العدد 437 -

السنة السابعة والثلاثون، جمادى الآخرة 1444هـ الموافق كانون الثاني 2023م

الدعوة للديانة الإبراهيمية: تحريفٌ وتضليل

حمد طبيب – بيت المقدس

في هذه الأيام ينتشر موضوع الدعوة للديانة الإبراهيمية عالميًّا كجامع لما يسمى بالديانات السماوية الثلاث (الإسلام – النصرانية – اليهودية) فما حقيقة هذه الدعوة؟ وما هي أهدافها؟ وكيف نواجه التضليل والتحريف من خلال التصدي لدعاتها؟ وقبل أن نجيب عن هذه الأسئلة الثلاثة نريد أن نقف على بعض الحقائق المتعلقة بتسمية الديانات، وما هو الوجه الصحيح في ذلك فكلمة دين في لغة العرب كما ورد في قاموس اللغة: دان بمعنى خضع وأطاع؛ فالدين هو التعظيم والخضوع والطاعة. ودين الله أي ما ندين لله به؛ تعظيمًا وخضوعًا وطاعة. فالدين بهذه المعاني هو المنهج والطريقة التي ندين لله بها، أي نخضع ونطيع ونعظم الله سبحانه وتعالى.

الأمر الثاني: إن كلمة دين المرتبطة بالله عز وجل من حيث الواقع الصحيح، لا يجوز أن تطلق إلا على المنهج القويم الذي ندين لله به، ويكون لنا القبول به منه سبحانه، وهذا لا ينطبق إلا على دين واحد هو الإسلام. فلا تطلق كلمة دين على اليهودية ولا النصرانية، ولا الإبراهيمية، ولا غيرها كمفهوم صحيح لمعنى الدين الرباني، مع جواز إطلاقها كمعنى اصطلاحي فقط للتعريف. وقد بيَّن الحق تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية: قال سبحانه: (إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ١٩) [آل عمران: 19]. وقال تعالى: (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥) [آل عمران: 85]، وقال عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم.

أما حقيقة هذه الديانة؛ فإن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، وبعثه الله عز وجل لينقذ الناس من عبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الديَّان، في الفترة التي عاش فيها. وكان حنيفًا مسلمًا كما ذكر القرآن الكريم في وصف دينه ومنهجه: (مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٦٧) [آل عمران: 67] والحنيف هو من يميل عن الباطل إلى الحق، وهو عكس الجنف: وهو الميل عن الحق إلى الباطل. وقد تجادل اليهود والنصارى أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال اليهود: لقد كان إبراهيم يهوديًّا، وقال النصارى: بل كان نصرانيًّا، فردَّ عليهم القرآن الكريم ردًّا بليغًا: (يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ٦٥) [آل عمران: 65]. ثم تتابعت الآيات: (مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٦٧) [آل عمران: 67]. فاليهودية المحرفة إشراك بالله تعالى، والنصرانية كذلك. قال تعالى يصف إشراكهم: (وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِ‍ُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٣٠) [التوبة: 30]. (إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٨) [آل عمران: 68]. والسبب في أن المؤمنين هم أولى الناس بإبراهيم هو أن إبراهيم كان حنيفًا موحِّدًا لله، ولم يشرك، تمامًا كالمسلمين؛ يوحدون الله تعالى ولا يشركون به شيئًا.

أما حقيقة الدعوة اليوم لهذه الديانة فإنها تضليلٌ وتحريف، وصدٌّ عن سبيل الله ويبغونها عوجًا. والتضليل والتحريف في موضوع الدين ليس جديدًا في هذه القضية، فقد ضرب الله مثلًا في قصة مسجد الضرار؛ حيث أراد الكفار المنافقون بهذه الدعوة هدم دين الله، والأمر الظاهر هو بناء مسجد كالأمر الظاهر من الدعوة لديانة إبراهيم عليه السلام (وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ١٠٧) [التوبة: 107] فالأمر الظاهر أنها توحيدٌ للناس خلف ديانة إبراهيم عليه السلام؛ ولكن الأمر المراد ليس توحيدًا، ولا جمع الناس، إنما هو أسلوب من أساليب الحرب على دين الله القويم المستقيم. وهي تمامًا كدعوة التقارب بين الأديان، والتعايش السلمي، ووحدة الأديان، ومحاربة التطرف، والوسطية المضللة،… وكلها دعوات هدَّامة فاشلة لم تؤتِ ثمارها كما أراد الغرب المجرم عدوُّ دين الله وأمة الإسلام.

أما أهداف هذه الدعوة المضلّلة: فقبل أن نذكر بعضًا من أهدافها – وأهدافها كثيرة – فإننا نقول:

 1- لقد فشل الغرب فشلًا ذريعًا في مواجهة الفكر الإسلامي بالفكر الغربي، ومن قبله بالمعتقدات المحرَّفة من اليهودية والنصرانية. وهذا بفضل الله عز وجل وحفظه لهذا الدين، قال تعالى: (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩) [الحجر: 9]

2- إن الدين الإسلامي قد انتشر في العالم انتشارًا كبيرًا في نهايات القرن الماضي، وأوائل القرن الحالي، الحادي والعشرين؛ حيث أعلنت مراكز الأبحاث في أمريكا (مركز الإحصاء الفيدرالي) أن حوالى عشرين ألفًا يدخلون الإسلام في أمريكا سنويًّا، عدا عن دول أوروبا وباقي العالم.

3- لقد فشل الغرب في تغيير صورة اليهود وجعلهم جسمًا مقبولًا عند المسلمين؛ رغم عقد معاهدات سلام ورغم إقامة مراكز الأبحاث، ورغم علماء التضليل التابعين للحكام، وما زال قوله تعالى يرسخ في قلوب المؤمنين: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ) [المائدة: 82]

4- الدعوة لإعادة الحكم بالإسلام لاقت قبولًا عند المسلمين، وقد صار هذا الأمر رأيًا عامًّا واسعًا عند معظم المسلمين، وهذا أغاظ الكفار، وجعلهم يبحثون في سبل صدّ المسلمين عن دينهم.

والحقيقة أن أهداف هذه الدعوة هي من ضمن برامج الصدِّ عن دين الله عز وجل، وخدمة المشروع الصهيوني على حساب أمة الإسلام، ومنها أهل فلسطين، وعلى حساب المقدَّسات في أرض فلسطين على رأسها المسجد الأقصى المبارك، والوقوف في وجه المشروع الإسلامي العظيم؛ بإعادة الحكم بالإسلام. أما كيف يستغل الغرب، ممثَّلًا بالصليبية الجديدة والصهيونية العالمية، هذه الدعوة، فلا بد أولًا من الرجوع قليلًا إلى تاريخ هذه الدعوة الباطلة، وكيف وصلت إلى المرحلة الحالية. وهذا سأذكره بإيجاز؛ لأنها ليست الموضوع الرئيس في البحث.

هناك جذور بعيدة تهدف إلى تضليل المسلمين، وإبعادهم عن دينهم، وتوظيف النواحي الدينية في تضليل المصطلحات لخدمة الصليبية والصهيونية. فالجذور التاريخية القديمة كانت في بداية دعوة الإسلام، عندما أراد كلٌّ من اليهود والنصارى تضليل المسلمين بأنهم أحق بإبراهيم، وأنهم على طريقته وشريعته. وقد ردَّ عليهم القرآن ردًّا بليغًا كما بيَّنَّا آنفًا. وقد تبنَّى هذه الدعوة كذلك بعض دعاة الزنادقة في العصر العباسي، ويطلق عليهم الدهريّون، ودعاة وحدة الوجود مثل الحلَّاج وغيره. وفي بدايات القرن الماضي، 1919م، ظهر مستشرق اسمه لويس ماسينيون، فكتب عن الحلَّاج كتابات عدة، ثم تبنَّى فكرة وحدة الأديان والديانة الإبراهيمية، وكتب عنها مقالات عدة في مجلة العالم الإسلامي، أثناء تدريسه في جامعة القاهرة، وفي مقالة نشرها عام 1949 تحت عنوان: «الصلوات الثلاث لإبراهيم، أبِي كلِّ المؤمنين». ثم كتب المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون كتابًا سمَّاه «العرب» سنة 1979م، ذكر فيه مسألة وحدة الأديان وديانة إبراهيم عليه السلام.

وقد ترافقت هذه الدعوة مع أهداف سياسية كثيرة تخدم المشروع الصهيوني؛ وهو ما نريد أن نقف عنده قليلًا في هذا الموضوع. وأولى الخطوات كانت عندما وقَّع رئيس مصر أنور السادات معاهدة كامب ديفيد عام 1979م، وكرّر هو ورئيس أمريكا جيمي كارتر ورئيس وزراء كيان يهود مناحيم بيغن مقولة (أبناء إبراهيم)؛ حيث قال: «نحن جميعًا عربًا ويهودًا أبناء النبي إبراهيم، ويجب أن يسود السلام بين الأبناء».

وقد تبنَّى هذا المصطلح بعض المؤسسات الأمريكية؛ مثل مؤسسة راند المتخصصة بحرب الإسلام والتطرف والجماعات الإسلامية. والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة؛ حيث أصدرت دراسة عن هذا الموضوع سنة 2001م بعنوان: «حوار الأديان وتجاوز الانقسام» وكان من ركائزه الدعوة إلى وحدة الدين ودين إبراهيم عليه السلام. وتبنَّاه كذلك بعض زعامات الفاتيكان مثل البابا فرانسيس سنة 2021م؛ حيث دعا من مدينة أور العراقية إلى وحدة الأديان تحت شعار (ديانة إبراهيم)، ومحاربة التطرف الإسلامي.

وفي الآونة الأخيرة قامت الإمارات والبحرين بإقامة ما يسمى بالبيت الإبراهيمي وإنشاء معبد مشترك للديانات الثلاث يكتمل بناؤه سنة 2022م، أي في هذا العام. وكانت هذه الدعوة الجديدة غطاء لمسألة التطبيع والهرولة نحو كيان يهود، وقد حضر رئيس أمريكا ترامب بنفسه الإعلان عن هذا التضليل الجديد سنة 2020م.

ونصل إلى الزاوية الثانية في الموضوع، وهي أهداف هذه الدعوة المضلِّلة. فهل حقيقة يريد اليهود والنصارى خدمة المسلمين من وراء هذه الدعوة، أم يريدون تدمير الفكر الإسلامي الصحيح، وتحقيق أهداف سياسية أخرى؟! إن أخطر ما في أمر هذه الدعوة الجديدة هو ترسيخ كيان يهود، وتثبيته في أرض فلسطين على اعتبار أن الحق ليس خاصًّا بأمة الإسلام، ولا بأهل فلسطين، وأن أحكام الإسلام التي وردت بخصوص أرض فلسطين تُردُّ بوحدة الديانة، ووحدة الأصل (أبناء إبراهيم)؛ فهم شركاء في الدين وفي الأرض، فهي ليست خاصة بأهل فلسطين!

الأمر الثاني: إن الأقصى هو ميراث ديني لأبناء إبراهيم، وليس خاصًّا بأهل فلسطين، ولا بالمسلمين وحدهم، ويجوز لليهود أن يؤدّوا الصلوات فيه؛ تمامًا مثل المسلمين، ويجوز لهم أن يقيموا معبدًا مثل المسلمين انطلاقًا من وحدة الأديان.

الأمر الثالث: هو إنهاء حالة العداء الديني لليهود، وشطب كل الآيات المتعلقة بذلك مثل قوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ) [المائدة: 82]. كذلك محاربة كل الجماعات المخالفة لوحدة الأديان، واعتبارها جماعات متطرفة والزجّ بها في السجون.

الأمر الرابع: هو ترسيخ المؤامرات الدولية الخاصة بفلسطين؛ وخاصة ما صدر عن الأمم المتحدة سنة 1967م من قرار (242)، وقد تبنَّت الأمم المتحدة مسبقًا هذه الدعوة الخبيثة (الديانة الإبراهيمية) وباركها البابا فرنسيس في الفاتيكان.

هذه بعض من الأهداف الخبيثة المتعلقة بجانب العداء بين المسلمين واليهود المغتصبين لأرض الإسراء والمعراج.

أما كيف نتصدى لهذه الدعوة الخبيثة، فالحقيقة أن أمة الإسلام واعية على مثل هذه الأمور، وقد فشلت كل محاولات التطبيع السابقة، وترسيخ مفاهيم السلام. وقد عبَّر عن ذلك رئيس وزراء كيان يهود في خطابه أمام الكنيست؛ بعد أربعين سنة من توقيع الاتفاق في كامب ديفيد عام 1978م؛ حيث قال: «لقد وقعنا سلامًا باردًا مع بعض الحكومات في الدول المجاورة… ولم ننجح في إيجاد السلام مع الشعوب».

وأول الأمور في التصدي لمثل هذه الدعوات الخبيثة هو ترسيخ مفاهيم العقيدة الخاصة بكفر اليهود والنصارى على السواء، وأنهم ليسوا من أتباع إبراهيم عليه السلام، وإبراهيم منهم ومن إشراكهم براء. (وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِ‍ُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٣٠ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ٣١) [التوبة: 30-31].

الأمر الثاني: هو ترسيخ مفهوم البراء من الكفر قاطبة: (لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ) [المجادلة: 22] فالعداء بيننا وبين الكفر أصله هو عداء عقائدي، وليس تاريخيًا، ولا على مكان أو في بقعة واحدة (وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ وَمَن يَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتۡ وَهُوَ كَافِرٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [البقرة: 217]

الأمر الثالث: هو التصدي لكل محاولات التطبيع مع كيان يهود، أو محاولات تقسيم الأقصى، سواء صدرت عن الإمارات أو غيرها من مؤسسات دولية أو إقليمية.

الأمر الرابع: هو العمل لإعادة مجد الإسلام، في ظل حكم الإسلام؛ كي يقف ويتصدى عمليًّا لمثل هذه المؤامرات في ظل حكام الضرار.

وفي الختام نقول لقد حاول الكفار قديمًا تضليل المسلمين بأمور كثيرة، وقد هيَّأ الله من أبناء هذه الأمة من يذود عن حياض الإسلام. وسوف يبقى هذا الأمر مستمرًّا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ وذلك مصداقًا لقوله عز وجل: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ٣٦) [الأنفال: 36]، وقوله: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣) [التوبة: 32-33]، ومصداقًا لقوله عليه الصلاة والسلام: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» أخرجه الإمام الطبراني.

نسأله تعالى أن يصرف عن أمة الإسلام كيد المشركين، وأن يبعد عنهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكرمهم بقائد رباني كصلاح الدين الأيوبي؛ يطهِّر المسجد الأقصى وأكنافه من دنس يهود، ويوحد أمة الإسلام في دولة واحدة؛ تطبق شرع الله عز وجل، وتنفي عنه كل هذه الخرافات والتحريفات والتضليلات. اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *