العدد 238 -

العدد 328 – السنة الواحدة والعشرون، ذو القعدة 1427هـ، الموافق كانون الاول 2006م

بداية انتهاء العصر الأميركي في المنطقة… وبداية بزوغ فجر الخلافة من جديد

 

بداية انتهاء العصر الأميركي في المنطقة…

وبداية بزوغ فجر الخلافة من جديد

 

خاض بوش الانتخابات النصفية للكونغرس بمجلسيه وكأنه يخوض انتخابات فترة ثالثة لرئاسته؛ لأنه كان خائفاً من أن تأتي النتائج لغير صالح حزبه الجمهوري، وخائفاً منها لأنها ستكون استفتاء على سياسته والتي بينت الإحصاءات أنها لغير مصلحة حزبه، وخائفاً لأنه يعلم أن خسارة حزبه ستكون بمثابة إعلان فشل له في مشروعه للقرن الأميركي للتفرد في حكم العالم، وفي حربه على الإرهاب، وفي مشروعه للشرق الأوسط الكبير… وهكذا كان إذ جاءت النتائج لتعلن خسارة الحزب الجمهوري للغالبية في مجلس النواب والشيوخ لمصلحة الحزب الديمقراطي… وإنه وإن كانت هذه الانتخابات مهمة، فإن الأهم منها هو انتخابات الرئاسة بعد سنتين، وقد جاءت النتائج لتهدد مركز الرئاسة نفسه من أن يفلت من يد الجمهوريين إذا استمر بوش بسياسته الفاشلة بنظر الأميركيين… لذلك فإنه من المتوقع أن يضغط الحزب الجمهوري على بوش (العنيد من غير ذكاء) لتغيير سياسته، ويطلب إليه أن يغير طاقم الحكم معه من المحافظين الجدد، ويستعين بطاقم الحكم المخضرم الذي كان مع والده من المحافظين القدماء؛ لإنقاذ مركب الجمهوريين بعد أن أوجد فيه بوش الخَرِق خَرْقاً يهدده بالغرق.

من المعروف أن معركة انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة تبدأ قبل سنتين من أوانها، لذلك تعتبر نتائج الانتخابات النصفية هي بداية لفتح معركة الرئاسة، والتي تظهر كل المؤشرات أنها ستكون حامية جداً. إن الجمهوريين سيحاولون فيها ترميم الوضع وقيادة البلاد بطريقة أخرى. أما الديمقراطيون فسيحاولون استغلال أخطاء بوش ومعاونيه، وفتح باب المساءلة والتحقيقات وكشف الفضائح بالاستعانة بأغلبيتهم في مجلس الكونغرس، واستغلال سقوط المزيد من القتلى في العراق وأفغانستان، ومنع المزيد من الإنفاق على الحرب هناك، والضغط باتجاه الانسحاب السريع. وبعبارة أخرى ستكون انتخابات الرئاسة هي المحور الذي يدور عليه الصراع بينهما، وسيكون الناخب الأكبر في عملية الانتخاب كذلك هو الحرب في العراق وأفغانستان.

إن فشل بوش في حربه على العراق هو فشل لمشروعه لإيجاد شرق أوسط أميركي جديد، حتى إن بعضهم وهو ريتشارد هاس (مدير التخطيط في وزارة الخارجية وعضو في جماعة دراسات الأمن القومي في وزارة الدفاع وكان يعمل في مجلس الأمن القومي في إدارة بوش الأب) اعتبر أن هذا الفشل هو بداية انتهاء العصر الأميركي في المنطقة، وهذا كلام صحيح، ونزيد فنقول إنه سيكون بداية بزوغ فجر الخلافة فيها من جديد إن شاء الله تعالى العزيز الحكيم. فالمنطقة اليوم تشهد وعياً على الإسلام وتخلياً عن كل ما سواه، والأمة تعتبر اليوم أن الإسلام هو خيارها ومشروعها الوحيد، وهي تفتش كالبركان عن متنفس لها من هذه الأوضاع السيئة لتنفجر في وجه كل من شارك في إذلالها وإفقارها وإبعادها عن دينها وتحرقهم في الدنيا قبل الآخرة.

إن المشروع الإسلامي للمنطقة، هو الذي يجب أن يتقدم لحاجة المسلمين إليه. وإن إفشال المسلمين للمشروع الأميركي لا يعتبر انتصاراً كاملاً لهم، بل الانتصار الكامل لا يتكرس إلا بأن يقوم كيان إسلامي ليقوم هو بتحقيق هذا المشروع. وإنه إذا كانت مقاومة المحتل والجهاد ضده مطلوبة شرعاً فلدفعه عن أراضي المسلمين وإزالة كل أثر له فيها، فيخلو الكفر من بلاد المسلمين. وإنه حتى يحل محله حكم الإسلام لابد من وجود عمل شرعي آخر يهدف إلى إقامة المجتمع الإسلامي، عمل يهيئ المسلمون فيه أنفسهم لكي يكونوا رجال دولة إسلامية يستطيعون أن يجعلوها دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، عمل يحرص كل الحرص على نقاء الإسلام وصفائه، عمل يلتزم بطريقة الإسلام الصحيحة في الفهم والتطبيق، عمل يسعى لتحقيق أهداف الإسلام القائمة على عبادة الله وحده والعمل على تعبيد الناس جميعاً لله رب العالمين.

إنه ما من شك في أن كل من يحمل سلاحاً من المسلمين في وجه الغرب المحتل، ويعرض نفسه للموت أو للأسر والتعذيب، ويتخلى عن حظ دنياه… فإنما يفعل ذلك وفي خلده الدفاع عن هذا الدين، وإرادة الظهور له، ومحبة نشره بين الناس جميعاً… إنه ما من شك في من أن يفعل ذلك إنما هو شعلة متقدة في ظلام دامس… ولكن تبقى الأمة بحاجة لمن يقودها بالإسلام، إلى من يعرف أحكام سياسته واقتصاده، وأحكام سلمه وحربه، إلى من يستطيع أن يقيم الإسلام حقيقة في حياة المسلمين، إلى من يتقدم بالإسلام حتى تصبح دولته هي الدولة الأولى في العالم… تبقى الأمة بحاجة إلى دولة تحقق أهداف الإسلام الكبرى، دولة تقيم الجهاد، وتضع الأمة كلها تحت السلاح، وتنشئ الكليات العسكرية وتدرب الجيوش وتعدها عسكرياً وفكرياً، وتنشئ مصانع السلاح وتسعى إلى تطويره الدائم، وتقيم مختبرات الأبحاث وتسعى للحصول على أقوى الأسلحة… وكل ذلك امتثالاً لقوله تعالى: ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ) [الأنفال 60] وكل ذلك من أجل إقامة الجهاد ذروة سنام الإسلام، وحافظ دولته، وناشر دعوته…

إن المشروع الإسلامي هو المشروع المرشح للتطبيق من جديد على المسلمين، بينما المشاريع الأخرى هي في طور الفشل. فالمشروع الأميركي للمنطقة المسمى بـ«مشروع الشرق الأوسط الكبير» فشل وإن كان التوقع أن لا تتخلى أميركا عنه أو عما هو دونه من بدائل بسهولة، والمشروع الأوروبي للمنطقة المسمى (الشراكة الأوروبية المتوسطية) لن يحل محل المشروع الأميركي كما يخطط له أصحابه، إن شاء الله تعالى. وإن مشروع غرس إسرائيل في المنطقة هو بدوره قد آذن بالقلع إن شاء الله تعالى، وما حدث في لبنان كان أوضح إنذار لهم، ومشروع فرض الأنظمة العميلة الخائنة هو آذن كذلك بالرحيل، إذ ليس من تكرهه الأمة اليوم أكثر من حكامها… فتغيير هؤلاء الحكام هو بداية انتهاء العصر الأميركي والأوروبي واليهودي فعلياً في المنطقة، وهؤلاء الحكام يحتمون بأهل القوة من الجيوش حيث يجعلون أكابر المجرمين منهم والسفلة على رأس الجيوش، ويبعدون ويسرحون المخلصين وغير الملوثين من أهل القوة أو يجعلونهم في مراكز غير حساسة وغير خطرة عليهم ليأمنوا منهم… فهؤلاء الضباط المخلصون دون سواهم، وليبلغ القارئ من يعرف منهم، هم من يجب أن يشعروا مع الأمة، ويحسوا بآلامها، ويتقدموا لنصرتها… هم من يجب أن يكونوا إلى جانبها في حسم خيارها لمصلحة الإسلام… إنهم في موقف يجب فيه التقدم، إنه دورهم الذي لا يستطيع غيرهم أن يقوم به، على هؤلاء أن يتقدموا وإلا خلت الساحة لكل متربص بالأمة شراً كما هو حاصل الآن… كل شيء في واقع المسلمين اليوم يطلب منهم التقدم، وينتظرهم: ربهم، ونبيهم، وأمتهم، وأهلوهم، ليتقدموا بقلوب واثقة بنصر الله… ليتقدموا وليخلعوا عنهم لباس الخوف والجبن والحذر والتحسب فإن ذلك ليس يرضي الله سبحانه، وليراجعوا مسيرة سلفهم الصالح كيف طلبوا الموت فوهبت لهم الحياة…

إن المشروع الإسلامي هو اليوم المشروع الوحيد القابل للحياة في بلاد المسلمين، صحيح أن الصعوبات بالغة ولكنها لا تعدو تكملة لطريق قد شق من قبل، فالصعوبة الأبلغ كانت في البداية بداية شق الطريق، أما الآن فإن الطريق قد عرفت معالمه، وعرفت هويته، وعرف أوله من آخره… إنه ليس إلا تتمة لما كان قد بدأ.

إن الغرب يعي هذه الحقيقة ويموت خوفاً منها، وهي أن ينجح المسلمون في إقامة دولة الخلافة، لذلك امتلأت تحذيرات مسؤوليه من الخلافة والجهاد، وإن في يد الغرب وعلى رأسه أميركا بدائل كثيرة ومعوقة، فهو لن يترك الساحة يطرد منها هكذا، إنه سيحاول أن يفرض على المسلمين حروباً داخلية مسمياتها كثيرة، وسيستعين لذلك بتابعيه وعملائه من الحكام… لذلك فإننا نقول: لن يستقيم تغيير ما لم يبدأ بالحكام، ولن يطرد الغرب ما لم يُقضَ على الحكام.

أيـّها المسلمون

هذا هو الصعيد الذي يفكر فيه سياسيو ومفكرو العالم. وإن الغرب بدأ يحصن داخله من الآن لمواجهة المشروع الإسلامي القادم إن شاء الله تعالى، وما القوانين التي يسنها ويفرضها على المسلمين عنده كسياسة فرض الاندماج، ومحاربة الحجاب، وإعداد خطباء يتخرجون من جامعاته ويتكلمون بلغاته ويتثقفون بثقافته، إلا تحسباً من اليوم الذي يصل فيه المشروع الإسلامي إلى الحكم؛ لأن المعركة بين الغرب الأوروبي وبين هذا المشروع محتدمة، وهو من الآن بدأ يعد لها… والمسلمون كذلك يجب أن يعرفوا أن هذا هو صعيد الصراع، وأنه وصل إلى هذا المستوى، إن كل المشاريع في المنطقة تتراجع لمصلحة المشروع الإسلامي والحمد في ذلك لله وحده، ولا ينسب الخير إلا إليه، ولا يكون التوفيق والنصر إلا منه سبحانه. قال تعالى: ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) [غافر 51].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *