العدد 435 -

السنة السابعة والثلاثون – ربيع الآخر 1444هـ – تشرين الثاني 2022م

المشكلة الاقتصادية والسياسة الاقتصادية… ومكافحة الفقر.

الأستاذ أحمد القصص

 إنّ النظام الاقتصادي من حيث هو تشريع للإنسان إنّما وظيفته كما سائر التشريعات أن يعالج المشكلة الإنسانية. والمشكلة هٰهنا هي المشكلة الاقتصادية، أي قضيّة تداول الثروة بين الناس، سواء أكانت هذه الثروة أموالًا عينية -وهي ما يسمّى في التعبير المعاصر بالسلع- أم كانت جهودًا ذات منافع، وهي ما يسمّى بالتعبير المعاصر بالخدمات؛ من هنا كان حجر الزاوية في التشريع الاقتصادي تحديد المشكلة الاقتصادية، أي: ما القضيّة التي ينبغي للنظام الاقتصادي أن يعالجها؟

 وهذه المشكلة التي ينبغي أن يعالجها النظام الاقتصادي يفترض أن تكون مشكلة الإنسان من حيث هو إنسان، ومشكلة الجماعة البشرية من حيث هي جماعة بشرية. فإذا عالج التشريع هذه المشكلة يكون قد أعطى علاجًا للإنسان من حيث هو إنسان، وللجماعة البشرية من حيث هي جماعة بشرية، لا لمشكلة عارضة هنا أو هناك، فيكون هذا النظام صالحًا للإنسان والجماعة البشرية في كلّ مكان وزمان.

 إنّ آفّة التشريعات الوضعية -ومنها أنظمة الاقتصاد- أنّها لا تعالج المشكلة الإنسانية، وإنّما توضع لمعالجة مشكلات عرضية ألـمَّت بمجتمع من المجتمعات له ظروفه الحضارية والتاريخية. فالنظام الرأسمالي مثلًا نشأ في ظروفِ تداعي النظام الإقطاعي الذي عرفته المجتمعات الغربية قرونًا في العصور الوسطى. والأنظمة الاشتراكية بدورها وبشتّى أشكالها نشأت ردَّ فعل على الأزمات التي ولّدها النظام الرأسمالي في البلاد التي طُبّق فيها، وفرارًا من الظلم الذي أنتجته حين ركّزت الثروةَ في أيدي فئة قليلة من حيتان المال، مقابل الغالبية التي عانت الفقر والحرمان. فكان تصوّر المشكلة الاقتصادية المتأثر بالواقع الخاصّ الذي عاشه المنظّرون الاقتصاديون هو حجر الزاوية الذي أُسّست عليه التشريعات الاقتصادية بشتّى أشكالها.

ونحن معنيّون في واقعنا الحاضر بنقد تصوّر النظام الرأسمالي للمشكلة الاقتصادية، فهذا التصوّر هو الذي أنتج النظام الرأسمالي. فقد صوَّر المشرّع الرأسمالي المشكلة الاقتصادية بأنّها «الندرة النسبية للسلع والخدمات». فالإنسان في نظر الرأسمالية وتصوّرها لمعنى الحياة تزداد رغبته باستمرار واطّراد بالسلع والخدمات ولا تتوقّف عند حدّ، بينما تقف محدودية السلع والخدمات حجر عثرة أمام هذه الرغبات، ما يحدّ من إمكانية إشباعه رغباته، وبالتالي من سعادته وفق تصوير الحضارة الغربية للسعادة؛ وعليه كانت مهمّة التشريع الاقتصادي أن تضع الأنظمة الكفيلة بزيادة هذه الثروة باستمرار واطّراد لتمكين الإنسان من إشباع أكبر قدر من رغباته من خلال الحصول عليها؛ ما يعني أنّ المشرّع الرأسمالي لم يفرّق بين النظام الاقتصادي وعلم الاقتصاد؛ وهذا ما يفسّر طغيان مصطلحات النموّ والتنمية وارتفاع الدخل القومي وما شاكلها في الاقتصاد المعاصر الذي يهيمن عليه الفكر الرأسمالي. أمّا كيفية توزيع الثروة على أفراد المجتمع، بحيث تُشبَع الحاجات الأساسية لكلّ فرد، فإنّ المشرّع الرأسمالي يرى أنّها ليست وظيفة النظام الاقتصادي، وإنّما هي في نظره متروكة للتنافس الحرّ وقاعدة العرض والطلب، فمن رغب بالسلعة أو الخدمة وجب عليه أن يبذل من الجهد ما يمكّنه من الحصول على ثمن السلعة أو الخدمة ليحصل عليها. فكانت نتيجة هذا النظام الرأسمالي الناشئ من هذا التصوّر للمشكلة الاقتصادية أنّ الثروة القومية ازدادت ازديادًا هائلًا؛ ولكنّ قلّة قليلة من الناس نالت أضعافًا مضاعفة عمّا يشبع حاجاتها، بينما حصل الغالبية الساحقة من الناس على القليل ممّا لا يشبع حاجاتهم الأساسية.

أمّا التشريع الاقتصادي  الإسلامي فإنه يخالف هذا التصوّر للمشكلة الاقتصادية كليًّا. فهو أوّلًا تشريع من عند الله تعالى للإنسان، وليس من صنع الإنسان. وبالتالي فإنه لم ينزل ليعالج مشكلة اقتصادية عارضة في ظرف تاريخي وحضاري معيّن. فالتشريع الإسلامي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب جاء ليعالج المشكلة الاقتصادية للإنسان من حيث هو إنسان، وللجماعة البشرية من حيث هي جماعة بشرية، وليس للعرب في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي. فظهرت نتائجه باهرة بقدر ما أحسن فهمه وتطبيقه، في كافّة أصقاع الأرض على اختلاف بيئاتها وعاداتها وأشكال أنشطتها الاقتصادية. وبالتالي فإنّ المشكلة الاقتصادية التي جاء التشريع الإسلامي لمعالجتها لم يكن تصوّرها متروكًا للمنظّرين المسلمين ولا لفقهاء الإسلام ولا لمجتهديه، على الرغم من قدرة الإنسان على إدراك هذه المشكلة. وإنّما جاء التشريع الإلهي وفقًا لها بطبيعة الحال، (أَلَا
يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٤).

 ومِن تتبُّع التشريع الاقتصادي الإسلامي، فضلًا عن إدراك واقع الإنسان والجماعة البشرية نجد أنّ المشكلة الاقتصادية التي ينبغي للنظام الاقتصادي معالجتها ليست ندرة السلع والخدمات كما صوّرها النظام الرأسمالي. فالسلع والخدمات التي يطلبها الإنسان بطبيعته وإشباعًا لحاجاته العضوية وبعض جوعات غرائزه إنّما هي الموارد الطبيعية التي خلقها الله تعالى وسخّرها للإنسان، إضافة إلى المواهب والقدرات الفكرية والجسدية التي وهبها الله تعالى للناس والتي تؤهلهم لتبادل منافع هذه الجهود الفكرية والجسدية ولتسخير الموارد الطبيعية والانتفاع بها من خلال الصناعة والزراعة. والحالات التي تندر فيها هذه الأعيان والمنافع إنّما هي حالات عابرة واستثنائية، ينبغي أن تعالج حين وقوعها. كما أنّه من حقّ الناس أن يزدادوا من السلع والخدمات عبر تثمير الثروات الطبيعية والمواهب البشرية، وهذا كلّه يندرج في علم الاقتصاد المتروك لتدبير الناس ومعرفتهم، وهو ما قال عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». وليس من النظام الاقتصادي الذي هو قضيّة تشريعية.

أمّا المشكلة الاقتصادية الحقيقية فهي كيفيّة توزيع هذه الثروة بين الناس توزيعًا عادلًا بحيث يحصل كلّ إنسان ضرورةً على ما يكفيه لإشباع حاجاته الأساسية، وبحيث يُمكَّن كلٌّ منهم أيضًا من تحقيق حاجاته الكمالية بقدر ما يرغب ويستطيع. هذه هي المشكلة الاقتصادية التي جاء نظام الاقتصاد في الإسلام ليعالجها والتي شرع لها منظومةً من الأحكام الشرعية تؤدي إلى معالجتها العلاج الناجع.

فالإسلام على الرغم من تشجيعه على الإنتاج وزيادة الثروة على صعيد الفرد والجماعة فإنّه لم يأتِ لتبيان وسائل زيادة الثروة، وترك هذه الوسائل والأدوات للإنسان وخبراته وإبداعه. أمّا كيفيّة توزيع الثروة بين الناس لتتحقّق العدالة في هذا التوزيع فهذا ما جعله الإسلام قضية للتشريع الاقتصادي، فكانت الأوامر والنواهي والتخييرات المتعلّقة بأفعال العباد والمتّصلة بالمال وتداوله هي موضوع النظام الاقتصادي في الإسلام. ووفق هذه المشكلة التي شُرع لعلاجها نظامُ الإسلام أتت السياسة الاقتصادية الإسلامية. وهذا ما ينقلنا إلى الحديث عن السياسة الاقتصادية. فالسياسة الاقتصادية هي الغاية التي يهدف إليها النظام الاقتصادي بأحكامه وقوانينه التي يتكوّن منها، بحيث إن طُبّق هذا النظام، أي إن طُبّقت أحكامه وقوانينه، حَقّق في واقع الناس الخاضعين له هذه الغاية.

فما السياسة الاقتصادية التي جاء بها الإسلام؟

 السياسة الاقتصادية في الإسلام هي تحقيق إشباع الحاجات الأساسية لأفراد الرعية فردًا فردًا إشباعًا حتميًّا، وتمكين هؤلاء الأفراد جميعًا من تحقيق حاجاتهم الكمالية بقدر ما يرغبون ويستطيعون، بوصف هؤلاء الناس يعيشون في مجتمع له طرازه في العيش. وعليه فإنّ هذه السياسة تعني بالتفصيل ما يلي:

 1-  إذا كانت الحاجات الأساسية لكلّ إنسان، تتمثّل في المأكل والملبس والمسكن، فقد كفل نظام الإسلام إشباع هذه الحاجات لكلّ فرد إلزامًا؛ بحيث لا يجوز أن يُترك في الدولة أحد من الرعايا دون قوت أو ملبس أو مسكن يأوي إليه، وبحيث إنّ الفرد الذي لا يستطيع أن يؤمّن هذه الحاجات لنفسه وجب تأمينها له إلزامًا. وهذا يعني بكلّ بساطة القضاء على الفقر؛ من حيث إنّ الفقر هو العجز عن إشباع الحاجات الأساسية.

2- ما زاد عن هذه الحاجات هو الحاجات الكمالية، ولكلّ إنسان الحقّ بأن يسعى إلى تحقيق هذه الحاجات الكمالية، بحيث لا يُمنع من زيادة ثروته، فلا يجوز للنظام الاقتصادي أن يضع سقفًا معيّنًا للثروة التي يمتلكها الإنسان من الطرق المشروعة.

 ٣- إنّ حقّ الإنسان في الحصول على المال تملُّكًا وتنميةً، يجب أن يُلحظ فيه أنّ هذا الانسان يعيش في مجتمع ذي طراز معيّن من العيش، هو طراز العيش الإسلامي الذي يوجب ما يوجب ويحرّم ما يحرّم ويبيح ما يبيح؛ لذا فإنّ الإسلام لم يكتفِ بتشريع ما يحقّق حسن توزيع الثروة بين الناس ورفاهيتهم، وإنّما أوجب في المال أمورًا وحرّم أخرى، وجوبًا وتحريمًا يؤدّيان إلى تحقيق الأهداف العليا التي شرعها الإسلام تَوصُّلًا إلى الحياة الإسلامية. وهذه الأهداف هي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والملكية الفردية والكرامة الإنسانية والدولة والأمن. فأوجب في المال نفقات لتحقيق هذه الأهداف العليا، وحرَّم وسائل في التملّك وفي تنمية المِلكية حفاظًا عليها أيضًا. فجعل الخمرة والخنزير مثلًا مِلكيّة غير شرعية، أي نفى عنها صفة الملكيّة وحرّم على المسلم تملّكها والانتفاع بها بأيّ شكل من الأشكال، وحرّم تنمية الملكيّة بالقمار والربا، وحرّم التملّك من طريق البغاء. وعند النظر في الواجبات في المال والطرق المحرّمة في التملّك وتنمية الملكيّة نجد أنّ قسمًا من هذه الواجبات والممنوعات لا يتعلّق بتوزيع الثروة مباشرةً بقدر ما يتعلّق بالحفاظ على طراز العيش الذي أتى به الإسلام؛ بحيث يكون النظام الاقتصادي جزءًا من سائر أنظمة الإسلام التي شُرعت لتُنشئ مجتمعًا ذا طراز معيّن من العيش، نسمّيه الحياة الإسلامية؛ وعليه لا يقبل الإسلام إنشاء دور اللهو المحرّم ولا المراقص ولا الفنادق المتفلِّتة من أحكام الشرع ولا دور السينما التي تعرض الإباحيات، بذريعة تنشيط حركة الاقتصاد وجذب السيّاح وزيادة الثروة الأهلية أو الدخل القومي.

وبالعودة إلى قضيّة القضاء على الفقر الذي هو من أهمّ أهداف النظام الاقتصادي في الإسلام، فما هي الأحكام التي شرعها الإسلام للتوصل إلى هذا الهدف؟

إنّ أهمّ جانب يحدُّ من ظاهرة الفقر في النظام الاقتصادي الإسلامي هو طبيعة النظام نفسه؛ من حيث الطرق التي أباحها والطرق التي حرّمها في التملّك وفي تنمية المِلكيّة الفردية، ومن حيث تقسيمه أنواع الملكية إلى ملكيةٍ فردية وملكيةٍ عامّة وملكيةِ دولة، ومن حيث ما فرضه من واجبات في المال الذي يمتلكه أفراد الرعية، ومن حيث تدَخّل الدولة للحفاظ على توازن توزيع الثروة.

أمّا من حيث الطرق التي حرّمها الإسلام في التملّك وتنمية الملكيّة، فممّا حرّمه الإسلام الربا، ولا يخفى على أحد ما أحدثته البنوك الربوية التي أنشأها النظام الرأسمالي من كوارث تتمثّل في سحب أموال عامّة الناس إلى جيوب فئة قليلة منهم، فصار المال دُولة بين الأثرياء حيتان المال. وممّا شرعه الإسلام هو أحكام الشركات التي تضمّنت شروطًا  لصحّة الشركات التجارية والربحية؛ بحيث تكون وفق هذه الشروط شركاتٌ رأسمالية كشركات الأسهم غير جائزة. ولا يخفى على عارف أيضًا أنّ هذا النوع من الشركات يؤدّي الدور نفسه الذي تؤدّيه المصارف الربوية من حيث سحبها لأموال عامّة الناس وتركيزها في أيدي فئة قليلة من رجال المال والأعمال وحيتان المال، وتؤدّي  في كثير من الأحيان إلى تبديد أموال الناس وتحويلهم في غفلة من أنفسهم إلى فقراء معدمين. ومنها تحريم الإسلام لأنواع من العقود الرائجة اليوم بفعل النظام الرأسمالي، من مثل بيع الديون وبيع ما ليس عند البائع، ما يؤدي إلى نشوء عقود ومعاملات بأموال طائلة تباع وتشترى فيها سلع افتراضية لا وجود لها في الواقع، وتكون نتيجتها في كثير من الأحيان نتيجة ألعاب القمار من انتقال أموال طائلة من أشخاص كثر إلى جيوب قلّة من الناس، وسوى ذلك من أشكال العقود التي حرّمها الإسلام والتي تؤدّي إلى تركيز الثروة وجعلها دُولة بين فئة صغيرة من الناس.

 وأمّا من حيث تقسيم الإسلام الملكية إلى ملكية فردية وملكية عامة وملكية دولة، فإنّ ما جعله الإسلام من الأموال ملكية عامّة يؤدّي دورًا كبيرًا في الحؤول دون تركيز الثروات بأيدي فئة الأثرياء. فثمّة ثروات حرّم الإسلام على الأفراد تملّكها وجعلها ملكية لجميع الناس. ومن أهم أقسام هذه الملكية مناجم المعادن بشتّى أشكالها وآبار النفط والغاز، وقد جعل الشرع استخراجها وتوزيع ريعها على الرعية عمومًا موكولًا إلى الدولة. ولا يخفى على أحد أن هذه من أعظم الثروات التي تجعل الدول الممتلكة لها من أثرى دول العالم حتّى لو لم تكن دولًا منتجة أو ناهضة صناعيًا أو زراعيًا. والإسلام حرّم أن تُملَّك هذه الملكيات لأفراد أو لشركات خاصّة من طريق بيع أصولها أو منح امتياز استثمارها كما يحصل اليوم في معظم دول العالم، ومنها دول العالم الإسلامي. وبالتالي فإنّ ريع هذه الملكية يشكّل ضمانة كبيرة لتوازن توزيع الثروة بين الرعية.

وأمّا من حيث تدخّل الدولة للحفاظ على التوازن في توزيع الثروة فإنّ الدولة معنيّة بأن تهَبَ من أموالها التي هي من صنف ملكية الدولة لأشخاص دون آخرين بحيث تخصُّ ذوي الدخل المحدود وأصحاب المشاريع الصغيرة لترفع من مستواهم بناء على قوله تعالى: (كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ). وهذا ما فعله النبيّ صلى الله عليه وسلم حين كان يوزع أموال الفيء على الفقراء من الصحابة دون الأغنياء.

وأمّا من حيث ما فرضه الإسلام في أموال الرعية من واجبات، فأهمّ ما يُذكر منها هو فريضة الزكاة التي فرضها الإسلام على رؤوس الأموال وعروض التجارة والنقود التي هي الذهب والفضة في الإسلام وعلى المواشي وأنواع من المحاصيل الزراعية؛ حيث جعل الشرع الفقراء والمساكين والغارمين من أهمّ مصارف أموال الزكاة. هذه الفريضة تشكّل بحسابات بسيطة ضمانة كبيرة إضافية لحفظ التوازن في توزيع الثروة. أضف إلى ذلك ما أوجبه الشرع من زكاة الفطر وكفّارات بعض المخالفات الشرعية وما ندب إليه من الصدقات والأضاحي، وحضّه على القرض الحسن. كذلك ما فرضه الشرع من واجب النفقة على كلّ قادر يملك ما يفيض عن حاجته على الأشخاص الذين أوجب عليه إعالتهم؛ بحيث لا تقتصر النفقة شرعًا على الزوجة والأولاد الصغار، وإنما تتجاوزها إلى الوالدين والأولاد الكبار العاجزين فعلًا أو حكمًا عن إعالة أنفسهم، بل ويتعدى هؤلاء إلى كلّ من هو وارث له في حال وفاته، فتشمل الأحفاد والأجداد والإخوة وأبناء الإخوة على الترتيب في الوجوب.

وأخيرًا، وفوق ذلك كلّه لم يكتفِ الإسلام بهذه الضمانات لمكافحة الفقر، وإنما شرع أحكامًا مفصَّلة تستهدف القضاء على فقر كلّ فرد بعينه، وذلك على الترتيب التالي:

1- أوجب الشرع على كلّ رجل قادر العمل لتأمين حاجاته الأساسية وحاجات من يعيلهم من زوج وأولاد وغيرهم كما أسلفنا. فلا يجوز لقادر على العمل والكسب أن يمتنع عن العمل وأن يكون عالة على غيره.

 ٢- قد يكون الشخص قادرًا على العمل حكمًا ولكنّه في ظرف من الظروف يعجز عن إيجاد عمل لنفسه، ففي هذه الحالة وجب على الدولة أن تؤمّن له عملًا يعيل به نفسه وعياله.

 ٣- من كان عاجزًا عن العمل حكمًا أو فعلًا ولم تجد له الدولة عملًا أو وظيفة وجب على وارثه أن يعيله إذا كان هذا الوارث يملك ما يفضل عن مستوى عيشه، لا عن حاجاته الأساسية. أي إن كان لديه فضلُ مالٍ فوق ما ينفقه على نفسه وفق مستوى عيشه وجب عليه أن يعيل الفقير الذي هو وارث له في حال موته.

 4- من كان فقيرًا لا يجد ما يشبع حاجاته الأساسية وليس له معيل من ورثته قادر على إعالته وجب على الدولة أن تنفق عليه؛ بحيث توفّر له حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن.

 هذا باختصار تصوّر الإسلام للمشكلة الاقتصادية، والسياسة الاقتصادية في الإسلام، ونهج الإسلام في القضاء على الفقر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *