العدد 396 -

السنة الرابعة والثلاثون – محرم 1441هـ – أيلول 2019م

«مكافحة التطرف العنيف» خطة سياسة تعمل على الانقسام وهي ضارة بالمسلمين (مترجمة)

 «مكافحة التطرف العنيف»

خطة سياسة تعمل على الانقسام وهي ضارة بالمسلمين

(مترجمة)

شعبان معلم

الممثل الإعلامي لحزب التحرير في كينيا

إن ما يعرف بالحرب العالمية على (الإرهاب) هي حملة عسكرية دولية تقودها أميركا بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وهذه الحرب هي كناية عن مجموعة متنوعة من الإجراءات التي لا تشكل حربًا محددة كما هو معروف تقليديًا. فقد استخدم الرئيس الأميركي جورج بوش مصطلح «الحرب على الإرهاب» لأول مرة في 16 أيلول/سبتمبر 2001م، كما استخدم «الحرب على الإرهاب» بعد أيام قليلة في خطاب رسمي أمام الكونغرس. وفي الخطاب الأخير له قال جورج بوش: «عدونا هو شبكة راديكالية من (الإرهابيين) وكل حكومة تدعمهم». وأميركا قد فشلت في سعيها للقضاء على من أطلقت عليهم (الإرهابيين)، وهي قد استخدمت منذ فترة طويلة الفصائل المتطرفة في العديد من البلدان لتعزيز مصالحها، ودعمت المسلحين في أفغانستان ضد السوفيات في ثمانينات القرن المنصرم، وكل ذلك يشير إلى أن أميركا نفسها لم تكن جادة في محاربة (الإرهاب) بل كانت تواصل توظيف المعايير المزدوجة لتحقيق  أهدافها، ومنها توظيف من تسميهم بـ (الإرهابيين) أو ( المتطرفين).

لقد شعر دونالد ترامب بفداحة خسائر أميركا في الحرب في أفغانستان؛ حيث تشير التقارير إلى أن أميركا خسرت ما يصل إلى 1.7 تريليون دولار، وقتل أكثر من 2400 من جنودها. بالإضافة إلى ذلك نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا بعنوان «عقدان بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، لم يقلَّ المسلحون بل تضاعفوا»، وهو نص ورد في الدراسة التي أعدَّها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، وهو أحد مراكز الأبحاث التي تتخذ من العاصمة واشنطن مقرًّا لها، ويعتبر مركزًا وركيزة للسياسة الخارجية الأميركية. فقد ذكر المركز إلى أن عدد المقاتلين الإسلاميين الذين يعملون في جميع أنحاء العالم هو اليوم يقرب من أربعة أضعاف ما كانوا عليه عندما بدأت الحكومة الأميركية في قتالهم في أعقاب 11 أيلول/سبتمبر 2001م، وأن تكلفة بلغت ما يقرب من 6 تريليون دولار وخسارة ما يقرب من 7000 من أعضاء الخدمة العسكرية الأميركية، وخلص هذا المركز إلى أن الحرب على (الإرهاب) قد فشلت بشكل واضح.

نعم، مع كل هذه الخسارة الضخمة من المال والقوى البشرية، أعلن بعض صانعي السياسة في أميركا أن حربها على (الإرهاب) فشلت فشلًا ذريعًا منذ أن استُخدم (الإرهاب) عاملًا جديدًا لمحاربة الإسلام كمبدأ، وتوصلت أميركا إلى ضرورة تحديث استراتيجيتها في محاربة الإرهاب بشعار: (مكافحة التطرف العنيف) وقد تمت استضافة العديد من القمم على مستوى العالم حول كيفية (مكافحة التطرف العنيف) والتي سلطت الضوء على الجهود الدولية لمنع المتطرفين العنيفين من التمدد في تطرفهم، ومنع تجنيد أو إلهام الأفراد أو الجماعات. كما تم تشكيل المنظمات التي ترعاها الدول لمكافحة التطرف. فعلى سبيل المثال، بعد سلسلة «الهجمات الإرهابية»، سارعت الحكومة الفرنسية إلى تنفيذ برنامج على نطاق البلد بأكمله للكشف عن الشباب «التائهين» فكريًا.

بدأت برامج مكافحة التطرف في المملكة العربية السعودية في عام 2004م، بعدما تعرضت لسلسلة من الحوادث (الإرهابية) المحلية؛ فاتخذت وزارة الداخلية خطوات لموازنة الجهود الأمنية التقليدية مع الأساليب التي تتناول معالجة المصادر التي تغذي أيديولوجية التطرف العنيف بشكل فكري. ومن المفارقات، فإنه يعتقد على نطاق واسع أن السعودية وقطر والإمارات وتركيا، وحتى أميركا وروسيا والنظام السوري وغيرهم… كانوا رعاة رئيسيين للجماعات التي تتهم عندهم بـ (الإرهابية) على مدار الحرب في سوريا، وفي العراق وفي أفغانستان، وحتى داعش قد تم استغلالها ودس عناصر مخابرات فيها، والقيام بأعمال إرهابية ونسبتها إليهم؛ لتشويه صورتهم وصورة الإسلام السياسي من ورائهم.

تُعرّف عملية نزع التطرف بأنها تدابير وقائية لمكافحة (الإرهاب) وتهدف إلى جعل أولئك الذين لديهم أيديولوجيات دينية أو سياسية متطرفة وعنيفة يتبنون وجهات نظر أكثر اعتدالًا وغير عنيفة.

في 4 حزيران/يونيو 2009م، حاضر الرئيس الأميركي باراك أوباما في جامعة الأزهر في القاهرة، فقال عن الحملة الأميركية لمهاجمة الفكر الإسلامي تحت لواء مكافحة التطرف العنيف: «… القضية الأولى التي يتعين علينا مواجهتها هي التطرف العنيف بكافة أشكاله… في أنقرة، أوضحتُ أن أميركا ليست ولن تكون في حالة حرب مع الإسلام… نواجه بلا هوادة المتطرفين العنيفين الذين يشكلون تهديدًا خطيرًا لأمننا؛ لأننا نرفض نفس الشيء الذي يرفضه الناس من جميع الأديان: قتل الرجال والنساء الأبرياء».

 وفي 21 أيار/مايو 2017م، عزز دونالد ترامب الحملة من أجل مهاجمة الإسلام عندما افتتح رسميًا مركزًا عالميًا جديدًا لمكافحة «الأيديولوجيات المتطرفة» في العاصمة السعودية الرياض، وكان المقصود من هذا المركز الجديد الرائد أن يمثل إعلانًا واضحًا بأن الدول ذات الأغلبية المسلمة يجب أن تأخذ زمام المبادرة في مكافحة التطرف. وقال ترامب: «إن الملك سلمان هو من أبرز مظاهر القيادة. ومن واجبي الأول كرئيس هو حماية الشعب الأميركي».

في مواجهة معضلة إما أن تكون مع أميركا في شيطنة الإسلام أو أن تكون مع «العدو»، فإن بعض علماء المسلمين وقعوا في فخ الغرب في حصر الإسلام في التوجُّه الروحي، وراحوا يعتقدون أن المسلمين الذين ينظرون إلى الإسلام كنظام كامل فيه حلول لجميع مجالات الحياة بما في ذلك السياسة يعقّدون الإسلام، وبالتالي صاروا يعتبرونهم متطرفين، وهم بذلك ساروا مع سياسات الغرب في محاربة الإسلام بدلًا من تحدي هذه السياسات المثيرة للانقسام ضد الإسلام، وراحوا يشاركون في المناقشات الفكرية، وفي المؤتمرات الدولية لمناقشة مسائل وصفت بأنها «متطرفة» مثل الخلافة والجهاد لإبعادها عن تصور المسلمين واتهام من ينادي بها.

 هذا وقد أيد العلماء الرسميون الموالون للحكومات «خطط مكافحة الإرهاب» الأميركية هذه، والحملة الغربية ضد الراديكالية (الأصولية) الإسلامية، وراحوا يعملون بأوامر من حكوماتهم التي تتلقى تعليماتها من سفارات دول الغرب وأميركا على إصلاح الإسلام من خلال تفسير القواعد الإسلامية لتكون متوافقة مع العلمانية الليبرالية لتكريس مفاهيم ما يسمى (الإسلام المعتدل)، وكانت المطالبة بإصلاح الخطاب الديني، وإصلاح مناهج التعليم… أوَلم ينتبه هؤلاء العلماء أنهم يقفون في فسطاط أعداء الله الذين يحاربون الإسلام أبشع محاربة وينكلون بالمسلمين أبشع تنكيل. أوَلم يحذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم وحكام الضرار في العذاب مشتركون. إن الحرب التي تشن اليوم على الإسلام باسم الحرب على الإرهاب لم تترك فسحة لأي عالم أن يقعد جانبًا يترقب، فكيف بهؤلاء العلماء الذين أفتوا الناس بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا، ألم يعلموا أن أبغض الخلق إلى الله علماء السلطان هؤلاء الذين يفتون الناس بفتاويه ويعينونه على ظلمه، ألم يعلموا أنهم يعذبون بكل عذاب يعذَّب به هذا السلطان… لقد سقط هؤلاء في الفخاخ التي وضعها الغرب في إشاعة أن الإسلام هو السبب الجذري لانعدام الأمن العالمي.

إن الإسلام هو دين الله الحق، ولا يمكن تغيير عقيدته ولا أنظمته. والله وحده الذي يشرع للناس التشريع الحق، ولا تملك لا أميركا ولا غيرها أن يبدلوا دين الله، أو أن يضعوا إسلامًا جديدًا، وما كان للمسلمين الخيرة فيما يشرعه الله، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ َرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا ٣٦ ). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي ذكره الدارقطني: «إنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَضَ فَرائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وحدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا، وحَرَّم أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحثُوا عَنْهَا».

إن برامج مكافحة التطرف الغربية هي محاولات متحيزة وعدائية تهدف إلى تشويه صورة الإسلام. وجدير بالذكر أن مصطلح «التطرف» أو «الإرهاب» يتم تعريفه على نطاق واسع بشكل يخلق هستيريا تتيح للقوى الرأسمالية الغربية اتخاذ تدابير ضد المسلمين وإجبارهم على تغيير معتقداتهم وآرائهم. وهنا يجب على العلماء والمسلمين ككل أن يتحدَّوا هذا النهج العدائي المبني على تلفيق أكاذيب على الإسلام، وأن يقفوا موقفًا واحدًا في مواجهة هذه الهجمة الشرسة على دينهم.

إن الإسلام لا يقر العنف بالصورة التي يدعيها الغرب، فلا يبيح قتل الناس ولا ذبحهم ولا حرقهم، ولا استعبادهم… بل هو يحرم ذلك أيما تحريم؛ لكن الغرب، وعن قصد يتهم الإسلام بذلك، ونحن في المقابل نتهمه بأنه هو وراء هذه الجرائم الدنيئة، هو وأجهزة مخابراته، والحكام العملاء وأجهزة مخابراتهم، حتى وهذه الجماعات التي تتهم عنده بالإرهاب كان قيامها بشكل مشبوه، وتحيط به علامات الاستفهام. وقد طال إرهابهم المسلمين أكثر مما طال غيرهم… ولكن التآمر على الإسلام كان كبيرًا، شارك به الجميع ممن يكيد للإسلام، ومن ضمنها وسائل الإعلام الرئيسة المملوكة للأنظمة العميلة الخائنة لله ولدينه وللمسلمين، والتي عملت آلة دعاية للغرب تصور الإسلام على أنه دين متعطش للدم. وضربت صفحًا عن قضايا المسلمين، بما فيها فلسطين، وتبنت نظرة الدول التي تتبع لها في الثورات التي قامت ضد حكامها. وتجاهلت عن حقيقة أن العديد من المسلمين قد وقعوا ضحية للأعمال الإرهابية.

لقد بات واضحًا للعالم كله فشل الرأسمالية اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، والولايات المتحدة تعمل الآن بجد لمنع أن يكون الإسلام هو البديل الجذري عنها، فهي تعلم أنه قادر على حل المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العالم اليوم. ويرى السياسيون والمفكرون الغربيون أنه يشكل تهديدًا حقيقيًا لهم كمبدأ، ويعملون على أن لا تقوم له دولة خلافة يمكنها أن تكون قوة عظمى تقود العالم من جديد، وعلى أن لا تحل أيديولوجيتهم محل أيديولوجية الرأسمالية الفاسدة؛ لذا يستخدمون مصطلح الإسلام الراديكالي في مواجهة الإسلام. في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، أدلى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بتصريح يصف فيه الإسلام الراديكالي بأنه التهديد الأكبر الذي يواجه العالم اليوم.

مع وجود حرب تدقيق كبيرة على الإرهاب، ووجود برامج مكافحة التطرف العنيف، يرعاها الغرب، ويعاونه فيها حكام المسلمين، فإننا نجد أن أهدافهم التي يجتهدون لتحقيقها هي:

أولًا: تحويل وعلمنة الإسلام، بمعنى أنه ليس لديه حلول للشؤون الدنيوية، وأنه يجب تعليم الإسلام كدين بدون قوانين حياة، بل يجب على المجتمع الإسلامي أن يتبنى الرأسمالية وقيمها الليبرالية. وبهذا يكون لهم تأثير مباشر على أفكار المسلمين ومشاعرهم، وبالتالي سوف ينأى المسلمون بأنفسهم عن دينهم الحق، عن طريق تبني الأفكار العلمانية الفاسدة مثل الحريات بكل أشكالها…

ولتحدي هذا المنحى، يجب على المسلمين رفض أي برامج شريرة من هذا القبيل، وبدلًا من ذلك، يجب الدخول في مناقشات مثمرة وبناءة مع الأكاديميين والمثقفين وصانعي السياسات لإظهار صورة واضحة وإيجابية عن الإسلام. هذا ويجب على المسلمين أن يدركوا تمامًا أن العيش في الإسلام بكل الأفكار والأفعال أمر إلزامي وليس مسألة اختيار، ويجب عليهم أيضًا أن يكشفوا حقيقة العلمانية التي أدت في الواقع إلى هذا الدرك من الانحطاط في العالم، وبات بؤسها وفوضاها واضحة للعالم، نعم، إنه يجب أن يكون هذا بمثابة حافز لإحداث تغيير جذري في العالم بأسره.

 ثانيًا: عمل الغرب الدؤوب على جعل المسلمين يعتقدون أن الإسلام دين ليس فيه قوانين تنظم حياة البشر، وبالتالي ليس فيه دولة. ومع بروز تنظيم الدولة وأعمال الإعدام التي قام بها ضد غير المسلمين والمسلمين، أراد الغرب أن تكتسب حملته العالمية ضد مفهوم الخلافة زخمًا، وصوَّر أولئك الذين يدعون إلى إقامتها (متطرفين)؛ ولكن العكس هو الذي حصل؛ فأدرك الغرب هذا أن مطلب التغيير على أساس الإسلام جادٌّ عند الأمة، وليس حلمًا ولا وهمًا، بل مطلب متجذر في نفوس المسلمين، ويستحق عندهم أن تقوم له الثورات. وهنا، فإن على الغرب أن يدرك أنه لن يستطيع أن يقف في وجه سنن الله في التغيير التي جاء وقتها (سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا٦٢).

إن على المسلمين أن يدركوا أن أحكام الإسلام لا يمكن تنفيذها بالكامل إلا من خلال دولة الخلافة. وأن يمتلؤوا ثقة أن بشرى رسوله في إقامة الخلافة في آخر الزمان باتت قريبة. وعليهم أن يفهموا أن الخلافة هي واحدة من الأحكام الشرعية وليست رأيًا من شريحة متقاطعة من المسلمين، وأنه نظام الحكم الإسلامي الذي يمكن من خلاله تطبيق الإسلام كله كمبدأ تنفيذًا كاملًا، وأن طريقة إقامة مثل هذه الدولة هي أيضًا شرعية مستنبطة من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ومن خلال النظر إلى سيرة الرسولصلى الله عليه وسلم في مكة، سيجد المسلمون أن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم لإقامة الدولة لا تشمل أي عمل من أعمال العنف، بل تنطوي على صراع فكري وكفاح سياسي، وإيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام على وجوب تحكيم الإسلام في الحياة. والمجتمعات لا تتغير أبدًا من خلال الإكراه والعنف؛ ولكن من خلال الرقي الفكري. على عكس الديمقراطية الليبرالية؛ حيث بوش وبلير والذين تولوا من بعدهم، ملؤوا العالم الإسلامي بالموت. في العراق على سبيل المثال، قتل التحالف الذي تقوده أميركا عشرات بل مئات آلاف الأشخاص تحت شعار تحرير العراق من ديكتاتورية صدام.

ثالثًا: عمل الغرب على فرض التفريق بين أعمال الدعوة والعمل السياسي للحركات والأحزاب الإسلامية، واعتبر أي جماعة إسلامية سياسية، ولو كانت تتبنى أسلوبًا غير عنفي لتحقيق أهدافها، هي منظمة راديكالية. فهو مؤخرًا تبنى عدم  السماح بوجود عمل سياسي إسلامي بادعاء كاذب وهو أن الدين لا علاقة له بالسياسة، وأحكامه مقصورة على الأمور الروحية والخاصة مثل العبادات والأخلاق والزواج والطلاق. إن قَصر العقيدة الإسلامية على الجانب الروحي هو خطأ فادح يجعل الإسلام يُنظر إليه على أنه مثل الديانات الأخرى كالنصرانية والبوذية والهندوسية. للأسف، تم تأسيس بعض الأحزاب والجماعات الإسلامية على أساس روحي بشكل تقتصر في دعوتها للناس فقط على العبادات. هذه المجموعات تعزز، إما بقصد أو بغير قصد، مقولة العلمانية وتصب في خدمة الأجندة الاستعمارية.

وفي المقابل، فإنه على الرغم من أن دعوة الناس إلى العبادات وتطبيق السنة هي جزء من الإسلام، وأن الإسلام أمر بالقيام بها وأوصى بالدعوة إليها؛ ولكنها ليست كل الإسلام، وبالتالي فإن الدعوة لها لا تغطي الدعوة إلى كل الإسلام. فبالنسبة إلى الواقع، فإن المسلمين يعيشون اليوم في مجتمعات غير إسلامية، والبلاد التي يعيشون فيها هي دار كفر، وهذه الحقيقة بدأت منذ إلغاء الخلافة في عام 1924م، ولقد أدى زوال الخلافة إلى الوضع الحالي المثير للشفقة. وكان الأمر الأكثر فظاعة أنه تم تعليق شريعة الله سبحانه وتعالى، واستبدال قوانين من صنع الإنسان بها… هذا الواقع يجب أن يواجهه المسلمون اليوم، ويعالجوه بالشرع؛ وعليه يجب أن تكون قضية المسلمين المصيرية اليوم هو العمل لتطبيق الإسلام في الحياة والمجتمع والدولة من خلال إعادة تأسيس الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين. فبإقامة الخلافة سوف تتحول بلادنا إلى بلاد إسلامية (دار الإسلام)، ويتحول المجتمع في البلاد الإسلامية إلى مجتمع إسلامي، وتتوحّد البلاد الإسلامية في ظل دولة الخلافة، ثم يحمل الإسلام إلى بقية العالم بالدعوة والجهاد. هذه القضية يجب أن تشكل مسألة حياة أو موت وتتطلب أقصى التضحيات من الأمة.

من هنا يجب التركيز على دعوة الناس إلى العمل للإسلام كاملًا، في عقيدته وعباداته وأخلاقه ومعاملاته، ونظام الحكم، والاقتصاد، والنظام الاجتماعي، وسياسة التعليم، والسياسة الخارجية، وجميع الأحكام الأخرى من الله. إن اقتصار الدعوة في مجالات العبادات والطقوس بالتأكيد لن يجعلنا نحقق الهدف الأساسي الذي جاء الإسلام من أجله وهو عبادة الله وتعبيد الناس لله بالدعوة والجهاد وحسن التطبيق؛ وذلك امتثالًا لقوله تعالى:(وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦) وهذا يتطلب  إقامة الإسلام كل الإسلام في حياة المسلمين.

إن خطة الغرب تقوم على تحدي المسلمين في دينهم، وترمي إلى منع المسلمين من إقامة الإسلام في حياة المسلمين، وهو يعادي الإسلام ويتطرف في عدائه، ويهدف إلى نبذ القيم الإسلامية التي علمنا إياها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل على الجماعات الإسلامية أن تجتمع على الدعوة إلى الإسلام بطريقة جذرية وغير عنفية، وتوضح للمسلمين وغير المسلمين أن الإسلام فيه نظام شامل للإنسانية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *