العدد 431 -

السنة السابعة والثلاثون – ذو الحجة 1443هـ – تموز 2022م

الصين وأمريكا … التنافس الجشع

الكاتب: المهندس : خالد السراري – اليمن

يتجلَّى للعالم اليوم بكل وضوح الصراع الدائر بين الصين من جهة وأمريكا من جهة أخرى، والذي يتَّسع ويكبر بين الطرفين يومًا بعد يوم، والذي تقف فيه أمريكا موقف المهاجم للعديد من السياسات الصينية، بينما تقف الأخيرة في موقف المدافع وتطلب من الولايات المتحدة الهدوء وعدم اللعب في النار، وسنتطرق لتفصيل ماهية الصراع الدائر بين الدولتين وأسبابه ودوافعه، فنستعرض أولًا أوجه الصراع الأمريكي الصيني المتعددة ومنها:

على الصعيد الاقتصادي، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشنِّ حرب تجارية على الصين حين أعلن في 22/3/2018م عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكي على البضائع الصينية الذي دخل حيز التنفيذ في السادس من يوليو/تموز. وكردٍّ انتقاميٍّ من الحكومة الصينية، فقد فرضت رسوم جمركية على أكثر من 128 منتج أمريكي أشهرها فول الصويا. فبعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001م، أصبحت الولايات المتحدة والصين أهم الشركاء التجاريين. استوردت الولايات المتحدة من الصين باستمرار أكثر مما صدرته إليها، مع ارتفاع العجز التجاري الثنائي للولايات المتحدة في السلع مع الصين إلى أن وصل إلى 2.7 ترليون دولار حتى أواخر سبتمر الماضي. وكانت الحكومات الأمريكية المتوالية تشكو من العجز الثنائي التجاري الضخم وتقدم الاتهامات للصين كأسعار الصرف غير المرنة وسياسة الإغراق التجاري الذي تمارسه الصين للمنتجات المحلية الأمريكية؛ حيث تقوم الصين بإقراض الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق شراء السندات الأمريكية وأذون الخزانات من أجل رفع الطلب على الدولار الأمريكي عالميًّا، ومن ثمة رفع قيمته أمام اليوان الصيني لرفع نسبة الواردات الصينية للسوق الأمريكية مقارنة بالواردات الأمريكية. من الناحية الأخرى لا تستطيع الصين تحصيل ديونها من أمريكا حتى لايفقد الدولار قيمته فتقل قيمة المدخرات الصينية، وبالرغم من ذلك استمرَّ النمو التجاري بين البلدين لتصبح الصين ثاني أقوى اقتصاد بالعالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما تراه الأخيرة تحديًّا للهيمنة الاقتصادية والجغرافيا السياسية الأمريكية. وتسعى الصين كذلك للهيمنة على التجارة البحرية عن طريق السيطرة على أهم الموانئ الاستراتيجية لتسهيل دخول منتاجتها إلى أسواق العالم، فهي تسيطر على مايقارب 42 ميناء في 34 دولة حول العالم عن طريق إيقاعهم في فخ الديون أو شراء حصص من الشركات المشغلة للموانئ؛ حيث تتهم أمريكا الصين بفرض سياسة استعمارية على موانئ العالم وتنكر الأخيرة.

على الصعيد السياسي والعسكري: قامت أمريكا بعدة محاولات لجر الصين إلى سباق تسلح لاستنزاف الاقتصاد الصيني كما فعلت من قبل مع الاتحاد السوفياتي إبان مايسمى بالحرب الباردة في أربعينات وخمسينات القرن الماضي. وتعي الصين هذا الفخ الأمريكي، وتحاول عدم الانجرار في أي سباق تسلح مع أي دولة مع المحافظة على بعض الخطوط الحمراء التي تكشِّر الصين عن أنيابها إذا ما حاولت أمريكا تجاوزها. فأمريكا ترى أن الصين لم تتمكن من فرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي ومنطقته بعد، وهي تحاول ذلك، فتريد أن تمنعها من هذه السيطرة وتشغلها فيها وبواسطة الدول في هذه المنطقة، وتحاول أن تبقيها دولة كبرى إقليمية محاصرة من كافة الجوانب. ففي بحر الصين الجنوبي هناك دول عديدة منها إندونيسيا وماليزيا والفلبين وفيتنام تعمل أمريكا على تحريكها ضد الصين. وقريب من هذا البحر في المحيط الهادئ هناك أستراليا حيث تنسق معها أمريكا للعمل ضد الصين. وفي بحر الصين الشرقي هناك اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، وهذه الدول من حلفاء أمريكا. وقد اعترفت أمريكا بالصين الموحَّدة على أن تتوحد مع تايوان طواعية. وقد تراجعت على عهد ترامب عن هذا الاعتراف، فقامت الصين وهددت بغزو تايوان فتراجع ترامب وعاد واعترف بالصين الموحَّدة، وهي الاتفاقية التي وقعتها أمريكا مع الصين عام 1979م، على أن تتم الوحدة بالتفاهم وبالتدرج وبالتقاربات الاقتصادية والسياسية؛ ولكن أمريكا تضع العراقيل في وجهها، فتعمل على تسليح تايوان ودعمها سياسيًّا واقتصاديًّا. «وقد حذر الأدميرال الأمريكي فيليب ديفيدسون قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيط الهندي والهادي (إندوبام) يوم 10/3/2021 من أن الصين قد تغزو تايوان في غضون 6 سنوات أي بحلول عام 2027» وقال أمام الكونغرس: «أخشى أن يكون الصينيون بصدد تسريع مشروعهم الرامي للحلول محل الولايات المتحدة بصفتها أكبر قوة عسكرية في تلك المنطقة بحلول عام 2050»… الجزيرة 11/3/2021م). فأمريكا تتخوف من ضم الصين لتايوان التي اعتبرت جزءًا منها باعتراف أمريكا؛ ولكن هناك مماطلة لتحقيق ذلك، ويظهر أن الصين قد ملّت هذه المماطلات وألاعيب أمريكا بعرقلة تحقيق هذه الوحدة وترى أنها لا تريدها، فيظهر أن هناك تهديدًا جديًا من الصين لتايوان، وهي قادرة على ضمها بالقوة؛ ولكن يبدو أنها لا تريد أن تخسر علاقاتها التجارية مع أمريكا وربما مع دول أخرى كثيرة عندما تؤلِّب أمريكا عليها دول العالم إذا ما أقدمت على هذه الخطوة.

على صعيد التكنولوجيا: نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد شنَّت هجومًا على شركة هواوي الصينية متهمة أياها بعدة انتهاكات، واعتقلت السلطات الكندية منج وانزو المديرة المالية لشركة هواوي عملاق صناعة الاتصالات الصينية في ديسمبر 2018م بناءً على طلب من السلطات الأمريكية، ويأتي ذلك من أجل الهيمنة على التكنولوجيا المتقدمة بين الصين التي تسعى للسيطرة على مجال التكنولوجيا والولايات المتحدة التي تحاول الحفاظ على مكانتها. وتُعتبر شركة هواوي أكبر منتج لمعدات الاتصالات في العالم، وثالث أكبر مورّد للهواتف الذكية، وصاحبة عدد هائل من مكاتب البحث والتطوير، ومالكة لعشرات آلاف براءات الاختراع. فهي تعتبر أكبر شركة صينية لإنتاج معدات الاتصالات في العالم، وتنتشر منتجاتها في أكثر من 170 دولة حول العالم. فقد أدى هذا إلى تزايد المخاوف الأمريكية من تصاعد هيمنة الصين على التكنولوجيا المتقدمة ما يهدد أمريكا على المستوى الاقتصادي والعسكري، فقد أصدرت وزارة التجارة الأمريكية قرارًا بمنع شركتي هواوي وZTE الصينيتين من شراء معالجات الهواتف الذكية والمحمولة من شركة «كوالكوم» الأمريكية عملاق صناعة الرقائق الإلكترونية المتخصصة في تكنولوجيا نظم الاتصالات على خلفية مزاعم بانتهاكها لوائح إدارة التصدير الأمريكية وبيع منتجات لإيران. كما سعت إدارة «ترامب» أيضًا إلى فرض قيود على الشركات التي بها نسبة مساهمة صينية تتجاوز 25% والتي تسعى للاستثمار أو حتى شراء تكنولوجيات أمريكية متقدمة في مجالات محددة معظمها يتعلق بالأمن القومي، مثل صناعة الشرائح الدقيقة والتشفير، فضلًا عن الذكاء الاصطناعي والروبوتكس، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل أيضًا منعت إدارة «ترامب» الطلاب الصينيين الذين يدرسون مجالات لها علاقة بالتكنولوجيا من الحصول على فيزا أكثر من عام واحد، وفي هذا السياق  دعا وزير الدفاع الأمريكي إلى مزيدٍ من الإنفاق في مجال الذكاء الاصطناعي خشية الطموح الصيني بالرغم من الفجوة الواسعة في قطاع التصنيع الصيني مقارنة بأمريكا.

كذلك قامت أمريكا باللعب على الوتر الإنساني ضد الصين عن طريق إبراز الجرائم البشعة والإبادة التي تقترفها الصين بحق مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية، فقد أعلنت أمريكا مقاطعتها للألعاب الأولمبية الشتوية المقامة في الصين في عام 2022م، بالطبع ليس من جانب إنساني فقد ارتكبت أمريكا جرائم أبشع بحق المسلمين في سوريا والعراق والصومال وأفغانستان، والقائمة تطول بحيث لا يسعنا ذكرها هنا ولكنها ظاهرة للعالم أجمع؛ ولكن لإضافتها إلى أوراق الضغط التي تستخدمها أمريكا ضد الصين في هذا التنافس الجشع على الهيمنة على العالم.

إن الصراع الأمريكي الصيني يتجلَّى للعالم وبشكل واضح كصراع هيمنة للتحكم بثروات ومصير الشعوب. فالدولتان تتسابقان لمنصب الدولة الأولى في العالم الذي تتبوؤه أمريكا حاليًّا، وتسعى الصين لانتزاعه منها، وهو ليس صراع مبدئي، أي لفرض مبدأ ما، فالدولتان تحملان المبدأ الرأسمالي وإن كانت الصين تحمل المبدأ الاشتراكي ظاهريًّا فقط، فإننا نرى وبكل وضوح المبدأ الرأسمالي في كل تعاملاتها الداخلية والخارجية.

 وبالرغم من المنافسة الشرسة بين الدولتين فإن الصراع الحقيقي الذي تخشاه أمريكا هو مع الإسلام، فهي تعي جيدًا أن الإسلام مبدأ متكامل وليس ديانة للتعبد فقط، ووجود دولة تحمل المبدأ الإسلامي كدولة الخلافة الإسلامية سيمحي مبدأها الرأسمالي المتعفِّن الذي ظهر عواره للناس، فهي تعمل بشكل متواصل لطمس أي فكرة أو حركة تسعى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوَّة؛ لأن قيام دولة الخلافة هو تهديد لوجودها، فالمبدأ الإسلامي منزَّل من الله عز وجل خالق الكون كله، وهو أعلم بتسيير شؤون خلقه، ولن يجد المبدأ الرأسمالي فرصة أمامه غير السقوط السريع والمدوِّي، وهذا هو الصراع الحقيقي الذي يجب أن يتنبَّه له المسلمون والعمل لإقامة دولتهم الراشدة التي ستحرِّرهم من عبودية الغرب وعلى رأسهم أمريكا، وستكفل العيش الكريم العزيز لكل المسلمين تحت ظلها. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٢٤).

وفي الختام، فإني أسأل الله سبحانه أن يعجل بإقامة الخلافة على أيدي العاملين لها من المسلمين، فيتحقَّق على أيديها كل ما بشرنا به رسول الله، فتشرق الأرض بعز الإسلام من جديد، وتخفق راية الإسلام فوق ما سواها من رايات (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *