العدد 238 -

العدد 328 – السنة الواحدة والعشرون، ذو القعدة 1427هـ، الموافق كانون الاول 2006م

أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة (14)

رياض الجنة:

أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة (14)

دعوة عمرو بن مرة الجهني (رضي الله عنه) في قومه

 

– أخرج أبو نعيم في الحلية، والطبراني في المجمع، أن عمرو بن مُرَّة الجُهني (رضي الله عنه) قال: خرجنا حجّاجاً في الجاهلية في جماعة من قومي، فرأيت في المنام وأنا بمكَّة نوراً ساطعاً من الكعبة حتى أضاء لي جبل يثرب وأشعر جهينة1، وسمعت صوتاً في النور وهو يقول: انقشعت الظلماء، وسطع الضياء، وبعث خاتم الأنبياء. ثم أضاء لي إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة، وأبيضِ المدائن، وسمعت صوتاً من النور وهو يقول: ظهر الإسلام، وكسرت الأصنام، ووُصلت الأرحام. فانتبهت فزعاً فقلت لقومي: واللهِ ليحدُثنَّ في هذا الحي من قريش حدث، فأخبرتهم بما رأيت.

فلما انتهيت إلى بلادنا جاء الخبر أن رجلاً يقال له أحمد قد بُعث، فخرجت حتى أتيته وأخبرته بما رأيت، فقال: «يا عمرو بن مرَّة، أنا النبيّ المرسل إلى العباد كافة، أدعوهم إلى الإسلام، وآمرهم بحقن الدماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وبحجِّ البيت، وصيام شهر رمضان -شهر من اثني عشر شهراً- فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار، فآمنْ يا عمرو يؤمنك الله من هول جهنم». فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وإن رَغِم ذلك كثير من الأقوام. ثم أنشدته أبياتاً قلتها حين سمعت به -وكان لنا صنم وكان أبي سادنَه، فقمت إليه فكسرته ثم لحقت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أقول-:

شهدت بأن الله حق وإنني                       لآلهة الأحجار أول تارك

فقلت: بأبي أنت وأمي ابعث بي إلى قومي لعل الله أن يمنَّ بي عليهم كما من بك عليّ، فقال: «عليك بالرفق والقول السديد، ولا تكن فظاً، ولا متكبراً، ولا حسوداً». فأتيت قومي فقلت: يا بني رِفاعة، بل يا معشر جُهينة، إني رسولُ رسولِ الله إليكم، أدعوكم إلى الإسلام، وآمركم بحقن الدماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وبحجّ البيت، وصيام شهر رمضان -شهر من اثني عشر شهراً- فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار. يا معشر جهينة، إن الله جعلكم خيار من أنتم عليه2، وبغَّض إليكم في جاهليكم ما حبب إلى غيركم من العرب، فإنهم كانوا يجمعون بين الأختين، والغزاة في الشهر الحرام، ويخلُف الرجل على امرأة أبيه3، فأجيبوا هذا النبي المرسل من بني لؤي بن غالب تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة. فما جاءني إلا رجل منهم فقال: يا عمرو بن مرة، أمرَّ الله عيشك، أتأمرنا برفض آلهتنا، وأن نفرِّق جمعنا، وأن نخالف دين آبائنا الشيم العلى إلى ما يدعونا إليه هذا القرشي من أهل تِهامة؟! لا حباً ولا كرامة. ثم أنشأ الخبيث يقول:

إن ابن مرة قد أتى بمقالة
إني لأحسب قولَه وفِعالَه
ليسفِّه الأشياخ ممن قد مضى

ليست مقالة من يريد صلاحا
يوماً وإن طال الزمان ذُباحا4
مَنْ رامَ ذلك لا أصاب فلاحا

فقال عمرو: الكاذب مني ومنك أمرَّ الله عيشه، وأبكم لسانه5، وأكمه إنسانه 6. قال فوالله ما مات حتى سقط فوه، وعمي، وخرف7، وكان لا يجد طعم الطعام.

فخرج عمرو بمن أسلم من قومه حتى أتَوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فحيَّاهم ورحَّب بهم، وكتب لهم كتاباً هذه نسخته:

«بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله العزيز، على لسان رسوله، بحقٍّ صادق وكتاب ناطق، مع عمرو بن مرة لجهينة بن زيد: إن لكم بطون الأرض وسهولها، وتِلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها، على أن تؤدوا الخُمس، وتصلوا الخَمس، وفي الغنيمة والصريمة شاتان إذا اجتمعتا فإن فرقتا فشاة شاة. ليس على أهل المثيرة8 صدقة، ولا على الواردة لبقة، والله شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين. كتاب قيس ابن شمّاس».

كذا في كنز العمال (7/64): وأخرجه أيضاً أبو نعيم بطوله، كما في البداية (2/351) والطبراني بطوله كما في المجمع (8/244).

ــــــــــــــــــــ

1- أشعر جُهينة: اسم جبل لقبيلة جهينة قريب من البحر

2- خيار من أنتم منه: أي خيار العرب

3- يخلف الرجل على امرأة أبيه: يتزوجها.

4- الذباح: وجع في الحلق.

5- أبكم لسانه: جعل أخرس.

6- أكمه إنسانه: جعله أعمى.

7- خرف: أي فسد عقله من الكبر.

8-المثيرة: البقرة التي تثير الأرض.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *