العدد 395 -

السنة الرابعة والثلاثون، ذو الحجة 1440هـ – آب 2019م

مفاهيم يجب أن تصحح في الميراث: (فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ)

مفاهيم يجب أن تصحح في الميراث:

(فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ)

أبو نزار الشامي

هناك أيات في كتاب الله، لا يستطيع العلمانيون وأعداء الدين أن يرتاحوا ليلًا أو نهارًا حتى يلغوها إن استطاعوا… آيات لطالما وجه المغرضون أسهم افتراءاتهم وأباطيلهم إلى الإسلام من خلالها، ومن أبرز هذه الآيات قوله تعالى:] يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ [ فكم سمعنا الأبواق التي تتهم الإسلام بالذكورية وعدم إنصاف المرأة حيث يعطيها نصف حصة الرجل في الميراث!! أمام هذه الأكاذيب المتكررة يقف بعض المسلمين حيارى لا يدرون كيف يردون على هذا الكلام. ولو نظر هؤلاء الأفَّاكون بعين الإنصاف إلى واقع المرأة قبل الإسلام، بل وواقعها اليوم في ظل الحضارة الغربية، ثم قارنوه بما أعده الإسلام للمرأة من مكانة وقدر لقطعوا ألسنتهم قبل أن ينبسوا عليه ببنت شفة.

هذا وقد وصلت الجرأة ببعض الأنظمة العربية كتونس مثلًا إلى إقرار قانون يساوي فيه ميراث المرأة بالرجل، في تحدٍّ صارخٍ لآيات الله. حدث هذا في 23/11/2018م. ألا يعلم هؤلاء السُذَّج، أنهم بذلك قد حرموا المرأة قسطًا كبيرًا من حقوقها التي منحها لها نظام المواريث الإسلامي!!، فالمرأة اليوم في تونس وفق هذا القانون باتت ترث أقل من حصتها التي فرضها الله لها!. كيف هذا؟ وهل ترث المرأة نصف حصة الرجل في كل حالاتها؟

إن المستقرئ لنظام المواريث في الإسلام يجد أنه نظام يقوم على معايير تتوخى غاية العدل والخير العام، وتخلو هذه المعايير من التمييز الدائم بين الذكر والأنثى، فالقرآن لم يقل (يوصيكم الله في ورثتكم للذكر مثل حظ الأنثيين) بل قال أولادكم، إذًا، ليست هذه هي الحالة العامة لتقسيم التركة، بل ثمة معايير محدَّدة راعتها الشريعة في توزيع الميراث.

 أولها: درجة القرابة بين الوارث- ذكرًا أو أنثى- والمورِّث المتوفى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، مثلًا: تأخذ ابنة المتوفاة حصة أكثر من حصة زوجها، فالبنت أقرب إلى المتوفاة من الزوج، مع أنها أنثى والزوج ذكر، وهذا يثبت أن الذكورة والأنوثة ليستا المعيار الأصل الذي اعتمدته الشريعة في الفرائض.

 ثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين. فالبنت ترث أكثر من الأم -وكلتاهما أنثى- بل وترث أكثر من الأب! والابن يرث أكثر من الأب وكلاهما من الذكور! 

ثالثها: العبء المالي الذي يوجب فيه الشرع على الوارث القيام به حيال الآخرين… وهذا هو المعيار الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى ] يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ[ لأن الذكر الوارث هنا- في حالة تساوي درجة القرابة والجيل- مكلف بإعالة الأنثى، بينما الأنثى -الوارثة- إعالتها فريضة على الذكر المقترن بها، وحالات هذا التمييز محدودة جدًا إذا ما قيست بعدد حالات المواريث. وبهذا المنطق الإسلامي يكون الإسلام قد ميَّز الأنثى على الذكر في الميراث، لا ظلمًا للذكر، وإنما لتكون للأنثى ذمة مالية تحميها من طوارئ الأزمان والأحداث وعاديات الاستضعاف.

ولنجري الآن جولة سريعة على الحالات التي ترث فيها المرأة بحسب الشرع الحنيف، هل نجدها مهضومة النصيب كما يفتري الأفاكون؟

نلاحظ أن الفقه الإسلامي في باب الفرائض حدد أربعًا وثلاثين حالة من أحوال الميراث ترث فيها المرأة بنسب مختلفة، ففي نحو إحدى عشرة حالة ترث المرأة مثل الرجل. وفي أربع عشرة حالة أخرى ترث المرأة فيها أكثر من الرجل. وفي خمس حالات تحجب المرأة فيها الرجل وتأخذ الإرث كاملًا. وفي أربع حالات فقط يكون فيها للذكر مثل حظ الأنثيين.

فمن أمثلة مساواة المرأة للرجل في الميراث:

  • ميراث الأب والأم لكل واحد منها السدس لقوله تعالى: ]وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ [

  • ميراث الإخوة للأم، فيقسم بالتساوي بين الذكور والإناث. فالذكر يأخذ مثل الأنثى عند فقدان الفرع الوارث لقوله تعالى: ]وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ [.

لماذا لم نسمع  هنا  أية كلمة من فم هؤلاء المعترضين الذين يطالبون بالمساواة في الميراث؟ أم أنهم لم يحفظوا إلا آية    ]لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ[؟  بل أكاد أجزم بأن أكثرهم لم يطلعوا بتاتًا على نظام المواريث ولا يعرفون شيئًا عن الحالات الثلاثين التي ترث فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث هو شيئًا، جلّ ما يريدونه هو الطعن بالإسلام فحسب!!

ومن أمثلة أن المرأة ترث أكثر من الرجل: ففي بعض حالات الميراث نجد أن المرأة ترث أضعاف الرجل حسب قوله تعالى : ] فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ[. ومن الأمثلة على ذلك:

  • مات شخص وترك بنتًا وأبًا، فيكون نصيب الأب السدس، وهو أقل بكثير من نصيب البنت أو البنات، ومع ذلك لم يقل أحد إن كرامة الأب منقوصة بهذا الميراث .

  • ومن أمثلة ذلك أيضًا: مات شخص وترك بنتًا وأخوين شقيقين، فالبنت لها النصف لانفرادها ولعدم وجود من يعصبها، والأخوان الشقيقان يأخذان الباقي تعصيبًا بالتساوي بينهما، فيكون نصيب كل أخ شقيق الربع وهنا يكون نصيب الرجل أقل من الأنثى.

  • وكذا إذا مات شخص عن بنتين وعمين شقيقين، فالبنتان ترثان الثلثين فرضًا لتعددهن ولعدم وجود من يعصبهن بالتساوي بينهما، فكل واحدة لها الثلث. والعمان الشقيقان يأخذان الباقي تعصيبًا؛ فيكون نصيب كل عم السدس، وهنا يكون نصيب الذكر أقل من الأنثى

  • وكذا إذا ماتت امرأة ولها زوج وابنة، ترث البنت النصف، ويرث الزوج الربع، فالبنت ترث ضعف ما يرث أبوها.

وهناك حالات ترث فيها المرأة ولايرث فيها الرجل شيئًا، ومن أمثلة ذلك:

  • إذا مات شخص عن ابن وبنت وأخوين شقيقين، فالابن والبنت يأخذان التركة كلها للذكر مثل حظ الأنثيين، والأخوان الشقيقان لايرثان شيئًا، فقد حجبهما الفرع الوارث، فترث البنت ولايرث الأخ الشقيق.

  • إذا مات رجل عن «أم أم» و»أب أم» يعني جدته لأمه وجده لأمه فهنا ترث أم أمه كل التركة، وتعرف في علم المواريث بالجدة الصحيحة، أي إنها ترث السدس فرضًا والباقي ردًا، ولا شيء لجده للأم (أبو أمه) وهو زوجها، رغم أنه في درجتها بالنسبة للمتوفى، وترث النصيب كله لأنها من أصحاب الفروض والجد من أصحاب الأرحام، وأصحاب الأرحام لا يرثون مع أصحاب الفروض، وبالاطلاع على قاعدة ميراث الجد والجدة نجد الآتي: الجد الصحيح ( أي الوارث) هو الذي لا تدخل في نسبته إلى الميت أم، مثلًا: أبو الأم أو أبو أم الأم هو جد فاسد (أي غير وارث).

وهذه ما هي إلا بعض الأمثلة على إنصاف الإسلام للمرأة، وقد شهد بذلك أهل العلم والإنصاف.

وبهذا تكون خلاصة حالات المواريث كالتالي:

1- المرأة ترث نصف الذكر فى 4 حالات من أصل 34 حالة، أى بمعدل 11.76 % من حالات الميراث. مع إلزام الرجل بالانفاق على المرأة بينما لا تلزم المرأة بالانفاق على الرجل.

2- المرأة ترث ميراثًا مساويًا لميراث الذكر، وذلك فى 11 حالة من أصل 34 حالة؛ أى بمعدل 32.35 %  من حالات الميراث.

3- المرأة ترث ميراثًا أكثر من ميراث الذكر، وذلك فى 14 حالة من أصل 34 حالة، أى بمعدل 41.18 %  من حالات الميراث.

4- المرأة ترث ولا يرث الرجل وليس له حق الميراث، وذلك فى 5 حالات من أصل 34 حالة، بمعدل 14.71 %.

سبحان الله ما أعظم هذا الدين، وكم يغفل عنه من باع نفسه وعقله وآخرته للغرب فخسر دنياه وآخرته.

هل علم حكام تونس الآن كم خسرت نساؤهم وبناتهم؟! هل عرفوا أنهم سلبوا المرأة مالها وحقها تمامًا كما فعل حكام الجاهلية قبل الإسلام؟ وقد صدق الله تعالى: ]ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ
وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ [.

المرأة قبل الاسلام لم يكن لها حق الميراث، وليس لها ذمة مالية، ولم يكن لها حق الحياة أصلًا، وكانت تدفن حية، فجاء الاسلام وأعزَّها، وحَّرم قتلها، وألزم الرجل برعايتها والإنفاق عليها، وأعطاها حقوقًا تختال بها على نساء الأرض قاطبة.

فإلى الله نبرأ مما يفعل بنا وبديننا الحكام السفهاء والأتباع العملاء، اللهم ندعوك كما دعاك حبيبك ألا تجعل مصيبتنا في ديننا، وأرنا شريعتك الغرَّاء تنير حياتنا في ظل دولة الخلافة التي تكفُّ كل ظالم عن ظلمه، وتعيد كلَّ حق إلى نصابه، إنك سميع مجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *