العدد 405 -

السنة الخامسة والثلاثون – شوال 1441هـ – حزيران 2020م

هل تسعى أميركا لفرض صراع دولي جديد يقوم على ضرب الصين والمسلمين ببعضهما لتصفو الزعامة لها

قبل وقوع جائحة كورونا، كانت هناك دراسات وتصريحات لكثير من الباحثين والاستراتيجيين الغربيين تتوقع زوال الحضارة الغربية نتيجة فشلها، والأزمات الكثيرة التي ولَّدها ويولدها من غير توقف تطبيق المبدأ الرأسمالي على صعيد العالم كله، وما خلفه هذا التطبيق من كوارث ومآسٍ طالت البشرية جمعاء؛ لذلك ما إن حدثت هذه الجائحة، وما شكَّلته من تحدٍّ للغرب عندما أصابته في عقر داره، وما رافقها من عجز حكامه في مواجهتها، وضعف نظامه الرأسمالي في الصمود أمامها؛ حتى اشتدَّ الكلام عن توقع تغيُّر في النظام الدولي وتبدُّل في الموقف الدولي. هذا الكلام لم يأتِ من قبلُ ولا من بعدُ من فراغ، فما كان من قبلُ يخضع للتحليل صار من بعدُ يُرى بالعين المجردة؛ حيث أدَّت تداعيات هذا الوباء إلى آثار مأساوية مباشرة على الحياة على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية…وفي دول الغرب تحديدًا، وهي تنذر إن طالت بعواقب خطيرة على النظام الرأسمالي برمته… فالعالم كله بات اليوم في حاجة ماسَّة إلى التغيير.

فمنذ اللحظات الأولى لبدء انتشار فيروس كورونا، وجَّه ترامب سهام الاتهام نحو الصين وذلك بتحميلها مسؤولية انتشاره والتسبب بهذه الكارثة العالمية من القتلى، وبتعطيل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبخسائر مالية فلكية. وبالتالي لُمس بدء العمل على تشكيل حالة من العداء الدولي ضدها. والمتابِع يرى أن توجه ترامب نحو عداء الصين ليس وليد انتشار فيروس كورونا، بل هو جاء إلى الإدارة الأميركية مع مجيء ترامب إلى الحكم.

أما عن سبب هذا التوجُّه الجديد لدى ترامب نحو التعامل مع الصين بعدائية فهذا له قصته التي تبين سببه، وهي تعود ببدايتها إلى زمن انهيار الاتحاد السوفياتي، وسقوط منظومته الفكرية، فإن أميركا وقتها اعتبرت نفسها أنها الوريث الوحيد له، وبدأت مع بوش الأب بالعمل على فرض نظام عالمي جديد يقوم على اتخاذ الإسلام عدوًا استراتيجيًا لها بدل الشيوعية. وكان ذلك خيار ضرورة لأنها كانت تستشعر خطر أن يقوم المسلمون بإقامة دولة إسلامية جامعة (دولة خلافة)، وتطوَّر هذا الأمر في فترة حكم بوش الابن والمحافظين الجدد، وبعد تفجيرات 11/9، بإعلان حرب عالمية عابرة للحدود بقيادة أميركا على الإسلام السياسي باسم (الحرب على الإرهاب). وفي الوقت نفسه، قامت إدارة بوش الابن بتبني مشروع القرن الأميركي الذي يقوم على التفرد في حكم أميركا للعالم من دون منافس. وانطلاقًا من هذين الأمرين (منع المسلمين من إقامة خلافة ومشروع القرن الأميركي) شرعت أميركا تقود العالم؛ فجاءت إلى المنطقة بنفسها، واحتلت كل من أفغانستان والعراق، وخطتها في ذلك أن تصوغ بلاد المسلمين صياغة بديلة عن صياغة سايكس بيكو الفرنسية؛ ولكن لم تجرِ الرياح بأمرها؛ إذ قامت في كل من أفغانستان والعراق مقاومة شرسة أدت إلى تكبيدها خسائر بشرية ومالية هائلة، ووقعت في أزمة مالية خطيرة سنة 2008م زعزعت مركزها الدولي، وانتهى حكم الجمهوريين، وذهب بوش الابن والمحافظين الجمهوريين معه، وأعلن عن فشل مشروع القرن الأميركي رسميًا من قبل أوباما…

في فترة حكم أوباما التي بدأت سنة 2009م، أي في أوج الأزمة المالية، أدى انشغاله بمعالجة آثارها المدمِّرة على النظام المالي الأميركي وعلى الشعب الأميركي إلى انشغاله عن تعزيز الصين لموقعها الدولي حتى أصبحت قريبة من موقع المنافس الحقيقي لأميركا وبشكل غير مقبول. وهنا لا بد من ذكر أن أميركا قبل شنِّ حربها العالمية على المسلمين كانت تتربَّع وحيدة على قمة النظام الدولي، وكانت تعيش في هاجس المحافظة على تربعها عليه، وسياستها الدولية تقوم على القضاء على كل ما يهدده ومنع كل من يحاول الاقتراب منه ومنافستها عليه، وهي عندما اختارت الإسلام السياسي عدوها الأول، كانت تعلم أن الصين تشكل خطرًا عليها ولكن درجته أقل. إذًا، الأمور سارت بعكس ما خططت له: فلا هي استطاعت أن تضرب الإسلام السياسي في المنطقة واحتضان الأمة له، وفي الوقت نفسه تعزَّز موقع الصين الدولي.

هنا يلقي الجمهوريون باللائمة على سياسية أوباما بأنها لم تكن سياسة على مستوى دولة عظمى، ويتهمونه أنه في سياسته الدولية التي اتبعها خلال فترة رئاسته انتقص من الوزن الإمبراطوري للولايات المتحدة الأميركية، ولم ياتِ بسياسة جديدة يحافظ بها على سياسة التفرد في حكم العالم، ولم يُقدِم على اتخاذ أي قرار حاسم او حازم لصالح توسيع آفاق الجمهورية الأميركية، معنويًا أو ماديًا، وظل محجمًا عن أي تدخل حقيقي ينهي أزمات قاتلة انطلقت من حول العالم، ومنها موقفه من ثورات (الربيع العربي) وفضَّل السياسة التي عرفت بالقيادة من وراء الكواليس… ما أدى إلى وجود فراغ مربعات من القوة والنفوذ، ومن الحضور الأميركي حول العالم بالرغم من نصيحة بطريرك السياسة الأميركية هنري كيسنجر له حيث قال له: «كل مربع قوة تخليه أميركا بقيادتك، سوف يملؤه عدوك اللدود القيصر بوتين في الحال والاستقبال»… بالمختصر يتهم أوباما أنه لم يكن على مستوى أن يكون رئيسًا يحافظ على مركز أميركا الدولي، بل فسح المجال للدول المنافسة الأخرى (الصين وروسيا) أن تصعد في سلم المنافسة، ولأميركا أن تنحدر فيه؛ من هنا وجدت أميركا نفسها مع ترامب أن هناك خللًا يجب تصحيحه، وهو منع الصين من الوصول إلى وضع المنافس الدولي لها.

نعم، إن سياسة ترمب الدولية تسير على عكس ما كانت عليه زمن أوباما، فترامب منذ ترشحه وجَّه سياسته الدولية تجاه الصراع مع الصين، فخلال حملته عام 2016م الانتخابية اتهم الصين بـ «اغتصاب» الاقتصاد الأميركي. والذي يراجع تصريحاته وتوترات علاقاته مع الصين لن يخفى عليه هذا الأمر. وهو من أجل التفرغ لصراعه مع الصين؛ سار بشكل يريد أن يحسم حربه على الإسلام بسرعة فقام بقتل ابن لادن وإعلانه القضاء على تنظيم الدولة بقتل البغدادي.

من هنا فإن ما حدث من تركيز هجوم أميركا على الصين في موضوع كورونا يصب في هذا الإطار ولا يخرج عنه أبدًا؛ حتى إن ترامب وإدارته أسمَوه بالوباء الصيني، ولكن الجديد المضاف إلى هذه السياسة الأميركية أنه رافق الحديث الصاخب عن وباء كورونا واتهام ترامب للصين بالتستر على الفيروس والكذب بشأن حصيلة القتلى ما تسبب بهذه المأساة العالمية والأميركية بالأخص، رافقه الحديث في وسائل الإعلام الغربية عن توقع تغيُّر النظام الدولي نتيجة هذا الوباء، والحديث أن العالم ما بعد كورونا ليس كما قبلها، وقد ذكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في مقالة له بصحيفة وول ستريت جورنال، أن جائحة كورونا ستغيّر النظام العالمي للأبد، ورافقه الحديث أن الصين ستكون الرابح الأكبر على صعيد الموقف الدولي… وتم تقديم الصين على أنها العدو الاستراتيجي الأول الجديد للغرب، وباتت تصوَّر إعلاميًا أنها بسياستها تشكل خطرًا على العالم. هذا هو الجديد في جائحة كورونا وهو اتخاذها ذريعة لاتهام الصين بالإرهاب وفتح معركة الصراع الدولي معها.

وهذا يذكر بما حدث منذ عشرين سنة، منذ تفجيرات 11/9،  عندما أطلقت أميركا ومعها دول الغرب الإسلام السياسي عدوًا لها، وقامت وسائل الإعلام الغربية بحملة مسعورة ضد الإسلام وتصويره أنه دين إرهابي، وجرَّت دول العالم لمحاربته معها. فأميركا الآن تتخذ من هذا الوباء منطلقًا لبداية صراع دولي جديد مع الصين… هذا ما يفسر تلك الحملة المحمومة والموجهة ضد الصين، وهذا ما ترمي إليه تصريحاتهم. وقد أكد ذلك رئيس الوزراء البريطاني بالإنابة «دومينيك راب» حيث قال: «إنه بعد الفيروس لن يكون هناك شك في أنه لن يكون العمل كالمعتاد مع الصين». هذا وقد ذكر الكاتب الصحفي البريطاني بيتر أوبورن في مقال بصحيفة «ميدل إيست آي» البريطانية بعنوان: «هل تحل الصين محل الإسلام كعدو جديد للغرب؟» حيث قال: إن الصين يتمُّ تقديمها الآن على أنها «العدو الوجودي الجديد تمامًا كما كان الإسلام قبل 20 عامًا»، وقال إن ذلك يتم بواسطة الجوقة نفسها من الأشخاص والمعلِّقين في الصحف، والمؤسسات الفكرية، والأحزاب السياسية، ووكالات المخابرات التي شاركت في جريمة التهجم على الإسلام وتجييش الرأي العام الدولي عليه أنه دين يدعو إلى الإرهاب. وقد ذكر بأن الرئيس الأميركي ترامب بدأ في مهاجمة الصين، تمامًا كما هاجم سلفه الجمهوري بوش الابن العراق في عام 2003م. وعن المخابرات البريطانية «إم آي 6» ذكر أنها دخلت على خط شيطنة الصين تمامًا كما فعلت عندما لعبت دورًا محوريًا في قضية هجوم «بلير» المفجع على العراق باستخدام مزاعم حول أسلحة الدمار الشامل. وذكر أن الصحف البريطانية التي كانت تغطيتها ضد المسلمين، تحولت إلى التحذير من الخطر الصيني، ومنها صحيفة «ذا صن» التي روَّجت لغزو العراق عام 2003م، فهي نشرت تقريرًا يدَّعي أن الفيروس طورته الصين عمدًا لإثبات أنها أكثر قدرة من الولايات المتحدة في مكافحة الأمراض الفتاكة. وذكر أن آخر استطلاع أجري في بريطانيا قد أظهر أن أكثر من 80% من البريطانيين يريدون من رئيس الوزراء بوريس جونسون الضغط من أجل تحقيق دولي في تعامل الصين الأولي مع  تفشي الفيروس، وذكر أيضًا أن ميلاني فيليبس، وهي من كبار كتاب الأعمدة في الصحف وكانت منتقدة دائمة لما يسمى بـ«الإسلام الراديكالي»، استخدمت عمودها في صحيفة «التايمز» لتحذير الغرب أنه لم يعد بإمكانه غض الطرف عن الصين. وذكر أن جمعية «هنري جاكسون» وهي كانت واحدة من أكثر الجهات انتقادًا لما تصفه بـ»الإسلام الراديكالي» أو «الإسلاموية» تنشر الآن سلسلة من التقارير التي تهاجم الصين… واستحضر «أوبورن» جزءًا من كتاب “صراع الحضارات» لـ»صامويل هنتنجتون»، قائلًا إن الكتاب يحذر من أن «خطوط الصدع بين الحضارات ستكون خطوط معركة المستقبل»، ولا يتعلق فقط بالحضارة الإسلامية، بل بحضارة منافسة ثانية إلى جانب الإسلام، ووفقًا لـ»هنتنجتون» كانت الصين أقوى تهديد طويل الأمد للغرب.

نعم، إن ما يحدث الآن على الساحة الدولية يُظهر أن أميركا تريد أن تفتح باب الصراع الدولي مع الصين على مصراعيه، ويُتوقع من أجل أن تكون الحملة على الصين دولية، أن تسعى لتشكيل تحالف دولي بقيادتها لمحاربة الصين ومحاصرتها والتضييق عليها من أجل التأثير على موقعها الدولي وإبعادها عن المنافسة لها. فالمسألة أبعادها أكبر من فيروس كورونا. من هذا المنطلق نرى بأن ترامب يريد أن يستغلَّ ما حلَّ في العالم من نكبة جرَّاء هذا الوباء، ويجيِّش دول العالم معه في هذا المسار، تمامًا كما فعل سلفه بوش الابن عندما اتهم الإسلام بالإرهاب عقب تفجيرات 11/9 المشبوهة، وهو يريد أن يجعل الأمر يبدو مقنعًا لشعبه أولًا ولدول العالم أنه على حق فيما يذهب إليه من صحة اتهامه للصين بأنها هي المسؤولة عن وجود الفيروس وتفشِّيه وتسبُّبه بكل الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية التي ألمـَّت بهم وبالعالم، والمطالبة بالتعويض عن كل الخسائر التي تسبَّبت بها لدول العالم وليس لها وحدها (الخسائر تتركز على أميركا ودول أوروبا بشكل عام)، وأرقام التعويضات هي أرقام فلكية قد تصل إلى مئة تريليون أو أكثر من أجل إنهاك الصين ماليًا واقتصاديًا، ونزع الثقة الدولية بها، وإبعادها عن موقع منافستها على المسرح الدولي… ومن أجل ذلك أيضًا ستعتمد على القرارات الدولية والأمم المتحدة في تشويه صورة الصين. وحتى مجلس الأمن الذي تملك الصين فيه حق النقض، فيمكن لأميركا أن تُظهر موقف الصين على أنه ضد العدالة الدولية، وأنها تستعين بالفيتو لنقض قراراته… يبدو واضحًا الآن كيف أن الجمهوريين يريدون القيام بأحد أعمالهم الجنونية في العالم، ويبدو أن المسرح الدولي الآن يحضَّر بهذا الاتجاه.

وبالنسبة إلى ترامب بالذات فهو يريد أن ينجح في ذلك في هذا الوقت الضيِّق من أجل أن يؤمِّن له النجاح في دورة الانتخابات الرئاسية المقبلة آخر هذه السنة، وهذا أمر بالغ الأهمية لترامب وللحزب الجمهوري.

والسؤال الذي يمكن أن يطرح بعد هذا الكلام: هل أميركا ستفتح باب الصراع مع الصين وتغلقه مع الإسلام السياسي الذي بدأت بمعاداته منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وقامت بمحاربته من غير رحمة منذ تفجيرات 11/9؟ وهل كما يقول أوبورن: «ربما نكون قد وصلنا الآن إلى نهاية الفترة الطويلة التي كان يتم اتهام الإسلام فيها باعتباره المسؤول عن الخلل الرئيسي في العالم”؟

هذا رأي أوبورن، أما نحن كمسلمين، فإننا نعلم أن أميركا شيطان رجيم في السياسة، دينها وديدنها المصلحة والاستكبار، وتاريخها مليء بالحروب والمجازر، سواء داخل بلادها ضد الهنود والملوَّنين، أم خارجهاحيث تلف العالم قائمة طويلة من حروبها العدوانية… ونعلم أنها سبب كل مآسي المسلمين وقتلهم وتشريدهم وتدمير بلادهم، وقبل كل شيء اتهام دينهم بالتطرف والإرهاب، والوقوف ضد قضاياهم وأولها قضية فلسطين، ومن يفكر بأن أميركا ستتخلى عن عدائها للإسلام السياسي فإنه قصير النظر، فكيف يكون ذلك وهي ترى أنه ما زال يشكل خطرًا وجوديًا عليها، وهي تعلم أنها، رغم كل كيدها ومكرها وإجرامها لم تستطع أن تفكَّ عنه احتضان الأمة له، ولم تستطع إبعاده عن أن يكون مشروعهم للتغيير بإقامة دولة الخلافة؛ فلذلك يجب أن ينصبَّ البحث على معرفة خطة أميركا الجديدة في محاربة الإسلام في الوقت نفسه الذي تفتح فيه باب الصراع السياسي الدولي مع الصين.

إن مواصلة عداء أميركا للإسلام السياسي ومحاربته، قد يتخذ شكلًا جديدًا يقوم على ضربه بالصين، وفتح باب الصراع بينهما، خاصة وأن له حدودًا دموية مشتركة في تركستان الشرقية حيث ترتكب الصين بحق المسلمين الإيغور ما لا يوصف من المآسي قتلًا وتشريدًا ونكايةً لهم في دينهم… فلا يستبعد أن تقوم باستغلال هذا الظلم والتعدِّي لدعم قيام تنظيمات إسلامية مسلحة بحجة الدفاع عن المسلمين هناك، تمامًا كما فعلت ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وكان لهذه المقاومة العسكرية الإسلامية أثرها في إنهاكه والتعجيل في انهيار إمبراطوريته، وكلُّنا يعلم كيف أنه تم تزويد الثوار بصواريخ ستينغر الأميركية التي كان لها دور حاسم في نتائج الحرب، وأدى ذلك إلى التعجيل في انهياره؛ وبهذا تكون أميركا قد أشغلت عدويها الاستراتيجيين لها ببعضهما وراحت هي من وراء ستار تغذي هذا العداء وتسعِّر ناره حتى ينهكا وتتفرد هي بالزعامة على قمة الإجرام.  

وهنا لا بد من أن نأتي إلى دور حكام المسلمين القذر الذي يمكن أن يقوموا به لخدمة أميركا في هذا المخطط الجهنمي، وهو نفس الدور الذي قاموا به من قبل في خدمة وتحقيق أهداف أميركا ودول أوروبا من رعاية إقامة تنظيمات مسلحة ودعمها ماليًا في كل من أفغانستان وكوسوفو والبوسنة والهرسك والعراق وسوريا… ومدِّها بالمال السياسي القذر، وبالسلاح المشروط، وبوضع الخطوط الحمر لهم ورسم الأهداف، وحتى بتسخير الدين وإصدار الفتاوى المناسبة… فقد ذكرت صحيفة القدس العربية في 27-3-2018م: (كشف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن انتشار الفكر الوهابي في بلاده يعود إلى فترة الحرب الباردة عندما طلبت دول حليفة من السعودية استخدام أموالها لمنع تقدم الاتحاد السوفياتي في دول العالم الإسلامي)… فهل يمكن أن تعيد أميركا اللعبة ذاتها؟

إن أميركا، إذا سارت بمثل هذا المخطط، فإن المرجَّح أن تتخذ صورة أنها مع قضايا المسلمين ضد الصين، وتقف معهم في المحافل الدولية ضدها، وستقوم الدعاية الإعلامية بتظهير موقف أميركا على أنها نصير لهم، وسيتبعه الإعلام المأجور في بلاد المسلمين والتابع لأنظمة الحكم في بلاد المسلمين. فهذا دأب وسائل الإعلام والفضائيات وهذا سبب وجودها وهي أن تخدم مالكيها من حكام المسلمين ومن يتبعون لهم من حكام الغرب. فصناعة الإعلام كصناعة الأفلام، أخباره قائمة على حرف الحقائق وصناعة الأبطال المزيفين والخونة، والفارق بينهما أن أحداث الأفلام خيالية وضحاياها وهمية. أما صناعة الإعلام فإنها أحداثها واقعية ومآسيها حقيقية. ونظن أن التخطيط لن يبعد عن هذا كثيرًا، فقد بدأ الإعلام يلعب لعبته الماكرة فيما يتعلق بفيروس كورونا بصورة مبكرة، فقد رأينا كيف أنه قد بدأ بكتابة المقالات ونشر الأخبار التي تهدف إلى استمالة المسلمين عن طريق الإشادة بمساهمة تعاليم الدين الإسلامي في الحد من انتشار كورونا، وبأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتطبيق الحجر الصحي قبل 1400 عام، وبأمره صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتزام عادات النظافة في الحياة اليومية، ومنها التركيز على أن أطباء المسلمين في الغرب كانوا في الصفوف الأمامية في مواجهة كورونا وأنهم قدموا ضحايا، ومن ثم تعيين ترامب للعالم المغربي منصف محمد السلاوي مستشارًا رفيعًا لقيادة جهود تطوير لقاح فعّال ضد الفيروس… ومنها زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للبروفسور ديدييه راؤول الذي يعمل على دواء لمحاربة فيروس كورونا وكيف أن الرئيس الفرنسي تفاجأ بشدة حين ظهر له أن فريقه البحثي ينتمون إلى بلدان عربية وأخرى أفريقية، من المستعمرات الفرنسية السابقة من المغرب، والجزائر، وتونس، ولبنان، ومالي، وبوركينا فاسو، والسنغال… كل هذا يصب في خطة أميركا الجديدة التي قد تحمل في طيَّاتها جرَّ المسلمين إلى صفها في الصراع الجديد.

أيها المسلمون: إن ما هو قادم علينا خطير، وسينقلنا إلى وضع أسوأ مما نحن فيه إن لم ننتبه إلى ما تخطط له أميركا والغرب من جديد. وإننا يجب أن نكون على مستوى الصراع الدولي ونجعله يسير لمصلحتنا، لا أن يسيرِّنا غيرُنا ليقضي بنا وطره. وكلنا يعلم أنه لن تتوقف مآسينا إلا بإقامة دولة الخلافة وتحكيم شرع الله في حياتنا… هذا ما فعله رسولنا الكريم في مكة حتى أقام دولته في المدينة؛ حيث تبدَّل واقع المسلمين تمامًا في المدينة عنه في مكة، وأصبح المسلمون بعدها أسياد العالم لمدة ثلاثة عشر قرنًا حتى هدمت، ولن تعود عزة المسلمين المفقودة إلا بها، قال تعالى:

(إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥١)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *