب، وبأن التغيير الشرعي، إن شاء الله تعالى، قادم، وهو حفظه الله، قد توجَّه في كلمته إلى أهل القوة والمنعة أنهم هم فقط من يستطيع شفاء صدر الأمة في إقامة دينها. ثم تلا ذلك ذكر صورة موجزة عن فعاليات حزب التحرير في المناسبة في مختلف مناطق عمله، ومن ثم تبع ذلك مقال يبين أن حزب التحرير هو الداعي الأوحد للخلافة الراشدة، ثم يختم هذا المحور بقصيدة بعنوان: (نادوا الجيوشَ وكبِّروا).

أما المحور الثالث، فقد جاءت مقالاته تكملة لمقالات المحورين الأولين؛ من حيث دعوة المسلمين لأن يكونوا مع هذه الدعوة التي لا يوجد اليوم أشرف منها دعوة. فالمقال الأول يدعو العلماء لأن يقوموا بحق الله عليهم في إقامة الدين، ومن هو أولى منهم في ذلك؟! والثاني يدعو أهل القوة لأن يقوموا بحق الله عليهم في إقامة دينهم؛ بحيث لا يستطيع غيرهم أن يقوموا بذلك، والثالث يدعو شباب المسلمين لأن يكونوا هم عدة التغيير وساعد الأمة القوي في إقامة الدين وهم رجال دولتها القادمة. أما الرابع الأخير فيدعو جميع المسلمين لأن يتوجَّهوا في طاعة ربهم إلى معالي الأمور لا إلى سفسافها، وليس من دعوة هي أعلى وأولى من دعوة حزب التحرير لإقامة هذا الدين.

أما المحور الرابع، فقد تعرضت مقالاته لمحاولات الغرب الدؤوبة في الكيد لهذا الدين، وأنه يعمل في ذلك على شقين، شقَّ الله عليه عمله هذا وأورده الخسار والبوار، الشق الأول: العمل على تغيير الدين من أساسه، والعمل على تذويبه في غيره، وفي هذا الصدد وُضع فيه مقال بعنوان: (الأمم المتحدة تدعو إلى دين عالمي جديد جامع للأديان) وآخر بعنوان: (الطعن في السنَّة طعن في الدين) وثالث بعنوان: (الدعوة إلى الديانة الإبراهيمية… تحريف وتضليل). أما الشق الثاني فتناول بعضًا من أدوات الغرب وصنائعه السياسيين واستخدامهم في ضرب التوجه الإسلامي العام نحو إسلام الحكم. فوضع فيه مقال عن أردوغان ومنهجيته في طعن العمل لإقامة دين الله، وهو بعنوان: (البراغماتية أم الأردوغانية؟(دعوة إلى تقديس الواقعية، وتمييع المفاهيم، وتسويغ الوسائل الالتوائية للوصول إلى الغايات العملية)، وآخر يذكر عملية التطبيع مع يهود التي يتولى كبرها الآن أشباه الحكام في دول الخليج، وهو بعنوان: (التطبيع مع كيان يهود الغاصب). ويختم هذا المحور بمقال عن دور وسائل الإعلام في الكيد لمشروع الإسلام بتوجيه من حكام المسلمين العملاء، وهو بعنوان: (الإعلام في زمن اللئام).

أما المحور الخامس: فقد جاءت مقالاته الثلاثة خلاصات لمقالات العدد كله: ففيه مقال يبين بشكل ملموس وبالأرقام و كيف أن الغرب يهبط مع مبدئه إلى الهاوية، وباعتراف من باحثيه ومفكريه قبل أن يكون من غيرهم. وفيه مقال يبين أن أمريكا قرن رومي ستكسره الخلافة الراشدة بعون الله، ثم جاء في ختام المحور مقال يعتبر خلاصة العدد كله، وهو بعنوان: (طريق الخلاص يكون بعودة الحكم بما أنزل الله بإقامة الخلافة الراشدة الثانية).

ثم بعد ذلك، وضعنا مقالًا متعلقًا بشهر رمضان للمناسبة، وهو بعنوان: (رمضان شهر التقوى والنهضة)

ثم بعد ذلك نشرنا في هذا العدد الأبواب الثابتة التالية: أخبار العالم الإسلامي في العالم. ومن ثم (مع القرآن الكريم) وجاء بعنوان: (الحكم بما أنزل الله: عبادة واستخلاف). ومن ثم (رياض الجنَّة) وجاء بعنوان: (ارتباط حياة المسلمين بالخلافة). ومن ثم (كلمة2) وجاءت بعنوان: (الشيخوخة بين الإسلام والغرب) وفي الختام: كان (غلاف2) وجاء بعنوان: (الأمم المتحدة أعور دجَّال… تتهم روسيا بـ”جرائم حرب” في أوكرانيا ولا تتهمها بذلك في سوريا.)

وبالخلاصة، يأتي هذا العدد الخاص مكتملًا في مواضيعه ليقول إن:

_ العالم اليوم يقف على أعتاب تغيير كوني تنشغل فيه الدول الكبرى ذات الصلة والمصلحة، وأن نظام دولة الخلافة هو النظام العالمي الأوحد الصالح لقيادة العالم.

_ إن حزب التحرير هو داعي الخير الأوحد للخلافة الراشدة، فهو أهلها والأحق بنصرة دعوته لها.

_ دعوة المسلمين (علمائهم، وأهل القوة والنصرة فيهم، وشبابهم) ليكونوا في قلب عملية التغيير هذه، فدينهم يدعوهم لأن يتوجهوا في طاعة دينهم إلى معالي الأمور لا إلى سفسافها.

_ إن الغرب لا يفتأ في الكيد لهذا الدين ومشروعه العظيم في العمل لإقامة الخلافة، ولا يفتر في محاربته؛ لأنه يعلم أن موته سيكون بيد المسلمين.

_ إن الغرب يدرك أهله أن شمسه إلى أفول، وأن أمريكا رائدته سيكسرها الله بعذاب من عنده أو بأيدينا، وأن شمس الإسلام ستشرق من جديد.  

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *