العدد 329 -

السنة الثامنة والعشرون جمادى الثاني 1435هـ – نيسان 2014م

موقف روسيا من أوكرانيا وسوريا

موقف روسيا من أوكرانيا وسوريا

 

يشكل فهم الدور الروسي في العالم حالة من الغموض لدى كثيرين، ولجلاء هذا الدور، نعرض فيما يلي  بعض الخطوط العريضة لفهم كيف تتفاعل روسيا مع القضايا الدولية على ضوئها:

– تقلص نفوذ روسيا الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى محيطها الإقليمي المتمثل في المناطق الجغرافية المحاذية، أي جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ووسط آسيا وبعض دول شرق أوروبا، حتى إن بعض هذه الدول باتت محل تنافس بينها وبين أميركا وأوروبا.

– لا تتعدى أعمال روسيا في المناطق الأخرى مثل الشرق الأوسط وشرق آسيا وأفريقيا… المصالح الاقتصادية وتبقى دون النفوذ السياسي الحقيقي. وإذا قامت روسيا بأعمال سياسية في هذه المناطق، فإنها تكون بتوافق مع الدول صاحبة النفوذ الفعلي فيها أو فيما لا يتعارض معها .

– تحاول روسيا لعب دور عالمي من خلال اقتناص الفرص التي تسنح لها، سيما بعد تعافيها نسبياً من آثار انهيار الاتحاد السوفياتي بالإضافة إلى إخفاق أميركا في إقامة نظام دولي جديد تستأثر فيه بالتفرد بالقرار الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر واحتلال أفغانستان والعراق.

– لم تكن سوريا يوماً ضمن دائرة النفوذ الروسي، لا إبان الاتحاد السوفياتي ولا بعد انهياره، فالنظام السوري هو أحد أهم أركان النفوذ الأميركي بالمنطقة منذ أن اعتلى الأسد الأب ظهر السلطة فيها. وقد استعملته أميركا بشكل واضح في الكويت والعراق ولبنان وفلسطين وفيما سمي بالحرب العالمية على الإرهاب.

– تصدت روسيا تؤازرها الصين بالفيتو مرة تلو أخرى لمحاولات أوروبا تدويل الأزمة السورية تمهيداً  لإسقاط الأسد من خلال تدخل عسكري دولي في سوريا على غرار ما جرى في ليبيا. فيما تظاهرت أميركا بقلة الحيلة تجاه النزاع الدائر في سوريا متذرعة بالموقف الروسي المتصلب، ما فسح المجال لروسيا كي تلعب دور الشريك الكامل (ظاهرياً) في إدارة الصراع في سوريا، مما يلبي طموح روسيا بلعب دور في السياسة الدولية.

– إن مجمل دور روسيا ينسجم مع تطلعات أوروبا (رغم إزعاجه لها بشأن سوريا) في إيجاد حالة من التوازن الدولي وفرض نظام دولي متعدد الأقطاب تكون المؤسسات الدولية فيه مرجعاً في حل القضايا الدولية لا أميركا بمفردها، لا سيما أن استراتيجية أوروبا المعلنة تقوم على أساس الشراكة مع أميركا، لذلك تتجنب أية مواجهة مباشرة معها، وهي حين تتنافس معها فإنها تقوم بذلك من وراء ستار متمثل بعملائها الكثر في العالم أو من خلال شبكات الإعلام أو المؤسسات الدولية أو ما شاكل.

– لطالما سعت أوروبا إلى إسقاط حكم الأسد وإلى بناء نظام جديد موالٍ لها لإضعاف نفوذ أميركا في المنطقة ولتأمين إمدادات النفط والغاز من دول الخليج إلى البحر المتوسط عبر سوريا وصولاً إلى أوروبا، بهذا تتحرر أوكرانيا وعموم دول شرق أوروبا من تحكم روسيا بمصادر الطاقة الأساسية التي تعوزها، ما يسهل تفعيل استراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه تشكيل كتلة اقتصادية وسياسية متكاملة من الدول الأوروبية المستقلة، إلا أن هذه السياسة تهدد نفوذ روسيا الإقليمي، وتؤثر على مصالحها. لهذا تعاملت روسيا بحزم مع الملف الأوكراني بعد خلع الرئيس «فيكتور يانوكوفيتش» الموالي لها، فاقتطعت شبه جزيرة القرم مقر أسطول البحرية الروسية، وأخذت تبتز الحكام الجدد في كييف لتثبت للغرب أنها دولة كبرى تتحرك بجد من أجل الحفاظ على نفوذها وضمان عدم المس بمصالحها الاستراتيجية ولاستمرارها كلاعب لا يمكن تهميشه فيما يخص الشؤون الأوروبية.

– تخشى روسيا من الإسلام بسبب انتشار مفاهيمه التي تفرض الحكم بالإسلام وعلاقة الأخوة الإسلامية التي تربط مسلمي روسيا ومستعمراتها عقائدياً وسياسياً ومشاعرياً بالأمة الإسلامية ومشروع دولة الخلافة الإسلامية، التي تتصاعد حالة الدعوة إليها، مما يعزز نزعة استقلال المسلمين عن روسيا وتطلعاتهم للعيش بكرامة بعيداً عن الاستعباد والاستعمار. كما تخشى روسيا، حتى في ظل غياب الخلافة الإسلامية، من أن يقوم الغرب باستعمال رغبات المسلمين وتطلعاتهم، للثورة عليها والانفصال عنها لإحلال نفوذ الغرب مكانها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *