العدد 402-403-404 -

السنة الرابعة والثلاثون – رجب – شعبان – رمضان 1441هـ – أذار – نيسان – أيار 2020م

أين هم العلماء والأحزاب والحركات الإسلامية من مقاومة الهجوم على الإسلام؟

عصام الشيخ غانم

لا بد في البداية من الإقرار بأن للأحزاب والحركات وظائف يجب عليها أن تقوم بها، ولا يمكن للناس أن يتخيلوا بأن حركة ما قامت لتحرير بلد من الاحتلال ثم تقوم بتسليمه للمحتل، ولا أن تقوم حركة إسلامية بالتعاون مع أعداء الإسلام لضرب الإسلام؛ ولكن شدة الحرب العالمية على الإسلام قد جعلت من كل ذلك ممكنًا، وهذا يمثل ذروة المخالفة للمعهود.

فمثلًا يعلم الناس جميعًا أن دور العلماء هو بيان الحقيقة للناس، وقد كنا نسمع من علماء السعودية مواعظ كثيرة في حرمة الغناء والاختلاط والمجون، وكنا ننتقد تركيزهم على هذه الأمور وأنهم لا ينكرون على الحاكم السعودي عمالته للغرب وتعاملاته بالربا مع البنوك الغربية، ولعلَّ أولئك العلماء كانوا يرَونها تعاملات خالية من الربا على المستوى الداخلي باعتبار أن الحاكم هو خادم الحرمين الشريفين، أي لا بد من أنه يحكم بالإسلام، فكانت المسائل الخارجية مغيَّبة عن أذهانهم بدون قصد، وبعضهم للأسف مع قصد… لكن لما جاء ابن سلمان إلى الحكم وجاءت معه مظاهر المجون والحفلات الغنائية المشينة التي تقام قريبًا من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلن عن مشاريع الترفيه والسياحة والاختلاط بين الرجال والنساء تحت عناوين فتح المجتمع السعودي، كنا نتوقع من هؤلاء العلماء أن يبيِّنوا للناس فساد هذه السياسة؛ لكن قلةً منهم قاموا بذلك وسقطت أقنعة كثيرين أمام هذه السياسة بعد أن كان الناس يظنون بهؤلاء العلماء خيرًا، بمعنى أنهم لم يقوموا بواجبهم كعلماء، بل وقام بعضهم بالتبرير للحاكم وتزيين سياسته!

فللعلماء دور يجب عليهم القيام به، وللأحزاب الإسلامية دور يجب عليها القيام به؛ وإلا فإن الأمور لا تفهم بغير ذلك. وقد لوحظ في الفترة الأخيرة، وهي الحقبة المتبقية للعصر الجبري، بأن الحكام يزيدون في درجة عدائهم للإسلام؛ فحاكم مصر يطلب التجديد للإسلام لأن دين الله لا يعجب أسياده الأميركيين، وكذلك حاكم السعودية الذي ينشر الرذيلة بين الناس بعد أن كانت تقتصر على حكام آل سعود، كل ذلك من أجل الصدِّ عن دين الله. وحاكم السلطة الفلسطينية يعتبر بأن من يعادي اليهود هو كافر؛ لأن اليهود يطلبون منه التخذيل عنهم… وبالمجمل فقد باتت مواقف الحكام في الفترة الأخيرة شديدة العداء للإسلام والمسلمين في مشهد يجزم معه الجميع بأن هؤلاء الحكام يضعون أنفسهم في صف الكفار ضد الأمة الإسلامية التي يحكمونها، كل ذلك حتى ترضى عنهم أميركا وأوروبا وروسيا أعداء الإسلام.

وإذا كانت مواقف هؤلاء الحكام متوقعة من أعداء الإسلام، وهم كذلك، وكان المخلصون يفهمون هذا الواقع للحكام بشكل صريح، إلا أن بعض الحركات والأحزاب كانت وبسبب قلة وعيها السياسي إما تظن ببعضهم خيرًا، وإما أنها لارتباطها بهؤلاء الحكام كانت تصمت. أما وقد طفح الكيل وظهر عداء هؤلاء الحكام لدين الله، وأعلنوا اصطفافهم مع دول الكفر ضد الإسلام وأهله، فإن أقل واجب ممكن من هذه الأحزاب والحركات هو أن تعلن البراءة منهم أمام الناس.

وهنا نركز بأن قيمة الإعلان أن تكون أمام الناس؛ إذ لا قيمة لأي قول آخر، كأن يقول بعضهم بأننا نعلم ذلك وندركه ونحذر منهم؛ ولكننا لا نعلن ذلك مخافة البطش بنا أو غير ذلك من التبريرات. وإلى هؤلاء نقول بأن كبار سادة قريش، أعداء الإسلام، كانوا يقتربون من بيت محمد صلى الله عليه وسلم وينصتون إلى تلاوته للقرآن وهم يدركون كامل الإدراك بأن ما يقوله ليس بكلام بشر، فكانوا يدركون إعجازه وعلوّه ولذته، ولكن موقفهم في العلن كان العداء للإسلام، فماتوا وهم كذلك ومأواهم النار وبئس المصير. فالقيمة، كل القيمة هي للمواقف المعلنة، والأمة تنتظر من هذه الأحزاب والحركات أن تعلن مواقفها وبراءتها من هؤلاء الحكام علنًا، ولكن الغالبية العظمى من هذه الحركات والأحزاب الإسلامية تلوذ بالصمت، وتظن بأن موقفها مقبول عند الله، فضلًا عن أن هذه المواقف لا تبرئ الذمة ولا تبيِّن للناس فساد هؤلاء الحكام (اللهم إلا بعض الأمور وفي سرٍ لا علن)، والأهم أنها مواقف مضلِّلة للأمة، ومضلِّلة لأتباعها، وغريبة على أحزاب تعلن أنها مبدئية تتبنى الإسلام وتتسمى به!

ومن أمثلة المواقف التي سيُسأل عنها أصحابها أمام الله تعالى، وتسألهم عنها الأمة في الدنيا، موقف حزب النور السلفي على سبيل المثال لا الحصر عندما أيَّد انقلاب السيسي ضد مرسي غفر الله له، ثم لم يقل شيئًا أمام مذابح رابعة العدوية في مصر. ثم العلاقة الوطيدة والزيارات لقيادات حركة حماس إلى طهران ودمشق وهما يذبحان المسلمين من الوريد إلى الوريد في سوريا، وزيارة رئيسها لموسكو ودعوته إياها للتدخل في القضية الفلسطينية وهي أول من اعترف بكيان يهود سنة 1948م، وهي تصب حمم طائراتها فوق المسلمين في إدلب، ثم تنسيقها المستمر مع مصر السيسي التي تذبح الإخوان المسلمين في مصر. وكذلك مواقف الحركة الوهابية السعودية في تأييدها لسياسة سلمان وابنه ولا يقولون شيئًا عن تطبيعهم مع كيان يهود، ويؤيدون كل ما يصدر عن الحاكم تحت ذرائع شرعية واهية بوجوب اتِّباع الحاكم. وحدث ولا حرج عن مواقف حزب النهضة التونسي من التعاون مع العلمانيين ورفض تطبيق الشريعة رغم قوتهم في البرلمان المخصَّص للتشريع، بل إن مسألة تطبيق الشريعة ليست مطروحة على الإطلاق في سياسة حزب النهضة هذا، ناهيك عن تنسيقه مع الدول الكافرة فرنسا وبريطانيا وغيرهما…

وفي المقابل نجد حزب التحرير يقف مواقف ترضي الله تعالى وتُعلي من شريعته وتناضل علنًا من أجلها، وهذا الكلام قد يكون عامًا، ولكن دعونا نأخذ بعض الأمثلة من مكان واحد هو فلسطين، وقس عليه في البلاد الأخرى:

أولًا: في السنوات القليلة الماضية وضمن خياناتها لله ولرسوله والتي لا تنقطع، فقد أقدمت السلطة الفلسطينية على استملاك قطعة أرض كبيرة في مدينة الخليل بهدف إعطائها للروس لبناء كنيسة عليها، وفضلًا عن أن الخليل لا يسكنها النصارى، فإن قطعة الأرض تلك قد أقطعت من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل تميم الداريِّ وتملّكها أحفاده من بعده، وهم اليوم عائلة كبيرة في مدينة الخليل «آل التميمي». فكان هذا العمل الإجرامي من السلطة الفلسطينية مستفزًا بقوة، ليس فقط من باب أخذ أملاك الناس وإهدائها للكفار، وليس من باب بناء كنيسة في منطقة إسلامية تخلو من النصارى، بل ومن باب أعظم وهو الجرأة على تبديل فعل فعله محمد صلى الله عليه وسلم، فلهذه الأرض قدسية إقطاع النبي الكريم لها للصحابي تميم الداريّ.

ماذا فعلت الأحزاب والحركات الإسلامية في فلسطين؟ ربما لا يجيبك أحد سوى عن موقف حزب التحرير الذي كان موقفه موقفًا صلبًا جنَّد خلاله شبابه والكثير من المسلمين الآخرين لمناصرة قضية هذا الوقف الإسلامي، فأصدر البيانات ووزعها بكفاحية عالية، وجمهر الناس في مناسبات عدة لتعلن رفضها لقرارات السلطة تلك، وخلال تلك التجمعات واجه حزب التحرير في فلسطين قمع أجهزة السلطة التي فرَّقت المتظاهرين بالقوة، وزجَّت بالكثير من أعضاء الحزب في السجون، واستمر الحزب يجمهر المسلمين أمام المحاكم الفلسطينية التي خصصت للبت في هذه القضية، ويرسل الوفود إلى القضاة الذين تبدَّلت مواقف الكثير منهم أمام صلابة موقف الحزب وقدرته على حشد الجماهير ضد السلطة في مسألة وقف الصحابي الجليل تميم الداريّ، وضجَّت مواقع التواصل بصلابة موقف الحزب ومواقف شبابه. وبالمجمل أصبح حزب التحرير، لوحده هو القوة الرافضة لسياسة السلطة تلك بتمليك المجرمين الروس أرض الصحابيّ الجليل تميم الداريّ، وكابد الحزب في سبيل ذلك متحمِّلًا أذى السلطة واعتقالاتها وتفريقها للجموع بالعصي والمسيل للدموع. وهذا موقف يشهد بأن حزب التحرير وقف لما يرضي الله ورسوله، فكان موقفه نابعًا من فكرته وحمله للإسلام.

وأما الحركات الإسلامية الأخرى كلها، فلم نسمع منهم إلا همسًا، أو أقل من همس، بل إن الكثير من أعضاء تلك الحركات قد انخرطوا في نشاطات حزب التحرير واستظلوا بها فيما بقيت الأحزاب والحركات في مأمن من قمع السلطة وغطرستها.

ثانيًا: وضمن سياستها لزيادة إرهاق الفلسطيني وإفقاره، فقد جاءت السلطة الفلسطينية بمشروع الضمان الاجتماعي بهدف الاقتطاع من رواتب العمال والموظفين والتي هي بالكاد تسد الرمق، من أجل وضع تلك الأموال بين أيدي حفنة من البنوك لتشغيلها بالربا في الخارج. وهنا تبنَّى حزب التحرير في فلسطين هذه القضية باعتبارها مصلحة من مصالح المسلمين، ثم إنها تمسُّ الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالتعاملات الربوية، وقام بمشاركة الجماهير المعتصمة وأرسل الوفود إلى ذوي العلاقة من أجل إلغاء مشروع الضمان الاجتماعي، وحرَّض بشكل علني لا سرِّي المؤسسات والشركات على رفضه وعدم التعامل معه رغمًا عن السلطة ومشروعها وقراراتها. فكان موقف الحزب قويًا مسموعًا بل ومدويًّا بوجوب رفض مشاريع السلطة الفلسطينية التي تنتهك الأحكام الشرعية وتضيع مصالح الناس في غياهب البنوك المحلية والدولية، وقد أحست الجماهير الفلسطينية بمناصرة الحزب لهم في هذه المسألة، وارتفع شأن الحزب لأجلها بوضوح وصلابة وقوفه على الحق لا يضره من خذله ولا من خالفه.

وأما الحركات والأحزاب الأخرى فقد كان لها بعض الدور، وبعض الرأي، وما جرَّأهم على ذلك أنها مصلحة من مصالح الناس، وأن الناس تهبُّ لأجلها، والأهم من كل ذلك هو أن تلك الحركات والأحزاب قد وقفت ضد القرار باعتبار مصالح الناس وليس باعتبار مخالفته للأحكام الشرعية، وقد كان الحزب «الحاكم» من ضمن تلك الأحزاب، وإلا فإن تلك الحركات لا تجرؤ على الدفاع عن الإسلام بشكل علني حتى لا تُتهم بالتطرف. وأما حزب التحرير فقد كان موقفه أشد قوةً ونصاعةً وظهورًا، فالناس تميِّز بين المواقف الصلبة وتلك المواقف التي تصدر في بيانات عابرة لا تقدم ولا تؤخر، ولا يلتفت إليها صنَّاع القرار لضعفها.

ثالثًا: تبنَّت السلطة الفلسطينية المعاهدة الدولية «سيداو» أو ما يسمى بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وانتشرت في فلسطين مختلف المنظمات النسائية المموَّلة من أميركا وأوروبا تعلن ضمنًا وليس علانيةً حربها على أحكام الإسلام الخاصة بالمرأة، فنادت هذه المنظمات والجمعيات الملبَّدة بالأموال الأجنبية القذرة بتحرير المرأة الفلسطينية من سلطة الرجل، وأعلنت الحرب على أحكام وصاية الأب والزوج على النساء، كما أعلنت الحرب على الزواج المبكر، وبدفع من تيار الأموال الأجنبية القذرة نظَّمت حملات ضد ما أسمته «ذكورية المجتمع»، وكان كل ذلك يتم بتسهيل من السلطة الفلسطينية ودعم منها، وحتى الأجهزة الأمنية الفسطينية قد شاركت في حملات الترويج لاتفاقية سيداو.

ولأن المسألة تمس الأحكام الشرعية بشكل مباشر، فقد وقف حزب التحرير حارسًا أمينًا للإسلام، ولم يقف غيره من الحركات ولم يسمع لهم حتى الهمس، ولم يصدروا بيانًا مخافة أن يقال عنهم بأنهم متطرفون، ومخافة أن تغضب عليهم قطر ودول أوروبا وأميركا. نعم وقف حزب التحرير موقفًا صلبًا وأصدر البيانات القوية ووزعها بكفاحية عالية، ونظَّم المحاضرات والوقفات وغير ذلك من الأنشطة المختلفة بما فيها إرسال الوفود لجهات مختلفة، كل ذلك للذود عن الأحكام الشرعية، وعلى الرغم من الأذى الذي لحق أعضاء الحزب من السلطة المجرمة التي لا تترك جريمة إلا اقترفتها؛ إلا أن صوت الحزب قد أصبح مسموعًا ومحترمًا، واشتُهر بدفاعه عن الإسلام في وقت خبت فيه كل الأصوات، فلا حركة مقاومة تقاوم، ولا حركة «إسلامية» تدافع عن انتهاك أحكام الإسلام إلا حزب التحرير.

رابعًا: الوقوف ضد صفقة ترامب، فقد طرح الرئيس الأميركي ترامب صفقته لحل القضية الفلسطينية، وكان طرحًا «يهوديًا» بامتياز، ولم يترك للفلسطينيين أرضًا أو مياهًا أو أمنًا أو حدودًا أو قدسًا أو حتى المسجد الأقصى الذي نصت خطته على كونه مفتوحًا لكافة المصلين من كافة الديانات وتحت سيادة كيان يهود. وعلى عادتها في تمرير الخيانة خطوةً خطوة، فقد عارضت السلطة الفلسطينية الخطة الأميركية وأعلنت رفضها لها.

عارض حزب التحرير الخطة الأميركية وهاجمها في بيانات مختلفة وزعها بطريقة كفاحية، وعارضت الأحزاب والحركات الأخرى الخطة الأميركية؛ لكن وأثناء النشاطات التي قام بها الحزب وأشهرها مسيرات الخليل ورام الله وجنين الحاشدة، وقمع السلطة بقوة لمسيرة جنين، وضربها لكبار السن، فقد انكشف أمر السلطة للجميع، وأنها إنما تعارض الخطة الأميركية كمرحلة أولى؛ لتقول للناس في المرحلة التالية بأنه لا سبيل غير المضي بها والقبول بها؛ وإلا فإن كل فلسطين ستضيع، هذا هو ديدنها، وبهذه الطريقة تعمل لصالح يهود والدول الكافرة لتمرير المؤامرات على فلسطين.

وقد بلغ من خضوع السلطة الفلسطينية لخطة ترامب أن (قال عباس، خلال اجتماع لمجلس الأمن، حول «الخطة الأميركية للسلام»، أو ما يُعرف بـ»صفقة القرن»: «نحن لسنا ضد أتباع الديانة اليهودية، المسلم الذي يقول أنا ضد اليهود، فقد كفر وليس مسلمًا”. الوكيل الإخباري، 11/2/2020م)، ولم تعلن الأحزاب والحركات موقفها من تبديل رئيس السلطة للإسلام (۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ )، وأعلنها حزب التحرير، وجاهر بها، وشكَّك في موقف السلطة من صفقة القرن، ولأنه كذلك فقد قامت السلطة باعتقال شباب الحزب واختطافهم من الطرقات على نهج عصابات قطاع الطرق في محاولةٍ منها لثنيهم عن كشف موقف السلطة حتى تتمكن من تمرير مخططات ترامب تحت ذرائع مختلفة، كما مرَّرت اعترافها بكيان يهود على 80% من فلسطين، بعد أن قامت لتحريره قبل حرب 1967م.

وإذا كنا هنا لا نبحث في موقف السلطة وكيف أنها اشتهرت بمواقفها المخزية، فإننا نركز على مواقف الحركات والأحزاب التي يجب عليها أن تعلن موقفها الرافض للخطة الأميركية، وإذا كانت هذه الأحزاب والحركات قد أعلنت موقفها الرافض لتلك الخطة؛ إلا أن الشعب في فلسطين لا يحسُّ بتلك المواقف، ولا يرى إلا موقف حزب التحرير الصلب، فحركة حماس والجهاد تعلنان رفضهما للخطة الأميركية؛ ولكنهما يفاوضان مصر ومخابراتها وهي التي أعلنت بأن الأطراف (الفلسطينية واليهود) يجب أن يجلسا على طاولة المفاوضات وبحث الإيجابي في خطة ترامب، أي تمريرها خطوة خطوة، يبدأ بالإيجابي ثم الأقل إيجابية، ثم المؤلم، وهكذا لتكتمل، وهذا موقف معروف للأنظمة العربية العميلة التي لا تملك قرارها، بل هو يُملى عليها من أميركا أو أوروبا، لكن ما بال تلك الأحزاب والحركات تفاوض هذه الأنظمة ولا تدير لها ظهرها، ولا تتوكل على ربها، بل تتكل إلى تلك الأنظمة؟!

هذه بعض من المواقف المشرفة التي وقفها حزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين في الفترة القريبة الماضية، وقد اشتهرت مواقف الحزب هذه بين أهل فلسطين لكثافة النشاطات التي يقوم بها الحزب في هذا الاتجاه، فهو لم يصدر بيانًا وكفى، بل يطلب من المسلمين إسقاط قرارات السلطة بخصوص أرض تميم الداريِّ، وتبني اتفاقية «سيداو» وأوقف مشروع الضمان الاجتماعي، وقد تم تعليقه بالفعل، وكذلك رفض المفاوضات مع كيان يهود لا فرق في ذلك بين أن تكون خطة ترامب أساسًا أم غيرها، فكلها خيانة لله ولرسوله وللمسلمين. وكل مواقف حزب التحرير صلبة يشهد القاصي والداني بصلابتها، ولم يتراجع عنها الحزب رغم ما لاقاه ويلاقيه في سبيل تبنيه هذه المواقف، فيما الأحزاب والحركات الأخرى تعلن مواقف خجولة من تلك المسائل. وهذه المواقف الخجولة لا تقدم ولا تؤخر في مجريات الأمور السياسية، بل ولا ترفع أصحابها، فالأمة تريد من الأحزاب والحركات التي توليها قيادتها أن تكون جريئة ونابعةً من أساس متين هو الإسلام، فالأمة لا تولي قيادتها لجاهل أو جبان.

وقد يقول بعض من لا يدركون الأبعاد السياسية والمجتمعية للمواقف الصلبة، ما فائدة كل هذه الضجة والسلطة ماضية في غيِّها؟ نقول بأن المسألة لو كانت كذلك لقيل ما فائدة تحدي رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم لقريش؟ فالمسألة لا تطرح على هذه الشاكلة. وكل كيان يجب عليه القيام بالدور الذي أناطه بنفسه. فالحركات والأحزاب، إما أن تكون في الحكم فتطبق مبادئها ويرى الله ورسوله والناس إخلاصهم وقدرتهم ويوفقهم إلى النجاح إذا كانوا وفق منهجه سبحانه وتعالى، وإما أن تكون خارج الحكم، فتكون وظيفتها على شقين:

الصراع مع السلطة القائمة من أجل أخذ الحكم وتطبيق ما عندها من مبادئ

أن تعلن مواقفها من سياسات السلطة القائمة، فتعارضها لأنها تخالف مبادئها، بل وتجعل من تلك المعارضة وسيلة لأن ينفض الناس ثقتهم بها، فيسهل ذلك سقوطها وانهيارها،

وبغير ذلك لا يمكن فهم أي دور للأحزاب والحركات والإسلامية، إلا أن تكون جزءًا من ذلك الحكم، وظيفته لعب دور المعارضة زورًا وبهتانًا، فتعارض السلطة القائمة في إطار ما تسمح به تلك السلطة أو ما يسمونه في إطار القانون الذي تكون السلطة قد فرضته، فمثل هذه الأحزاب والحركات لا يرتجى منهم تغيير، وهم وَبال على الأمة يؤخرون صعودها ويُعيقون تطبيق الإسلام فيها، ويمكن لأعداء الإسلام من الدول الكافرة أو أتباعهم من الدول القائمة في المنطقة الإسلامية أن يستخدموا هذه الحركات والأحزاب أيما استخدام، فيأتون بها إلى الحكم ويخرجونها منه حسب مصالحهم وحاجاتهم من أجل إسكات الأمة وإفراغ مطالبها بالحكم بالإسلام، إذ يظن كثير من الناس بأن وصول حركة إسلامية إلى السلطة يعني وصول الإسلام، وما هو كذلك، ولنا في مصر وتونس وغيرهما أمثلة كثيرة كيف استُخدمت تلك الأحزاب والحركات من أجل إبعاد الإسلام عن الحكم.

وفي الختام نقول: (فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ ١٧ )، فالأمة تنتظر من الأحزاب والحركات مواقف حقيقية صلبة من هؤلاء الحكام الذين ظهرت عوراتهم بأبشع صورها خلال هذه الحقبة الأكثر إيلامًا من حياة الأمة، فالمسلمون يُقتلون من الوريد إلى الوريد في سوريا وفلسطين واليمن وليبيا ومصر وغيرها، ولم يعد هناك متسعٌ من الدبلوماسية الخبيثة، بل الوقت وقت الجد، وقت المواقف الصلبة العلنية.

ومن اتخذ مثل تلك المواقف في سبيل الله فقد فاز في الدارين؛ ففي الأولى عز وكرامة رغم الشدة وبأس الأنظمة، وفي الآخرة رضا من الله أكبر لمن اتخذ حياته سبيلًا إلى الله تعالى، ومغفرة وأجرًا كريمًا. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *