العدد 335 - 336 -

السنة التاسعة والعشرون ذو الحجة 1435هـ – محرم 1436هـ / تشرين الأول – تشرين الثاني 2014

معنى النصر

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى النصر

أحمد إبراهيم – سوريا الشام

 

يقول الله سبحانه وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )

ويقول: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )

ويقول: ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ )

فما معنى النصر؟ ومتى نقول إن الثورة انتصرت؟ وهل الثورة في تونس أو في اليمن أو في مصر أو في ليبيا انتصرت؟ وللإجابة على هذه الأسئلة كان لا بد لنا من معرفة معنى النصر حتى لا نفرح لنصر أعدائنا ونظنه نصراً لنا.

نقول عن الثورة إنها انتصرت إذا أزلنا السبب الحقيقي لشقائنا وضلالنا، والسبب الحقيقي لذلنا وهواننا، والسبب الحقيقي لضعفنا.

فالسبب الحقيقي لهذا كله هو بعدنا عن شرع الله سبحانه وتعالى، وفصلنا العقيدة الإسلامية عن الأحكام التي تنظم شؤون حياتنا في الحكم والاقتصاد والاجتماع والعقوبات والسياسة الخارجية وسياسة التعليم والإعلام، قال تعالى: ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) فمن لم يتَّبع شرع الله في كل شيء فسيضل وسيشقى. وقال تعالى:  ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )  فمخالفتنا عن أمر الله الخالق المدبر واتباع أمر غيره من المخلوقين هو سبب هذه الفتن وسبب هذا العذاب الأليم.

فالنصر الحقيقي يأتي عندما نزيل هؤلاء الحكام الخونة العملاء للغرب، ونزيل أنظمتهم العفنة، ونقيم مكانها نظام الله الذي يرضى عنه ساكنو الأرض والسماء؛ فننال بذلك رضى الله. هذا هو النصر الحقيقي، وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ لذا نجد كثيراً من الصحابة وهم على أبواب الموت يقول الواحد منهم: فزت ورب الكعبة؛ لأنه مات في سبيل الله؛ فنال بذلك رضى الله.

أما أن نستبدل حكاماً عملاء بحكام عملاء آخرين، حتى ولو كانوا بلحى طويلة، أو بتسميات إسلامية، كما هو الحال في الثورات التي قامت تريد الحكم بأنظمة الغرب والائتمار بأمره؛ فإن هذا والله لهو الخسران المبين

فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»

ومعنى أن تكون كلمة الله هي العليا أن يحكم بشرع الله، ففي الحكم يجب أن تكون كلمة الله هي العليا، وفي الاقتصاد يجب أن تكون كلمة الله هي العليا، وفي الاجتماع يجب أن تكون كلمة الله هي العليا… وبهذا فقط نستطيع أن نقول إننا انتصرنا، وإن تضحيات أمتنا لم تذهب سدى، بل ذهبت رخيصة لأنها في سبيل الله.

هذا هو معنى النصر، هذا هو معنى ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) وعندها ننتقل من ذل إلى عز، ومن ضعف إلى قوة، ومن أذناب للغرب إلى عباد للرب وقادة للناس أجمعين. وهذا ما فعله النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان الصحابة في مكة أذلاء مستضعفين، وبعضهم مهجرين، فأقام لهم النبي صلى الله عليه وسلم دولة في المدينة فهاجروا إليها وآوى إليها جميع المسلمين؛ فتحول ذلهم إلى عز، وضعفهم إلى قوة. وهذا ما فهمه الفاروق عمر رضي الله عنه عندما قال: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله»

 فالمسلمون جميعاً، وبخاصة أهل بلاد الشام، هم المسؤولون عن إقامة حكم الله في الأرض؛ لأن ثورة الشام وصلت إلى مراحل متقدمة لتنفيذ هذا الواجب، وإلا فلينتظرالمسلمون جميعهم الفتن والعذاب الأليم، وذلك مصداق قوله تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وقال: ( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

هذا ولا شك أن النصر من عند الله تعالى وحده، قال تعالى: ( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ).وليس من عند الغرب بمجلس أمنه الظالم، أو بهيئة أممه الملحدة، وليس من عند أذنابه من الحكام العملاء كدول الخليج وغيرهم، فهؤلاء الحكام أوجدوا لمحاربة الإسلام، واعتقال حملة دعوته المخلصين، واعتقال المجاهدين في سبيل الله وزجهم في السجون ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )فالغرب وأذنابه لا يألون جهداً في محاربة الإسلام والداعين له كما قال تعالى: ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ).

ومن الأساليب المتبعة في محاربة الإسلام والمسلمين المخلصين لحرفهم عن مسارهم هو المال السياسي أو ما يسمى بالدعم المالي أو العسكري، فالغاية من هذا الدعم ليست هي إعلاء كلمة الله عن طريق إقامة حكمه في الأرض ليست هذه قطعاً، وليست هي نصرة المسلمين المستضعفين في بلاد الشام وإلا لكانوا حركوا جيوشهم الرابضة في الثكنات وقدموا من أسلحتهم المكدسة في المستودعات، لا أن يحركوا أموالهم بشكل خجول لا يغير من الواقع شيئاً، بل لتكون الغاية من هذا الدعم هي السيطرة على المجاهدين المخلصين، وربطهم بدول الكفر والضلال، والسيطرة على قراراتهم، فيفتحون جبهات ويجمدون جبهات أخرى؛ وبذلك يصبح المجاهدون أداة بيد دول الكفر والضلال ينفذون من خلالهم مصالحهم وأهدافهم ويصبحون جنوداً لهم دون أن يشعروا. قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )

فهذه الأموال تنفق للصد عن سبيل الله وليس من أجل إقامة شرعه، فهذا دعم وهمي وليس دعماً حقيقياً، دعم مشبوه يريدون من ورائه أن نركن إلى كفرة الغرب وظلمة حكام المسلمين الذين نهانا الله تعالى عن الركون إليهم فقال سبحانه: ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ )

أيها المسلمون المؤمنون الصابرون في كل مكان: يجب أن تعلموا أن الدعم الحقيقي هو من الله القوي المتين، وهو وحده سبحانه الذي سينصرنا، ولكن بشرط أن نتقيه فنعمل من أجل إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ونتوكل عليه حق التوكل، ونترك توكلنا على الغرب وأذنابه. فالله وحده هو ناصرنا ومعيننا وهادينا إلى سواء السبيل، قال تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ).

اللهم أنت ولينا وأنت نصيرنا فانصرنا على القوم الظالمين، اللهم وأكرمنا بخلافة راشدة على منهاج النبوة نطبق بها شرعك الحنيف، نرعى بها شؤوننا، ونحمي بها ثغورنا، ونحمل بها رسالتنا إلى العالم أجمع بالدعوة والجهاد… إنك وليُّ ذلك والقادرُ عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *