العدد 409 -

السنة الخامسة والثلاثون، صفر الخير 1442هـ الموافق تشرين الأول 2020م

مشروع العصر (الحزام والطريق)

نبيل عبد كريم (أبو مصعب)

لا يمكننا أن نتخيل طريق الحرير على أنه طريق ممتد بين نقطتين من الشرق إلى الغرب، ولم يكن ربطًا بين تجار الغرب والصين فقط، بل كان يمر خلال مجموعة ضخمة جدًا من المجتمعات، أي كان شبكة اتصالات طرقية عالية تنقل عبرها الخير والشر؛ حيث إنها تنقل كل شيء وليس السلع فقط، فقد عرف عنه أنه وعبره تم نقل الثقافات والديانات والعادات والبضائع والأمراض والحيوانات، وكل ما يحمل وينقل، وكان نافذة بين الدول على بعضها حتى وصل كل شيء إلى سواحل أفريقيا، وسواحل البحر المتوسط في أوروبا.

إن طريق الحرير تاريخيًا هو طريق يمتد من مدينة تشان غان عاصمة الصين خلال عهد سلالتي هان والتانغ إلى أوروبا عبر آسيا  الوسطى والشرق الأوسط، وقد استخدم بداية للتجارة من القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن السادس عشر، وتم عبره نقل البضائع الصينية وأشهرها الحرير، ولذلك سمي باسمه (طريق الحرير) الذي عمل على ربط الحضارة الصينية مع غيرها من الحضارات العالمية؛ لذلك كان يعتبر هو النافذة العالمية لتواصل الشعوب عبر مقتنياتها وثقافاتها.

فقد تميزت الصين وتفردت بصناعة الحرير من دودة القز، فقد صنع أول خيط حرير قبل 4500 سنة، وبقي سرًا وحكرًا لها؛ حيث كان يحكم بالموت على كل من يفشي هذا السر. ولم تعرف الدول الكبرى آنذاك سر هذه الصناعة إلا بعد 3000 سنة من إتقان الصين لها. وقتئذ كانت الصين تتربع على عرش احتكار تلك الصناعة وتحتكرها لنفسها؛ حيث يعتبر الحرير من طقوس الإمبراطورية الصينية وجزءًا لا يتجزأ من تاريخها؛ حتى إن الحرير في بعض الأوقات كان يستخدم كالعملة للتبادل بين البشر.

ولم يكن هذا الطريق معبدًا سهل المنال، وليس طريقًا واحدًا بل هو عبارة عن عدة طرق متشابكة تشكل شبكة متصلة، وتعبر عبر قوميات وأعراق مختلفة. فكان هناك طريق منه جنوبًا يصل إلى أفغانستان وأوزباكستان وإيران غربًا، والطريق الآخر يمر عبر باكستان وكابول الأفغانية حتى رأس الخليج، ومنه يصل إلى إيران وروما.

وهو الذي ساهم في تسهيل التجارة بين الغرب والشرق، وطبعًا كما ذكرنا سابقًا بأن هذا الطريق يرتبط ارتباطًا تاريخيًا وثيقًا بشعب الهان إحدى قوميات الصين، وكان أغلب من حكم الصين من أباطرة وقادة الحزب الشيوعي والقواعد الشعبية الهامة هو من سلالة الهان التي شكلت العصور الذهبية للصين، ويبلغ عدد المنتسبين لقومية الهان حوالي 1.31مليار نسمة فهم يتحدثون اللغة الصينية ولكنهم ينتمون إلى عدد كبير من الديانات وأبرزها البوذية والطاوية مع أقليات منهم مسيحية ومسلمة.

ثم إن رئيس الصين الحالي شي جين بينغ هو من قومية الهان، وسوف يلمع اسمه عالميًا لأنه سيرتبط اسمه بنقل الصين من الإقليمية إلى العالمية، وهذا الإنجاز بكل ما يحمل من صعوبات فهو تاريخ جديد للصين، وقد وصفت جريدة وول ستريت جورنال الرئيس الصيني بأنه الأقوى والأكثر تأثيرًا على الساحة الدولية.

إن المبادرة الصينية التي تحمل اسم «الحزام والطريق» هي فكرة قامت على أنقاض فكرة طريق الحرير القديم، وتهدف إلى ربط الصين بالعالم من خلال شبكة مواصلات برية وبحرية تصلها بالقارات على أعلى مستوى ليصبح أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية حتى اليوم.

وهو مشروع صيني عملاق تشارك فيه 123 دولة ترغب الصين من خلالها في تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية بما في ذلك أوروبا وأفريقيا والأمريكتين، ومن جهة ثانية تضمن وصول وارداتها من كل أنحاء العالم دون الركوع أو الخضوع إلى ضغوطات الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ ذلك ما صرح به الرئيس الصيني السابق هوجيتنا في عام 2003م، ووصفه بأنه حلٌّ لما أسماه «مأساة مضيق ملقا»؛ حيث يعتبر مضيق ملقا حلقة وصل بين كل من الصين واليابان وتايلاند والهند وإندونيسيا وسنغافورة وتايوان وجنوب كوريا لذلك عليه حركة ملاحة كبيرة جدًا، وهو يعتبر الطريق الأقصر للوصول إلى الصين واليابان.

لذلك كان هذا الممر هو الممر الأساسي لتزويدها بالنفط والمواد الأولية، وهذا المضيق تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية عسكريًا عبر تواجد العديد من القواعد العسكرية؛ ولعل أبرزها قاعدة دييغوغارسيا والتي تعد أكبر قاعدة دعم عسكري وبحري في العالم، وهو الأمر الذي يعني القدرة على تضييق الخناق على الصين كلما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك؛ ولذلك يعتبر أحد أهم أهداف الصين من مشروعها الجديد هو إيجاد بديل لطريق تجارتها بعيدًا عن مضيق ملقا، وذلك من خلال إيجاد طرق مختلفة عبر الدول المحيطة.

وفي نهاية عام 2013م، تم الإعلان عن «الحزام والطريق» على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ» في جامعة نزار باييف بكازاخستان عن تبني الصين هذه المبادرة، والتي تستهدف إحياء طريق الحرير «حزام طريق الحرير الاقتصادي» والبحري «طريق الحرير البحري»؛ حيث يمتد طريق الحرير البحري من الساحل الصيني عبر سنغافورة والهند باتجاه البحر المتوسط. أما الفرع البري فله ستة ممرات وهي:

1 – الجسر البري الأوراسي الجديد:

 ويبدأ من غرب الصين إلى روسيا الغربية، ويسمى أيضًا جسر الأوراسي الثاني، فهو يبدأ من مدينتين: ليانيونقانغ وريتشاو الساحليتين في الصين ليصل إلى روتردام في هولندا وأنتوبرب في بلجيكا. ويمر خط سكة الحديد الذي يمتد 10800 كيلومتر عبر كل من كازخستان وروسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا ليخدم أكثر من 30 دولة ومنطقة، وتتقدم عمليات الإنشاءات فيه وبكل ما يتعلق بالخطوط من طرق سريعة وخطوط نقل طاقة وموانئ على نحو ثابت.

2 – الممر الاقتصادي الصيني منغوليا – روسيا:

وتم اقتراحه عام 2014م من قبل الصين، وخلال اجتماع ثلاثي عام 2014م ليصبح أول خطة تعاون متعددة الأطراف في مبادرة «حزام الطريق». وله محوران:

الأول: يمتد من منطقة بكين – تيانجين – خبي في الصين إلى هوهوت في منغوليا الداخلية ليصل إلى منغوليا وروسيا.

والثاني: يمتد من داليان وتشيانغ وتشانفتشون وهاربين وسانتشولي في الصين إلى تشيتا في روسيا.

3 – الممر الاقتصادي الصيني _آسيا  الوسطى غرب :

وهو يربط بين الصين وشبه الجزيرة العربية حيث يبدأ من شينجيانغ بالصين ويمر عبر آسيا الوسطى قبل وصوله للخليج وشبه الجزيرة العربية، وهو يعبر خمس دول (أوزبكستان -قازاخستان –قيرغيزستان – طاجاكستان-تركمانستان) و17 دولة في منطقة غرب آسيا منها (تركيا، إيران، المملكة العربية السعودية… وغيرها).

4 – الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني:

وهو ممر يربط البلدين بمجموعة طرق سريعة معلقة ويبلغ طوله 880 كم، وكلف حوالى 65 مليار دولار مع سكك حديدية وخطوط غاز وكوابل الألياف الضوئية، ويعد أحد أهم عناصر مبادرة «الحزام والطريق» وقد تم تنفيذه عبر أنحاء باكستان، وهو عبارة عن 3000 كم يبدأ من كاشجار في الصين وينتهي في جوادار بباكستان، ويربط بين الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البحري للقرن 21 في الجنوب.

5 – الممر الاقتصادي الصيني شبه الجزيرة الهندية الصينية:

ويمتد من دلتا نهر اللؤلؤ على طول طريق السريع نانتشونغ قوانفان وخط سكة الحديد فائق السرعة ناننينغ قوانفتشو إلى هانوي وسنغافورا.

6 – الممر الاقتصادي بنغلادش الصين ميانمار:

وهو ممر يربط بين سوقين كبيرين في كل من الهند والصين، وفي ديسمبر 2013م، عقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل المشترك الخاص بالممر وأسفر عن إقامة آلية التعاون بين الحكومات الأربع.

 فالصين تمتلك أهدافًا متعددة من مبادرة إحياء طرق الحرير ظاهره اقتصادي وباطنه أكثر من ذلك، فقد رصدت الصين ما يقارب 1.3 ترليون دولار من أجل ذلك عبر مشاريع تجاوز عددها التسعين حتى الآن في أكثر من 60 دولة حول العالم. ومع فتحها المجال لأي دولة في العالم تريد أن تشترك في هذا المشروع متى قبلت الاستثمار الصيني في بنيتها التحتية، فهي تعرض قروضًا لإنشاء هذه البنى التحتية ولكن بفوائد للصين، وأيضًا بشرط تشغيل الشركات الصينية حصرًا فهي لا تعطي مالًا، بل تنشئ عملًا لتحصر الفائدة فيها.

وإن محاولة الصين تنمية نفوذها مع شكوك غربية حول نواياها بدأت تتزايد إزاء هذا المشروع، وظهر هذا جليًا في اقتصار مشاركة هذه الدول بتمثيل متوسط أو عدم حضور في جميع المؤتمرات التي تخص هذا الشأن، مع أنه تم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين بكين و126 دولة و29 منظمة في إطار هذا المشروع، لكن هذه الاتفاقيات لا تنص على دعم غير مشروط للمشروع الصيني الضخم بل يقترح بعضهم التعاون وليس الدعم. وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن الإنتاج الصناعي الصيني الفائض يعد أهم الدوافع التي تقف خلف هذه المبادرة، أما المنتقدون فيقولون إنه يعمل على تعزيز نفوذ الشركات المتمركزة في الصين، ونصب أفخاخ من الديون للبلاد التي تستفيد من القروض التي تمنحها المصارف الصينية.

ولكن الصين قامت برسم مخطط مبني على المصالح لكل دولة؛ حيث إن هذا المشروع وضع بعناية بحيث يكون مردود أرباحه يطفو بالفائدة على كل بلد يعبر فيها، إما بإضافة للمنتج (أي تترك الصين بعض منتجاتها ناقصة لتكمل في دول التشارك الاقتصادي قبل ذهابها لسوق البيع) فيكون فيه نوع من التشارك الاقتصادي في بناء منظومة اقتصادية كبيرة، وكذلك ما تحصل عليه الدول التي تعبر البضائع منها من أرباح تضاف على الناتج القومي لكل منها وما تحصل عليه من تسهيلات مالية تقدمها البنوك الصينية؛ حيث قدمت المصارف الصينية قروضًا تتراوح قيمتها بين 175 و265 مليار دولار؛ وبذلك تكون رغبة الدول في المشاركة في المشروع ذات طابع اقتصادي ظاهرًا؛ لأنه سوف يدعم اقتصاد كل دولة، وبما أن الصين تعتمد خطة الدقة والحذر مع الاستمرار في الدفع والتقدم نحو تحقيق هدفها هذا دون النظر إلى الزمن بشكل أساسي، فهي تعمل بسياسة الليونة مع حزم للاستمرار قدمًا؛ لذلك كان لكل اتفاقية واقعها وحيثياتها بحيث تضمن الصين تقدم المشروع بالشكل الذي رسمته له.

أما كيف ينظر الصينيون لهذا المشروع؟

إنه يلقى صدًى جيدًا، وذلك لعدة أسباب يحققها هذا المشروع للشعب الصيني منها على سبيل الذكر لا الحصر:

-خلق فرص عمل للشركات والشعب الصيني خارج الإقليم، فهو المستثمر الأول في مشاريع البنية التحتية في الدول التي يشملها المشروع.

– النقل السريع والآمن دون قيود بين الصين ودول العالم حيث تعتبر الصين مصنع العالم الكبير، فيستفيد الشعب الصيني بتصدير كل ما ينتج، ويسهل وصول المواد الأولية له، وانخفاض أسعار النقل الذي سوف يطول الجميع.

– الخروج من الهيمنة البحرية الأمريكية وهذا أهم البنود، حيث إن أكثر من 85% من البضائع الصينية الصادرة والواردة تمر في مناطق نفوذ السيطرة والملاحة البحرية الأمريكية، وهذا يعود إلى الضعف العسكري والسياسي الصيني؛ لذلك تعمل الصين على تغيير واقعها السياسي وتقوية قوامها العسكري بما يليق مع ما تتطلع إليه، ويساعدها في الانطلاق لواقع دولي جديد من خلال حماية هذا المشروع – الحزام والطريق – مستقبلًا وليس في هذه الأيام.

– فتح المجال لجعل الغرب الصيني الفقير مماثل للشرق الصيني الغني؛ وبذلك تكون قد اهتمت بمسألة هامة وهي مسألة الفقر في الصين؛ مع أن الصين تتبع النظام الرأسمالي وليس لها نظرة اقتصادية خاصة؛ ولكن تعتبر محاولة في رفع مستوى الرفاهية لعموم الصين.

أما بالنسبة لأوروبا:

لقد اقتحمت الصين اليونان مع علمها بأن القارة العجوز ترفض التمدد الصيني فيها؛ ولكنها استغلت الوضع الاقتصادي لليونان بعد أزمتها الاقتصادية، وحصلت على51%من ميناء بيريوس قرب العاصمة أثينا عام 2016م؛ ولكن تعتبر دخول إيطاليا هي الضربة القوية؛ حيث إنه بعد الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ لإيطاليا وموناكو وفرنسا في أواخر شهر مارس/آذار عام 2019م، وتوجه رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ يوم 8 أبريل من نفس العام إلى أوروبا في زيارة إلى بروكسيل لعقد الاجتماع الحادي والعشرين بين قادة الصين والاتحاد الأوروبي، وهذا يدل على التوجه الصيني نحو أوروبا. وخلال هذه الزيارات أصبحت إيطاليا أول عضو في مجموعة السبعة –G7-التي توقع مذكرة التفاهم – الحزام والطريق – مع الصين. أما دول شرق أوروبا التي أطلقت التعاون (1+16 ) عام 2012م، وتم استكمال جميع الدول الستة عشر إلى مبادرة الحزام والطريق، واليوم نجد حجم التجارة بين الصين وأوروبا يستمر في التوسع.

وعبر كثير من التغيرات الحالية والقادمة والتي لم تحدث منذ مئة عام تجعل أوروبا تتطلع إلى مزيد من التعاون للخروج من الهيمنة الأمريكية؛ ولكن يبقى كثير من التخوفات لديهم إزاء هذا المشروع منها:

– الحد من تسويق البضائع الغربية إلى المناطق الشرقية والغربية من أفريقيا وبعض مناطق أوروبا؛ لأن المنتج الصيني سوف يكون أرخص سعرًا، وقد يعادله في الجودة لعوامل تتميز بها الصين من يد عاملة رخيصة وقوة إنتاج… وغيرها مما يتيح للمنتج الصيني المنافسة بقوة. ومع أن الصين تحاول طمأنة الأوروبيين بحيث إن المشاركة الاقتصادية بينهما قد تقدم الصين فيها تسهيلات كبيرة وبعض التنازلات حتى ولو في أول انطلاق هذا المشروع.

– وأيضًا يتخوف الأوروبيون من طبيعة الاستثمارات الصينية؛ حيث إنها تحاول الاستثمار في قطاعات حساسة جدًا كالقطاع النووي والتكنولوجيا والجيل الخامس وهذا يعود إلى حاجة الصين للوصول إلى كامل التطور الأوروبي.

ويتساءل الأوروبيون: ماذا بعد هذه السيطرة؟ وإلى أين سوف تقودهم؟ أنهم يعلمون أنه بعد الهيمنة الاقتصادية تأتي الهيمنة السياسية، ويبقى الباب مفتوحًا على مصراعيه مع أوروبا والأحداث القادمة.

أما بالنسبة إلى أهم دول الجوار

اليابان:

إن وجود استثمارات صينية ضخمة لتطوير البنى التحتية يخدم المصالح اليابانية من جهة، ومن جهة أخرى تتخوف من توسع جيو_استراتيجي للنفوذ الصيني في المنطقة؛ ولكنها شاركت في المبادرة حيث أعلن الوزير الأول الياباني في 2017م عن دعم دولته المشروط لهذه المبادرة. وفي مايو 2018م تم توقيع اتفاق للتعاون الاقتصادي مع الصين.

روسيا:

تحمل نفس المخاوف اليابانية؛ ولكنها تطمح إلى تطوير بعض أقاليمها مثل سيبيريا والشرق الأقصى الروسي، وخاصة في ظل العقوبات بسبب أزمة أوكرانيا؛ ولكن تبقى روسيا حذرة من إقامة أي مفاوضات ثنائية بين دول أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصيني.

الهند:

إن العداء بين الهند والصين حقيقي، وهو قد وصل بدرجات متفاوتة إلى حافة الحرب سنوات (2013-2014-2017)م، ومؤخرًا كانت المناوشات التي اندلعت في وادي جلوان بمنطقة لاداخ، وقد أدت إلى مازق عسكري ودبلوماسي بينهما؛ حيث ذكرت صحيفة بيزنس ستاندرد «أن أكثر من 5000 جندي صيني من جيش التحرير الشعبي اقتحموا خمس نقاط في لاداخ، أربعة على طول نهر جالوان، وواحدة بالقرب من بحيرة بانجونج. ناهيك عن الصراعات حول التنقيب على النفط والغاز ومشاكل الصيد… وغيرها.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تقف في صف الهند دائمًا، وقد صرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي ببيان قال فيه « إنني قلق للغاية من العدوان الصيني المستمر على طول خط السيطرة الفعلية على الحدود بين الهند والصين، وتثبت الصين مرة أخرى أنها على استعداد للتنمُّر على جيرانها بدلًا من حل النزاعات وفقًا للقانون الدولي.» (مجلة فورين أفيرز الأمريكية التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية بتاريخ 1/6/2020م) فبعد وصول عملاء أمريكا إلى الحكم زاد العداء بين البلدين بتزكية أمريكية، فالهند تعارض هذه المبادرة، فلم تحضر المنتدى في مايو 2017م، وانتقدت المبادرة في قمة «منظمة شنغاي للتعاون عام 2018م واعتبرتها مساسًا لسيادتها وخاصة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يعبر منطقة جيلجيت في إقليم كشمير المتنازع عليه.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية

إن الولايات المتحدة متنبهة جيدًا لما تحاول الصين فعله، وتحاول محاصرتها منذ زمن طويل بجعل الصين منشغلة بالمشاكل الداخلية ومع دول الجوار داخل الإقليم؛ حيث نجد أنه في 29/1/2010م أعلنت إدارة أوباما أنها أبلغت الكونغرس الأمريكي عن خطتها ببيع أسلحة لتايوان بقيمة   6.4مليار دولار تضمنت طوربيدات متطورة من طراز (ام كي 48) بيان صادر عن الوكالة التعاون الأمني والدفاع الأمريكي (DSCA). وتصريح وزير الدفاع الأمريكي أثناء زيارته لليابان في 16/9/2012أن هذا النزاع بين الصين واليابان في موضوع الجزر يمكن أن يتسع، وقال إنه قلق من هذه الاستفزازات التي قد تدفع أحد الطرفين إلى ارتكاب خطأ يؤدي إلى نزاع. وكما جاء في جواب سؤال أمير حزب التحرير حول نزاع الجزر بين الصين واليابان بتاريخ 20/9/2012م:

«… وهكذا فإن أمريكا ضربت عصفورين بحجر واحد، وذلك بدفع اليابان للمطالبة بالجزر… فمن جانب وتّرت الأجواء بين الصين واليابان لتبقى حاجة اليابان للوجود الأمريكي قائمة، ويسهل قبوله لدى الناس في اليابان، ومن ناحية أخرى فأمريكا تريد إشغال الصين دائمًا بقضايا إقليمية متوترة؛ وذلك قطعًا لأي تطلع للصين إلى السياسة الدولية العالمية إلا في حدود إقليمها فحسب».

وفي جواب سؤال آخر له بعنوان تأثير أمريكا في سياسة الهند لمواجهة الصين بتاريخ 12/4/2014م: «… إن أمريكا عملت على توجيه الهند نحو الجبهة الشمالية للصراع مع الصين بعدما أمنت لها الجبهة الغربية مع الباكستان التي قدم حكامها الموالون لأمريكا تنازلات كبيرة للهند في فترة حكم حزب بهاراتيا جاناتا الموالي لأمريكا».

لذلك نجد أن أمريكا حاولت منع خروج الصين من إقليمها؛ ولكن الصين بقيت تلاعب أمريكا في هذه الملفات، وبدأت هي بملف مبادرة «الحزام الطريق» لتجعل نفسها أمرًا واقعًا أمام أمريكا ظنًّا منها أن أمريكا متغافلة عن ذلك؛ ولكن الحقيقة هو انشغال الولايات المتحدة الأمريكية في مسائل ذات أهمية كبيرة بالنسبة لها، ولأنها تعلم أن الصين لا تملك مبدأ تنطلق منه لحكم العالم، فهي سوف تبقى ضمن منظومة الرأسمالية ما إذا استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أو القائمين على هذا النظام الرأسمالي من تكرار أنفسهم؛ لذلك هم مشغولون في منطقة الشرق الأوسط لأنها هي المنطقة الوحيدة التي يمتلك أهلها مبدًا بديلًا ألا وهو الإسلام؛ لذلك نرى أنها تعمل ليلًا نهارًا، ولا تترك لحظة أو خطة لجعل الإسلام مغيبًا لفترة قادمة حتى يتسنى لهم إعادة أنفسهم ونظامهم بعد حتمية الانهيار المالي القادم ولن يكون لهم ذلك إن شاء الله

لذلك نلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تمنع قيام هذه المبادرة، ولو أرادت لمنعت عملاءها من فتح أبوابهم أمام العملاق الصيني؛ ولكنها سمحت بذلك وهي تعي ما تفعل؛ حيث إنها بعد ضمان عدم قدرة الإسلام على الظهور كمبدأ بديل «حسب ظنها» فإنها:

– أولًا قد امتلكت مصادر النفط والطاقة والمواد الأولية التي بداخل الشرق الأوسط عبر عملائها أو مباشرة، والتي بها تستطيع خنق الصين بغض النظر عن آلية النقل.

ثانيًا أنها تعمل على توريط الصين في ملفات كبيرة منها ملف حقوق الإنسان حول ما يجري للإيغور في الصين.

واتهامات الرئيس ترامب للصين في ملف جائحة كورونا كوفيد – 19، وكما جاء في جواب سؤال أمير حزب التحرير بتاريخ 21/6/2020م: (… بعد أزمة وباء كورونا وجدت أمريكا حجة جديدة للنيل من الصين تحت ذرائع مختلفة، فواشنطن تتحدث كثيرًا عن ضرورة أن تتحمل بكين المسؤولية عن انتشار الفيروس وتجرُّ معها دولًا أخرى من ضمنها الهند في اتجاه المطالبة بتحقيق خاص في معهد ووهان للفيروسات…) بحيث إن هذه الملفات تهم الجميع مما سيؤدي إلى حشد دولي ضدها وهذا سوف يؤدي إلى اتهام الصين ومحاولة تأديبها ومطالبتها بتعويضات، والغاية من ذلك ليس نشوء حرب «(وإن كان لا مانع بحرب محدودة استباقية سريعة جدًا مضمونة النتائج تفي بالغرض)» بل إجبار الصين على توقيع اتفاقيات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو ممثلي النظام الرأسمالي من منظمات دولية قائمة حاليًا لضمان عدة أمور منها:

– إشراك الولايات المتحدة في مشروعها «الحزام والطريق» بشكل تحصل فيه على نصيب مماثل للصين على أقل تقدير.

– وضع حدود لعلاقات الدول مع الصين وتحجيم الصين نحو الخارج.

– قوانين تجعل الولايات المتحدة شريكًا في كل التطورات التكنولوجية والصناعية المقبلة مما يبقي تفوق الولايات في هذا المجال، مقابل تأمين موارد الطاقة والمواد الأولية للصين ضمن شروط وإشراف الولايات المتحدة.

– إيجاد عملة دولية تكون السيطرة فيها للولايات المتحدة أو القائمين على النظام الرأسمالي «في حال تغيب الدولار»

وكثيرة هذه الأمور، ولا يمكن حصرها الآن. ويبقى التحدي الأكبر أمام الصين في تحقيق النجاح هو تحدي مواجهة الضغوطات الأمريكية التي تسعى للحفاظ على مكانتها كقطب أوحد مهيمن في النظام الدولي بشعار أمريكا أولًا.

أما بالنسبة للمسلمين مع أنهم ليس لهم دولة الآن:

فإن الصين تبني منظومتها العملاقة على قواعد النظام الرأسمالي، وأي انهيار لها سوف تخسر أغلب ما دفعته وسوف تخضع للواقع العالمي الجديد. وفي حال ظهر الإسلام إن شاء الله إلى الواقع كمبدأ بديل يحكم، فإن الصين حينها ملزمة بتوقيع معاهدات مع دولة الخلافة القادمة أو تخسر كل شيء؛ لأن معظم دول «الحزام والطريق» هي دول سوف تتبع لدولة الخلافة شاءت أم أبت الصين؛ لأنها جميعها من البلاد الواجب استعادتها إلى حضن الخلافة، وما هي إلا مسألة وقت فقط. وبما أن البنى التحتية هذه تعتبر ملكية عامة تخضع للدولة، وبما أن دولة الخلافة لن تعترف بأي قرارات دولية ولا بأية هيئة دولية؛ فإنها حكمًا سوف تكون ملك الدولة وقد تعقد الدولة معاهدات اقتصادية حسب رأي الخليفة؛ ولكن بعد محاسبة الصين على جميع الملفات التي تم التعامل فيها بشكل قمعي مع المسلمين. وعلى سبيل المثال:

الإيغور؛ حيث تم طمس هويتهم المسلمة عبر كل أنواع الاضطهاد وجميع الممارسات غير الإنسانية؛ وذلك بسبب الحقد على الإسلام من جهة، ومن جهة أخرى لأهمية إقليم شينغانيغ شمالي البلاد التي كانت تعرف باسم تركستان الشرقية، وأصبحت نسبة المسلمين فيها من 90% إلى 50%؛ وذلك يعود إلى مبادرة «الحزام والطريق» الذي يعتبر شينغانيغ من أهم المدن التجارية والصناعية وذات موارد عالية، وسكوت الصين عن ما يحدث في بورما لما لديها من علاقات تجارية وبناء خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي؛ حيث قامت بمغازلة بورما بغض الطرف عن عمليات الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينغا وتهجيرهم، مع أنه ليس للصين تاريخ عدائي مع دولة الخلافة سوى بعض المواقف: نذكر أهمها وهو معركة نهر طلاس بين الخلافة العباسية والإمبراطورية تانغ الصينية وعلى أثرها خرجت الصين من آسيا الوسطى مما أدى إلى نهاية نفوذها وتقويض تجارة الحرير وانحسار ازدهاره.

إن الصين تعتمد القوة الناعمة الناتجة لتنفيذ سياستها التوسعية باعتماد موارد غير عسكرية في المبادرة كالقوة الاقتصادية والوسائل الدبلوماسية والمقومات الثقافية، وتظهر هذه القوة من داخل النظام الدولي، ولا تملك هي مبدأ تخرج به متحدية سافرة للوصول إلى هدفها خارج القوة الناعمة، لذلك مهما تعاظم الدور الصيني يبقى داخل النظام الرأسمالي، وتبقى الصين تراهن على التغيرات القادمة التي تنذر بنظام عالمي جديد بشقَّيه من داخل الرأسمالية أو من خارجها.

وللأسف، فليس للإسلام دولة بعد حتى يغير الأوضاع الراهنة إلى ما هو خير للبشرية ويتخلص من هذه الهيمنة التي تتلاعب بمصائر الشعوب، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعجل لنا بخلافة راشدة على منهاج النبوة لتقود العالم لما هو خير له.

قال تعالى: ( إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا ٣)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *