العدد 395 -

السنة الرابعة والثلاثون، ذو الحجة 1440هـ – آب 2019م

أيها العلماء بيدكم الصدع وبيده سبحانه وتعالى الإجابة

أيها العلماء بيدكم الصدع وبيده سبحانه وتعالى الإجابة

د. غادة محمد حمدي – الخرطوم

عندما اشتعلت الثورات في تونس، ومصر، وسوريا، وليبيا، واليمن، ثم السودان والجزائر، كان هذا إيذانًا بانتفاضة الأمة الإسلامية العظيمة، وصحوتها من غفوتها لتطالب بإسقاط الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين، وهو إيذان بعودة المسلمين إلى تطبيق شرع الله، ومطالبتهم بجعل العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، فكان العلماء هم أول من توجهت إليهم أنظار أبناء الأمة، ينتظرون منهم المواقف المشرفة، باعتبار أنهم حملة أمانة رب العالمين، وأنهم ملتزمون بالسير على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم، لقد بحث الناس عن العلماء وأئمة المساجد ليكونوا في مقدمة الصفوف في العمل لتغيير هذا الواقع الفاسد، بحثوا عنهم لتوجيه الحراك والمسيرات والمظاهرات، باعتبارهم قادة سيأخذون بيد المسلمين للتخلص من هذا الظلم والفساد، فالعلماء أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم من يجب عليهم أن يُعلِّموا الناس الحلال والحرام، وهم من تجب عليهم محاسبة الحكام على ظلمهم، لعدم تطبيقهم شرع الله على الرعية.

يلتقي أبناء المسلمين حول العالَم بالعلماء، أصحاب العمائم، في الصلوات والدروس في المساجد، أو في صفوف المراحل المدرسية للتعلم والتوعية ومناقشة قضاياهم وحل مشاكلهم، والإجابة عن أسئلتهم وأخذ الأحكام الشرعية منهم في ما يعترض حياتهم من مسائل اجتماعية واقتصادية وغيرهما… وكان العلماء أول من توقع الناس منهم أن يرفعوا أصواتهم بكلمة الحق عند أي سلطان جائر، فهم أهل القرآن، ويجب أن يقفوا مستعينين بعلمهم في وجه الظلم والنفاق والفسق، وهم من عليهم ردع الحكام وضبط الحكم بالإسلام. فنظام الحكم أساس العدل، وبه تنضبط الأنظمة الحياتية الأخرى. وبتطبيق نظام الإسلام تُرد الحقوق وتُحفظ العقيدة الإسلامية وتُعالج شؤون الرعية بما يرضي الله عز وجل. وعلى العلماء التأكد من تطبيق الأحكام الشرعية على المسلمين وعلى غير المسلمين بالقوانين الربانية العادلة، ابتغاء مرضاة الله في الدنيا والآخرة. إن العلماء هم أهل الذكر قال تعالى: [فَسۡألُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ].

لقد أعطى الله تعالى المسلم الذي تحلى بشخصية إسلامية، وانضبطت أفكاره ومفاهيمه ومشاعره بالإسلام «سلطة» وتفويضًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات، واختصَّ العلماء ممن نذروا أنفسهم للإحاطة بالعلم الشرعي والتفقُّه في الدين، وبموجب علمهم وتوعية المسلمين ومحاسبة الحُكام بمكانة رفيعة، وأخذ الله تعالى منهم ميثاقًا بأن يبينوا الإسلام لعامة الناس وللحكام، وأن لا يكتموه لأنهم من أولي الأمر الذين أمر الله تعالى الناس بالرجوع إليهم والنزول عند قولهم، قال تعالى: [وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا]. كما أرشد المسلمين إلى صفات «العلماء الربانيين»، قال تعالى:[ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ٢٨ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ٢٩ لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞ ].

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى:

[إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ] قال: «الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير». وقال ابن لهيعة، عن ابن أبي عمرة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «العالم بالرحمن من لم يشرك به شيئًا، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وحفظ وصيته، وأيقن أنه ملاقيه ومحاسب بعمله». وقال سعيد بن جبير: «الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل». وقال الحسن البصري: «العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه»، ثم تلا الحسن: [إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُا]. وعن ابن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال: «ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية». وقال سفيان الثوري، عن أبي حيان [التميمي] عن رجل قال: «كان يقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله. فالعالم بالله وبأمر الله: الذي يخشى الله ويعلم الحدود والفرائض. والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله: الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض. والعالم بأمر الله ليس بعالم بالله: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى الله عز وجل». وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالحِيتَانُ فِي جَوْفِ المَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ». قال أبو حاتم بن حبان رضي الله عنه: «في هذا الحديث بيان واضح أن العلماء الذين لهم الفضل الذين ذكرناهم، الذين يعلمون علم النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من سائر العلوم، ألا تراه يقول: «العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ». والأنبياء لم يورثوا إلا العلم، وعلم نبينا صلى الله عليه وسلم، سنته، فمن تعرَّى عن معرفتها؛ لم يكن من ورثة الأنبياء». وقال رحمه الله: «وقوله: «إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ» هذا من أعظم المناقب لأهل العلم، فإن الأنبياء خير خلق الله، فورثتهم خير الخلق بعدهم. ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته، إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء، كانوا أحق الناس بميراثهم. وفي هذا تنبيه على أنهم أقرب الناس إليهم، فإن الميراث إنما يكون لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابت في ميراث الدينار والدرهم فكذلك هو في ميراث النبوة، والله يختص برحمته من يشاء. وفيه أيضًا إرشاد وأمر للأمة بطاعتهم واحترامهم وتعزيرهم وتوقيرهم وإجلالهم، فإنهم ورثة من هذه بعض حقوقهم على الأمة وخلفاؤهم فيهم…

أمَّا أهل العلم الربانيون الذين يُنتفع بعلمهم من بعدهم فهؤلاء يضاعف لهم في الجزاء والأجر شريطة الإخلاص. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم. ومما جاء في فضلهم، أن الله شهد للعلماء بأنهم أكثر الناس خشية له. وجاء في الحديث الشريف: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (رواه البخاري ومسلم)» انتهى.

فلا يجوز شرعًا كتمان ما تعلمه المسلم من أحكام شرعية وخاصة ممن اتخذوا على عاتقهم أن يكونوا علماء يعلمون ما لا يعلمه غيرهم، قال تعالى: [وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ فَكَتَمَهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ لِجَامٌ مِنْ نَارٍ» (رواه أحمد).

وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من علماء السوء، وربط ذلك بموالاة العالم للسلطان، ونهى عليه الصلاة والسلام عن اتباعهم والوثوق بهم وأخذ الدين عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ عَلَى عِبَادِ اللهِ مَا لَمْ يُخَالِطُوا السُّلْطَانَ، فَإِذَا خَالَطُوا السُّلْطَانَ فَقَدْ خَانُوا الرُّسُلَ فَاحْذَرُوهُمْ وَاعْتَزِلُوهُمْ» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَالِمٍ أَتَى صَاحِبَ سُلْطَانٍ طَوْعًا، إِلَّا كَانَ شَرِيكَهُ فِي كُلِّ لَوْنٍ يُعَذَّبُ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الأُمَرَاءَ إِذَا خَالَطُوا الْعُلَمَاءَ، وَيَمْقُتُ الْعُلَمَاءَ إِذَا خَالَطُوا الأُمَرَاءَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذَا خَالَطُوا الأُمَرَاءَ رَغِبُوا فِي الدُّنْيَا، وَالأُمَرَاءَ إِذَا خَالَطُوا الْعُلَمَاءَ رَغِبُوا فِي الآخِرَةِ»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ تَحْتَ يَدِ اللهِ وَكَنَفِهِ، مَا لَمْ يُمَارِ قُرَّاؤُهَا أُمَرَاءَهَا»، وأخرج الحاكم، عن عبد الله بن الحارث، رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «سَيَكُونُ بَعْدِي سَلَاطِينُ، الْفِتَنُ عَلَى أَبْوَابِهِمْ كَمَبَارِكِ الإِبِلِ، لَا يُعْطُونَ أَحَدًا شَيْئًا، إِلَّا أَخَذُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ».

وأخرج ابن عساكر، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَيَكُونُ قَوْمٌ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ، يَأْتِيهِمُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ لَوْ أَتَيْتُمُ السُّلْطَانَ، فَأَصْلَحَ مِنْ دُنْيَاكُمْ، وَاعْتَزِلُوهُمْ بِدِينِكُمْ! وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنَ الْقَتَادِ إِلَّا الشَّوْكُ، كَذَلِكَ لَا يُجْتَنَى مِنْ قُرْبِهِمْ إِلَّا الْخَطَايَا»، وأخرج ابن عساكر، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبْعَدُ الْخَلْقِ مِنَ اللهِ، رَجُلٌ يُجَالِسُ الأُمَرَاءَ، فَمَا قَالُوا مِنْ جَوْرٍ صَدَّقَهُمْ عَلَيْهِ».

وجاء في إحياء علوم الدين للإمام الغزالي: «فساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه، ومن استولى عليه حب الدنيا، لم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر».

ويقول الإمام الغزالي (رحمه الله) كذلك: «فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين؛ لكونهم اتكلوا على فضل الله تعالى أن يحرسهم، ورضوا بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة، فلما أخلصوا لله النية؛ أثَّر كلامهم في القلوب القاسية فليَّنها وأزال قساوتها».

وكان السلطان المقصود مما سبق، هو الحاكم الذي يطبق الإسلام ويحكم بما أنزل الله، فما بالكم بمن يحكم بالطاغوت والهوى، ويتبع الغرب الكافر عمالة وسفالة كحكام اليوم؟!

العالم الرباني

قال تعالى: [يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ].

وقال تعالى: [قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ].

إذًا، العلماء الربانيون هم العارفون بشرع الله والمتفقهون في دينه، وهم الذين آمنوا بالله وأعلنوا بوضوح أنهم أهل (قال الله، وقال رسول الله)، وهم من يحذِّرون المسلمين من مخالفة الإسلام، وهم الذين يلزمون المسلمين وحكامهم بتطبيق أنظمة الإسلام، هؤلاء هم الأتقياء الذين أحاطوا بالعلم من وجهة نظر العقيدة الإسلامية بإخلاص دون أن تكون لهم مآرب ومنافع مادية خاصة، ولا يبحثون عن شهرة ولا دعاية، فقط جعلوا مقياس أقوالهم وأفعالهم الحكم الشرعي، وتبنَّوا قضايا الأمة الإسلامية، فهم من يعلِّمون الناس كيفية إشباع حاجاتهم وغرائزهم بالحلال، وهم من يراقبون بناء الشخصيات الإسلامية في المجتمعات، وهم الذين يوجهون الرأي العام، ولا يخافون في الله لومة لائم، فلا يسكتون على انتهاك الحرمات وإن كلفهم ذلك بذل أرواحهم رخيصة في سبيل الله. هم العلماء الذين لم ينتقوا من الإسلام ما وافق مصلحتهم وهواهم في الدنيا ونسوا آخرتهم، هم من آمنوا بجميع ما أُنزل إليهم ولم يؤمنوا فقط ببعض الكتاب حسب هوى الحاكم. إن العلماء الربانيين شريان الحياة الإسلامية وعقل وقلب وعيون الأمة الإسلامية وورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتَرِكته، فالناس موتى وأهل العلم أحياء:

«ما الفخر إلا لأهل العلم إنهـمُ   على الهدى لمن استهدى أدلاَّءُ

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه   والجاهلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعش حيًا به أبدًا   فالناس موتى وأهل العلم أحياء»

إن الله سائلهم وقد أمرهم بالصدع بكلمة الحق وإقامة الدين، وهم خير البرية: قال تعالى: [ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ] ، قوله تعالى: [ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ] قال ابن عباس: (آمنوا ببعض وكفروا ببعض).

لقد حان، بل فات وقت الصدع، فهلَّا صدع العلماء بالحق ولم يخافوا إلا الله جل وعلا، فالأمة اليوم قد عرفت طريقها ورسمت معالم مشروعها في خارطة التغيير الجذري، على واقعها الفاسد على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لإقامة دولة الخلافة الإسلامية: قال عليه الصلاة والسلام: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبوَّةِ، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ يَكُونُ مُلكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا اللهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».

إن العلماء اليوم بحاجة لتذكيرهم بالميثاق، والقيام بدورهم المفصلي، وعليهم أن يدركوا مدى مسؤوليتهم في توعية المسلمين على مخاطر الهجوم على الإسلام، وعلى نوعية التغيير القادم، والعمل لتحقيق ما فرضه عليهم رب العالمين، وهو إقامة الخلافة على منهاج النبوة، ويتحقق ذلك فقط بالعمل بالطريقة الشرعية التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع جماعة تنكر على الحكام قولًا وعملًا حتى يُشكِّلوا مع الأمة قوة فاعلة للتغيير الحقيقي.

فعلى العلماء مسؤولية مضاعفة تجاه الأمة الإسلامية، ودورهم الرائد في توعية المسلمين، بدءًا من تصحيح مفاهيم العقيدة الإسلامية وتنقيتها من شوائب الكفر بسبب الثقافة الغربية والغزو الاستعماري الفكري الذي يجتاح الأمة، وصولًا إلى التأكد من التزام المجتمع بتطبيق الشرع في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي أصبحت مطلب الشعوب الإسلامية اليوم؛ وبسبب غياب هذا الدور تردَّت أوضاع المسلمين ووصلت إلى هذا الدرك.

لقد كان لغياب العلماء عن الساحة الفكرية والإعلامية والسياسية الأثر البالغ في تردي أوضاع المسلمين ،حين تخلوا عن واجبهم الشرعي في محاسبة الحُكام أولًا والناس ثانيًا، ومحاسبة كل من تخلى عن تطبيق الأحكام الشرعية في جميع مناحي الحياة منذ أن حل محل الإسلام النظام الرأسمالي العلماني الغربي جبرًا عنهم وفي عقر دارهم منذ أن هُدمت دولة الخلافة؛ حيث أصبحت بلاد المسلمين دويلات مقسمة تُحكم بالقوانين والدساتير الوضعية.

فكيف يصمت العلماء عن عدم تنصيب خليفة واحد يحكم الناس في دولة واحدة كما أمرهم الله تعالى قرابة المائة عام؟! كيف يكتمون عن الأجيال حكمًا شرعيًا مصيريًا مثل هذا الحكم، وهو تاج الفروض. تلك الدولة التي كانت رائدة وقائدة البشرية لمئات السنين؟! بيد أن هناك من العلماء من يُغير أفكار ومفاهيم الإسلام بحسب مصلحة الحكام؛ فيحمل القرآنَ الكريم والسنةَ الشريفة أسفارًا لا يفهم معانيها ولا مقاصدها، كالحمار يحمل الأثقال ولا يفهم أنه يحملها! فأوشكت الأغلبية منهم أن تقع تحت طائلة الوصف النبوي؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلىَ أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ» (أخرجه الطبرانيُّ في «الكبير»)

يُروى عن السلطان سليمان القانوني أنه لم يُنفذ أمرًا إلا بفتوى، من شيخ الإسلام أو من الهيئة العليا للعلماء في الدولة العثمانية، وبعد أن تُوفي وجدوا أنه أوصى بإنزال صندوقٍ معه إلى القبر، فقرر العلماءُ فتحه والاطلاع على ما بداخله أولًا، لتأخذَهم الدهشة؛ فالصّندوق ممتلئ بفتاويهم. فراح العلامةُ أبو السعود يبكي فوق السلطان، ويقول «لقد أنقذت نفسَك يا سليمان، فأيّ سماء تُظِلنا، وأي أرضٍ تُقِلُنا إن كنا مخطئين، في صندوقِ الفتاوى».

إن العلماء في الأمة الإسلامية بمثابة العقل للجسد، يعملون لاستنهاض همم الناس للعمل للتغيير على الواقع الفاسد وتنقيته من تلاعب أنظمة الكفر. فالعلماء هم الشموع المضيئة، يعملون على توعية المسلمين وإرشادهم للطريق القويم وإخراجهم من الظلمات إلى النور حتى لا يتخاطف المجرمون عقولهم وقلوبهم فيضيع دينهم.

إن الفقيه أو العالم اليوم لا يمتلك تأثيرًا ملموسًا على المجتمعات كما ينبغي، وكما كان من قبلُ في دولة الخلافة. ذلك لأن أغلب علماء اليوم وقعوا في المحظور، ألا وهو كتمان العلم؛ فالله عز وجل يختار من عباده علماء ليكونوا سببًا لبيان وإعلاء كلمة الحق، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ويقول سبحانه عن مهمتهم في الحياة: [وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ]، كما يقول تعالى محذرًا من عدم قيامهم بهذه المهمة الجليلة: [إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ].

إن الأمة الإسلامية التي ثارت على واقعها الفاسد اليوم لم تجد سندًا من شريحة العلماء؛ حيث سكت العلماء عن فضح هوية أعداء الإسلام الحقيقيين، الذين ابتدعوا للمسلمين إسلامًا معدلًا، وجعلوا الإسلام مع الأديان المحرفة الأخرى سواء! لقد تغير دور العلماء اليوم، من ورثة الأنبياء إلى مجرد تابعين للأنظمة الحاكمة وبرروا ذلك بحجج واهية بليّ النصوص، وتغيير معاني القواعد الفقهية، وكانت النتيجة أن أصبح دور العالم في حياة المسلمين دورًا غير مهم، وفقد الناس الثقة في العلماء الذين تخلوا عن ميثاق «لا إله إلا الله محمد رسول الله» أولًا، وعن ميثاقهم بعدم كتمان العلم الشرعي ثانيًا، ووقعت، بسبب مجاراتهم لحكام السوء، برودة الدين في قلوبهم، قيل «إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة…» (أبو الوفاء بن عقيل).

لئن سار العلماء كما أمرهم الإسلام، فإن دولة الخلافة ستكون قاب قوسين أو أدنى، فهي وعد الله سبحانه وبشرى رسوله عليه الصلاة والسلام، وهذا أقصى ما يهابه الغرب الكافر، فالخلافة هي انتصار وصعود الإسلام ونهضة الأمة من جديد، وانهيار وانهزام لدول الباطل والكفر، قال تعالى: [وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ].

إن دور العلماء اليوم، دور مفصلي، بالوقوف في وجه الطواغيت؛ ففساد الناس من فسادهم، وصلاح الناس من صلاحهم، فدور العلماء أنهم خط الدفاع الأول عن العقيدة الإسلامية في مواجهة طوفان الحياة الغربية المنحطة التي انجرف خلفها أبناء المسلمين، والعلماء صامتون مكبلون بسلاسل الانهزام الفكري قبل أن تكون سلاسل المصالح والمنفعة المادية، وبات المسلمون لا يسمعون منهم إلا الفتاوى الغريبة التي تكرس وجود هذا الواقع الفاسد الذي يوافق هوى الحكام، فتاوى عن المرأة وعن القضايا الهامشية ويغضون الطرف عن القضايا المصيرية للأمة الإسلامية حول العالم! بل سكت العلماء عن تفشي مرض المبدأ الرأسمالي والديمقراطية والليبرالية والحداثة الغربية، وخلطوا الدم النجس ببياض الحليب النقي فأفسدوا أفكار المسلمين، وشوهوها!!

ولعل من مواقف العلماء المشرِّفة مع الحكام:

– «روى أبو سليمان الخطابي بسنده إلى عبد الله بن بكر السهمي قال: (سمعت بعض أصحابنا قالوا: أرسل عمر بن هبيرة – وهو على العراق – إلى فقهاء من فقهاء البصرة وفقهاء من فقهاء الكوفة، وكان ممن أتاه من فقهاء البصرة الحسن، ومن أهل الكوفة الشعبي، فدخلوا عليه، فقال لهم: إن أمير المؤمنين يزيد يكتب إلي في أمور أعمل بها فما تريان؟ قال: فقال الشعبي: أصلح الله الأمير، أنت مأمور والتبعة على من أمرك، فأقبل على الحسن فقال: ما تقول؟ قد قال هذا، قل أنت، قال: اتق الله يا عمر، فكأنك بملك قد أتاك فاستزلك عن سريرك هذا، وأخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، إن الله تعالى ينجيك من يزيد، وإن يزيد لا ينجيك من الله سبحانه، فإياك أن تعرض لله تعالى بالمعاصي، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ثم قام فتبعه الآذن فقال: أيها الشيخ ما حملك على ما استقبلت به الأمير؟ قال: حملني عليه ما أخذ الله تعالى على العلماء في علمهم ثم تلا: [إِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِم]..» («العزلة» للخطابي ص 96).

وهذا موقف آخر يبين كيف فهم المسلمون من السلف الصالح ما يجب أن يكون عليه موقفهم أمام الحاكم:

– «قدم هشام بن عبد الملك حاجًا إلى مكة، فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة، فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا، فقال: من التابعين. فأتي بطاووس اليماني، فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين، ولكن قال: السلام عليك يا هشام، ولم يكنِّه، وجلس بإزائه. وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبًا شديدًا حتى همَّ بقتله. فقيل له: أنت في حرم الله وحرم رسوله، ولا يمكن ذلك. فقال: يا طاووس ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: وما الذي صنعت؟ فازداد غضبًا وغيظًا. قال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تقبل يدي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين ولم تكنِّني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: كيف أنت يا هشام؟ قال: أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات، ولا يعاتبني ولا يغضب عليَّ. وأما قولك لم تقبل يدي، فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد إلا امرأته من شهوة، أو ولده من رحمة». وأما قولك لم تسلم علي بإمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك فكرهت أن أكذب، وأما قولك لم تكنِّني فإن الله تعالى سمى أنبياءه وأولياءه فقال: يا يحيى، يا عيسى، وكنَّى أعداءه فقال: [تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ] وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه يقول: «إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام». (إحياء علوم الدين للغزالي).

إن غياب دور العلماء اليوم في مواكبة واقع الأمة، قد جر على الأمة الخراب والدمار بكل معنى الكلمة، فبلاد المسلمين لا زالت مستعمرة فكريًا واقتصاديًا وعسكريًا؛ فلسطين لا زالت محتلة من قِبل أرذل خلق الله، والمسجد الأقصى في قبضتهم، والحرمان الشريفان في قبضة نظام يخدم مصالح أميركا رغبًا ورهبًا، والعلماء يتفرجون، ما أدى إلى تدمير شباب المسلمين وفطرتهم النقية، فأصبحت الأمة في ذيل الأمم، وفقدت خيريتها واستخلافها على الأرض.

وبترك العلماء لأعظم مهمة في هذا العصر، عصر الملك الجبري، ضاعت جيوش الأمة، فالضباط وقادة الجيوش وعناصر الأمن والشرطة في بلاد المسلمين تحولوا إلى أدوات في يد الأنظمة الفاجرة في خدمة الغرب الكافر المستعمر، وباتوا يحرسون حدود سايكس – بيكو التي مزقت جسد الأمة الإسلامية الواحدة! ولا يحرسون في سبيل الله، ولا الجهاد لنشر كلمة الله!! ولا شك أن للجيوش الدور الفارق في حسم معركة الثورات بين الشعوب والحكام، فالجيوش تستطيع تقديم النصرة للمخلصين من أبناء المسلمين ليعلنوها خلافة راشدة على منهاج النبوة، توحد المسلمين وتحمي بيضة الإسلام وتدك جميع عروش الظالمين والكافرين.

إننا ندعو علماء الأمة أن يهبوا لإنقاذ أمتهم بدون أدنى خوف أو تهيّب من مواجهة رموز الملك الجبري والسلاطين، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، لتعبُر البشرية إلى الحقبة التاريخية التالية، حقبة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لينالوا أعلى درجات الشهداء قال صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ».

كما ندعوهم لإنهاء حقبة الذل والعار والتبرؤ من أنظمة الكفر والباطل وأهله، وتوعية المسلمين على مخاطر التبعية للغرب الكافر ورفض التشرب بأفكار ومفاهيم العلمانية الرأسمالية. وندعوهم إلى العمل مع العلماء المخلصين في حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة. فالعلماء خلائف الأرض وقد رفعهم الله درجات، قال الله تعالى: [وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ]. وهو جل وعلا سائلهم: هل عملتم بما أمرتكم لتستحقوا هذه الرفعة؟ وهل كنتم ورثة الأنبياء، وتمسكتم بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان علمكم نافعًا ومؤثرًا في نهضة المسلمين؟ فماذا سيكون جواب العلماء يومئذ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *