العدد 411 -

السنة الخامسة والثلاثون – ربيع الثاني 1442هـ – تشرين الثاني 2020م

الهوية الحضارية للأمة الإسلامية، ضمانة الرقي والنهوض والخيرية! (1)

ثائر سلامة، أبو مالك

يقول أحد كبار رموز التخطيط الاستراتيجيّ للولايات المتّحدة الأمريكية، المستشرق المعاصر»برنارد لويس»: «لقد كانت عادتنا الّتي تعوّدناها في العالم الغربيّ هي أنه كلّما اتّجه الشرقيّون إلينا ازداد تمسُّكنا بالغرب لنجعل أنفسنا مثالًا للفضيلة والتقدُّم. فإذا تشبّهوا بنا عددنا ذلك أمرًا حسنًا، وإذا لم يكونوا كذلك عددنا ذلك سوءًا وشرًّا؛ فالتقدّم هو في التشبّه بنا، أمّا إذا لم يقتدوا بنا فذلك هو التقهقر والاضمحلال!! إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك بالضرورة، فعندما تصطدم حضارتان تسيطر إحداهما وتتحطّم الأخرى، قد ينبري المثاليّون والمفكّرون فيتحدّثون بطلاقة وسهولة عن تزاوجٍ بين أحسن العناصر من الحضارتين، إلاّ أنّ النتيجة العاديّة في هذا التلاقي هي تعايشٌ بين أسوأ العناصر من الاثنين»1.

وقال يوجين روستو2 Eugene Rostow: «يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب؛ بل خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية… إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا هي جزء مكمل للعالم الغربي فلسفته وعقيدته ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام، وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية؛ لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها»3.

تتشكل الهوية الحضارية المميزة لأمة من الأمم، بامتلاكها رؤية معينة عن الحياة، تقوم على مجموعة من القيم الاجتماعيّة والمعارف والمعتقدات والفنون والأخلاق والتقاليد والفلسفة، أي على عقيدة انبثق عنها تشريع يصوغ الحياة، يتمثل في طريقة للعيش، وينعكس على صورة قيم يرتضيها المجتمع، ومقاييس وقناعات تحكم بها الدولة، يُوثَّقُ في إطارٍ قانونيٍّ يَتَمَثَّلُ بدستورٍ وتشريعاتٍ تصون تلك القناعات والمقاييس والقيم وتحميها وتطبقها، حتى تتحول إلى تقاليدَ وعُرَفٍ مجتمعيةٍ راسخةٍ، مما يعطي تلك الأمة شخصيةً معينةً، وتجانسًا فكريًا سُلوكيًا قِيَمِيًّا يكفُل للإنسانِ السعادةَ والطمأنينةَ؛ وحيث إن سلوك الإنسان الذي سنحكم من خلاله بأنه إنسان راقٍ ناهضٌ، أو على النقيض: منحطٌ،

وكذلك الحكمُ على علاقاتهِ الـمُجْتمَعِيَّةِ، أي على النظام الذي سيصوغ حياته فردًا وكائنًا مجتمعيًا، مرتهنٌ بسلامة ذلك التصور الشامل للوجود، ومبنيٌّ عليه، أو منبثقٌ عنه انبثاقًا ينتج منهجَ سلوكٍ، ونظام حياة تَمَثَّلَ في طريقةٍ في العيش، وتجلَّى قيادةً فِكريةً يخوضُ غَمَراتِ الحياةِ مُقْدِمًا أو مُحْجِمًا، وَفقًا لما تُقررهُ لهُ من صواب وخطأ، من خير وشر، أو حق وباطل، فلنا أن ندرك خطورة وأهمية امتلاك التصور العقدي الصحيح، والنظام المنبثق عنه على حياة الإنسان والمجتمع والدولة! وأما من ارتضى أن يعيش الحياة سبهللة من غير ما مقاييس ولا مفاهيم ولا قناعات، أو بمقاييس وقناعات مختلطة، يكون خيرها خيرًا يومًا، وشرًا يومًا آخر، فليس يعنينا، ولا نرتضي أن نجعله مثالًا ننهض وفقًا له!

خصائص ومقومات الحضارة الإسلامية معجزة! فكيف استبدل بها المسلمون غيرها؟!

ولئن أنعمنا النظر في مقومات الحضارة الإسلامية وخصائصها التي ميزتها على غيرها من الحضارات، فإننا سنجد أنها تميزت بِرِقيِّ تَصَوُّرِها عن الكون والإنسان والحياة، ثم في تَمَثُّلِ هذا التصورِ في إطار منهجٍ عقديٍّ شاملٍ راقٍ كُلِّيٍّ غَائيٍّ يفسرُ الكونَ والحياةَ، ويحدد علاقات الإنسان بالحقائق الكونية الكبرى4، وعلاقاتها هي بالإنسان، على وجه صحيح، ويوضح له غايته من الوجود، ويبينُ للإنسان موقعه ومسؤولياته ودوره في الحياة، رابطًا ذلك بما قبل الحياة الدنيا، وما بعدها.

ولقد صبَّ الإسلام ذلك المنهج العقدي الشامل في قالب «ذاتيٍّ مستقلٍّ، وفق طبيعته الكلية، التي تخاطب الكينونة البشرية جملةً، بكل مقوماتها وطاقاتها، ولا تخاطب «الفكر البشري» وحده خطابًا باردًا مصبوبًا في قالب المنطق الذهني»5، فكان عقيدةً نابضةً بالحياةِ، لا فلسفة جافَّةً باردةً، كان مفاهيم حيوية تحرك النفوس، وتبعث في أرجائها السكينة والطمأنينة والتأثر والتأثير، والانطلاق لحمل رسالته، والثقة المطلقة بالوصول للحقيقة المطلقة!

وزاوج الإسلام في الأهمية بين ذلك التصور العقدي، وبين النظام المتمثل في طريقة العيش، فسنَّ الإسلامُ للإنسان مسؤولياتٍ وواجباتٍ وعلاقاتٍ مجتمعية، وفلسفةً متكاملةَ الأسسِ والمقوماتِ، منبثقةً من ذلك التصوُّرِ الاعتقاديِّ وتستندُ إليهِ، تتعلقُ بنفسِهِ وأسْرَتِهِ ومجتمعه ودولته بل وبالبشرية جمعاء، تحقق العدل والإنصاف وتوازن بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة والحق العام، ومتميزةً «بالدقة المتناهية في بناء الأحكام حتى لكأن الدارس الباحث في مسائل الفقه الإسلامي وآراء الفقهاء ونظرياتهم يشعر كأنما هو أمام ميزان حساس يوزن به الألماس، وتظهر به الفروق بين المتشابهات مهما دقت وغمضت»6،

ولقد وسِعَ التشريعُ الإسلاميُّ واستوعبَ مشاكلَ الإنسانِ؛ فقد عالج الإسلامُ المشاكلَ علاجًا جذريًا متعلقًا بجنس الإنسان، لا علاجًا متعلقًا بزيد أو عبيد، وراعى في العلاج زاوية تعلق العلاج بالأفعال، وأنزل الأحكام على الوقائع، وتميَّز التشريع الإسلامي «بالغنى بالنظريات القانونية في تنظيم الحقوق والالتزامات ومصالح المجتمع بصورة شملت كل شُعَبِ القانون المعروفة إلى اليوم، مبتدئة من علاقة الإنسان بأسرته من أحكام الزواج إلى الميراث وما بينهما، وتنتهي بأحكام القانون الدولي المنظم لعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الأمم والدول سلمًا وحربًا. كل ذلك نظَّمه النظام القانوني في الشريعة الإسلامية بأعدل القواعد، وأحكم الأحكام، وأسمى المبادئ وأخلدِها وأكثرِها رعايةً للمُثُلِ الإنسانيةِ العليا، وتطعيمًا للعنصر القانوني بالعنصر الخلقي.»7

كما وتميَّز التشريع الإسلامي بنصب مجموعة من القيم الرفيعة، ومكارم الأخلاق8، والمقاصد التشريعية، وراعت ذلك في حال التشريع والتطبيق مما يفضي للدمج بين القوانين والتشريعات وبين غاياتها، فيلمس أثرها في المجتمع نظامًا متجانسًا متكاملًا فعَّالًا، يأخذ بعضه بركاب بعض، ويجد المرء والمجتمع وازعًا من التقوى والقيم والأخلاق حين التطبيق، فيفضي للسعادة والاستقرار، وهذا كله مما لم يدرك الشارعون البشر شيئًا منه ولا خطر لهم ببال!

وحرص الإسلام كل الحرص أن يتمثل هذا النظام وهذا التصور العقدي على صورة عُرفٍ مجتمعية، وأضحى الخروج على القيم والأخلاق والمقاييس والمفاهيم والقناعات التي وضعها الشارع جريمة يعالجها الشارع على مستويات عدة تتناسب مع حجمها، فمن مسؤوليات مجتمعية تتمثل في النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحاسبة والتغيير إلى الأطر على الحق أطرًا، ومنع مجالسة فاعل المنكر، إلى رفع السيف واستعمال القوة لتغيير المنكر، إلى مسؤوليات الدولة من العقوبات، إلى غير ذلك من الأطر التي تحافظ على سواد مجموعة القيم والمقاييس والقناعات المنبثقة عن العقيدة والتي تشكل الإطار الناظم للشريعة وأحكامها، والتي توجد نمطًا خاصًا من العيش، ونظامًا يصلح به الإنسان ويسعد به، ومنظومة من العُرَفِ التي يعتبر نقيضها منكرًا محارَبًا منبوذًا!

يقول القاضي د. وفيق زين العابدين: «التشريع الإسلامي يحمي القيم الأخلاقية والإنسانية بنصوص أكثر فعالية من التشريعات الوضعية: فليس هناك دائرة منفصلة للتشريع عن دائرة الأخلاق، وهذه إحدى سمات التشريع الإسلامي فحسب؛ إذ توجَّه العقوبات في الشريعة الإسلامية قِبل كل ما يمس الأخلاق الفاضلة دون أن يتوقف ذلك على رضا المجني عليه أو تخلُّفِ ضررٍ ما عن الجريمة؛ لأن غرض حماية الأخلاق يعلو على غرض حماية المجني عليه في حد ذاته، باعتبار أن الغرض الأول يتعلق بالمصالح المشتركة والنظام العام للمجتمع، والتراضي بين الجاني والمجني عليه لا يجعل الفاسد صالحًا ولا يُحل ما حرم الله؛ لذا فالشريعة تعاقب على شرب الخمر والردة والفُحش والزنا والفجور والشذوذ بغض النظر عن رضا طرفي الجريمة، ولا سلطان للحاكم في العفو عن هذه الجرائم؛ لأن التساهل في شأنها يؤدي إلى تحلل الأخلاق، وفساد المجتمع واختلال أمنه ونظامه.»9

وقد كان الملمح الأهم للتشريع الإسلامي متمثلًا في انبثاق النظام عن المعتقد «انبثاقًا ذاتيًا، غير مفتعل»01 فكان عميق الجذور، منسجمًا مع العقيدة التي قام عليها، خاليًا من التناقضات والاختلافات والنقص والخلل والعبثية، تتكامل نظمه السياسية، بشكلها المحدد، وخصائصها الرعوية، الضامنة لتحقيق العدل والأمن وإحقاق الحقوق، وفض الخصومات، والرعاية الصحية والتعليم، ونشر الدعوة والحفاظ على المبادئ التي قامت عليها الدولة، مع فلسفته الاقتصادية الاجتماعية، بكل أسسها ومقوماتها الهادفة لبناء المجتمع وفق نظام ضامن لكفالة الحاجات الأساسية «تتوازن فيه حقوق المرأة وحقوق الرجل، وحقوق الفرد وحقوق الجماعة، وحقوق المجتمعات، فلا يسحق الفرد باسم الجماعة ولا تهدر مصالح الجماعة لمصلحة فرد أو حزب أو فئة، يقوم على التكامل بين الأفراد الذكر والأنثى كل له رسالة محددة يكمل بعضهم بعضًا. والناس بمجموعهم تقوم حياتهم على التكامل لا على الصراع، تقوم على أن يحب الفرد المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، فهم كالبنيان وكالجسد الواحد يكمل بعضهم بعضًا. الغني مع الفقير تقوم حياتهم على التكامل والتكافل لا على الحسد والتباغض والصراع الطبقي المقيت الذي يظهر في المجتمعات الرأسمالية المعاصرة، وأيضًا التكامل في المهمات المتعددة والمناشط والمواهب الإنسانية التي يكمل بعضها بعضًا، فلا يمكن للفرد أن يصنع لنفسه كل حاجاته ولكن الجماعة في الإسلام يتحقق في رحابها جميع معاني التكامل في الحياة والتكافل الذي يحقق مصالح الدنيا والآخرة»11 وتوزيع الثروات والاستفادة من المرافق والخدمات.

ويشكل هذا التكامل ضمانة لفعالية تلك الأنظمة، وبصورة تتواءم حلوله مع فطرة الإنسان، ومع عناصر كينونته الإنسانية، فتتعامل مع مقوماتها، وطاقاتها، ملبية حاجاتها الأساسية الحقيقية المنبثقة عن طاقة الإنسان الحيوية -ممثلة بغرائزه وحاجاته العضوية- تلبية متزنة غائية، راقية بالإنسان عن درجة البهيمية في إشباع تلك الغرائز والحاجات، غير متصادمة مع أشواقه الروحية، ومتناغمة -في الوقت ذاته- مع واقعه الإنساني المادي المجتمعي، غير قائمة على الأهواء والمصالح الآنية الضيقة، كما هو الحال في سائر التشريعات والنظم البشرية السائدة في العالم اليوم!

ولقد راعت تلك التشريعات الربانيةُ إنسانية الإنسان وعقله، وراعت أنه يعيش في عالم مادي، يعج بالمشاكل والنوازل، فكانت سمة التشريع المعجزة قدرته على النفاذ إلى أعماق المشكلات المختلفة، وما يؤثر فيها، وما يتأثر بها، والنظر إليها نظرة محيطة ستوعبة، مبنية على معرفة النفس الإنسانية، وحقيقة دوافعها وتطلعاتها وأشواقها، ومعرفة الحياة البشرية وتنوع احتياجاتها وتقلباتها، ثم وضع التشريعات الضامنة لإيجاد المجتمع الصالح والإنسان المصلح، وتحقيق المصالح للإنسان على وجه صحيح، يحقق الخير ويمحق الشر! يبسط العدل ويمحو الظلم!

ثم كانت معجزة التشريع الأخرى متجسدة في ربط التشريع بالقيم الدينية والأخلاقية، بحيث يكون التشريع في خدمتها وحمايتها، ولا يكون معولًا لهدمها، كما وتميزت الشريعة بما لا يوجد في غيرها من التشريعات، فقد جعلها الإسلام مقاييس مبنية على الاعتقاد، فكانت وازعًا عقديًا يزع الإنسان للالتزام بها مخافة الله، ومحبة في الله، ورجاء في جنب الله، مما يغني الإنسان عن الحاجة إلى قوة مصلتة عليه لتردعه ليلتزم القانون، بل تجعله يخضع لسلطان الله في السر والعلن، فلا يرى الإفلات من عقوبة الحاكم في الدنيا غنيمة ولا مكسبًا، فهو يعلم أن الله يراقبه، وعقوباتها دنيوية وأخروية.

ولقد تبلورت مجموعة القيم التي صاغتها الحضارة الإسلامية، والتي تؤسس للقناعات التي سيحيا عليها الناس، وترسخت في صميم العلاقات التي يقوم المجتمع عليها، فاقترن حفاظ الأمة والمجتمع على منظومة تلك القيم وحراستها، ومنع أضدادها أو ما يفسدها، برقي الأمة ونهضتها، وخيريتها، وانسجامها مع نفسها، واقتعادها مقعد الذروة أمام غيرها من الأمم، فكانت حصنًا منيعًا شديدًا يحمي ويحفظ، واقترن تغلغل الخلل لفهم وسيادة تلك القيم في الأمة بهبوطها وفرقتها، وتضعضع بنيان ذلك الحصن المنيع، حتى أصبحت -حين جافت التشريع الإسلامي ونأت عنه- نهشًا لسهام أعدائها، فوضعت الأمة في مهب ريح الاستعمار والاستحمار والتبعية.

ومع ذلك، فإن لقوة العقيدة الإسلامية، وصحة ودقة الشريعة الإسلامية من الأثر ما جعل الأمة وهذه الحضارة تصمد أمام زلازل ونوازل وحملات صليبية ومغولية وأمام محاولات إفنائها مرة بعد مرة، وعلى مدى قرون طويلة، وحقب متراخية، تراوحت بين الشدة والرخاء، والتطبيق البشري الحسن والسيئ لهذا النظام الرباني،

ولا يمكن أن ترتقي هذه الأمة وتقتعد مكانها السامق ثانية إلا إن حرصت على أن تسقي تلك الحضارة ومكوناتها حتى تبقى وارفة الظلال، شديدة الخضرة، فتبلور مفاهيمها -ثانية- بلورة دقيقة، تحسن فيها فهم تلك القيم ودورها في النهضة، وتصفيها مما علق بها من الشوائب في عصور الانحطاط، وتربط كل فكر فيها بالوحي، وتنقيها مما أدخل عليها من مفاهيم وقيم الحضارات الأخرى، وكلما أحسنت الأمة الإسلامية ذلك كانت أقدر على النهوض والسير في معارج العلا!

اهتزاز الهوية الحضارية للأمة الإسلامية

أما وقد اهتزت الهوية الحضارية للأمة الإسلامية في الواقع بعد أن أضحت نهبًا لكل طامع، فقد اختلَّ هذا النسيج، فوجدنا الأمة تعتقد شيئًا ولكنه لم يتمثل طريقة للعيش لديها، وشاهدنا اتساع شقة التباعد بين القيمِ التي تصوغ السلوكَ العامَّ عن تلك القيم التي ارتضاها الناس في مفاهيم الأعماق لديهم؛ أي ابتعدت عن المحتوى الفكري للرؤى والقناعات التي يمتلكها الناس، والتي تقوم على العقيدة الإسلامية، فكان واضحًا للعيان أن الناس تعيش في غربةٍ وتناقضٍ.

والأنكى من ذلك أن يُحكَمَ المسلمون بأمر مناقض لعقيدتهم ودينهم رغمًا عنهم، فثمَّ الشقاء الروحي والتعاسة ونكد العيش، والضعف والتردي، والانحطاط والهبوط!

ولقد كانت الحملة العالمية شديدة الفتك حتى إن جموعًا كثيرة من الأمة، في العقود الأخيرة منذ أواسط القرن العشرين، كانت قد اعتقدت عقيدة أمشاجًا خلطت تصورات رأسمالية ليبرالية علمانية اشتراكية مع رؤى وقيم إسلامية، واستوردت قوانين غربية تناقض ما آمنت به من تشريعات ربانية، فلا تسل عندها عن حتمية أن ينتج الشقاء والتردي والانحطاط عن هذا، والأهم أن الأمة لن تتمكن من الانعتاق ولا النهوض إلا بالرجوع لهذا الأصل الذي تقوم عليه الحضارة فتنقيه من شوائب الاختلاط والتناقض!

وبدهي أنه لا يمكن لأمة فقدت هويتها الحضارية أن تقتعد أي مقعد بين الأمم، ولن ترحمها الأمم الأخرى، بل ستكون بضعفها هذا، عرضة للنهب والسلب والسيطرة والاحتلال، فتكون أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام! خصوصًا إذا سادها شذاذُ الآفاق، رويبضاتٌ عملاء رعاةٌ لمصالح الغرب الكافر، باعوا أمتهم بثمنٍ بخسٍ كراسيَّ مهترئةٍ! 

1 برنارد لويس – الغرب والشرق الأوسط – تعريب نبيل صبحي – بيروت – د.ت – ص60 نقلًا عن نشوء الحضارة الإسلامية للأستاذ أحمد القصص.

2 رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن القومي، ومستشار للرئيس الأمريكي السابق ليندون جينسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967.

3 جلال العالم، قادة الغرب يقولون: أبيدوا الإسلام، دمروا أهله، القاهرة، المختار الإسلامي للطباعة ط 2، ص 24-25، وظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) في الغرب، أسبابها، مظاهرها، ونتائجها، إياد صلاح شاكر. دار الكتب العلمية، ص50.

4 الله، والربوبية، والألوهية، والملك والسلطان، والحاكمية، وصلة الخلق والتنظيم والتدبير.

5 خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، الشهيد سيد قطب رحمه الله، كَلِمَة في المنْهج.

6 الدكتور مصطفى الزرقا، خصائص التشريع الإسلامي

9 محاسن السياسة الجنائية الإسلامية، د. محمد وفيق زين العابدين، مجلة البيان العدد 288.

10 أنظر: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، الشهيد سيد قطب رحمه الله، كَلِمَة في المنْهج.

11 خصائص وأهداف النظام الاجتماعي في الإسلام، د. عبدالمحسن الصويِّغ. موقع الألوكة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *