العدد السابع -

السنة الأولى – ربيع الآخر 1408هـ – الموافق كانون الأول 1987م

أبحاث إسلامية: أسلوب غَربي خَبيثْ

بقلم: صالح خير الله

فَرض تَدريسْ الّلغَة الأَجنبيَّة بنَاءٌ فَاسِد لعَقليةِ أبنَائنَا

رغم أن عهد الاستعمار المباشر قد ولّى، لا زالت اللغة الأجنبية موضع احترام وتقديس في النفوس، ولا زالت عند الناس عنوان التقدم ومعيار الثقافة فما هي حاجتنا إلى تدريس اللغات الأجنبية؟ وما تأثير تدريسها على عقول أبنائنا؟ وما دور الاستعمار في ذلك؟

الوسيلة الفضلى!

كان من الطبيعي أن يفرض الاستعمار سيطرته السياسية والعسكرية والفكرية والثقافية بعد انتصاره وتمكّنه من حكم البلاد حكماً باشراً،أو بواسطة عملائه. ولذلك فقد فرض النظام السياسي الذي يريد، ونصّب الحاكم الذي يريد، ووضع الثقافة والأفكار التي يريد، وبالوسائل والأساليب التي يريد، وكل ذلك حتى لا يدع جزئية واحدة تخرج عن الخط المرسوم لنشر مبدئه، وتثبيت فكرته.

ولما كانت اللغة هي الوسيلة الفضلى لفهم المبدأ، فقد فرض الاستعمار لغته على الناس إما باعتبارها اللغة الرسمية في البلاد التي حُكمت مباشرة من قبله، أو باعتبارها لغة رسمة ثانية، أو لغة رسمية في المدارس والجامعات. وحاول إلى جانب ذلك طمس لغة البلاد الأصلية وتثبيت لغته هو، كما حدث في شمال أفريقيا وغيرها من بلاد القارة السوداء. ولا تزال الدول المستعمرة تحافظ على سيطرتها الثقافية، وتقيم العلاقات الوثيقة مع مستعمراتها. ولا يخفي علنيا ما تحاوله فرنسا من خلال نشاطاتها الثقافية في البلاد الناطقة كلياً – أو جزئياً – باللغة الفرنسية.

ولا يخفى كذلك على أحد ما قام به أتاتورك من تبديل الخط العربي بالحرف اللاتيني، كما دعى لذلك طه حسين وزمرته، أو ما يدعو إليه ويقوم به إحسان عبد القدوس أو سعيد عقل من استعمال اللغة العامية بدلاً من الفصحى، وهكذا، مؤمنين بأن اللغة لها ارتباط وثيق بمصدرها، وبأنها توجِد طبيعياً شعوراً خاصاً تجاه ذلك المصدر.

الأجنبي محور ثقافتنا!

ومن جملة ما جرى في أنظمة التربية والتعليم، وما وضع لها من مناهج وبرامج، أُلزمت الدول القائمة بتنفيذها. فكانت جزءاً أساسياً من الغزو الثقافي، ووسيلة رئيسية لتثبيت المبدأ الرأسمالي الغربي في النفوس.

وقد وضع الاستعمار مناهج التعليم والثقافة على أساس فلسفة ثابتة، هي وجهة نظره في الحياة التي هي فصل المادة عن الروح، وفصل الدين عن الدولة. وجعل شخصيته وحدها الأساس الذي تُنْتَزَعُ منه ثقافتنا، وجعل حضارته ومفاهيمه ومكوّنات بلاده وتاريخه وبيئته المصدر الأصلي الذي نحشوا به عقولنا. ولم يكتفِ بذلك، بل جعل المغالطة أيضاً متعمَّدة فيما ينتزعه لنا من شخصيته من مفاهيم وحقائق، وعكس الصور الاستعمارية على هذه الشخصية، بإعطائها الوضع المثالي الذي يُقتدى به، والوضع القوي الذي لا يُستغنى عن السير معه، مخفياً وجه الاستعمار الحقيقي بالأساليب الخبيثة. ثم تدخّل في تفصيلات هذه البرامج حتى لا تخرج جزئية من جزئياتها عن هذا المبدأ العام.

(الحق على الطليان)

ولعل القارئ يظن أننا من أولئك الفوضويين الذين لا يعرفون سبب الداء، فيرمون بالتبعة والمسؤولية على ذلك الوحش الخرافي المسمى بالاستعمار، أو كما يقول المثل العامي (الحق على الطليان). لكن الأمر ليس بهذه البساطة، لأن بريطانيا وغيره من الدول الاستعمارية الغربية، أمضت قرابة المائة والخمسين عاماً تعمل بالغزو الفكري والثقافي في بلاد المسلمين، حتى وصلت إلى حكمهم بعدما قضت على دولة الخلافة. وكانت الفترة ما بين عامي (1750م – 1924م) كافية – مع الأسف – لصياغة عقول أبناء المنطقة من جديد. فالاستعمار هو الداء فعلاً، والحق فعلاً على (الطليان) (أو بالأحرى الإنكليز).

وقد ابتدأت عملية تغيير المناهج من أوائل القرن الماضي، عندما أدخل محمد علي باشا (والي مصر آنذاك) نظام التعليم الفرنساوي على مناهج الدراسة في مصر. وعهد إلى علماء فرنسيين بالإشراف عليها، وأسس عدة مدارس عالية بإشراف الفرنسيين، أو من تعلم من أهل مصر في فرنسا. وعندما أحكمَت بريطانيا وفرنسا سيطرتهما السياسية العسكرية على بلاد المشرق (تباعاً)، عمدت كل من هاتين الدولتين إلى إعادة صياغة المناهج الدراسية من جديد، لتصبح ملائمة للتطور الفكري المزعوم.

هذا هو الخط العريض الذي سارت عليه برامج التربية والتعليم منذ أو وطئت أقدام المستعمر العالم الإسلامي حتى يومنا الحاضر. ولست بصدد التعرض إلى هذه البرامج أو المناهج، بل وددْتُ أن ألفت النظر إلى إحدى جزئيات هذه البرامج، تلك الجزئية التي أصبح الناس بجملتهم يؤمنون بها، ويتسابقون في تثبيتها وإقرارها. تلك الجزئية هي دراسة اللغة الأجنبية. فقد أصبحت المدارس الرسمية منها والأهلية – تتباهى بتعليم تلك اللغة وتُفاخر بها، وبات الناس يفضّلون هذه المدرسة أو تلك بمقدار اهتمامها باللغة الأجنبية.

مقياس التقدّم

ومن أخطر ما يحدث في الأمة من تضليل أو جهالة، أن تصبح غاية الاستعمار هدفاً من أهداف الأمة، وغاية تسعى جاهدة لتحقيقها ونوالها. فبعد أن كان الاستعمار يفرض ما يريد على الناس ويطبقه إما مباشرة أو بواسطة عملائه. وبقوة الحديد والنار، أصبح الآن يقوم بتوجيه الأمة لجعل ما يريده هدفاً لها، وقضية مصيرية تسعى لنوالها، وتناضل وتكافح من أجل تحقيقها. وذلك كالمطالبة بالديمقراطية وبالحريات، وبحق الشعب بتقرير المصير، وببناء الدولة القومية، أو الوطنية أو الإقليمية أو غير ذلك.

إن هذا الأسلوب الخبيث في نشر ثقافة الاستعمار وتركيزها في النفوس هو الذي أوجد هذا الحرص عند المدارس والمعاهد والجامعات، بل عند الناس جميعاً إلا من رحم ربي، على تعلم وتعليم اللغة الأجنبية في كافة مراحل الدراسة. وتجاوز الأمر ذلك حتى غدت اللغة الأجنبية معيار الثقافة ومقياس التقدم. هذه هي الحال التي وصلنا إليها: نحرص على آثار الاستعمار ومخلّفاته ومبدئه أكثر من حرصنا على مبدئنا وثقافتنا وتراثنا.

اللغة الأجنبية

فُرضت اللغة الأجنبية ابتداء على البلاد باعتبارها الجزء الأساسي المكمل لمبدأ المستعمر، وأُجبر الناس على دراستها إما بواسطة المدارس، أو بربط الوظائف جميعها بمعرفة اللغة الأجنبية. وتعدّى الأمر ذلك لتصبح اللغة الأجنبية (وهي إما اللغة الإنكليزية أو الفرنسية في بلادنا) لغة الدولة الرسمية، أو على الأقل اللغة الرسمية الثانية.

ولما كانت طبيعة الناس ارتباطهم بمصالحهم، فقد أقبل الناس على تلك اللغة فتعلموها ودرسوها، وقبلوا أن تكون المادة الأولى في مناهج الدراسة تحقيقاً لمصالحهم وجرياً وراء منافعهم، وهذا أمر بديهي. لكن الواقع اليوم قد تغيّر، والظروف والأحوال قد تبدلت، ولم تعد مصالح الناس مرتبطة باللغة الأجنبية، ومع ذلك ما زالت لها قدسيتها واحترامها في نفوس الناس، وما زالت في نظرهم عنوان التقدم، ومعيار الثقافة.

فالشاب كي يثبت نفسه بأنه تقدمي مثقف لا بد وأن يضمَّن كلامه بعض المفردات الأجنبية، فيودّع صاحبه بكلمة (باي) ويستقبله بكلمة (هاي)، وهكذا. والمحلات التجارية تختار لها من الأسماء يناسب العصر، وما يلفت النظر لتثبت أنها محلات تواكب المدنيّة، وتتعامل مع أحدث ما وصلت إليه المدنيّة من تقدم. وليس هذا بيت القصيد، بل هو اللغة الأجنبية في مناهج الدراسة، وبرامج الثقافة والتعليم.

ولعل البعض يرى أن كلامي لا طائل تحته، وأنه لا يوجد مشكلة فيما أبحث. وقد يتساءل أحدهم: ما المانع في أن نستزيد من العلم والثقافة، فنتعلّم هذه اللغة أو تلك؟ الحديث يقول: «من تعلّم لغة قوم أمِنَ مَكْرَهم»، فما المشكلة في أن نتعلم ما أمكن لغات العالم في المدارس والجامعات؟

ثم إن اللغة وسيلة تخاطب بين الناس ليس إلاَّ. فما المانع من استعمال هذه اللفظة أو تلك لتأدية المعنى؟ إذا كانت كلمة (هاي) أو (باي) أسهل نطقاً من كلمة (السلام عليكم) أو (مرحبا) أو (وداعاً)، فلم لا نستعمل اللفظة الأسهل ما دامت تؤدّي المعنى.

ارتباط وثيق

وباختصار، ما هي المشكلة في واقعنا اللغوي اليوم، وفي واقعنا الثقافي؟

ولكي أجيب عن هذه التساؤلات، والتي لا بد وأن تكون قد طافت في ذهن القارئ، لا بد من توضيح نقطة هامة.

ليست اللغة مجرد وسيلة للتخاطب، أو مجموعة مفردات وتركيبات تستعمل لتبادل الأفكار. إنما هي نتاج حضاري يعبّر عن شخصية الأمة، وعن أفكارها وتاريخها. اللغة مجموعة أفكار ومعانٍ، يحمل كل معنى منها في طياته ملامح ذكرى عبرت، أو قصة حدثت، أو معتقداً تأصّل في تقول أجيال وأجيال مضت من تاريخ الأمة وحضارتها. لذلك لا يمكن فصل اللغة عن الحضارة، فالحضارة مجموعة المفاهيم عن الحياة التي تأصّلت ولا بد عند الأمة من لغة خاصة. واللغة نفسها تتطور تبعاً لظروف عيش الأمة على مدى الأجيال، بحيث تدخُل فيها تعابير جديدة ربما أملتها طريقة العيش والمبدأ. لذلك عدّ كثير من المفكرين اللغة حضارة.

وليسنا هنا في معرض مناقشة هذا القول، إنِّما ما أريد توضيحه هو أنه لا يمكن فصل اللغة عن المبدأ والمفاهيم والفكر، لأنها مرتبطة فيما بينها ارتباطاً وثيقاً، حتى إن الإنسان يكوّن طريقة تفكيره حسب لغته، بحيث يفكر بهذه اللغة. والذي يفكر بالعربية لا بدَّ وأن يتأثر بالإسلام، والذي يفكر الفرنسية أو بالإنجليزية لا بد وأن يتأثر بهاتين الحضارتين، وهكذا…

فالمشكلة إذن أعمق من مجرد استعمال مفردات لتؤدي المعنى المقصود. بل المشكلة تتعدى ذلك إلى طريقة بناء الأجيال الفكري: إلى أي مبدأ نبني عقلياتهم وبأية لغة تحدّد أسس تفكيرهم، وبأية حضارة نربطهم؟

ولا شك أن تأثير اللغة – وبالتالي الحضارة – يزداد كلما بدأ تعلمها في سنّ أقلّ. فتعليم اللغة الأجنبية للطفل قد يؤدي إلى بناء شخصية بأكملها على أساس حضارة هذه اللغة، وهذا واقع ملموس في أيامنا. بينما يصبح تأثير اللغة على العقلية أقلّ كلّما كانت الحضارة الأصلية متأصلة ومتمكنة في النفس والعقل أكثر.

فلا يمكن أن نقبل أن تكون عقلية أجيالنا مبنية على خليط متناقض من المفاهيم، لَمْلَمها تعدد لغات وحضارات مرت على عقولهم. وهل نسمي ذلك تطوراً وثقافة؟

حدّ أدنى!

إن ذلك الشاب الذي يحاول أن يطعّم كلامه ما أمكن بالمفردات الأجنبية لا يفعل ذلك لأنها أسهل لفظاً، إنما يفعل ذلك بدافع التأثر بحضارة الغير. والشاب المسلم في حالة انبهار – وليس فقط تأثر – بحضارة الغرب، لذلك فهو تواق إلى استعمال لغة الغرب موهِماً نفسه بأنه سار شبيهاً بالغربي، وبأنه لا فرق بينه وبين ذلك الغربي المتحضر. ورغم ذلك، فإنه لا يمكنه الخروج من بعض ما علق بذهنه من حضارة الإسلام.

وحتى الآن لا زلنا نتحدث من منطلق الحدّ الأدنى من الحفاظ على شخصية الأمة – أية أمّة كانت – أو الشعب أو حتى الوطن، فلا بد لنا من الارتباط والانتماء لذاتنا ولتاريخنا وليس تاريخ غيرنا. فكيف ونحن كما وصفنا رب العالمين: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)؟ كيف نبحث في حضارة غيرنا وقد أكرمنا الله تعالى بالإسلام وهو خير المبادئ والنظم؟ وما حاجتنا إلى لغة غيرنا وبين أيدينا لغة القرآن، ولغة الحديث، ولغة الفقه والتوحيد وكافة فروع الثقافة؟ ألم يأن للقائمين على وضع برامج الدراسة والمنفذين لها أن يفكروا في مصلحة أبناءهم؟ ألم يأن لهم أن يرفعوا هذا العبء عن كاهل الطلبة، ويحذفوا من البرامج هذا الحمل الثقيل الذي لا طائل تحته؟

أريد أن أسأل، ما فائدة دراسة اللغة الأجنبية في المراحل الابتدائية والتكميلية والثانوية والجامعية والدراسات العليا؟

ستة أشهر!

من البديهي أن يأتي الجواب وبكل صراحة متابعة الدراسة؟ إن هذا الجواب السطحي يُرَدُّ عليه وبكل بساطة أن ستة أشهر، أو سنة دراسة على الأكثر، تكفي لمتابعة الدراسة في أي بلد من بلدان العالم، حتى من تلك البلاد التي لا نعرف من لغتها شيئاً، لا من حروف الهجاء ولا من الألفاظ.

ففي الوقت الذي كان الناس مقيدين بإرسال أبنائهم إلى لندن أو باريس لمتابعة دراستهم كان ذلك الجواب فيه شبهة، وكان يمكن التذرّع به، ولو أن الأيام أثبتت أن ستة أشهر تكفي ليتعلم فيها الطالب ما يمكنه من متابعة تعليمه. أما اليوم فقد فُتحت أبواب الجامعات في العالم، وتفتحَّت آفاق الناس ليتابعوا تعليمهم في تلك الجامعات التي لا تعرف من لغاتها شيئاً، كدول أوروبا الشرقية وروسيا، أو الدول الغربية كاليونان وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا. ولا يحتاج الطالب فيها لأكثر من سنة دراسية واحدة ليتعلم لغة تلك البلاد. ولا يُقال أنه في دراسته للغة الفرنسية أو اللغة الإنجليزية، يكسب سنة من سني حياته المعدودة، لا يقال ذلك لأن جامعات فرنسا وبريطانيا، وحتى الجامعة الأميركية في بيروت والقاهرة لا تقبل التحاق الطالب بها إلاَّ بعد اجتيازه امتحان اللغة، بعد تأهيله لدخول الامتحان مدّة سنة دراسة على الأقل. وعلى ذلك يكون هذا الجواب مردوداً على قائله، فالواقع الواضح الملموس ينفي ذلك.

مجموعة مترجمين

وقد يحاول المجيب أن يقول أبعد من ذلك، فيقول انه لا بد من معرفة اللغة الأجنبية لمتابعة البحوث العلمية العالمية والإطّلاع على آخر ما وصل إليه العالم من علم وتكنولوجيا. وهذا الجواب مردود أيضاً. لأن البحث هنا في المناهج الدراسية. وليس في معرفة اللغة ومتابعة ما وصل إليه العالم. فمتابعة العلوم والمعارف أمر ضروري، إلا أن معالجة ذلك لا تكون بجعل اللغة الأجنبية تحتل الجزء الأكبر من برامج الثقافة والتعليم، وإنما العلاج يكون بترجمة كل ما يلزم للأمة من معارف وعلوم، ويكفي في ذلك إيجاد عدد من المترجمين يكفي لتغطية الحاجة.

ومن المعروف أن النظريات العلمية والمعارف التكنولوجية لا تقتصر على أمة دون أخرى، فهناك علماء من جميع أقطار الأرض: من أميركا ومن روسيا ومن اليابان ومن ألمانيا ومن فرنسا ومن غيرها، فأية لغة نجعلها لغة أساسية لنا من هذه اللغات، لنتابع بها ما وصلت إليه المدنية العالمية؟ أم ترنا نجعلها جميعها في مناهج دراستنا؟

وهل أبناؤنا جميعاً سيحتاجون إلى هذه اللغات لتصريف أعمالهم الحياتية، أو مواصلة تنمية معارفهم العلمية؟ لذا فإن مثل هذه الإجابة لا يكفي أن أقول أنها سطحية كالجواب الأول، بل فيها شيء من الخبث أو الجهل.

حشو الأدمغة

إذن لا بد من التساؤل عن السبب الحقيقي لوضع هذه المادة ضمن برامج التعليم، ما دام أنه لا فائدة منها لمواصلة التعليم، ولا ضرورة لها في متابعة ما وصل إليه العالم من بحوث ونظريات ومعارف.

فلو افترضنا أن نسبة الطلاب الذين سيلتحقون في الجامعات 60% من مجموع الطلبة، فإن نسبة الذين سيلتحقون في الجامعات التي تدّرس الإنجليزية أو الفرنسية لا تتعدى 20% من هؤلاء، وهذه النسبة لم يفدها ما درسته خلال أربعة عشر عاماً شيئاً لأنهم مثل بقية زملائهم سيدرسون سنة تحضيرية مثل الذين ذهبوا إلى ألمانيا أو إيطاليا أو روسيا أو تركيّا أو غيرها. فما الفائدة إذن؟

ولو افترضنا أن نسبة 10% من العلماء والخريجين سيتابعون البحوث وملاحقة ما يصدر عن العالم من أفكار أو نظريات أو حقائق علمية (وهذا ضروري)، فما ذنب الـ 90% من الطلبة حتى نحشوا أدمغتهم بمادة لا طائل تحتها. وقد بيّنا أن معالجة هذه المسألة إنما تكمن بإيجاد مجموعة من المترجمين المتخصصين لمثل هذه الأمور، كما هو الحال في كثير من دول العالم.

لذا فإننا نهيب بشبابنا الواعي على هذه المشكلة المخلص لأمته، أن يتحركوا لرفض هذه المناهج وإبعاد هذه المادة من برامج التعليم نهائياً، وجعل الحصص المخصصة لها حصصاً فاعلة في تنمية ثقافتنا، وبناء شخصيتنا. ولنضع حداً لهذه المهزلة الرخيصة التي فرضت علينا ما يربوا على نصف قرن. فكم من طالب فشل في حياته الدراسية بسبب اللغة الأجنبية، وكم من جهود ضاعت في اكتساب معرفة لا طائل تحتها، وكم من أموال بذلت في خدمة من هدم كياننا، وأذاب شخصيتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *