العدد 402-403-404 -

السنة الرابعة والثلاثون – رجب – شعبان – رمضان 1441هـ – أذار – نيسان – أيار 2020م

مع القرآن الكريم

( إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٢٧٧ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٢٧٨ فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ فَأۡذَنُواْ بِحَرۡبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَإِن تُبۡتُمۡ فَلَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ ٢٧٩ وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٢٨٠ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ٢٨١ ).

 

 

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

   أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

( إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ) أي آمنوا بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله سبحانه كما بينَّاه سابقًا.

( وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ) أي التزموا الأحكام الشرعية وطبَّقوها على وجهها المبين في كتاب الله سبحانه وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

( وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ ) هذا في باب ذكر الخاص بعد العام لأهميته، فالصلاة والزكاة داخلتان في قوله سبحانه ( وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ) وذكرهن بعد ذلك للتنبيه على عظم فضلهما.

  1. في الآية الرابعة خطاب من الله سبحانه للمؤمنين أن يتَّقوا الله، أي يقوا أنفسهم عذاب الله بإقلاعهم عن الربا.

ثم يبيِّن الله سبحانه في آخر الآية أن الإسلام الذي تؤمنون به يوجب عليكم ذلك.

( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ) خطاب للمؤمنين.

( ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ) أي قوا أنفسكم عذاب الله.

( وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ ) أي اتركوا الربا الذي لم تقبضوه فلا تأخذوه بل رأس مالكم فقط، ومفهومه أن الذي قبضوه قبل التحريم لا يطالبون به.

( إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٢٧٨ ) أسلوب في العربية لإثارة المخاطب وحثِّه على تنفيذ ما يطلب منه، فالخطاب بدئ للمؤمنين وانتهى بتذكيرهم أن الإسلام الذي آمنوا به يوجب عليهم ترك الربا، كما تقول لمن تريد إثارة نفسه (إن كنت رجلًا فافعل ذلك) وأنت مدرك أنه رجل، فكأنك تذكره برجولته وتقول له إن الرجولة توجب عليك فعل كذا.

  1. ثم بعد ذلك بيان وبلاغ من رب العالمين أنكم بين أمرين:

أ. أن تلتزموا أمر الله وتتوبوا عن الربا ولا تعودوا إليه، فإن لكم رؤوس أموالكم دون ربًا وتكونون بذلك لا تَظلمون ولا تُظلمون، فلا تَظلمون غرماءكم بأخذ الزيادة ولا تُظلمون من قبلهم فلا يردون إليكم رأس مالكم أو يماطلونكم به.

ب. أو تتيقَّنون وتعلمون أنكم بأخذكم الربا تكونون في حالة حرب مع الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم. وهو تهديد عظيم لآكلي الربا وبيان بليغ لفظاعة جريمة الربا، ومن يقدر على حرب الله ورسوله؟!

روي أنها لما نزلت قالت ثقيف: لا يد لنا بحرب الله تعالى ورسوله، وكانوا قد طلبوا رباهم إلى بني المغيرة فيما أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: نزلت هذه الآية في بني عمرو بن عمير بن عوف الثقفي وإخوة له كان لهم ربًا على بني المغيرة من بني مخزوم كانوا يداينون بني المغيرة في الجاهلية، وبعد الإسلام طلبت ثقيف ما كان لهم من ربا على بني المغيرة وكان مالًا عظيمًا، فقال بنو المغيرة: والله لا نعطي الربا في الإسلام وقد وضعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن المسلمين. فعرف شأنهم معاذ بن جبل ويقال عتاب بن أسيد – وكان واليًا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة – فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فأنزل الله تعالى الآية: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٢٧٨ ) فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك: “أن أعرض عليهم هذه الآية فإن فعلوا فلهم رؤوس أموالهم، وإن أبوا فآذنهم بحرب من الله ورسوله[1].

وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنها لما نزلت قالت ثقيف المقولة التي ذكرناها أولًا: لا يد لنا بحرب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

  1. بعد أن بيَّن الله سبحانه في الآية السابقة التحريم القاطع للربا وأن ليس لأهله إلا رؤوس أموالهم لا يظلمون ولا يظلمون، بعد ذلك ذكر الله سبحانه حالة تترتَّب على المطالبة برأس المال، فقد يكون المدين في حالة إعسار ولا يستطيع دفع رأس المال الذي اقترضه من الدائن.

هذه الحالة عالجتها الآية الكريمة بإمهال المدين المعسِر حتى يصلح حاله ويستطيع السداد، ثم يندب الله سبحانه الدائنين أن يصنعوا خيرًا من الإمهال فيضيفوا له عفوًا عن المعسر برأس المال أو جزء منه، وعندها يكون لهم حسن العاقبة في الدنيا والآخرة بما يحصلوا عليه من خير وأجر.

ولقد كان المدين المعسِر في الجاهلية يُباع أي يُسترق بسداد دينه، فكانت رحمة الله سبحانه بهذا الإسلام العظيم أن يمهل المدين المعسِر إلى يسار من أمره حتى يسدِّدَ دينه، ليس هذا فحسب بل حثَّ الدائنين على الصدقة على المعسر زيادة على الإمهال بوضع دينه كله أو بعضه عنه فالحمد لله رب العالمين.

( وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ ) كان هنا تامة أي إن وجد مدين معسر فأمهلوه حتى يصبح في يسر يستطيع معه السداد.

(عُسۡرَةٖ ) أي ضيق الحال من جهة عدم المال ومنه جيش العسرة.

(مَيۡسَرَةٖۚ ) من اليسر واليسار أي وجود مال.

وباعتبار كان تامة يكون الإمهال ليس خاصًا في مدين الربا فقط عند مطالبته برأس المال إن كان معسرًا بل في كل مدين ما دام معسرًا فيمهل إلى اليسر.

ولو كانت خاصة بالمدين في رأس مال الربا فقط وليس في كلّ مدين لكانت الآية (وإن كان ذا عسرة) وفي هذه الحالة يكون اسم كان ضميرًا عائدًا على المدين المطالب برأس مال الربا، ولكن الآية ليست كذلك بل (وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ) أي إن وجد مدين معسر وهذه تنطبق على كلّ مدين وصفه أنه معسر.

ويؤكد القولَ السابقَ أن (ذو عسرة) نكرة في سياق الشرط فهي لفظ عام تعم كل مدين.

وهي وإن نزلت في الذين يتعاملون بالربا إلى أن جاء الإسلام فأبطله وأوجب رأس المال وحرم الربا كما قال الكلبي في روايته إنها نزلت حين قالت بنو المغيرة لبني عمير: نحن اليوم أهل عسرة فأخِّرونا إلى أن ندرك الثمر فأبَوا أن يؤخِّروهم، فنزلت وهذه تكملة قصة الربا الذي كان بين بني المغيرة وبني عمير التي ذكرناها في تفسير الآية السابقة، أي أنها نزلت في المطالبة برأس مال الربا الذي كان بينهم.

إلا أن العـبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكما قلنا فإنَّ (ذُو عُسۡرَةٖ ) لفظ عام، ولذلك فهي تنطبق على إمهال كل مدين معسِر سواء أكان في رأس مال الربا أم في غيره.

(فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ ) الفاء داخلة على جواب الشرط (وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ ) ونظرة أي إمهال، وهي مبتدأ خبره محذوف أي فعليكم نظرة.

والإمهال هنا للوجوب وذلك لأن قوله تعالى بعده (وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ) يفيد أن الأمر الأول (وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ ) هو على الوجوب بدلالة ذكر (تَصَدَّقُواْ) بعده، وذلك لأن الأمر بشيء ثم اتباعه بتطوع في جنس هذا الشيء يكون قرينة على أن الأمر الأول للفرض كأن تقول (اكتب هذه الصفحة ثم تطوع بأخرى) فإن ذلك يعني أن الأمر الأول (اكتب هذه الصفحة) على الإلزام أي فرض بدلالة التطوع بعده كما هو مثبت في بحث القرائن في الأصول. والصدقة على المعسر فوق إمهاله هي إعفاؤه من الدين أو جزء منه.

ولا يقال إن (وَأَن تَصَدَّقُواْ) هو الإمهال، لا يقال ذلك لأنها عطفت عليه، وهذا يعني أنها زيادة عليه أي إمهال وشيء آخر كما تقول: أدِّ الزكاة وتصدق، فالمطلوب أداء الزكاة وشيء زائد فوقها أي صدقة تطوع زيادة.

(إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) جواب (إن) محذوف، أي إن كنتم تعلمون الخير الكثير والأجر الكبير الذي أعده الله سبحانه لمن يفرِّج عن المعسِر ويضع عنه شيئًا من دَيْنه، فإنكم ستسارعون إلى ذلك وهذا هو تقدير جواب (إن) الشرطية المحذوف.

أخرج الإمام أحمد في مسنده من طريق رِبْعِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْيَسَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ظِلِّهِ» وفي رواية «يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ».

وروى الإمام أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرِّج عن معسر“.

وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أنظر معسرًا أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم[2].

ومن الجدير ذكره أن واقع المعسِر الذي يجب إمهاله فيه بعض الآراء الفقهية، والراجح لديّ أنه الذي لا يملك فضل مال زائد عن حاجاته الأساسية وهي المأكل والملبس والمسكن، لأن أعسر فلان: افتقر، فالمعسر الفقير والفقير من لم يكن عنده مال يكفي حاجاته الأساسية فإن زاد فليس فقيرًا وبالتالي ليس معسرًا وعليه فيجب إمهاله ما دام ماله لا يزيد عن حاجاته الأساسية.

وليس المقصود بالمعسِر الذي لا فضل مال لديه زائد عن حاجاته المعتادة، وحاجاته المعتادة هي المتعلقة بعيشه المعتاد مثل سيارته وخادمه وملابسه المتنوعة وطعامه وشرابه المتعدد، وهذه أكثر من حاجاته الأساسية وهي المطعم المحافظ على حياته والملبس الساتر لعورته والمسكن الذي يأوي إليه، وأما تنوع طعامه ولباسه فبالقدر الضروري الذي يمكنه من العيش، فإن ملك أكثر من حاجاته الأساسية كما ذكرنا من سيارة أو مسكن آخر أو أرض أو أي نوع من المال الزائد عن حاجاته الأساسية، فإن مطالبته بالدين دون إمهال تجوز في مثل هذه الحالات.

وله أن يقيم الدعوى القضائية عليه ويتقاضى دينه من تلك الأموال.

  1. وهذه الآية الأخيرة تذكير من الله سبحانه لنا باليوم الآخر والرجوع إلى الله فيه والحساب والعقاب حيث الجزاء العـادل، فمن قـدم خيرًا يجد خيرًا، ومن قدم شرًا يجد شرًا

 ( لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ ) غافر/آية17( ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١).

( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا ) أي قوا أنفسكم العذاب في ذلك اليوم بابتعادكم عن السيئات في الدنيا وإكثاركم من الحسنات.

ولعل الحكمة من وضع هذه الآية الكريمة بعد آيات الربا بيان عظم جريمة الربا، وأن الربا يؤدي إلى غضب الله وإلى جهنم، ومن أراد أن يتقي غضب الله (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ) ومن أراد أن يتقي عذاب يوم القيامة (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ) من أراد فليترك الربا الجريمة الفظيعة ولا يدخل في حرب مع الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى يلقى الله سبحانه في ذلك اليوم الذي يجعل الولدان شيبًا، وهو سبحانه عنه راضٍ، فيوفَّى أجره عند مليك عادل مقتدر. وهذه الآية هي آخر ما نزل من القرآن العظيم.

وأخرج البخاري في صحيحه قال: بَاب مُوكِلِ الرِّبَا … (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: “آخر آية نزلت في القرآن ( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١ )” قال ابن جريج: يقـولـون إن النبي صلى الله عليه وسلم مكث بعدها تسـع ليـال وبـدأ يـوم السـبـت ومات صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: آخر ما نزل من القرآن كله

 (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١) وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ثم مات يوم الاثنين.

وأخرج ابن مردويه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن ( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ).

وذكر القرطبي قال: روى أبو صالح عن ابن عباس قال: “آخر ما نزل من القرآن ( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١) فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد ضعها على رأس ثمانين ومائتين من البقرة[3].

وذكر القرطبي في رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال: “اجعلوها بين آية الربا وآية الدين[4].

ولا يتعارض هذا مع ما أخرجه البخاري عن ابن عباس: آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربا.

وما أخرجه أحمد عن عمر أنه قال: من آخر ما نزل آية الربا.

وما رواه ابن ماجة وابن مردويه عن عمر أنه قال: من آخر القرآن نزولًا آية الربا، فإن الجمع بينها: إن آيات الربا نزلت ثم نزلت بعدها آخر آية وهي ( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا ) فلا تعارض، فَفَهْمُ الأحاديث على وجهها يكون بأنَّ آخر آية نزلت: ( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا )، ومن آخر ما نزل آية الربا كما ذكر ذلك صراحة في رواية الإمام أحمد وابن ماجة وابن مردويه.

وأما ما ورد في البخاري بلفظ: آخر ما نزل آية الربا فهي تحمل على الروايات الأخرى: من آخر ما نزل، وتفهم كذلك على أن آيات الربا نزلت ثم نزلت بعدها آية ( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا ) فيصدق القول إن آخر ما نزل آية الربا وآية ( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا ).

وخلاصة ما سـبق أن آخـر آية نزلت هي: ( وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا ) ووضعت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعها في القرآن الكريم بعد آية الربا وعلى رأس ثمانية ومائتين من القرآن الكريم.

[1]               الدر المنثور: 2/107، تفسير الطبري: 3/107

 

[2]               أحمد: 1/327

 

[3]               تفسير القرطبي: 3/375

 

[4]               تفسير القرطبي: 3/375

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *