العدد 437 -

السنة السابعة والثلاثون، جمادى الآخرة 1444هـ الموافق كانون الثاني 2023م

الأمم المتحدة تدعو إلى دين عالمي جديد، وتتبنى قضايا الحرية الجنسية والدعوة إلى الإباحية الجنسية

لقد أسرفت الأمم المتحدة في عقد مؤتمرات تتناول قضايا الحرية الجنسية والدعوة إلى الإباحية الجنسية، وتفنَّنت في تسميتها بغير اسمها، فظهرت مصطلحات مثل: (الجندر، المتعايشين، حقوق المثليين، الثقافة الجنسية، الصحة الإنجابية) ونحو ذلك، من المصطلحات التي تدعو بسفور إلى قبول الشذوذ الجنسي كممارسة مشروعة، تدخل ضمن حقوق الإنسان، وتُوفَّر لممارسيها العناية الطبية والحماية القانونية… وقد عملت الأمم المتحدة عبر اتفاقاتها الدولية كاتفاقية سيداو، ودأبت على مطالبة الحكومات بدعم وسائل منع الحمل للشباب والشابات من المراهقين دون تقيد بشرعية العلاقة (الزواج) أو مخالفتها للفطرة (الشذوذ الجنسي)… ودأبت كذلك على مطالبة الحكومات بإدخال الصحة الإنجابية في المقررات الدراسية وتدريسها في الفصول اليومية لتكون المرجع الأساسي لدول العالم، وتتناول هذه الثقافة الجنسية ضمن المقررات الدراسية: (المعاشرة بين الجنسين، الإجهاض، كيفية ممارسة الجنس دون خطر الحمل، مساعدة المراهق على تحديد اتجاهه الجنسي (أي تحديد أي الجنسين يفضل أن يعاشر)، العادة السرية كوسيلة للإشباع الجنسي بعد البلوغ، العلاقات الشاذة كبديل مُرضٍ للعلاقات العادية، أما من سن 15 – 18 فيضاف لهم المواضيع التالية: من حق النساء أن يقررن إجراء الإجهاض، احترام تعاليم الدين والتقاليد لا علاقة له بحقوق المرء الشخصية، عدم وجود دليل على أن الصور الفاضحة تسبب أي إثارة جنسية، تعليم المراهقين كيفية الحوار حول هذه العلاقات والحدود التي يجب التوقف عندها).

بعد هذا العرض الموجز للدعوة المفتوحة للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة من غير نظام يحدد العلاقة الصحيحة بينهما، أو الدعوة إلى الفوضى الجنسية من قبل الأمم المتحدة… يتساءل، ليس المسلم فقط، بل البشر كلهم: ما هذه السياسة اللامسؤولة والمشبوهة التي تتبعها الأمم المتحدة؟ وما الهدف الذي تريد أن تصل إليه؟ ومن وراء هذه الدعوة الغريبة حتى عن عالم الحيوانات.

إن الأمم المتحدة تدعو إلى عقيدة عالمية جديدة من ضمنالنظام العالمي الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة لفرضه على العالم. ولو عدنا إلى الوراء قليلًا، فإننا سنرى أنه قد صدر في عام 1999م كتاب «عقيدة العالم الجديد» لمؤلفه قاري هكا (أمريكي ينحدر من أصول ألمانية وكرواتية. كان له منصب مرموق في الحكومة الأمريكية، وكان عضوًا في اتحاد البرلمانات والدساتير العالمي) وقد ألَّف هذا الكتاب للتنبيه على الخطر المتزايد للأمم المتحدة، هذا الخطر الذي يتمثل في أن الأمم المتحدة ليست أداة لتمكين النظام العالمي الجديد فحسب، بل أداة لتوطين العقيدة العالمية الجديدة، تلك العقيدة التي ترى أنها توافق روح العصر وتواكب مستجدات الفكر. والكاتب، يكشف في ثنايا كلامه إن أمريكا هي من تقف وراء هذه الدعوة فيقول: «عبر السنوات لم تتخلَّ الأمم المتحدة عن محاولات فرض نظام أخلاقي عقدي عالمي منذ إنشائها وإلى اليوم، غير أن عقبات كثيرة كانت تحول دون المضي قدمًا في شأنه أهمها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي؛ لكن بعد انهيار هذا الأخير لم يبقَ أمام الولايات المتحدة عائق يحول دون تمرير أجندتها العالمية، فتسارعت خطواتها وتواصلت برامجها وتواترت تصريحاتها كاشفة نواياهم في إقرار هذا النظام العالمي».

وينقل الكاتب عن روبرت مولر (عمل في الأمم المتحدة لمدة 38 عامًا، تدرج خلالها في مناصب عديدة، وكان مساعدًا للأمين العام للأمم المتحدة، وعاصر ثلاثة من أهم أمناء الأمم المتحدة هم: يو ثانت، كورت فالدهايم، جافير بيريز ديكويلار، ولٌقِّب «بالفيلسوف» و«رسول الأمل») يقول: «لقد بدأت أعتقد جازمًا أن مستقبل سلامنا وعدالتنا وتجانسنا في هذا الكوكب لن يكون رهنًا بحكومة عالمية، بل بوحي كوني وحكومة كونية، بمعنى أننا نحتاج إلى تطبيق قوانين طبيعية تطورية استلهامية كونية، إن معظم هذه القوانين موجودة في الديانات الكبيرة والنبوءات العظيمة، وسيعاد اكتشافها رويدًا رويدًا عبر المنظمات العالمية» وينقل عنه كذلك: «لن تستطيع قوة بشرية أن تقضي على الأمم المتحدة؛ لأن الأمم المتحدة ليست مجرد مبانٍ أو أفكار، ليست مخلوقًا من صنع البشر، إن الأمم المتحدة هي نور الهداية القادم من العالي المطلق… إن العالي المطلق سيقرع أجراس انتصاره في الأرض عبر القلب المحب المعوان للأمم المتحدة».

وفي برلمان الأديان العالمية الذي عقد في مدينة شيكاغو الأمريكية في الفترة من 28/8 إلى 5/9 1993م، قدم هانز كنج ورقة بعنوان (نحو عقيدة عالمية: إعلان مبدئي)، ومن ثم تحوَّلت هذه الورقة إلى كتاب صدر عام 1991م بعنوان (المسؤوليات الكونية: البحث عن عقيدة عالمية) ذكر فيه أن التحوُّل نحو هذه العقيدة لن يكون اختياريًا، قال: «دعونا نقولها بصراحة: لا بقاء لأي عقيدة رجعية كبتية – سواء أكانت المسيحية أم الإسلام أم اليهودية أو نحوها – في المستقبل، وإذا كان المقصود من العقائد هو ازدهار الجميع فيجب أن لا تُقسَّم، إن رجل ما بعد الحداثة وامرأة ما بعد الحداثة يحتاجان إلى قيم وأهداف وقدوات وتصورات مشتركة. والسؤال مثار الخلاف هو: ألا تفرض هذه الأشياء عقيدة جديدة، إن ما نحتاجه نحن هو نظام عقدي عالمي».

إن الأمم المتحدة تسعى جاهدة لإقرار هذا النظام العقدي الجديد، الذي ترى أنه ضرورة حتمية لإكمال مسيرة التطور البشري، ورسالة سيباركها الأنبياء لو عادوا إلى الحياة. يقول روبرت مولر: «إذا عاد المسيح مرة أخرى إلى الأرض، ستكون زيارته الأولى للأمم المتحدة، ليرى أن حلمه بوحدة الإنسانية وأخوتها قد تحقَّق، سيكون سعيدًا بمشاهدة ممثلين لكل الأمم: الشمال والجنوب، الشرق والغرب، الغني والفقير، المؤمن والكافر، الصغير والكبير، المحتاج والمسعِف، جميعهم يحاولون أن يجدوا أجوبة على الأسئلة المستديمة عن وجهة الإنسانية واحتياجاتها». ويقول: «هناك رسم مشهور يبين المسيح يقرع باب مبنى الأمم المتحدة الضخم العالي يريد أن يدخله، كثيرًا ما أتصور في ذهني رسمًا أخر، رسمًا أدق، وهو أن مبنى الأمم المتحدة هو جسم المسيح نفسه»، ويقول: «إن الأمر الذي لا مناصَّ منه هو أن الأمم المتحدة عاجلًا أم آجلًا ستأخذ بعدًا روحيًا».

يلاحظ أن هذه الدعوة هي دعوة أمريكية متسترة بالأمم المتحدة، وهي دعوة قديمة لم تجد الطريق مفتوحًا أمامها إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الحرب الباردة، وبمعنى آخر هي دعوة تترافق مع سعي أمريكا لفرض نظامها الدولي الجديد الذي يقوم على سياسة (القطب الأوحد) في حكمها للعالم، وهنا نرى أن سعيها لإيجاد دين عالمي واحد للبشرية، ومفاهيم متهتكة واحدة للعلاقة بين الرجل والمرأة قد أخذت زخمًا قويًّا مع إدارة الرئيس بايدن، والذي تركز إدارته، منذ أول مجيئها، على القيام بأعماال دولية تؤدي إلى فرض تصورها للعالم الجديد (الأحادي القطبية)، فهي انسحبت من أفغانستان، ومن العراق ومن سوريا، وفتحت باب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتعمل على محاصرة الصين وفتح باب الحروب بينها وبين محيطها… وأخذت قرارًا بعدم التدخل المباشر في هذه المنازعات والحروب، وإنما تمدها وتؤجج نارها من غير تورط مباشر فيها وذلك بهدف استنزاف الدول المنافسة لها على الموقع الدولي وبالتالي إضعافها وجعلها تضعف عن القدرة على المنافسة… نعم لقد اشتد زخم الدعوة إلى الانحلال الخلقي منذ مجيء هذه الإدارة، وسمعنا تصريحات من سياسيين أمريكيين يشددون الضغوط السياسية على الدول الأخرى لتبني وجهة النظر الأمريكية، فقد قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو إنه يثير قضية حقوق مجتمع الميم في اجتماعاته مع المسؤولين السعوديين «دائمًا في كل محادثة».

هذا معلم من معالم النظام الدولي الجديد، الذي يبشر أصحابه بعذاب من الله قريب وغير مردود، قال تعالى في سورة هود عن قوم لوط ، أصحاب المثلية الأولى في التاريخ، والذين دمرهم الله تدميرًا: (وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ٧٧ وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْيَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ٧٨ قَالُواْ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنۡ حَقّٖ وَإِنَّكَ لَتَعۡلَمُ مَا نُرِيدُ ٧٩ قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ٨٠ قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ٨١ فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ مَّنضُودٖ٨٢ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ٨٣).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *