الخلافة المرتقبة والتحديات (8)
2007/02/20م
المقالات
1,936 زيارة
الخلافة المرتقبة والتحديات (8)
تحدثنا في الحلقة السابقة عن واقع الحصار الذي تتخذه دول الكفر أداةً في الصدّ عن سبيل الله تعالى، وذلك لإجبار المسلمين على التخلّي عن تميّزهم، وعن تمسّكهم بأحكام ربهم عن طريق تطبيق شرع الله تعالى في دولة وسلطان. وهذا مصداقاً لقوله تعالى: ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ) (الإسراء 73) ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) (آل عمران 118) ( إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ) (الممتحنة 2).
فهل تستسلم الدولة الإسلامية لهذا الظلم وهذا الكفر والصدّ عن سبيل الله، أم إن الواجب عليها أن تقف بكل ما أوتيت من قوة؟!
إن الواجب هو أن تصمد الدولة الإسلامية في وجه هذا الحصار، وأن تتّخذ إجراء الحياة أو الموت تجاه هذا الأمر، وهذا يستلزم من الدولة والقائمين على رعاية أمورها وضع الخطط العمليّة، الداخلية والخارجيّة، لمواجهته.
وقبل عرض الخطوات العملية الداخلية والخارجية في التصدّي والوقوف في وجه هذا الحصار، نقول: إن الواجب على الدولة الإسلامية أن تقف على أقدامها شامخةً راسخةً في وجه أي تقصّد ٍواعتداء من قبل الكفار حتى لو كلفها ذلك ملايين الشهداء، لأن عكس ذلك هو الرضوخ والوقوع تحت أقدام الكفار، وتحت ذلّهم وغطرستهم وظلمهم، وتتذكر الأمة قول الله عز وجل: ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (آل عمران 139) وقوله: ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (المنافقون 8) وقوله: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) (فاطر 10) أي إن طريق العزّة هو في الوقوف، لا في الركوع والرضوخ والرضا بما يريده أهل الكفر.
وسنبدأ أولاً في طرق التصدّي الداخليّة في وجه هذا الحصار الظالم الغاشم.
المواجهة الداخلية للحصار
أولاً: التعبئة العامة المعنوية في وجه الحصار: ومسألة التعبئة العامة تحدّثنا عنها في المواجهة والتصدي للحرب الماديّة المعلنة على الدولة الإسلامية، والحقيقة أن موضوع التعبئة يلزم في أيّ أمرٍ من أمور التصدّي والمواجهة أو الجهاد وحمل الدعوة، فهي من أكبر الأسلحة وأقواها، ولا نبالغ إذا قلنا إنها أقوى من سلاح الذرة، لأن سلاح الذرة للشعب المهزوم المحطّم المعنويات لا يزيده إلا هزيمةً فوق هزيمة، وأكبر مثل ٍعلى مسألة المعنويّات هو ما تلاقيه أميركا من هزائم متكررة في عدة مناطق في العالم بسبب المعنويات المتدنيّة عند جنودها، وبسبب عدم القناعة الفكرية عند أغلب الجنود في برامج الحرب وأساليبها وأهدافها.
وفي مسألة التعبئة العامة يُركّزُ على أمورٍ أبرزها:
1- أهداف الكفر وغاياته: وعند هذه المسألة يجب أن يُبرز للأمة ما هي أهداف الكفار من فرض الحصار من أنه يهدف للقضاء على الأمة المسلمة وتطلّعاتها وغاياتها كأمة عريقة تهدف للخلاص من تبعيّة الكفار، ومن تسلطهم وظلمهم قال تعالى: ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) (البقرة 217) وقال: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّه ) (الأنفال 36) وقال: ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ) (النساء 89).
2- إبراز مسألة المفاصلة والتباين بين ما عليه الكفر وأهله، وما عليه الإيمان وأهله، وهذه المسألة ضرورية جداً في إظهار روح التصدّي والمواجهة والحميّة الدينية عند أبناء الأمة داخل الدولة.
فالكفر والإيمان خطاّن متباينان متناقضان لا يلتقيان أبداً، قال تعالى يبين حقيقة المفاصلة: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (المائدة 51) وقال : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) (آل عمران 118).
3- إبراز مسألة الصبر (الآيات والأحاديث التي تحضّ على الصبر والتحمّل، والأجر العظيم في التحمل والمواجهة)، وإبراز مواقف الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو الأسوة والقدوة الحسنة، حيث تعرض لأشد أنواع المعاداة والحصار من قبل الكفار، ومع ذلك لم تَلِنْ له عزيمة رغم أنه أكل أوراق الشجر في مكة المكرمة أثناء حصار الشِّعَب، وكذلك جاع، وتحمل العَنَت والمشقة مع أصحابه بعد الهجرة، وأثناء الحرب الشريرة التي خاضها الكفار ضدهم في المدينة المنورة، وصبر رغم ذلك حتى أذن الله بالنصر والفرج.
قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (آل عمران 200)، وقال: ( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) (محمد 35) وقال: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) (البقرة 214).
وقال عليه الصلاة والسلام: «…قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يوضع فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على مفرق رأسه فيجعل نصفين ،ثم ّيؤتى بأمشاط الحديد فيمشط ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» (رواه البخاري).
فمثل هذه الآيات والأحاديث يجب أن تتردّد على ألسنة العلماء في كل مناسبة، لبثّ روح التصدّي والمواجهة والثبات والتحمّل للشدائد والصعاب.
4- تذكير الأمة بمعنى العزّة والكرامة والرفعة والشموخ، وأن هذا الكفر -عن طريق الحصار- يريد أن يسلب الأمة حقّها كأمّة مسلمة أراد لها الله تعالى أن تكون عزيزة أبيّة رفيعة النجاد، طويلة العماد، ويريد -هذا الكافر المجرم- أن يسلب من الأمة هذه المكرمة الرفيعة ( حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) (البقرة 109) وذلك عن طريق الحصار الاقتصادي، والضغط على الناس ليثنيهم عن هذا الهدف السامي الجليل (الدولة الإسلامية، حصن العزة والمنعة والقوة).
فيجب أن تُذكّر الأمة بماضيها العزيز، عندما كانت أمةً عزيزةً، كيف كانت حالها، وكيف كانت فعالها خارج حدودها.
ومن أجل هذه الأمور الأربعة وهي: (أهداف الكفار، والمفاصلة، والصبر، وتذكير الأمة بمعنى العزة) من أجل هذه الأمور، تتبع كلّ الأساليب الممكنة المتاحة عن طريق وسائل الإعلام، وعن طريق المساجد والعلماء الخطباء المؤثرين، وغير ذلك من أساليب.
ثانياً: وضع البرامج لسدّ الخلل الحاصل والناتج عن الحصار:
فالحصار كما قلنا يؤثّر قطعاً على الدولة من حيث الإمكانيات الموجودة سواء أكان ذلك في المواد الغذائية، أم الطاقة، أم مستلزمات الحياة الأخرى الضرورية.
ولمواجهة مثل هذا الحالة يجب أن توضع البرامج الداخلية لسدّ الخلل، وإيجاد سياسة (للتوازن الاقتصادي) داخل الدولة. فلا يعقل أن يعيش أناس في بحبوحة من العيش داخل الدولة، وغيرهم يتضوّر جوعاً، لا يجد كفافاً من عيش، ولا يجوز أيضاً أن يعيش أناس عيش الكفاف بسبب الحصار وغيرهم ينعم في الثروات والأموال!!
ومن أجل تفادي هذا الخطر يجب على القائمين على الدولة الإسلامية أن يضعوا البرامج الآتية:
1- فرض سياسة التكافل بين الناس، وتشجيع هذا الأمر بكلّ السبل، وتذكيرهم بصنيع صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة، حيث تكافلوا وتقاسموا الأموال لمواجهة هذا الواقع الجديد من الفقر والعوز، ومثال ذلك ماحصل مع الصحابيين الجليلين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع رضي الله عنهما، قال ابن كثير رحمه الله: «عن أنس (رضي الله عنه) قال: قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي (ﷺ) بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك،دلّني على السوق…».
2- : القيام بدراسة اقتصادية كاملة من قبل الخبراء لحجم المواد الغذائية، والطاقة، ومستلزمات الحياة الضروريّة، وعمل دراسة مستعجلة أيضاً لأصحاب الحاجات من الفقراء، وإجراء دراسة تتناسب مع حجم المواد وحاجات الأمة الضرورية. وهذه الدراسة ضروريّة لتقنين عملية الإنفاق، سواء أكان هذا الإنفاق من موارد الدولة وأموالها، أم الأموال العامة، أم حتى الأموال الخاصّة للأفراد؛ لأن هذا ظرف طارئ تصبح معه الأموال الخاصة ضروريّة لحياة الأمة وبقائها، فتشملها الدراسة أيضاً.
فالأصل أن لا تجد الدولة نفسها في مأزق بسبب عدم الدراية والاحتياط في المواجهة، بل يجب أن يكون عندها الدراية بكل حاجات الناس الضروريّة، وحجم الثروات الموجودة، وكم من الزمن يمكن أن تستمر عن طريق التقنين والاقتصاد، وحسن التوزيع بين الناس.
فالأموال الزائدة عند الأفراد أو الحاجات الزائدة تؤخذ من الناس عن طريق الإقناع والبيان؛ لأن هذا المال تعلقت به حياة الناس؛ لذلك يؤخذ بقدر ما يحتاج إليه الفقراء وأصحاب الحاجات الملحة الطارئة.
فهذه العلمية من الدراسة، ووضع الخطط في الإنفاق والتوزيع تخفّف من الأزمة بشكل كبير.
3- الإرشاد والتوجيه في عملية الاقتصاد في النفقة. فالاقتصاد في مثل هذا الظرف ضروري جداً لأنه يساعد الدولة على استمراريّة الصمود. والمقصود بالاقتصاد هنا هو: اقتصار الناس على الحاجات الضرورية من مأكل ومسكن وملبس، وبأكبر قدر مستطاع من قبل الأفراد، فلا يعقل أن يعيش إنسان في بحبوحة من العيش يُنفق على الكماليات، وغيره لا يجد الأساسيّات والضروريات من لوازم العيش من مأكل أو مشرب وملبس. فيجبر الأفراد على اتباع سياسة حازمة من الاقتصاد في النفقة من أجل إطالة عمر التصدّي والصبر والمواجهة.
ثالثاً: العمل على استغلال كل الطاقات والإمكانيات الموجودة داخل الدولة، سواء أكان ذلك من الموارد الطبيعية كالزراعة والرعي والصيد، أم كان من الموارد الصناعية، وتوفير سبل الطاقة للناس.
وهذا الأمر يحتاج إلى فِرقِ تفعيلٍ وحثٍّ ومواكبةٍ وإرشادٍ وتوجيه، فيوجّه الناس إلى كيفية استغلال الأرض بأقصى طاقة ممكنةٍ لأنها هي المصدر الرئيس في مسألة الغذاء، ويوجّهون أيضاً في استغلال مصادر الطاقة بشكلٍ جيّد؛ لأن الطاقة تأتي في المرتبة الثانية بعد الغذاء.
وتسعى الدولة للاحتياط في وسائل الطاقة؛ لأنها عرضة للهجوم والاعتداء من قبل الكفار. فتضع الدولة السبل البديلة لتوفير موارد الطاقة بكلّ السبل وخاصّة موضوع الكهرباء لأنها أصبحت من الوسائل الضرورية في الحياة، وبالتالي فإن فقدها يؤدي إلى أزمات داخل الدولة.
هذا ما يتعلق بالمواجهة والتصدّي -داخل حدود الدولة- للحصار الاقتصادي المفروض من قبل الكفار.
أما ما يتعلق بالمواجهة الخارجيّة لهذا الحصار: فيجب على الدولة أن لا تكتفي بمسألة المواجهة الداخلية فقط، بل يجب عليها أن تعمل على فكّ الحصار واختراقه بكلّ السبل والأساليب والطرق المتاحة، ويمكن أن تتبع الخطوات التالية:
1- اختراق الحصار: فالناظر إلى مسألة الحصار الاقتصادي لأي دولة من الدول يرى أنه لا يمكن إحكامه بشكلٍ كامل، بل لا بدّ وأن تكون هناك ثغرات يمكن الولوج منها وتجاوزها. فحدود الدولة طويلة، والإحاطة بها من كل جانب يكاد يكون أمراً مستحيلاً.
وهذه المسألة يجب أن يُعدّ لها بشكل جيد عن طريق طواقم الجيش، وأناس مخصوصين لهذه المهمة؛ لأنها تحتاج إلى دراية وخبرة، وفي الوقت نفسه لا يُمنع الأفراد من اختراق الحصار خاصّة القريبين من حدود الدول المجاورة إلاّ في حالة تحقق الضرر العام على الدولة.
فالتسليم بأمر الحصار لا يجوز بل يجب أن يعمل المسلمون على اختراقه؛ لأن هذا حقّ من حقوقهم، وهو طريق من طرق أخذ الحق، والموت في سبيل ذلك شهادة. وقد كان عليه الصلاة والسلام يعمل على اختراق المقاطعة في شُعَب بني طالب بالطرق السريّة.
2- تحريض الشعوب المجاورة للدولة الإسلامية للعمل على فكّ الحصار من طرفهم، وهذا التحريض يجب أن يركّز فيه على مسألة حرمة السكوت من قبل المسلمين على أمرٍ يفرضُه الكفّار ويسبب الموت والهلاك لطائفة من المسلمين. ويركز أيضاً على الآيات والأحاديث التي تحثّ على التعاون والتناصر، وتنهى وتحرّم أن يبيت مسلم شبعان وجاره جائع . قال عليه الصلاة والسلام: «أيما أهل عَرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى». والله تبارك وتعالى يقول: ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) (الأنفال 72)، والمناصرة والنصرة تكون بكافة السبل وفي أيّ أمرٍ يحيكه الكفار ضد المسلمين.
فتحرض الشعوب المسلمة المجاورة على اختراق الحصار عن طريق الحدود، وتحرض كذلك للعمل على فك الحصار الذي تفرضه حكوماتها على شعبٍ مسلم مجاور لها.
وكما تُحرّضُ الشعوبُ المسلمة، تحرّضُ أيضاً الشعوب الأخرى على اختراق الحصار، ويبيّن لها أن السبب في فرض هذا الحصار الجائر هو بسبب كونها تحمل فكراً يخالف فكر الاستعمار، وكون الاستعمار يريد لها أن تبقى شعوباً تابعةً متخلّفةً ينهبُ ثرواتها وأموالها، وتحرّضُ الشعوب الكافرة كذلك بواسطة الإغراءات الماديّة لفكّ الحصار واختراقه؛ لأنها شعوب تفكّر بالمنافع والمصالح، ويمكن شراؤها للقيام بأعمال من شأنها اختراق الحصار.
3- استغلال قضية الحصار في تحريض الشعوب الإسلامية المجاورة، وتحريض الشعوب الكافرة. فالشعوب الإسلامية المجاورة تُحرّض للقيام بمظاهراتٍ ومسيرات واحتجاجات من أجل إسقاط الحكومات التي تقف في صفّ الكفار ضدّ دولةٍ تعلن قيامها على أساس الإسلام، وتهدف لنهضة الأمة ورفعتها وهذا الأمر -الاحتجاجات والمسيرات- ليس سهلاً على الحكومات، بل إنها ستسارع إلى امتصاص هذه النقمة الجماهيريّة العارمة وذلك عن طريق فك الحصار؛ لأن بقاء الحصار بهذه الصورة يشكل خطراً على كراسيّها وعروشها.
أما بالنسبة للشعوب الكافرة في دول الغرب، فإن الدولة الإسلامية عن طريق الإعلام الموجّه، وعن طريق أتباعها في دول الغرب، تقوم بنشر الأخبار عن هذا الحصار وإيصالها إلى أسماع الشعوب الغربية، وفي الوقت نفسه التحريض ضد فكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتبناها الشعوب الغربية. فالديمقراطية وحقوق الإنسان لم تمنع حكوماتِها من فرض حصارٍ اقتصاديٍّ على دولة بسبب حريّة الفكر عندها، وحقوق الإنسان كذلك لم تمنع الحكومات الغربية من حرمان الناس من حقهم في العيش والحياة بسبب أفكارٍ آمنوا بها وأرادوا إيجادها في أرض الواقع في الحكم والسلطان.
ويجب على الدولة الإسلامية وعلى كل مناصريها في الخارج أن يبيّنوا للعالم أن الإرهاب الذي تلصقه أميركا ودول أوروبا بالمسلمين هو عينه الذي تفعله وتطبقه في سياسة الحصار والحرمان للنساء والأطفال والشيوخ بسبب معتقداتهم.
والحقيقة أن مسألة الإبداع في مواجهة الحصار داخلياً وخارجياً يمكّن الدولة من أمرين:
الأول: الصمود الطويل في وجه الحصار، وبالتالي تصدّعه تماماً كما تصدع حصار قريش لبني هاشم في مكة بعد أن طال الحصار وكثرت مآسيه على المسلمين، وأثر ذلك في أهل مكة وساداتها، ولم تقو على استمراريته، بل عملت بنفسها على تصديعه وإنهائه.
الثاني: ضرب هذا الحصار بكل السبل لكسره وتقطيعه. فمهما كانت الدول قوية ولها إرادة، فإن كثرة الضرب والمحاولات المتكررة والمتعددة تؤثر فيها، وتنهكها، وتلجئها إلى التفكير بإنهاء هذا الحصار.
(يتبع)
أبو المعتصم ـ بيت المقدس
2007-02-20