العدد 402-403-404 -

السنة الرابعة والثلاثون – رجب – شعبان – رمضان 1441هـ – أذار – نيسان – أيار 2020م

فيروس كورونا… المسلمون وشعوب العالم يفتقدون لتعاليم الإسلام لإنقاذهم منه

  تفشى فيروس كورونا عالميًا وفي بلاد المسلمين، ومن الطبيعي أن تتولَّى الدول بنفسها عملية مكافحته واتخاذ الإجراءات اللازمة الملزمة للأفراد. أما بالنسبة إلى ما يجب أن يتبع شرعًا وكيفية التعامل مع هذا الوباء من ناحية القيام بالالتزامات العبادية من صلاة وصوم وحج وعمرة في فترة انتشاره… فهذه يجب أن تترك للأحكام الشرعية وليس للدول القائمة في بلاد المسلمين والتي تفصل الدين عن الدولة. والإجراء الصحيح الذي كان على هذه الأنظمة العلمانية أن تتخذه أن تضع وزارات الشؤون الدينية أو دوائر الإفتاء بواقع خطر هذا الفيروس لتقوم هي، وليس الدولة، بتحديد المطلوب التصرف به شرعًا. وهذه المؤسسات عليها بالتالي بعد فهم الواقع من الدولة أن تتبنى الإجراءات الواجب القيام بها، وتلك التي يجب تجنبها؛ وذلك بالرجوع إلى النصوص الشرعية المتعلقة بها والأحكام الشرعية المستنبطة من المجتهدين وتطبيقاتها عبر التاريخ الإسلامي. هذه المؤسسات الدينية، (والتي لا نقرُّ بوجودها كوزارات ودوائر ومؤسسات من ضمن النظام العلماني القائم في بلاد المسلمين) عليها هي أن تحدد طبيعة هذه الإجراءات، من حيث إقفال المساجد أو عدم إقفالها، ومن حيث القيام بصلوات الجماعة في المساجد أو منعها أومنع صلاة الجمعة، أو إقفال الحرم أو منع العمرة… ومن ثَمَّ  تقترح البدائل المختلفة وتطلع الدولة عليها لاعتمادها كونها هي التي ستشرف على تنفيذها؛ وبهذا تكون هذه المؤسسات قد قامت بما عليها في هذه الجائحة، والدولة قد أشرفت على تنفيذه وليس العكس.

ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، فالدول التي تحكم المسلمين، والقائمون على مصالح المسلمين الدينية المعيَّنون من قبل هؤلاء الحكام لم يلتفت منهم أحد إلى ما يأمر به الإسلام، بل كانت إجراءاتهم هي نفس إجراءات دول الغرب تجاه شعوبهم، فأصبح الإعلام واحدًا في العالم، فأقفلت المساجد والكنائس على السواء، وغاب العلماء عن المشهد، مع أن بلاد المسلمين والحمد لله لم يصبها ما أصاب دول أوروبا وأميركا على نفس الدرجة، وبالتالي لم يكن من داعٍ لاتخاذ نفس إجراءات تلك الدول.

بيد أن الغرب هذا بدوله وشعوبه وإعلامه وعى على أهمية تعاليم الإسلام في هذا المرض وإجراءاته وراح يتكلم بها ويسأل عنها بينما في بلاد المسلمين فإن الإمعات من الحكام وتابعيهم من العلماء الموظفين اتخذوا قراراتهم خارج ما يأمر به الشرع، وهي قرارات لم تفرق بين مناطق لم يصلها الوباء مطلقًا، ومناطق قد وصلها بشكل متفاوت، ومن رحمة الله أن بلاد المسلمين لم يصلها الوباء بشكل مقلق، فأخذ الحكام القرار العام بإقفال المساجد ومنع صلاة الجمعة، ووقف المشاعر بشكل عام ومفتوح، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم من غير تفريق، مع تهويل من المخالفة… وكم كان المنظر مؤلمـًا أن نرى أن حكام المسلمين يتحكمون ويتبعهم الموظفون الدينيون الرسميون كالمفتين وهيئات كبار العلماء ودوائر الأوقاف في هذه المسألة، ويتصرفون كعادتهم كما تريد الدول لا كما يريد الله سبحانه وتعالى، وكم كان مؤلمـًا أن نرى الحرم المكي والحرم المدني خاليين بهذا الشكل. وكم هو محزن أن نسمع بإيقاف العمرة وأن هناك تفكيرًا بإيقاف موسم الحج.حتى وصل الأمر إلى أن يتم تداول الكلام عن الإفتاء بإيقاف الصوم في رمضان بحجة أنه يضعف المناعة ويجعل الحلق جافًا… صحيح إن الدول هي التي تقود عملية مواجهة الانتشار، وهذا ما حصل في الدولة الإسلامية من قبل، ولكن الفرق بين السابق واللاحق كالفرق بين السماء والأرض. فالدولة الإسلامية تتصرف لأنها هي الراعي الحقيقي للأمة الحريصة عليها، وهي التي تقود جوانب الحياة كلها وتشرف عليها من غير فصل… تجاه هذه الإجراءات، فقد كان المسلمون منزعجين من هذه التصرفات، وبدا لهم وكأن هناك من لا يريد بالمسلمين خيرًا ويريد هذا الإقفال وهذا التعطيل للشعائر بشكل جماعي وعن قصد.

نعم، إنه في الوقت الذي نجد فيه أن الغرب، كأفراد وكحالة عامة، يصحو على الإسلام وتعاليمه العابرة للزمان والمكان، فينتبه إلى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض الطاعون ويتقيد بها وتفتح نفوس الكثيرين منهم للدخول في الإسلام، نرى أن الدوائر الدينية الرسمية غائبة مغيبة لا تصدر تعميمًا ولا تقوم بتقديم دروس جماعية ولو عبر الإنترنت أو التلفزيونات (عن بعد) تضع فيها المسلمين في أجواء إيمانية حارة، ويتم الالتجاء فيها إلى الله في دعاء مسموع، ولا تقدم البرامج التوعوية على حسن التصرف تجاه ما يحدث… أو يقدمون الفتاوى الشرعية لمعالجة مختلف الحالات التي تقع بين المسلمين… بل هي لم تفعل من ذلك شيئًا؛ فقبع المشايخ في بيوتهم، وتركوا للإعلام المرتهن المجترِّ أن يأخذ كل وقتهم…

إن هذا الظرف الذي يمر به المسلمون اليوم هو من أكثر الظروف خصوصية؛ إذ لم يمر عليهم طيلة حياتهم مثل هذا الوباء، وهو ظرف أكثر ما يكون الناس فيه بحاجة إلى ربهم. وهم يؤمنون أنه ابتلاء من الله، ولا يرفعه إلا الله، والمطلوب أن يلتجئوا إليه فرادى ومجتمعين، مع أخذهم بالأسباب المادية… إن هذا الوباء عام ويحتاج إلى أجواء إيمانية عامة، وإلى الدعاء الجماعي العام، وإلى التضرع الجماعي العام، وإلى التوبة والاستغفار الجماعي العام… بينما الإجراءات المتخذة منعت وجود الأجواء الإيمانية العامة للتضرع والدعاء والاستغفار واللجوء إلى الله ليرفع أو يمنع عنهم بلاء هذا الوباء.

إن المسلمين بعامة، ومعهم شعوب العالم بعامة يفتقدون لتعاليم الإسلام لإنقاذهم مما هم فيه. هذا ما يجعل المسلمين يشعرون بوجوب إقامة دولة إسلامية لترعى شؤونهم بالإسلام. نعم، لو كان للمسلمين دولة إسلامية لأشرفت على الأمر من أوله إلى آخره؛ كون خليفة المسلمين هو صاحب الأمر الراعي لكل شؤون المسلمين. وهذا ما حدث في أيام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في طاعون عمواس، فقد كان نعم الراعي، والمسلمون كانوا نعم المؤمنون في تقبل المصاب.

اللهم عجِّل لنا فرجك، واكشف عنا هذا الوباء، وأرحنا من بلاء هؤلاء الحكام بإقامة دولة خلافة راشدة يرعى فيها شؤون المسلمين خليفةٌ راشدٌ مثل الخليفة عمر بن الخطاب… اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *