العدد 409 -

السنة الخامسة والثلاثون، صفر الخير 1442هـ الموافق تشرين الأول 2020م

دين جديد برعاية إماراتية سعودية مصرية

 

1- الدور الإماراتي في تحريف الدين

حامد عبد العزيز

   المعنى الصحيح للتجديد وما هي آلياته وضوابطه:

   إن تجديد الخطاب الديني لا يعني أبدًا تغييره أو تبديله كما يريد له المضبوعون بالغرب حملة لواء التغريب في بلادنا، وإنما يعني المحافظة عليه، فالمفترض في التجديد أن يكون عملية إصلاحية وليس تخريبية؛ وهو مطلب شرعي وواقع مقدر، وثمة آيات كثيرة تحث المسلمين على التمسك بالدين والعمل به، فضلًا عن أحاديث نبوية تشير إلى حاجتنا إلى التجديد والفهم والعمل. فالحفظ من غير فهم أو عمل لا يفيد المرء مهما علا علمه؛ لذا يحتاج المسلمون إلى تجديد خطابهم الديني ونشر علوم الدين لا سيما وأن العلم ينقص بموت العلماء؛ مما يوقع العامة في الجهل والضلال، وبالتالي يؤدي إلى المهلكات. ولتحقيق غاية تجديد الخطاب الديني يجب وضع ضوابط عملية تمنع التشكيك والدعاية والإشاعة بحيث يحقق ثوابت العقيدة الإسلامية، ومعرفة المعلوم من الدين بالضرورة.

ولعل من  أهم الضوابط و الآليات التي تحقق الغاية من تجديد الخطاب الديني هي:

1- مراعاة الاختصاص في الدعوة إلى التجديد، يقول الله تعالى:]وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ٤٣[، فالتجديدُ مهمةُ الراسخين في العلم، وأهلُ الحل والعقد في الأمة، وليس متاحًا لمدَّعي العلم والمتطفِّلين عليه.

2- الموضوعية والتجرد من الأهواء، فالمجدِّدُ لابد أن يكون باحثًا عن الحقيقة ومتمسكًا بالحق بعيدًا عن المزاج والتقليد الأعمى.

3- الاعتصام بالأصول والثوابت الإسلامية.

4- الاعتراف بمحدودية العقل البشري وقصوره وتناقضه وتأثره بالبيئة المحيطة به؛ لأن العقل البشري مهما بلغ في درجات الكمال، فالنقصان من لوازمه. فالنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مقدمةٌ على العقل.

5- أن يكون القصد من التجديد تنقيته مما علق به وليس منه، وشرح أحكام الدين بطريقةٍ صحيحةٍ بناءً على الأسس والثوابت.

6- الالتزام بأساليب اللغة العربية وبأصول الفقه الإسلامي وقواعدها في تفسير النصوص الدينية وتأويلها.

7- عدم إصدار الحُكم على أمرٍ قبل التمحيص والتفحيص والدراسة المتأنية.

تحريف الدين باسم التجديد:

من يقرأ تاريخ الفقه الإسلامي يجد أن كثيرًا من القضايا الفقهية وأحكامها في كتب الفقه جاءت لعلاج بعض النوازل التي لم يكن لها وجود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. فكان المجتهد يبذل الوسع في استنباط الحكم الشرعي الذي يعالج تلك النوازل الجديدة من النصوص الشرعية؛ ولكن تغيَّرَ الحال عندما اختلطت الثقافة الإسلامية بمفاهيم غربية جديدة تنادي بضرورة مواءمة الثقافات حتى يعم التسامح بين الأديان من باب حوار الأديان والحضارات، وليس من باب الصراع والمواجهة. إضافة إلى أن بعض الفقهاء تساهلوا في المسائل التي سمَّوها حصرًا (ما عم به البلاء)، مما اضطر بعض المسلمين لأسباب غير موضوعية إلى الانجراف وراء الحضارة الغربية؛ فظهرت ثقافة الاستلاب الفكري والعقلي التي ما برحت أن أثرت في العقلية المسلمة؛ فنتج عن ذلك تيارات فكرية تنادي بالتغريب والعصرنة، الأمر الذي أدَّى أخيرًا إلى تفشي ثقافة التحريف والتبديل والتغيير ممثلة في الآتي:

1- تفريغ الإسلام من مضمونه، فلا نظامَ سياسيًا إسلاميًا له، ولا جهادَ فيه، ولا حدودَ شرعيةً مقبولةً في العصر الراهن، ولا أصول ثابتة للاستنباط، فالمصلحة العقلية هي الأساس، والتقرب للغرب الكافر هو الغاية.

2- الدعوة إلى التقريب بين الأديان وَفق الفلسفة الغربية، وتقديم شروح لبعض الأمور الغيبية من منظور العلم التجريبي فقط، بل الترويج لدين إنساني جديد.

3- رفع لواء التغريب: وهي حركة فكرية قامت على اتخاذ الغرب قدوة في كل مجالات الحياة المختلفة، وقد بدئ بالتغريب في أوائل القرن الرابع عشر الهجري.

4- الدعوة إلى العصرانية: والتي بدأت مع منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وتدعو إلى قراءة جديدة للنصوص الشرعية، وإعادة تفسيرها وَفقًا لمنجزات العصرنة العلمية والفكرية. ومن الأساليب المتبعة في هذا، الادعاء بأن العبرة بالقيمة والمضمون لا بالشكل والقالب، فهم ينادون بالحرية المطلقة للمرأة والخروج من عفتها، وكذلك تجريد الإسلام من منظومته السياسية واعتباره دينًا كهنوتيًا كغيره من الأديان، واستحداث قواعد جديدة للفهم والاستنباط، والدعوة إلى التعددية الدينية وقبول الآخر، بمعنى عدم تكفير غير المسلم، وقد لاحظنا كيف أقام الإعلام المصري النكير على من يكفِّر النصارى. هذا إلى جانب اعتبار النموذج الغربي في ممارسة الديموقراطية أفضل نموذج يمكن اتِّباعه في العصر الراهن.

5- القبول بالعولمة: بعد انهيار المعسكر الشرقي، في نهاية ثمانينات القرن العشرين، انفردت أمريكا بقيادة العالم، وروَّجت لمصطلح العولمة؛ حيث أدخلت كل الشعوب في منظومتها الفكرية والثقافية والأخلاقية، وأوجبت عليهم قبوله والرضى به، وأوجبت أن يتم التجديد في إطاره.

6- فرض التجديد (التحريف) بالقوة: حيث لجأ الغرب إلى توفير الدعم السخي للمتعاونين معه من حكومات البلدان الموالية له، والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني من خلال تطوير المناهج الدراسية وفق النظم الغربية، وتوجيه الخطب المنبرية والإعلامية حسب المصوغات الغربية، وإباحة الربا في البنوك والمصارف، والقبول بالمقررات الدولية المتعلقة بالمرأة، وبالشذوذ الجنسي، واعتبار حجاب المرأة مسألةَ حريةٍ شخصيةٍ، لا أمرًا شرعيًا، فالتقاليد والأعراف تحكم لباس المرأة وليس الشرع، وإلغاء حكم قوامة الرجل على المرأة. والهدف الرئيس من كل هذا يكمن في عزل الإسلام عن الحياة وتكريس العلمانية في بلاد المسلمين.

ولقد تلقفت أنظمة العار الثلاثة في بلادنا؛ الإمارات والسعودية ومصر، فكرة التجديد تلك حسب الفهم الغربي هذا، لتنفذها وتسهر عليها، وتسخر كل إمكاناتها المادية لتصل بالأمر إلى منتهاه، إرضاء للغرب الكافر وتكريسًا لهيمنته الفكرية والسياسية والعسكرية على بلاد المسلمين، وفي نفس الوقت ضمانًا لبقائها في سدة الحكم.

1- الدور الإماراتي في تحريف الدين:

عرفت الإمارات ظهور حركات الإسلام السياسي على أرضها حتى قبل توحُّدها، وكان ذلك عبر جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي التي أسسها طلبة إماراتيون عائدون من مصر.ولكن سرعان ما أدرك حكام الإمارات المتحدة، الذين أقاموا وحدتهم على تحالف معقد، خطورة ذلك على استمرار حكمهم، إلا أن دولتهم الناشئة لم تكن قادرة بعد على تحمُّل تكلفة صراع محتمل؛ فوجد الإسلاميون موطئ قدم لهم في الحكومتين الأولى والثانية، وعرفت أوْجَها عندما تمكَّن الإخوان المسلمون في الإمارات من المشاركة بوزير واحد في أول تشكيل حكومي عام 1971م؛ حيث جرى تعيين سعيد عبد الله سلمان، وهو من الإخوان المؤسسين لجمعية الإصلاح وزيرًا للإسكان. وفي عام 1977م، أصبح محمد عبد الرحمن البكر وزيرًا للعدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، بترشيح من الشيخ راشد بن سعيد أيضًا، والبكر هو ثاني وزير من جمعية الإصلاح يتولى وزارة حكومية. وفي التشكيل الحكومي الثالث في يوليو 1979م، تولَّى سلمان وزارة التربية والتعليم ومنصب رئيس جامعة الإمارات بعد تأسيسها بسنتين. ومع التشكيل الوزاري اللاحق في يوليو 1983م، لم يجدَّد للوزيرين.

وقد بدأت الدولة باستهداف الجماعة شيئًا فشيئًا، حتى بروز رجل الإمارات الأوّل محمد بن زايد إلى الواجهة، الرجل الذي وصفه السفير البريطاني السابق في الإمارات السير جون جينكز بقوله: (إن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد قد يكون أكثر من يكره الإخوان المسلمين في العالم).

وفي مطلع العام 2011م، شنَّت السلطات الإماراتية حملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضين، أعقب ذلك صدور القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2015م، الذي يعطي الدولة الحق في حل الجمعيات واعتقال مؤسسيها وفق معايير فضفاضة تملك الحكومة لوحدها حقّ تأويلها، وامتدت حملات التّعسف لتشهد الإمارات 15 حالة سحب جنسية، أغلبهم من الإسلاميين حسب المرصد الدولي للعدالة وحقوق الإنسان.

في يوليو/تموز 2018م، قضت دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا بأبو ظبي في الإمارات بالسجن على 69 إسلاميًا آخرين بتهمة محاولة الإطاحة بالحكومة ومعاقبة جميع المتهمين حضوريًا وغيابيًا في قضية (الخلية الإخوانية)، المتهم فيها 30 مصريًا وإماراتيًا بأحكام سجن تراوحت بين 3 أشهر و5 سنوات، وبراءة متهم واحد من تهمتين، وتغريم 21 متهمًا مبلغ 3000 درهم، وإبعاد المحكومين المصريين في القضية بعد انقضاء فترة الحكم عن الإمارات، وحل جماعة الإخوان المسلمين في الدولة، وإغلاق كل مكاتبهم، إضافة إلى مصادرة الأدوات والأجهزة المضبوطة في أماكن عملهم ومنازلهم.

لم تكفَّ الإمارات عن اعتبار الإسلاميّين حجر عثرة أمام المشروع التّحديثي الذي يتبنّاه أبناء زايد، المشروع الذي حوّل دبي إلى عاصمة الخمور والاتِّجار بالبشر، صاحبة الحداثة الإسمنتيّة التي تجسدها ناطحات السّحاب العملاقة المليئة بالفجور والفسق، ولا يزال ذلك دافع تحركّات أبناء زايد الذين أخذوا على عاتقهم مهمة نشر الفكر العلماني. وليس أدل على ذلك من تصريح السّفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة في تعليقه على الحصار المفروض على دولة قطر حيث قال: «الخلاف مع قطر ليس ديبلوماسيًا بقدر ما هو خلاف فلسفي بشأن رؤية الإمارات والسّعودية والأردن ومصر والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط» ليضيف: «إن رؤية الدول الثلاث لحكومات الشرق الأوسط بعد عشر سنوات هي حكومات علمانية».

حمّلت الإمارات التيارات الإسلامية مسؤولية التطرف والإرهاب في العالم، وعملت على محاربتها في كل مكان. ولم تكتفِ بذلك، بل تآمرت ضد المنظّمات الإسلامية العاملة في أوروبا وأمريكا، واتّهمت المساجد هناك بالتّرويج للإرهاب ورعاية خطابات التّحريض والكراهية؛ حيث قال وزير التّسامح الإماراتي الشّيخ نهيان مبارك آل نهيان: «إن إهمال مراقبة المساجد في أوروبا هو السّبب في الهجمات الإرهابية هناك» ودعا الدول الأوروبية إلى تشديد القوانين في منح الرُّخص لبناء مساجد، وطرد الكثير من الأئمّة، واقترح أن تصنع الإمارات أئمّة لإرسالهم للإشراف على المساجد في أوروبا، كما احتضنت الإمارات مؤسسات إسلامية مشبوهة مثل مؤسسة طيبة ذات التوجه الصوفي.

ويأتي ذلك استجابة لاستراتيجية أمريكية في مواجهة الإرهاب الإسلامي تعتمد على خلق إسلام بديل يقوده علمانيون وليبراليون وإسلاميون معتدلون منهم الصوفيّون، فنشطت في الإمارات رموز للصوفيّة مثل الجفري، وبعض دعاة العقلانيّة والأنسنة الإسلامية، مثل عدنان إبراهيم والمقبور محمد شحرور، والأدهى من ذلك هو افتتاح معبد بوذي في الإمارات، في الوقت الذي يمارس فيه البوذيون أبشع الجرائم بحق المسلمين في بورما.

   لم يقتصر التآمر الإماراتي على أمّة الإسلام حدّ التّمويل والتّخطيط والطّرق الدبلوماسية، بل تجاوزها للتّدخل العسكري المباشر؛ حيث كشفت تقارير تورط الإمارات في عمليات القتل والإبادة التي تشنّها القوّات الفرنسيّة ضدّ مسلمي مالي وأفريقيا الوسطى، وذلك باعتراف الرّئيس الفرنسيّ السّابق فرنسوا هولند، الذي أكد أن وليّ عهد الإمارات قدّم مساعدات مالية للقوّات الفرنسيّة في تدخّلها لقتال إسلاميي مالي. كما أعربت الإمارات لفرنسا عن قلقها إثر وصول الإسلاميين إلى سدّة الحكم في أفريقيا الوسطى، وأكدت أنّها على استعداد لتمويل عمليّة إزاحته عن الحكم؛ ذلك أنّه يعتبر عقديًّا قريبًا من التّيّارات الإسلامية الجهاديّة، الأمر الذي أدى لتدخّل فرنسي ارْتُكِبَتْ على إثره مجازر بشعة في حق مسلمي أفريقيا الوسطى من قبل المسيحيّين المدعومين من القوات الفرنسية. كما يحفل سجل الإمارات بتاريخ دمويّ من التدخّلات العسكريّة في أفغانستان والباكستان خدمة للمشروع الصليبي الاستعماري، الأمر الذي دفع الجنرال الأمريكي السابق ديفيد باتريوس للتصريح بأن الإمارات هي الدولة الأقدر على قتل الإسلاميين المتشدّدين نظرًا لتاريخها الحافل بذلك في أفغانستان.

وفي إحدى الرسائل المقرصنة من بريد سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، كتب العتيبة مخاطبًا الكاتب الصحافي في (نيويورك تايمز) توم فريدمان: «لقد حاربت أبو ظبي لمدة مئتي عام السعوديين بسبب الوهابية، لدينا من التاريخ السيئ مع السعوديين أكثر مما لدينا مع أي جهة أخرى، لكن مع مجيء محمد بن سلمان فإننا نرى تغيّرًا حقيقيًا يحدث؛ ولهذا نشعر بالنشوة. أخيرًا بدأنا نرى الأمل، ونحن في حاجة إلى رؤيته ينجح».

الأدوات الإماراتية المستخدمة للحرب على الإسلام السياسي:

1- مؤسسة مؤمنون بلا حدود:

بين يدي الانقلاب العسكري في مصر تحديدًا في (مايو/أيار) 2013م، وبدعم إماراتي، تأسست تلك المؤسسة للدراسات والأبحاث، والتي تتخذ من المغرب العربي مقرًا لها، ويشغل منصب مديرها العام هناك السوري محمد العاني، ولديها فرعان في القاهرة وعمّان، ويتولى منصب المدير التنفيذي للمؤسسة الدكتور أحمد فايز من الأردن، وتضم المؤسسة عددًا كبيرًا من الباحثين والكتَّاب العرب والأجانب، ويصدر عنها 3 مجلات:

– الباب: مجلة فصلية محكمة تُعنى بالدين والسياسة والأخلاق.

– يتفكرون: مجلة فكرية ثقافية فصلية.

– ذوات: مجلة ثقافية عربية إلكترونية.

ومؤسسة (مؤمنون بلا حدود) هدفت إلى خوض المواجهة ضد فكر الحركات الإسلامية مدعيةً بدورها (أنسنة الدين)، وكرست اهتمامها نحو دراسة منظومة الأفكار المؤسسة للعقل الثقافي الكلي في المنطقة، وسعت في الشق العملي إلى: (اختبار اجتهادات المفاعيل الثقافية والفكرية والمجتمعية في الفضاء العربي الإسلامي، نظريًّا وواقعيًّا، في وجه حركات الإسلام السياسي). وسلكت إلى ذلك (سبيل النقد المنفتح في مراجعة كافة الأفكار دون انحياز إلا لما يحقق مصلحة الإنسان في واقعه ومعاشه)، وجعلت أهدافها كما جاء على موقعها:

– تفكيك الأسس والقواعد الفكرية لظواهر الفكر والثقافة المغلقة والإقصائية.

– دعم الدراسات والبحوث الاجتماعية والفكرية والدينية القائمة على أسس علمية وعقلانية.

– بناء الكفاءات العلمية والكوادر البحثية القادرة على البحث العلمي في قضايا التجديد والإصلاح الثقافي والديني بشكل معمَّق ورصين.

– تنسيق ودعم التواصل والتعاون بين الباحثين والمفكرين والمؤسسات الذين تتقاطع اهتماماتهم وأعمالهم مع رسالة المؤسسة.

– إيصال صوت التيار التجديدي الجاد لمختلف الشرائح الاجتماعية.

وتجتهد تلك المؤسسة في إعادة إنتاج فكر من تعتبرهم أصحاب رؤى تنويرية مثل: السوداني محمـد أبـو القاسـم حـاج حمـد مؤلـف كتـاب الحاكميـة، ومحمد شحرور، وحسن حنفي اليساري مُنزّل أفكار اليهودي باروخ إسبينوزا حول التوراة على القرآن الكريم، كما أحيت كتابات نصر حامد أبو زيد التي كانت محط جدل خلال تسعينات القرن الماضي.

كمـا انفتحـت المؤسسـة علـى أقـلام اشـتهرت بقـراءات تجفيفيـة للثقافـة الإسلامية مثـل عبـد المجيد الشـرفي، وأقلام دأبت على الكتابة ضمن خطوط مختلفة كاللبناني رضوان السـيد الذي شـارك فـي منتـدى تعزيـز السـلم الأهلـي فـي المجتمعـات الإسـلامية، والـذي أعلـن غيـر مـرة أن «فشـل حركات الإسلام السياسي كان مدويًّا، سواء تعلق الأمر بتجربة الإخوان المسلمين أو التيارات السـلفية أو دعـاة ولايـة الفقيـه»، ودعـا فـي مناسـبات عديـدة للإبقـاء علـى دور المؤسسـات الدينية التقليدية كالأزهر في مصر والزيتونة في تونس والقرويين في المغرب والمؤسسة الدينية في السعودية مع إعادة تأهيلها وتحريرها من نفوذ الإسلاميين وأجهزة الحكم الدكتاتورية.

2- المؤسسة الإعلامية:

أنتجت أبو ظبي للموسم الرمضاني 2019م، مسلسلين تاريخيين يعرضان لسيرة أشهر قطبين من أقطاب الصوفية وهما الحلاج وابن عربي، حمل العمل الأول اسم (العاشق… صراع الجواري) أما العمل الآخر الذي يؤرخ لحياة محيي الدين بن عربي فقد جاء بعنوان (مقامات العشق)، وفتح توجه الإمارات لإنتاج هذين العملين باب السؤال عن الهدف من إحياء مثل هذا النوع من الشخصيات، طبعًا الدافع معروف ولا يخفى على أحد، فهذا هو النموذج الإسلامي الذي تريد الإمارات تقديمه للشباب المسلم بعيدًا عن نموذج العالم المجاهد كابن تيمية والعز بن عبد السلام وأمثالهم.

كما أطلقت الإمارات موقعًا الكترونيًا جديدًا يستهدف تشويه الدين الإسلامي وعمل الجاليات المسلمة في أوروبا، أسمته (المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط) يديره بشكل مباشر علي راشد النعيمي أحد أقطاب رجال الأمن والمخابرات الإماراتية وأحد المقربين من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. وعملُ الموقع يعتمد على السعودي المثير للجدل كامل الخطي المعروف بمواقفه المعادية للتجمعات الإسلامية غير الوهابية، وبهجومه المعلن وغير المعلن على عمل الجاليات المسلمة في أوروبا.

ويتولى إدارة تحرير الموقع الكاتبة الإيطالية اليمينية سارة برزوسكيويتش التي تعرف عن نفسها بأنها طالبة دكتوراه في جامعة القلب المقدس الكاثوليكية في ميلان، وقد عملت كباحث زائر في برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن، تتجاوز الموازنة المخصصة للموقع مليون وثلاثمائة ألف يورو سنويًا، وتعوِّل عليه الإمارات لتعزيز وجودها في أوروبا ومحاربة أي أنشطة لخصومها فضلًا عن تشويه منظمات الإسلام السياسي.

3- إعادة صياغة المعرفة على النموذج الغربي:

يسعى حكام الإمارات لفرض نموذج معرفي يصادم ما يؤمن به جمهور الناس، سواء داخل الإمارات أم خارجها، ويشمل هذا النموذج المعرفي الأفكار والقيم والأنظمة والرموز التاريخية، إذ تسهم الإمارات بواسطة مراكز بحثية ودور نشر وبرامج حوارية في الترويج لمجموعة من مفكري تجديد الخطاب الديني وإعادة بناء العقل الإسلامي من أمثال نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وباسم يوسف وعدنان إبراهيم وغيرهم. كما يظهر الداعية الأميركي حمزة هانسن من بين من تم استقطابهم من قبل الإمارات، وقد عيَّنه البيت الأبيض مستشارًا للعلاقات مع العالم الإسلامي عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001م، وقد طاف عددًا من البلدان العربية طلبًا للعلم، واعتنق الطريقة النقشبندية. ويحرص هانسن على زيارة زعيم الطريقة النقشبندية في قبرص ناظم حقاني، وتربطه علاقة وطيدة بالشيخ عبد الله بن بيّه الذي وظف هانسن معارفه في أمريكا لصالحه.

4- مؤسسة طابة:

تم الإعلان عن تلك المؤسسة باكرًا؛ حيث تم تأسيسها سنة 2005م، والذي تزامن مع بزوغ نجم الداعية علي الجفري، ذي الأصول الحضرمية وابن المدرسة الصوفية العريقة في اليمن؛ حيث بدأ ضخّ المال الإماراتي لصالح الشيخ علي الجفري ليوسّع علاقاته ويستقطب شخصيات إسلامية لها وزنها ومرجعيتها الشرعية المعتبرة في العالم الإسلامي، وكان من ضمن هيئتها الاستشارية الدكتور محمد سعيد البوطي، والشيخ عبد الله بن بيّه، كما أُنشئت عدة دور نشر، من أبرزها دار الفقيه في أبو ظبي، ودار الوابل الصيب، ودار الـُمقَطَّم في القاهرة، إضافة لإنتاج العديد من البرامج الدعوية التي روّجت للجفري في مصر وسمحت له ببناء علاقات وطيدة مع بعض مشايخ الأزهر المتنفذين، وعلى رأسهم المفتي السابق علي جمعة، والذي عن طريقه تنفَّذت الإمارات بعدد من المشاريع في الأزهر وقدمت منحًا باذخة له. 

كما لا يخفى على أحد دعم الجفري المتواصل لنظام بشار الأسد على حساب الشعب السوري الذي يتعرض لعملية قتل وتهجير ممنهجة، بداية من مشاركته في مؤتمر (التصوف منهج أصيل للإصلاح) الذي أقيم في القاهرة في 24 من سبتمبر 2011م، من أجل دعم نظام الأسد، وشارك فيه رموز مؤسسة (طابة) إذ أعلن الحاضرون في المؤتمر أن ما يحصل في سوريا ليس ثورة بل فتنة، مما يؤكد أن القضية موقف صوفي عام وليس خطأ فرديًا!!

ومن هنا يظهر لنا كيف أن التيار الصوفي لم يعد تيارًا دينيًا مهمته البحث عن الحقيقة وتهذيب النفس في عبادة الله، بل تحوَّل إلى جماعات تحشد نفسها في حقل السياسة وتنفيذ مخططات لها أبعادها السياسية وأهمها مساندة الحاكم، والدعوة إلى طاعة أمره.

الربيع العربي وإحكام القبضة الإماراتية على الأزهر:

كلنا يعلم أنه ما كان لأحد أن يتولَّى منصبًا هامًا في الأزهر، ما لم يكن في دائرة رضى نظام حسني مبارك وحزبه الوطني. ويذكر الجميع أن مبارك عندما أصدر قراره بتعيين أحمد الطيب شيخًا للأزهر، وكان وقتها عضوًا بلجنة السياسات في الحزب الوطني، رفض الاستقالة من الحزب حتى يرجع مبارك من رحلته العلاجية في ألمانيا ليستأذنه بخصوص الاستقالة، وهذا ما أثار حفيظة قوى ثورة 25 يناير لبقاء أحمد الطيب في منصبه، واعتبار المشيخة أحد أوكار فلول نظام مبارك.

ولعل ارتباط شيخ الأزهر المعروف بلجنة سياسات الحزب الوطني المنحل والرفض الثوري له هو ما دفع مشيخة الأزهر للبحث عن طرف سياسي يتولاها ويدعمها، وهنا بدأت اليد الإماراتية تعبث بمشيخة الأزهر وتتحرك فيها كما تريد، وظهرت معالم المشروع الإماراتي لاستخدام الأزهر كواجهة لضرب الحراك الإسلامي، وذلك من خلال مشروعين:

المشروع الأول: إنشاء ما عرف بمكتب رسالة الأزهر الذي كان من مهامه مراجعة خطاب الأزهر وإعادة النظر في مقرراته، والإشراف على الأروقة العلمية في الجامع الأزهر. وقد عُيّن مسؤولًا عنه أسامة الأزهري، تلميذ علي جمعة المقرّب وأحد المتصلين اتصالًا مباشرًا بعلي الجفري. وقد تولى أسامة الأزهري بعد انقلاب السيسي منصب مستشار الشؤون الدينية برئاسة الجمهورية، ولا زال يشغله رغم صغر سنّه وقلّة خبرته مقارنة بشخصيات أزهرية أخرى، وهو -على الأغلب- أحد الذين تعتمد عليهم الإمارات في إحكام القبضة على الأزهر، من خلال إبعاد أي شخصية قد تؤثر على النفوذ الإماراتي فيه، بل بإمكانه ردع شيخ الأزهر نفسه إذا حاول الخروج من دائرة السيطرة عليه. والصحف المصرية تشهد على الهجوم العنيف الذي شنّه أسامة الأزهري على شيخ الأزهر أحمد الطيب عندما رفض طلب السيسي بإصدار فتوى تمنع وقوع الطلاق الشفهي.

والمشروع الثاني تمثل في إنشاء الرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف، والتي تحولت فيما بعد إلى المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف، والهدف من هذه المنظمة التي يرأسها شيخ الأزهر استقطاب طلبة الأزهر خاصة من الوافدين وتعبئتهم بالخطاب الديني الذي تروّج له الإمارات، وكذلك منعهم من التعرّف على الحراك الإسلامي والعمل على تشويهه، كما مثّلت هذه المنظمة عامل جذب لكثير من علماء الأزهر من خلال ما توفره لهم من رحلات خارجية ومكافآت مالية تجعلهم موالين لهذا التوجه. وقد بدأت المنظمة بافتتاح فروع لها في بلاد إسلامية مختلفة، والمطلع على برامجها يجد أنها تحارب تيارات الإسلام السياسي بذريعة مواجهة الإرهاب والتطرف.

هذا إضافة إلى مشاريع أخرى تمثلت في إنشاء قنوات فضائية كقناة أزهري، ودور نشر ومراكز بحثية من أبرزها جمعية المكنز الإسلامي، ودار الفُلك التي يديرها أشرف سعد الأزهري، أحد المقربين إلى علي جمعة، والتي تستقطب أيضًا طلبة وأساتذة الأزهر على السواء، بما تضخه الإمارات فيها من أموال.

مؤتمر جروزني لأهل السنة والجماعة ومجلس حكماء المسلمين:

بعدما بدأت ملامح التحالف السعودي الإماراتي تظهر في العلن ووقوع محمد بن سلمان تحت نفوذ وتأثير محمد بن زايد، والذي يبدو أن من نتائجه تحجيم الخطاب السلفي، باستثناء (السلفية المدخلية) التي لا زالت الحاجة إليها قائمة في بعض بؤر التوتر كليبيا، لدعم مشروع حفتر العسكري. هذا التقارب دفع الإمارات إلى أن تخطو بمشروعها خطوة متقدمة، من خلال عقد مؤتمر جروزني عام 2016م، بعنوان (أهل السنة والجماعة) والذي كان على أساس طائفي وإقصائي؛ الغرض منه حصر مصطلح أهل السنة والجماعة في التوجه الذي تتبناه الإمارات. وكان مناسبةً لتهميش السلفية ومهاجمة الحركات الإسلامية، كما كان الهدف من المؤتمر إيجاد منافذ من خلاله إلى المدارس الإسلامية العريقة (كالزيتونة في تونس والمدرسة الحضرمية في اليمن)، لاستخدامها في الواجهة إلى جانب الأزهر، من خلال استقطاب شخصيات من هذه المدارس وتصديرها كواجهة لهذا التوجه.

   ورغم الإقصائية والطائفية التي عقد على أساسها المؤتمر، إلا أن إحدى مخرجاته كانت تأسيس مجلس حكماء المسلمين برئاسة أحمد الطيب شيخ الأزهر، والذي يمكن اعتباره (أي المجلس) الغطاء الديني للسياسة الإماراتية في المنطقة وأحد المروِّجين لها.

الخطاب الديني في المشروع الإماراتي:

مشروع الإمارات للسيطرة على المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر، وتوظيفها لخدمة سياستها والترويج لها أتى كردة فعل عن صعود الإسلاميين، والذي بلغ أوجه بعد الربيع العربي. ومن السذاجة الاعتقاد بأن للإمارات مشروعًا إسلاميًا حقيقيًا، والراصد لخطاب هذا المشروع وبرامجه يجدها تركز على:

1- قضايا الإرهاب والتطرف في سياق جعل جماعات الإسلام السياسي هي المسؤولة عن هذا الإرهاب والتطرف، وهذا يظهر جليًا وواضحًا في برامج الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، ومؤتمر تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي ينعقد دوريًا في أبو ظبي، والذي يقدم التيارات الإسلامية كعامل فوضى وزعزعة للمجتمعات.

2- إعلاء الخطاب الصوفي الروحاني وتجريده من معانيه العملية، ومحاولة جعل الدين من خلاله علاقة روحانية بين العبد وربه، وليس له علاقة بالحياة خاصة السياسية.

3- خلق تصور في الوعي المجتمعي يحصر علماء الشريعة في الجانب الروحي والوعظ، واستحضار حالة المقارنة الذهنية لهم مع رجال الأديان الأخرى، في محاولة لرهبنة الدين الإسلامي. ولعل لقاء الأخوة الإنسانية الذي جمع شيخ الأزهر ببابا الفاتيكان في أبو ظبي هو أبرز مظاهر ذلك.

4- غض الطرف عن التوجهات العلمانية والتنويرية المحاربة للشريعة والمشوهة لها تحت ذرائع التجديد، والتبرير لها أحيانًا، خاصة في ما يتعلق بالشأن السياسي، وهذه التوجهات تدعمها الإمارات أيضًا وعلى رأسها منظمة مؤمنون بلا حدود كما مر معنا.

5- توفير الغطاء الديني لسياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني التي يقوم بها النظام الإماراتي والسعودي والمصري على قدم وساق، ولممارسات الاستبداد السياسي، من خلال الفتاوى والتنظير الفقهي المتكلف.

6- المشاركة الفعالة في المؤتمرات التي يعقدها الأزهر تحت عنوان تجديد الخطاب الديني، فقد شاركت الإمارات في المؤتمر الأخير الذي عقده الأزهر في بداية هذا العام، وقد طالب فيه الدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة بتصحيح المفاهيم المغلوطة للشباب عن حقيقة الإيمان والإسلام والانتماء للأوطان وحقيقة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك شرح مفهوم الردة شرحًا دقيقًا وافيًا، «لقطع الطريق على تدليس الجماعات الإرهابية بتأويلها المغلوط للنصوص وليِّ عنقها واجتزائها من سياقها». وأضاف الكعبي، خلال كلمته في الجلسة التي ناقشت دور المؤسسات الدينية الأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي: «إن التفسير الخاطئ للنصوص التي تبثُّها الجماعات الإرهابية للشباب وحثَّهم على العنف والقتل باسم الدين؛ جعل الصورة النمطية للإسلام معادية للغير ومدمرة للحضارة الإنسانية ومتعطشة لدماء المخالفين، كما روَّجت لعدم الاعتراف بالأوطان وتقسيم العالم إلى دار إسلام ودار كفر».

7- مهاجمة صحيح البخاري ووصفه بـ(الكتاب المتخلف، وأنه لا يمكننا أن نسجن أنفسنا في كتب عمرها 1400 عام) من قبل الأكاديمية الإماراتية (موزة غباش)، وذلك بحضور نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح. وقد سبقها الداعية المجنس إماراتيًا وسيم يوسف حين قال إنه لا يؤمن بالبخاري ولا السنة النبوية بشكل مطلق، مشيرًا إلى أن إيمانه فقط يقوم على القرآن الكريم.

مراقبة نشاط المسلمين والتضييق عليهم، والتسامح مع أصحاب الديانات الأخرى بالبلاد:

أوردت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها مؤخرًا أن سيطرة الدولة في الإمارات على الإسلام تمتد إلى ما هو أعمق في الحياة اليومية للمسلمين؛ إذ تقوم الحكومة باختيار جميع الأئمة وفحصهم، وتقدم لهم إرشادات أسبوعية لخطب صلاة الجمعة، وحتى الممارسات غير الرسمية للتعلم الإسلامي يجب أن توافق عليها الحكومة. وأشارت الصحيفة إلى أن الإمارات تعتبر الحركات الإسلامية بمثابة التهديد الرئيسي لنظامها السياسي ولأمنها القومي، ولا سيما في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011م. وبحسب تقرير واشنطن بوست، تتسامح الإمارات مع الاحتفالات العامة المسيحية والهندوسية الكبرى ورأس السنة الصينية الجديدة، وكذلك الإعلانات والدعاية للنشاطات الدينية غير الإسلامية.

العلاقة مع كيان يهود:

يتشوق كيان يهود لليوم الذي يصحو فيه ليجد نفسه كيانًا طبيعيًا مقبولًا في المنطقة، وهذا أمر من الصعوبة بمكان طالما ظلت أحكام الإسلام وأفكاره كامنة في نفوس الأمة والتي تفرض عليها عدم قبول هذا الكيان الخبيث السرطاني في بلادنا، بل في أراضينا المقدسة، ولا يمكن أن يتم هذا إلا في ظل تحريف الإسلام وجر المسلمين جرًا للرضا بالأمر الواقع، وهذا ما يسعى له العملاء في بلاد المسلمين، وعلى رأسهم نظام السيسي والنظام الإماراتي، ويشاركهم حديثًا ابن سلمان.

لقد شهدت العلاقات الإماراتية الصّهيونية تطورًا ملحوظًا وصل حد التّعاون الوثيق الذي تُوِّج بتعيين محمّد دحلان مستشارًا أمنيًا لولي عهد الإمارات محمّد بن زايد، ودحلان متّهمٌ فلسطينيًّا بالتّخابر لمصلحة الكيان الصهيوني، كما عُرف دحلان بوصفه رجل فتح داخل قطاع غزّة؛ حيث أنشأ المعتقلات واستهدف نشطاء حركة حماس بالاعتقال والتصفية والتجسس لمصلحة (إسرائيل).

    بدأ التناغم السريّ بين كيان يهود والنظام الإماراتي بالظهور علنًا في الآونة الأخيرة، حيث استقبل الأخير شخصياتٍ رسميّة عدّة تمثّل دولة الاحتلال بشكلٍ علني، ورافقها اجتماعاتٌ سريّة لبحث سبل تعزيز التعاون بينهما في المجالين الاقتصاديّ والثقافيّ. فقد شارك وزير خارجيّة كيان يهود (يسرائيل كاتس)، المعروف بعنصريته الفجة، في مؤتمر الأمم المتحدة المناخي الذي عقد في الإمارات في حزيران/يونيو 2019م، فضلًا عن مرافقة وزيرة ثقافة كيان يهود اليمينية المتطرّفة (ميري ريجيف) للفريق (الإسرائيليّ) خلال دوري الجودو الدوليّ في تشرين الأول 2018م. هذا إضافةً إلى ما تداولته وسائل الإعلام بشأن زيارةٍ سريّة لرئيس أركان جيش الاحتلال السابق (غادي آزينكوت) في تشرين الثاني/نوفمبر 2018م.

   كما طالت العلاقات التطبيعية المجال الجويّ، بعدما هبطت إحدى طائرات شركة (موانئ دبيّ العالميّة) الحكومية، والتي تعدّ واحدة من أكبر خمس شركاتٍ عالميّة لإدارة الموانئ، في مطار اللد (بن غوريون) عدّة مراتٍ. وتربط الشركة المذكورة علاقاتٌ تجاريّةٌ مع كيان يهود، أبرزها الاستثمارات المشتركة التي تجمعها بشركة الملاحة (الإسرائيلية) زيم، والمتورّطة بشكلٍ مباشرٍ في جرائم كيان يهود بحقّ شعبنا منذ النكبة إلى يومنا هذا. تعمل شركة (موانئ دبي العالمية) بشكلٍ جديٍّ على تعزيز العلاقات التجاريّة مع كيان يهود، وهو ما دفع برئيسها التنفيذيّ، السلطان أحمد بن سليّم، لزيارة (تل أبيب) في آب/أغسطس 2019م، لبحث سبل تعزيز هذا التعاون.

ولم تقف العلاقات التطبيعية على التطبيع التجاري، برعاية حكومية، بل تتعدّاها إلى المستوى الأمني، كما كشف تحقيق لـ (بلومبيرج) عن مشروع بنية تحتية أمنية وضعته شركة (إسرائيلية) بمهندسين (إسرائيليين) في الإمارات بقيمة 6 مليارات دولارٍ.  وفي ظل التعتيم على الصفقات العسكريّة/الأمنية المبرمة بين دولة الاحتلال وبعض الأنظمة الخليجيّة الاستبدادية، كشف تقريرٌ جديد لصحيفة (هآرتس) مؤخّرًا عن صفقة أُبرمت بين كيان يهود والإمارات لشراء الأخيرة طائرة مراقبة (إسرائيلية) متطورة قُدرت بنحو 846 مليون دولار.

كما شاركت الإمارات جنبًا إلى جنب مع كيان يهود في مناورات عسكرية جوية، كانت الأولى في مناورة بعنوان (ريد فلاغ) في الولايات المتحدة الأمريكية، شاركت فيها جيوش من باكستان وإسبانيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتمت الثانية في قاعدة جوية يونانية… إن كل ما ذكرناه كان مقدمات لإعلان الإمارات تطبيع علاقاتها بشكل رسمي مع (إسرائيل) في 13/08/2020م في خطوة تجاوزت علناً فيها كل المحرمات. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *