العدد 414-415-416 -

السنة الخامسة والثلاثون – رجب وشعبان ورمضان 1442هـ – شباط وآذار ونيسان 2021م

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ

يتطلَّع المسلمون إلى التغيير، وهذا التطلع مبني على أساس العودة إلى دينهم كمشروع حكم وكمنهج حياة كما أراده الله، وهذا ما يعي عليه الغرب ويستنفر كل إمكاناته ويستعمل كل مكره وإجرامه لمنعه؛ وعليه يقوم صراعٌ حضاريٌّ وعسكريٌّ شديدٌ في المنطقة بين الإسلام والغرب يسعى المسلمون فيه بكل كدٍّ وجدٍّ وإصرار للوصول إلى إظهار هذا المشروع امتثالًا لأمر الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣) وعندما نقول المنطقة، لا نقصد بذلك منطقة الشرق الأوسط فقط، بل هي وكل مناطق فيها للمسلمين وجود، سواء في الصين، أم في الهند، أم في تايلند، أم في بورما، أم في أفغانستان، أم في منطقة آسيا الوسطى، ولكن تبقى منطقة الشرق الأوسط هي في موقع القلب والعقل في هذا الصراع.

وهذا الصراع ليس حديث المنشأ، بل هو ممتد من فجر الإسلام إلى قيام الساعة؛ ولكنه يأخذ أشكالًا مختلفة، وهو اليوم يأخذ شكل أن الأمة مسلوبٌ سلطانُ الإسلام منها، وهي تريد أن تستعيده، والغرب يعمل على منعه.

أما الغرب، فإنَّ حضارته التي تسود في العالم اليوم، وهي، كما نرى ونسمع، قد جرَّت على البشرية حروبًا ومآسي وأزمات لا تُحصى، وأزْرَت بالمستوى الإنساني حتى وصلت به إلى الحضيض، على كل صعيد، وفي العالم أجمع، وبات الجميع يتطلعون إلى التخلص منه.

وأما الإسلام، فقد حكم وساد من قبل، وكان تاريخه مشرِقًا يفخر به المسلمون، ويمتدحه المنصفون من غير المسلمين. وهو بوصفه مبدأ وحضارته إنسانية، فإنه ما زال بعقيدته وأحكامه صالحًا كما كان من قبل لأن يحكم العالم وأن يعيد سيرته الأولى. فالإسلام عندما سقطت دولته منذ مائة سنة لم يسقط بسبب فساد تصوُّره للحياة وفشل أحكامه ومعالجاته لمشاكل الإنسان، بل على العكس من ذلك؛ ولكن فلأن المسلمين قد ضعف فهمهم للإسلام وأساؤوا تطبيقه؛ ما أدى إلى سقوط دولته، فسقوطها كان سببه قصور المسلمين ولم يكن قصور الإسلام، بينما نرى أن الرأسمالية هي فاشلة بتصوُّرها للحياة وبأحكام معالجاتها لمشاكل الإنسان، وشتَّان ما بين الأمرين. فالإسلام، كان وما زال هو الصالح، وما على المسلمين إلا أن يُحسنوا فهمه وإيصاله إلى واقع الحياة وبالتالي أن يُحسنوا تطبيقه. وأما الرأسمالية، فإنها قد أثبتت فشلها، سواء في عقيدتها القائمة على الحل الوسط، أم في معالجاتها الاقتصادية القائمة على تحكم حفنة من الأغنياء بثروات العالم، وقيامهم بعملية نشر الفقر في العالم والقضاء على التنمية المستدامة في مختلف البلاد في العالم عن طريق فرض الديون الخارجية الربوية على دول العام، ووضع يدهم على مقدرات الشعوب وثرواتها والتحكم بها، ومنع الدول من امتلاك القدرات العلمية والصناعية التي تمكنهم من الاستقلال الاقتصادي عنها… أوعلى الصعيد الاجتماعي، فإن الرأسمالية بأحكامها القائمة على الحريات العامة تعتبر هي المسؤولة عن انتشار الرذيلة والفساد، وشيوع الأنانية، والتفكك الأسري والخواء الروحي؛ حتى باتت شعوبهم تشكو مما هي فيه وتريد الخروج منه، ولا تملك لنفسها سبيلًا…

 من هنا كان الإسلام هو المبدأ الصالح الوحيد الذي بإمكانه إخراج الناس والشعوب، بمن فيها الشعوب الغربية نفسها، من جور الرأسمالية إلى عدل الإسلام، ولعلَّ ما نراه من إقبال أفراد يتعدى عددهم عشرات الآلاف سنويًا على الإسلام في عقر داره، لهو خير دليل على قولنا هذا.

وهناك أمر لا بد من ذكره، وهو أننا عندم نقول إن الإسلام هو المبدأ الصالح الوحيد لقيادة البشرية فكريًا وعمليًا، لا نقول ذلك لأن الرأسمالية فشلت وبالتالي فإن الإسلام هو البديل هكذا من غير أهلية له في ذلك… ولا لأن الإسلام قد حكم من قبل ونجح وكانت دولته هي الدولة الأولى في العالم هكذا فقط لأنها إرث جميل، أو من باب التغنِّي بالأمجاد، وبما أنه قد نجح في ذلك من قبل فإنه سينجح اليوم… كلَّا؛ بل لأن الإسلام هو قبل كل شيء هو دين ربَّاني، وأحكامه من لدن الخالق المدبِّر، العليم الخبير الذي يعلم ما خلق، وبالتالي كما أن له الخلق فإنَّ له الأمر، وعليه فإن الإسلام يملك التصوُّر الصحيح عن الكون والحياة والإنسان قطعًا لا يتغير هذا المنطلق؛ لذلك كانت أحكامه تعالج حقيقة مشاكل الإنسان معالجة صحيحة قال تعالى: (أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٤)[الملك: 14] ومن هنا كانت أحكامه تخالف أحكام الرأسمالية القائمة على (فصل الدين عن الحياة) مخالفة جذرية، فما من مشكلة يواجهها العالم اليوم إلا ويملك الإسلام حلَّها، بدءًا من الفكر الأساسي الذي يقوم على عقيدة عقلية تنضبط بها بالفطرة السليمة و توجد الاطمئنان عند المؤمن بها، وتبعد عنه القلق والاضطراب في حياته بما يملك من معالجات تفصيلية توافق غرائزه كلها وبشكل متَّزن، فلا تكون على حساب بعضها، وعلى هذه المعالجات تستقيم حياة الفرد من كل جوانبها، وتتحقق القيم الروحية والخلقية والإنسانية والمادية لديه جميعها وبشكل متوازن، وتقيم له دولة ترعى شؤونه، وهذه الدولة تقيم له حياة اجتماعية مستقرَّة ملؤها الود والرحمة، فلا زنا، ولا شذوذ، ولا ضياع نسل، ولا علاقات جنسية خارج الزواج، ولا تفكك أسري… بل زواج وعفَّة وتماسك أسري وتكافل اجتماعي… وفي الاقتصاد، توجد له الدولة الكفاية في حاجاته الأساسية، وتمنع كل ما يؤدي إلى تجمع المال رأسيًا وعموديًا في أيدي فئة من الأغنياء، بل تعمل على تفتيت الثروة أفقيًا لتطال أوسع شريحة من الناس، نرى ذلك في أحكام المواريث، وفي أحكام شركات المضاربة التي تجعل الفقير صاحب الخبرة شريكًا للغني صاحب الثروة، ونراه في أحكام الملكيات العامة التي توزع أموال المناجم والنفط الطائلة على الرعية كلها، وهذا غير موجود إلا في الإسلام، وفيه، وفيه… وسياسته الخارجية التي ترعاها دولته، دولة الخلافة، تقوم على نشر المبدأ وإدخال الناس في رحمة الإسلام وعدله، لا على استعمار الشعوب ونهب خيراتها، دولة تعامل رعيتها بالسواسية، ولا تفرق بين المسلمين وغيرهم في النظام العام لقوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا٥٨) فكلمة الناس تشمل المسلمين وغيرهم من رعايا الدولة الإسلامية.لقد مضى على سقوط الدولة الإسلامية مئة سنة عانت فيها شعوب العالم، وعلى رأسهم الشعوب الإسلامية، ويلات الرأسمالية، على مختلف الصعد، حتى بات  مِن أهلها مَن يتوقع قرب انهيارها وانهيار منظومتها الدولية، وتحدث به الكثيرون منهم، (وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ) فهناك تصريحات لمفكرين وباحثين غربيين يتوقعون هذا السقوط من غير أن يذكروا البديل، وهناك تصريحات لبعضهم يتوقَّعون فيها الإسلام كبديل… إذًا، يوجد في الواقع اليوم المبدأ الرأسمالي الذي أثبت فشله على كل صعيد… وتوجد لدى شعوب العالم حاجة ماسة للتغيير، وليس فقط لدى المسلمين… ويوجد المبدأ الصالح لقيادة الناس، وهو الإسلام؛ فهذا كله يشير إلى أن مستوى الصراع الحضاري في العالم قد وصل إلى حالة مثالية بين مبدئين متناقضين: مبدأ الإسلام القائم على العبودية لله وحده، ومبدأ (فصل الدين عن الحياة). وتقوم بين قطبين: دول غربية وعلى رأسها أمريكا ومعها دول العالم الفاعلة في المسرح الدولي وبين الأمة الإسلامية ويقودها حزب التحرير الذي يجتهد لأن يكسب مع الأمة هذا الصراع بكسب رضى الله عنه في عمله قبل كل شيء، فينطبق عليه أنه ثلة الخير، وأنه تلك الطائفة المنصورة التي تسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقيم الله سبحانه وتعالى به خلافة الخير في آخر هذا الزمان.

 إن ما تناولناه من هذا الصراع ليس حديث الولادة، بل نسأل الله أن تكون دورة التغيير قد اكتملت، وولادة خلافة الخير التي تحكم بما أنزل الله قد أذنت لربها وحُقَّت . وإنه إذا كان من طبيعة التغيير الكوني الذي يصاحبه تغيير حضارة وزوال دول وتغير في مواقع دول… أن يكون بطيئاً ويحتاج إلى تغييرات عميقة في الأمة حتى يتحقق؛ إلا أننا نرى عجلة التغيير اليوم تسير بشكل سريع، وباتت متوقعة حتى من أعدائه الذين لا يفتؤون يحذِّرون العالم من حدوثه.

نعم، إن الأمة كلها من أدناها إلى أقصاها، قد جمعت بينها المصيبة بما تعانيه من ضنك الحياة نتيجة بعدها عن التحاكم لشرع الله في شؤون حياتها، ونتيجة الحملة الرأسمالية الكافرة عليها، وباتت على رؤية رجل واحد تدرك أن لا منجى ولا ملجأ لها إلا إلى الله. وكذلك فقد بات الحزب على قدرة واستطاعة على القيام بأمر الله، إذا ما أتى، وأن يقوم بحقه بعد تلك السنوات الطويلة الشديدة التي قضَّاها شبابه في غمارها، والأمر لم يعد يحتاج سوى إلى ثلة خير من المؤمنين من أهل القوة من المسلمين، من الذين يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا، من الذين يكتوون من هذا الظلم الواقع عليهم مثلهم مثل أمتهم، فيمدون أيديهم إلى حزب التحرير ويعطونه صفقتها، وينصرونه، أو لنقل وينصره الله بهم، وينطبق عليهم وصف (أنصار الله)في قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ).

إن الثقة بنصر الله، والأمل بوعده سبحانه وببشرى رسوله الكريم لا يتزعزعان، وكما كان التدخل الرباني موجودًا مع كل نصر كان يأتي من الله لرسله، من جعل النار بردًا وسلامًا على سيدنا إبراهيم، ومن شق البحر لسيدنا موسى، ومن إيمان الأنصار في ساعة من نهار في المدينة مع مصعب، وحفظه للرسول الأكرم في طريق هجرته… فإن النفس مشتاقة لترى أي نوع من هذا التدخل الرباني ينتظرنا… وعلى الله قصد السبيل. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *