العدد 418 -

السنة السادسة والثلاثون، ذو القعدة 1442هـ الموافق حزيران 2021م

فلسطين في العهد العثماني…أمانة ورعاية

م. موسى عبد الشكور الخليل

لا يملك من يبحث في التاريخ البشري إلا أن يقدِّر التاريخ المجيد الذي سطَّرته دولة الخلافة الإسلامية على مرِّ حوالى ثلاثة عشر قرنًا، والتي كانت عظيمة في أوج قوتها، وعظيمة حتى في ضعفها. وإذا نظرنا إلى تاريخ دولة الخلافة العثمانية منها، والتي استمرَّت قريباً من ستمائة عام، فقد فكانت في الجهاد سبَّاقة، وفي العمران عظيمة، وفي معاملتها لرعاياها رحيمة، وصهرت الشعوب في بوتقة الإسلام، فلم تميِّزْ في فترات حكمها بين عربي وأعجمي؛ فسادَ العدل ودانت لها  شعوب الأرض، وبقيت كذلك حتى أصابتها نائلة الدول الأخرى من سنة الانهيار، بسبب ما قصَّرت به في أواخر عهدها… ولكن هل يعيد التاريخ نفسه. نعم يعيد نفسه فقط مع المسلمين لأن دينهم رباني، وهم موعودون أن يعود كما كان من قبل «خلافة راشدة على منهاج النبوة» كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لن يعيد نفسه بنفسه، بل يعيده المسلمون بحسن اتِّباعهم لدينهم، وسيرهم على طريقة سيدهم سيد الخلق أجمعين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 إن دولة الخلافة، كان لها، على مرِّ التاريخ، تطلعُّها لفتح بلاد الشام وتحديدًا بيت المقدس، وذلك بدءًا من العهد النبويِّ حيث تحرَّكت جيوش الإسلام بهذا الاتجاه، وكانت معركة مؤتة ثم معركة تبوك زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كمقدمة لفتوح بلاد الشام، ثم تبعتها حملات زمن خلافة أبي بكر رضي الله عنه إلى أن فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحقَّق وصية النبي صلى الله عليه وسلم لتميم الداري ولآله من بعده، قال عكرمة: لـمَّا أسلم تميم قال: يا رسول الله، إنَّ الله مُظْهِرك على الأرض كلِّها، فهبْ لي قريتي من بيت لحم. قال: «هي لك»، وكتب له بها. قال: فجاء تميم بالكتاب إلى عمر، فقال: أنا شاهد ذلك فأمضاه. وعن زيد بن عامر قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لتميم الداري: «سلني». فسأله بيت عينون ومسجد إبراهيم فأعطاهنَّ إياه.

كانت القدس وما حولها من الأرض المباركة من ضمن أولويات خلفاء المسلمين عامة، وقد تعرضت للغزو والاحتلال خلال الحملات الصليبية، وأعادها صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله) إلى حضن الدولة الإسلامية بعد معركة حطين مع الصليبيين، ثم دخلت فلسطين تحت الحكم العثماني عام 1516م، في عهد السلطان سليم الأول، وقد حظيت أثناء فترة حكمه وحكم ولده السلطان سليمان القانوني باهتمام خاصٍّ في كل النواحي لقدسيتها إلى أن تم القضاء على الخلافة الإسلامية زمن العثمانيين. بيد أن الدول كالأفراد سواء بسواء، تبلغ ذروة مجدها، ثم تبدأ في الضعف والانحسار إذا ما ضعف فهمها لدينها ونظام حياتها وأساءت تطبيقه… فالدولة العثمانية ليست بِدْعًا من الدول، بل هي كغيرها، فقد خضعت كغيرها لسنن الإنشاء والانحسار، مع ملاحظة أنها إذا بلغت مرحلة الانهيار فليس بسبب فساد في مبدئها، بل بسبب أساءة تطبيق المسلمين البشر لها.

ونتيجة الأوضاع السياسية الصعبة والحروب التي خاضتها دولة الخلافة، فقد تأثرت فلسطين من جراء ذلك تقصيرًا في الجوانب الاقتصادية والتعليمية والسياسية كباقي الولايات العثمانية في تلك الحقبة، وكانت الضرائب الإلزامية ترهق كاهل الناس لكثرة ما فرض على الدولة من حروب، واقتصر التعليم على وجود مدارس معدودة في كامل فلسطين، وكان مستوى التعليم فيها منخفضًا؛ ما فسح المجال في  زيادة نشاط المدارس التبشيرية الغربية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وأيضًا استفحل المرض والفقر في البلاد ما انعكس سلبًا على حياتهم مما اضطر البعض لبيع أراضيهم. وكذلك فإن كثرة حروب الدولة مع الدول الطامعة فيها وأخذ الشباب للانضمام للجيش للحرب خارج مناطقهم وما عرف بـ (السفر برلك) أو النفير العام، أوجد لدى الناس عدم ارتياح ورضا عن سلوك الولاة، خاصة من ازدياد عمليات التتريك في هذه الفترة؛ حيث فقد العرب وظائفهم بسبب اقتصار الوظائف العليا على الأتراك، وليس أي تركي، بل من كان مرتبطًا مع جمعية الاتحاد والترقي، وهي الجناح العسكري لجمعية تركيا الفتاة التي كان لها الأثر الكبير في الاستيطان اليهودي في فلسطين خلال فترة الحكم العثماني.

إن المؤامرة على الدولة العثمانية لم تتوقف من قبل الدول الأوروبية النصرانية منذ نشأتها؛ وذلك في سعيهم لتحقيق حلم النصارى باسترداد القدس والقسطنطينية. وقامت، من أجل تنفيذ سياساتها التوسُّعية بتسخير اليهود لخدمة مشروعهم واستغلال أموالهم والخلاص من شرورهم. وقد اشتدت المؤامرة الأوروبية في أواخر عهدها بعدما عمَّت الفوضى في كثير من ولايات الدول العثمانية، وانتشرت الجمعيات السرية الانفصالية بدعم من الدول الأوروبية. وقد نشط عميل فرنسا محمد علي باشا حاكم مصر بعد حملة نابليون على مصر لاسترداد القدس، والذي طلب من اليهود تمويل الحملة على الشرق مقابل وعود لهم بإقامة كيان لهم، وكانت عائلة روتشيلد اليهودية من كبار المتبرعين؛ ولكن الحملة قد فشلت عند أسوار عكا عام 1799م، ومما ينقل في هذا المجال أن نابليون قد خطب من على أسوارها ودعا لإعادة بناء مملكة القدس القديمة، وقال: إن العناية الإلهية قد أرسلتني على رأس هذا الجيش حاملًا إرث (إسرائيل)، ودعا اليهود للقدوم إلى  أرض (إسرائيل). وكان مما قاله: «أيها الإسرائيليون انهضوا، فهذه هي اللحظة المناسبة، إن فرنسا تقدِّم لكم يدها الآن حاملةً إرث إسرائيل، سارعوا للمطالبة باستعادة مكانتكم بين شعوب العالم” غير أن فشل حملته أدى إلى عرض نابليون بديلًا لهم كوطن في أفريقيا إلا أنهم رفضوا ذلك العرض. وبحملة نابليون تم كشف ضعف الجيش العثماني، فكانت نقطة تنبُّه العالم للمنافسة على القدس، وبدأ العمل والتعاون الأوروبي اليهودي بالتمويل والتبعية وتوظيف التوراة والتنبؤات اليهودية لخدمة مشروعهم وربطه بالمكان المقدَّس لاختلاق موطن لهم مع ربط روحي سياسي اجتماعي.

وفي هذه الأثناء، كانت حرب القرم بين روسيا والدولة العثمانية التي اشتعلت سنة (1856 – 1858)م، وما تمخَّض عنها من اتفاقات جائرة، ومن احتلال روسيا لمناطق واسعة في البلقان وشرق الدولة العثمانية وبالتالي انفصالها عنها… وصاحب ذلك ازدياد تدخل الدول الأوروبية في شؤونها، تلك الدول التي أظهرت خسة ونذالة وسوء نوايا تجاه الدولة ورغبتها في اقتسام ممتلكاتها تمهيداً للقضاء عليها؛ فقامت بفرض تطبيق بعض القوانين المخالفة للإسلام بالتعاون مع جمعية تركيا الفتاة، وبث الأفكار المسمومة من قبل قناصل أوروبا، وتوجيه المدارس التبشيرية طلابها لزيادة الشقاق بين رعايا الدولة؛ ما أدى إلى نشوء مشكلة الأقليات، واشتعال عدد من الفتن الداخلية، وشنِّ بعض الحروب الخارجية. وقد ساعد في كل ذلك عملاء بعض الدول الأوروبية من كبار مثقفي وموظفي الدولة العثمانية.

وجرَّاء ذلك التخطيط اللئيم الذي جعل الدولة العثمانية تعاني الأمرَّين من كثرة ديونها؛ اضطرت هذه الدولة إلى منح بعض الامتيازات الاقتصادية لبعض الدول الأوروبية؛ وهنا تم البدء بالتنفيذ العملي لإنشاء كيان يهود برعاية أوروبية بالتعاون مع اليهود عامة ويهود الدونمة خاصة، الذين لبُّوا نداءات التآمر على الدولة العثمانية وخانوها، والخيانة من طبع اليهود؛ علمًا أنها هي التي آوتهم بعدما تنكَّرت لهم جميع الدول الأوروبية بعدما طردتهم إسبانيا عندما سيطرت على الأندلس سنة 1492م، فقبلوا أن تسخِّرهم الدول الأوروبية، وبخاصة بريطانيا، لخدمة مخططاتها؛ فالتقى الخبث والمكر والتآمر اليهودي والبريطاني؛ فتبنَّت بريطانيا الفكرة الصهيونية، ولم تتورَّع عن استخدام جميع الوسائل والأساليب النذلة منها لتحقيق غرضها. ومع مرور الزمن تمكَّنت الدول الأوروبية مع اليهود من إنشاء الجمعيات التركية ذات النزعة الطورانية المتعصبة، ومن إقناع عدد من كبار موظفي وضباط الدولة، وبخاصة من درس منهم في الخارج، بالانضمام لهذه الجمعيات للتآمر على الدولة والتعاون معاً؛ لخدمة اليهود وإنشاء كيان لهم. وقام يهود الدونمة بإنشاء الجمعيات الماسونية وغيرها، والتي كان هدفها تحطيم الدولة العثمانية…

فماذا فعلت الدولة  العثمانية في ظل هذا العداء والتآمر الدولي عليها وضعفها للحفاظ على فلسطين ومنع إنشاء هذا المشروع الغربي؟.

لقد بدأ النشاط الصهيوني المحموم عام 1840م؛ حيث تم ضخُّ أموال طائلة لذلك، وباستخدام مصطلحات نابعة من معتقداتهم لتسخيرها لخدمة مشروع إقامة كيان يهود، من مثل أرض الميعاد وأرض الآباء والأجداد، وداود وسليمان، والعمل لتوحيد اليهود، وقامت بوضع محتوى ثقافي وأناشيد للعودة لأورشليم أرض صهيون، واستطاعت الحركة الصهيونية كسب اليمين المسيحي لجانبها ما ساهم في حدوث نشاط سياسي محموم لشرح موقف اليهود لتأسيس مشروعهم في فلسطين، فتمَّ الاتفاق على ما يسمى: «العقد الصامت» بين الدول الأوروبية والحركة الصهيونية، وتم استخدم مصطلحات خاصة بهم لإخفاء مخططاتهم مثل: تطهير المستنقعات للمهاجرين، ولا بد من رحلة صيد جماعية لصيد الحشرات والحيوانات بمنطقة واحدة.

عندما خرج نابليون من مصر انكشفت أهداف حملة نابليون لتأسيس مملكة صليبية، وإعطاء فلسطين لليهود مقابل تمويل حملته العسكرية؛ حيث كانت فرنسا تعاني مشاكل داخلية وضعف في التمويل، والتي فشلت على أسوار عكا، وهزم نابليون الذي قام بعرض أوغندا وإعطائها لليهود بدل  فلسطين مقابل التمويل. وبخروجه من مصر تمَّ  تعيين محمد على باشا الضابط الألباني في الجيش العثماني واليًا على مصر، وتمَّ تجنيده من فرنسا كعميل وتكليفه لإتمام المهمة وتهيئة الأجواء لاحتلال فلسطين خدمة للقوى الاستعمارية، وتمَّ دعمه من قبل فرنسا، فانتصر على الجيش العثماني وسيطر على الشام والقدس وقام فورًا بالسماح للأقليات والطوائف بحرية الحركة التي كانت مقيَّدة من الدولة العثمانية، وقام  بإلغاء الرسوم على الداخلين لفلسطين والقدس والسكن فيها، وتم فتح الباب لدخول المبشِّرين وتقديم التسهيلات للأجانب للدخول لفلسطين، فكانت أعظم حركة تمرُّد وخيانة عرفها العثمانيون سنة 1839م. ولم تسهِّل بريطانيا حركة محمد علي باشا هذا، من باب الصراع الدولي على المنطقة مع فرنسا، وأرادت أن تكون المؤامرة من عمل يدها وحدها لتأمين مصالحها دون غيرها، والتي لا تعرف دينًا ولا قيمًا.

وقد قام اليهود بإقناع الدول الغربية الطامعة بأراضي الدولة العثمانية كالإنجليز والفرنسيين للضغط على الدولة العثمانية، والتنسيق مع روسيا لحل مشاكل اليهود بتهجيرهم من روسيا إلى ما يسمى «أرض الميعاد»، وكان اهتمام بريطانيا قد ازداد بفلسطين بعد أن لمست فشل فرنسا التي كانت تريد احتلال فلسطين بحملة نابليون. وبعد أن فشلت حملة إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا على الشام زاد النشاط الدبلوماسي لبريطانيا لما تبيَّن ضعف الجيش العثماني أمام قوات محمد على باشا وسيطرتها على بلاد الشام، فتزايدت مطالبتها للسيطرة على القدس، فأرسلت كثيرًا من المبشِّرين والراهبات والقناصل إلى فلسطين، وقامت بشراء الأراضي والممتلكات فبدأت بتسريب الأراضي للإرساليات والبعثات، وعملوا على تطبيق سياسة «فرق تسد» لتخلو لهم السيطرة بكل سهولة.

كما أن بريطانيا استغلَّت الوضع الاقتصادي للدولة العثمانية نتيجة الحروب المستمرَّة، واستغلَّت حالة التغريب التي بثَّها محمد على باشا عميل فرنسا بين الناس في مصر وبلاد الشام؛ حيث قام بتغيير أنظمة تملُّك الأراضي لصالح الإرساليات والأقليات والأجانب، وصادر كثيرًا من أراضي الدولة وباعها، وتبنَّى سياسة المساواة بين الأديان، وقام بتمكين اليهود من شراء مئات القرى والأراضي شمال فلسطين،  وأسَّس مجلسًا بلديًا في مدينة القدس تابعًا له، وكان من أعضائه يهود ونصارى وفق خطة مبرمجة لنيل رضى الدول الأوروبية في صراعه مع الباب العالي، مستغلًا الهزائم التي مني بها العثمانيون، والتنافس الأوروبي للسيطرة على فلسطين واقتسام أراضي الدولة العثمانية، وكثرة شروط الصلح في هزائم الدولة العثمانية.

لقد نظرت الدولة العثمانية بريبة لما تقوم به أوروبا، وخاصة بريطانيا، وبالذات تُجاه القدس، وأن هناك مخطَّطًا خبيثًا لتجميع اليهود؛ فقامت، ومنذ زمن السلطان عبد المجيد الأول (1839-1861)م، بأعمال ضد محاولات الاستيطان اليهودي بفلسطين؛ حيث وُضع للقدس (إدارة مستقلة تتبع السلطان مباشرة) ومراقبة قوانين التملُّك والهجرة، وقد أمرها بضرورة استعادة قطعة أرض بالقدس خارج السور القديم لعدم تمكُّنهم من شراء أي قطعة أرض داخل سور القدس؛ حيث اشتراها طبيب يهودي بريطاني اسمه موسى مونتيفيوري وذلك بحجة إقامة مستشفى لأهل القدس وللحجَّاج؛ ولكن المستشفى لم يقم وإنما تمَّ إقامة ما يعرف حاليًّا بالحي اليهودي في القدس، أو حي مونتيفيوري حاليًا. وقد قام السلطان رحمه الله بسن كثير من القوانين لمنع نشاطات الدول الغربية الاستعمارية واليهود على مدى عقود.

ويمكن تلخيص موقف الدولة العثمانية من فلسطين بما يلي :

رفض طلب محمد علي باشا والي مصر السيطرة على بلاد الشام، ورفض ما عرضه محمد على باشا من تأديب الوهابيين، والاشتراك بحرب اليونان مقابل السماح له بأخذ فلسطين.

دعم أهل فلسطين بمبالغ طائلة لرفض مشروع محمد علي باشا للسيطرة على الشام.

 تحويل سنجق القدس  إلى متصرفيَّة  دون ربطها بأية ولاية، وتضم يافا والخليل وغزة وبئر السبع.

ربط متصرفيَّة القدس مباشرة بالسلطان عام 1878م وفصلها عن متصرفيَّة بيروت؛ بسبب استخدام مرفأ بيروت للهجرة اليهودية وتسريبهم لفلسطين سرًا.

تدخُّل السلطان بأدق التفاصيل باختيار الموظفين الأتقياء، حتى بتعيين إمام المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل.

ربط مكتب متصرف القدس بخطوط الاتصال المباشرة وإنشاء جهاز إداري كامل مرتبط بالخليفة.

 ضرب الدور الأجنبي وخاصة البريطاني والفرنسي وتحجيمه ومراقبه نشاطاتهم.

رفض الطلبات والضغوط التي يمارسها بعض متنفذي الدولة العثمانية، ورفض ضغوط إمبراطور ألمانيا فلهلم الثاني، وضغوط بريطانيا وفرنسا.

تأخير كثير من المشاريع التي كانت الدول الغربية تريد إنشاءها للاشتباه بها.

إعطاء مشروع سكة الحديد التي تربط إسطنبول والقدس والمدينة المنوَّرة ومكَّة واليمن لشركات ألمانية وليس بريطانية أو فرنسية.

إصدار قرار من السلطان عام 1882م بمنع اليهود من دخول فلسطين باستثناء الحجَّاج وبتأشيرة دخول من القنصليات العثمانية بالخارج.

إصدار الدولة العثمانية قرارًا يمنع المواطنين الروس من الاستيطان والسكن بفلسطين.

 إصدار لائحة في عام 1900م لتشديد الرقابة على الهجرة، تضمن وضع حركة دخول اليهود والأجانب من وإلى فلسطين تحت رقابة القصر السلطاني مباشرة.

أصدر «السلطان عبد الحميد الثاني أيضًا قرارًا بتوظيف جيش في فلسطين يرابط ويرتبط به شخصيًا.

 كما أسَّس «السلطان عبد الحميد الثاني» أيضًا خطًا للسكك الحديدية لتسهيل الوصول إلى القدس، ونقل قسم من مسلمي القوقاز والبلقان وتوطينهم في فلسطين.

منع هيرتزل من مقابلة السلطان إلا بعد محاولات كثيرة، وإلا بعد أن أراد السلطان في آخرها  أن يعرف مكنون نفس هيرتزل، فتركه يعرض مشروعه، والذي كان هدفه اقتطاع فلسطين من الدولة العثمانية وإعطاءها لليهود، وقد قوبل كل ذلك بالرفض، ويكفينا ردُّ السلطان عبد الحميد الثاني (رحمه الله) لهرتزل (لعنه الله) حيث قال: «انصحوا هرتزل، ألا يتَّخذ خطواتٍ جديدةً حول هذا الموضوع؛ لأنِّي لا أستطيع أن أتنازل عن شبرٍ واحدٍ من الأراضي المقدَّسة؛ لأنَّها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي. وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، وروَّوها بدمائهم؛ فمن الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل؛ ولكن لزم أن يبدأ التَّمزيق أوَّلاً في جثَّتنا؛ ولكن لا أوافق على تشريح جثَّتي وأنا على قيد الحياة».

رفض السلاطين عروض اليهود المالية المغرية رغم سوء الحال في الدولة العثمانية.

الوقوف أمام الكماليين عند قبولهم لشروط ووعود يهود للسيطرة على فلسطين مقابل 150 مليون ليرة ذهبية.

في عام 1887م، أصدر رؤوف باشا متصرف الق دس أمرًا بأخذ جواز سفر كل يهودي يدخل لفلسطين وتسليمه جوازًا مؤقتًا بلون أحمر، مع متابعة وتعهد بالخروج خلال 31 يومًا مع دفع خمسين ليرة جرَّاء ذلك.

أصدر السطان أمرًا بكتابة الديانة اليهودية على جواز السفر لتسهيل المتابعة والمراقبة.

حدَّت الدولة العثمانية من نشاط القنصليات والإرساليات، وكيفية التملك والهجرة ومراقبتها.

تغيير موظفي الموانئ ومراقبتها لاكتشاف رفع تقارير كاذبة رفعت للسطان عن دخول اليهود لفلسطين.

في عام 1890م، أصدر السلطان أمرًا بردِّ كل المهاجرين وطردهم إلى أمريكا؛ لافتعالهم الأكاذيب ودورهم في تغيير متصرف القدس، وعدم قبول طلبهم بأن يكونوا من «رعايا الدولة العلية العثمانية».

أصدر السلطان أمرًا بمنع بيع الأراضي الأميرية لأي سبب كان حتى لا تتسرَّب لليهود.

أصدر السطان بعدها أمرًا بمنع أي يهودي، ولو كان من رعايا الدولة، من التملُّك في فلسطين.

قام السلطان (رحمه الله) من شراء كثير من الأراضي من ماله الخاص عندما سمع بدفع اليهود ثلاثة أضعاف سعر الأراضي.

قام متصرف القدس وبأمر من السلطان بالاهتمام بالنواحي الاقتصادية وإعمار الأراضي ومعالجة حالة الفقر والقيام بمشاريع زراعية، واستصلاح الأراضي لتكون مصدرًا للرزق وخاصة في منطقة السبع التي زارها، وإلحاق القدس بالتطوُّر، ولتحسين الوضع الاقتصادي للناس، وتخفيف الضرائب على الأراضي لتقليل تسرُّبها لليهود.

تم تغيير موظفي الدولة عدة مرات لتعاونهم واشتراكهم بتسريب الأراضي والتساهل مع المهاجرين الأجانب وخاصة اليهود.

أخذت الدولة تراقب وتحارب بعض الدعوات الفكرية والانفصالية والطائفية.

استعداد الدولة العثمانية للقتال والدفاع عن البلاد، ومحاربة الصهيونية والماسونية العالمية، وملاحقة الجمعيات السرية من الاتحاديين واليهود والخونة من العرب والترك.

محاولة توحيد أمة الإسلام أمام هذه القوى الغاشمة.

العمل على إشعال حرب واسعة فيما بين الدول الأوروبية لتدمير نفسها ولتبقى الدولة العثمانية بعيدة عن الحرب؛ وبذلك تأخذ الدولة فسحة من الوقت لالتقاط أنفاسها وتجديد شبابها.

هذا باختصار هو موقف خليفة المسلمين الذي لخَّص مواقف السلاطين من قبله وموقف الدولة من إنشاء كيان يهود.

والملاحظ أن كل هذه القوانين كانت من أجل منع قيام كيان لليهود الذين قاموا، وبالتعاون مع الدول الغربية، بالالتفاف عليها وافتعال الفتن وإثارة الشكوك على كل موظَّف مخلص لإقالته من منصبه حتى حاولوا إزاحة السطان عبد الحميد الثاني نفسه لرفضه مقابلة هرتسل ومحاربته للتنازل عن فلسطين، ورغم إغراءاتهم واستعدادهم لتتخلى دول أوروبا عن مساندة الأرمن، وتسديد أغلب ديون الدولة العثمانية، ودعمهم في إنشاء أسطول عثماني قوي، إضافة إلى مبلغ كبير كرشوة للسلطان؛ إلا أنهم نجحوا في عزل السلطان (رحمة الله) وتسريب فلسطين لليهود بمؤامرة كبرى.

      وبعد إزاحة السلطان عبد الحميد الثاني، جاء دور الكماليين. وفي هذه المرحلة، وبعد أن دفع السلطان ملكه وعرشه ثمنًا للدفاع عن فلسطين ومنع  توطين اليهود فيها؛ حيث تولَّت جمعية الاتحاد والترقِّي، وهي الجناح العسكري لجمعية تركيا الفتاة، لمقاليد الحكم في الدولة العثمانية. وكان الكماليون عملاء للإنجليز، وهم مرتبطون ارتباطًا عضويًا بالإنجليز واليهود، والذين وقعوا تحت تأثير الماسونية والصهيونية كما اعترف بذلك أنور باشا لجمال باشا، أحد أركان جمعية الاتحاد والترقي وقائد الجيش الرابع العثماني بأن رجالات جمعية الاتحاد والترقِّي وقعوا تحت تأثير الماسونية والصهيونية.

وكانت دعوتهم تقضي بالتخلي عن أراضي الدولة العثمانية بدون ثمن؛ لذلك قبلوا عرض اليهود شراء فلسطين. ومع  دخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وتوريطها بالحرب، تمَّ تجنيد جهاز استخباراتي يهودي للعمل لصالح بريطانيا ضد العثمانيين ورصد تحركاتهم العسكرية ما ساعد اللَّنْبي لدخول فلسطين عام 1917م، وصدور وعد بلفور. وكذلك تمَّ استغلال المؤسسات الأجنبية مثل المدارس والمستشفيات والإرساليات التي  أنشئت أصلًا لتتحول إلى مراكز علاجية واستخباراتية، وكرأس حربة للحروب الصليبية على مرِّ العصور؛ فكان عصر الكماليين هو العصر الذهبي لليهود؛ حيث زاد عددهم في فلسطين، وزاد تسريب الأراضي لهم. ولما انهزمت الدولة العثمانية ضاعت فلسطين بيد الإنجليز الذين سرَّبوها لليهود بالطرق العسكرية والتآمرية والخيانات.

وفي الختام نقول إن أرض الإسلام وفلسطين خاصة تعيش حالة اشتياق عظيم وكبير للقيام بواجبها الشرعي الذي يقضي بضرورة تحريرها، والذي لا يتمُّ إلا بوجود دولة الخلافة الراشدة، أي دولة إسلامية جامعة لكل أمة الإسلام، وهذا يحتاج عملًا دؤوبًا، يصل فيه العاملون الليل بالنهار، وبالتكاتف والتعاضد مع الأمة لإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تكون على منهاج النبوة لتنهي غدر الدول الغربية واليهود واستيلائهم الهمجي على أراضي المسلمين.

إن المسلمين، لا ولن ينسوا فلسطين ولا أراضي الإسلام المحتلة غيرها مهما طال الزمن. فقضية فلسطين هي قضية سياسية عسكرية، وقبل ذلك هي قضية مبدئية، تتطلب تحريك الجيوش لإعادتها… وإنه لا يمكن حلُّ هذه القضية من خلال المفاوضات والاتفاقات والتطبيع مع كيان يهود، بل لا بد من تحريك أهل الجيوش والتوجُّه إلى فلسطين. وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال خلافة راشدة، والتي ستكون كما كانت من قبل، تفتح  الصفحات الناصعة وتطمس ما فعله السفهاء من الخونة من أبناء جلدتنا الذين اتخذوا اليهود والنصارى أولياء من دون الله ومن دون المؤمنين؛ ليعود للقدس وإسطنبول ومكة المكرمة والمدينة المنورة ودمشق وبغداد وقرطبة بهاءها، ولتعود لها احتفالات النصر وتعلو راية العقاب أبنيتها، وليس ذلك على الله بعزيز.

هذا هو تاريخ دولة الخلافة الإسلامية زمن العثمانيين، وإنه لتاريخ مشرق، فقد كانت دولة مبدئية، أدخلت الشعوب في دين الله وحافظت عليهم ورعتهم، وقاتلت منفردة الغرب مجتمعًا، وكسرت كل حروبه الصليبية على الأمة الإسلامية، وكانت دولة أولى ومتفرِّدة في حكم العالم لقرون، ووصلت إلى ما لم يصل إليه غيرها من نشر قيم الحياة الراقية التي جاء بها الإسلام على كل الصعد، الروحية والإنسانية والخلقية والمادية، ووفَّرت لرعاياها من المسلمين وغير المسلمين حياة إسلامية هانئة مطمئنة، قائمة على إحقاق الحق ونشر العدل، وكانت باعثة للشعوب الأخرى للدخول في هذا الدين، وتوسع الدولة حتى حكمت جوانب العالم المختلفة.

واليوم يقوم في تركيا بقيادة أردوغان حكم يُتهم من دول العالم بأنه يريد بعث العثمانية من جديد. ولكن السؤال هو: هل المطلوب هو بعث العثمانية، أم بعث الخلافة الراشدة؟! وهل بعث العثمانية هو بعث للدين من جديد، أم بعث لتاريخ وتراث قومي عرقي وطني قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نتن منتن؟!، وهل يتبنَّى أردوغان مفاهيم الخلافة الراشدة أم مفاهيم الإسلام المدجَّن المعدَّل المطوَّر الذي يأخذ من الغرب أحكامه في رعاية شؤون الناس العامة، والذي يبيح فيه أردوغان لنفسه أن يتعامل بالربا، ويقيم علاقات ديبلوماسية مع اليهود، وما يستتبع ذلك من تعاون معهم على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخبارية والأمنية، ويدخل في تحالفات مع دول الكفر ولو كانت ضد بلاد المسلمين الأخرى كما حدث في أفغانستان ويحدث في سوريا وليبيا، وحتى في خلافه مع الأكراد نراه ينطلق من منطلق وطني قومي نتن وليس من منطلق إسلامي… فعلى المسلمين أن يكونوا واعين فيتوجهوا إلى ما يرضي الله حقًا لا ادعاءً. فالخلافة الراشدة الموعودة هي أبعد ما يكون عنها أردوغان، إنها الخلافة على منهاج النبوة، كخلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم أجمعين.

نسأل الله أن نكون من أئمتها وجنودها وشهودها قريبًا بإذن الله… اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *