العدد 238 -

العدد 328 – السنة الواحدة والعشرون، ذو القعدة 1427هـ، الموافق كانون الاول 2006م

رجال خير أمة

رجال خير أمة

 

نظرت إلى حالها كأم فوجدت أولاداً أفسد الغرب أفكارهم وأهواءهم حتى باتت الدنيا آخر همهم، ونظرت إلى حالها كزوجة فوجدت زوجاً شغله حكام الأمر الواقع بالسعي الحثيث وراء الرزق، بعدما غيّبوا عنه ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [الذاريات 58]، ونظرت إلى حالها كابنة فوجدت أباً مغلوباً على أمره أثقله الدهر عن فعل شيء، ونظرت إلى أمتها فارتد بصرها حسيراً عن وضع من الضعف والوهن ما جعل الغرب يتداعى عليها كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها…

ثم نظرت في عمق تاريخ المسلمين فوجدت حقاً محفوظاً لا يضيعه ظلم الظالمين، وشرفاً مصوناً لا يمسه حقد المبغضين… فاستصرخت النخوة والغيرة والتقوى في المسلمين، فهل من مجيب؟!

يا رجال خير أمة أخرجت للناس نحن قوارير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نستصرخكم فهل من مجيب؟؟

أنا أمك التي أوصاك الله ورسوله بها، أنا تلك التي رآك قلبها قبل عينها وأنت تنمو بين أحشائها، أنا من تجرعت ألم المخاض ليقدر لك أن ترى النور؛ فكان بطني لك وعاء وحجري لك حواء وصدري لك سقاء، أنا من أوصاك بها الله في كتابه العزيز فقال جل وعلا: ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) [لقمان 14]، أنا أمك التي أوصاك بحسن صحابتها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

أنا زوجتك التي حرم الله عليها الجنة إلا برضاك، أنا من أمرها رسول الله بحسن التبعل لك؛ أنا من أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أكون إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك… وأوصاك بي حين قال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً».

أنا ابنتك التي أعانك الله في رزقك من أجلها حين قال جل في علاه: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) [الأنعام 151]. أنا سترك من النار إذا أحسنت حفظي وتربيتي.

 نحن قوارير رسول الله، نحن شقائق الرجال، نحن نساء مؤمنات، نحن نساء الشيشان والبوسنة والعراق وأفغانستان وفلسطين وكل بقاع الأرض… نحن كلنا على كلمة سواء بيننا نستصرخ نخوة المعتصم فيكم… فأين أنت يا فاتح عمورية؟ يا من ركبت الأبلق وخرجت في مقدمة عسكرك لتجيب صرخة امرأة استصرختك؟! أما وقد انتهكت أعراضنا، واغتصبت نساءٌ منا وخرجت صرخاتنا مدوية بين أشباه الرجال:

رب وامعتصماه انطلقت من أفواه الثكالى اليتم          لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

أين أنت يا عمر بن الخطاب، يا حامل الدقيق والسمن على عاتقك للجوعى، يا فاروق الحق من الباطل؟ أين أنت ونحن نبيت تحت إمرة عملاء خون لا يخافون الله… بل يخافون على عروش واهنة زائفة، عملاء حَكّموا أنفسهم على رقابنا، نهبونا في وضح النهار ملء السمع والبصر، أين أنت لترانا نبيت على شظف العيش وارتفاع سعر الخبز، لقد سرقوا أقواتنا وأقوات أطفالنا، وأضاعوا ثرواتنا ودمروا اقتصادنا… أين أنت لترانا نبكي ونصرخ وتراهم يقطعون لسان الحق في أفواهنا بدلاً من أن يقطعوا أيديهم السارقة؟!

أين أنت يا من هبت فيك النخوة والغيرة فقدمت حياتك ابتغاء مرضاة الله في عرض امرأة استصرخت فيك إسلامك في سوق بني قينقاع عندما تطاول عليها شاب يهودي,   فعقد  ثوبها وكشف سوءتها عندما أبت أن تكشف عن وجهها، أين أنت في رجالنا ونحن يسلب حجابنا وتسن القوانين ضدنا في تركيا وتونس وفرنسا على مرأى ومسمع من العالم في سبيل منعنا من ممارسة ما فرضه الله على كل بنات حواء من لبس الحجاب.

أين أنت يا عبد الحميد الثاني يا خليفة المسلمين؟… أين أنت ترى فلسطين تلك التي هان عمل المبضع في بدنك على أن تراها قد بترت من دولة الخلافة، كيف أخذوها بلا ثمن، ولم يكتفوا بذلك وحسب بل عظم إثمهم حين مزقوا دولة الخلافة وأصبحنا أمة تفرقت شذر مذر وتمزقت وتجزأت إلى أكثر من خمسين دويلة هزيلة على أسس وهمية مصطنعة بعد أن كانت شمس الدنيا ومنارة التائهين. فوا أسفاه على أمة الوسط والخيرية التي أصابها ما تتمزق له الأكباد ويخط بقلم جريح على جبين التاريخ من ذل حل بالمسلمين بعد أن خلعوا عنهم ثوب العزة والكرامة.

أين أنت يا خير أمة أخرجت للناس، أما آن الأوان لعزم الرجال الأحرار الأغيار أن يهزموا خوفهم وترددهم، أما آن لضغط الانفجار أن يتحرك فيهم كالبركان، أما آن لتلك الجيوش القابعة في ثكناتها أن تنصر أولئك الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، أولئك  العاملين بمنتهى الإخلاص والوعي لإقامة الخلافة الراشدة الثانية .

يا نساء خير أمة أخرجت للناس، إن كنتن تستصرخن الرجال، فإن هناك رجالاً لا يخشون في الله لومة لائم، أخذوا على عاتقهم إقامة هذا الدين، وإعلاء كلمة الله، أخذوا على أنفسهم أن يكونوا رجال الخلافة الراشدة الثانية، أخذوا على أنفسهم أن يكونوا راشدين مرشدين، مهتدين هادين… فتعالين وانضممن إلى صفوف هذه الدعوة التي هان على حملتها هؤلاء حظوظ النفس وزخرف الدنيا في سبيل تحقيق حكم الله في الأرض وتحقيق وعده. قال تعالى في محكم تنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [النور 55].

لبنى عبد المعز – فلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *