العدد 388 -

السنة الثالثة والثلاثون – جمادى الأولى 1440هـ – ك2 / يناير 2019م

الخطـــــــــابة: ما لها، وما عليها

الخطـــــــــابة: ما لها، وما عليها

عبدالرحمن العامري- اليمن

 

تتنوع الأساليب والوسائل، والتي تنشر من خلالها الأفكار، فتارة تستخدم الكتابة في الصحف والمجلات والإنترنت والإعلانات عبر المقالات والمواضيع والقصائد، وتارة عبر الفيديوهات والتسجيلات، وتارة عبر الخطب والدروس والمحاضرات وغيرها من تلك الأساليب والوسائل. أما على مستوى الخطابة فقد وصلت حالة الخطابة إلى حالة يرثى لهى، وصلت إلى أدنى مستوى من الانحطاط لتعكس الواقع الذي نعيشه، فذاك خطيب يخطب خطبة ويفرغ لها ساعة كاملة وهو جاهل بأحكام الخطبة من أن الأصل فيها القصر وليس الإطالة، وذاك يتحدث عن موضوع الطهارة والحيض والصلاة والحج والصيام والزكاة… وهذه رغم أهميتها فقد تشبَّعت منها الأمة، وهناك ما هو أهم وأعظم منها من استيلاء الغرب على مقدرات المسلمين واحتلال أراضيهم واغتصاب نسائهم في بورما والعراق وأفغانستان وأوزباكستان وفلسطين، ولا يتحدث بهذا وذاك، تراه يلهب مشاعر المسلمين دون فكر ودون علاج للمشكلة التي يطرحها، فيخرج المستمع وكأنه طبل أجوف، وذاك يلحن في صوته الجميل على المنبر وكأن المنبر للحن، وذاك يجعل خطبته لدعوة مذهبية عفنة مقيتة يحقق بها أغراض الغرب بدلًا من الدعوة لوحدة المسلمين وإقامة دولتهم.

إن ما أصاب الأمة وخطباءها بشكل خاص كان بفعل عوامل عدة منها: هدم دولة الإسلام وترك الحكم به؛ مما أوجد حكمًا غير حكم الإسلام؛ فلا اهتمام بالإسلام وأفكاره، ومنه الخطباء الذين لا راعي لهم يرعى شؤونهم؛ فيقوي محاسنهم وينقد مساوئهم نقدًا فيه البناء، وكذلك انحطاط المستوى الفكري للخطيب، سواء أحكام الإسلام، أم فقه اللغة العربية، وكذلك عدم فهمهم للواقع المعاش ومن ثم إصدار الأحكام عليه، وكذلك تعيين الخطباء المأجورين من قبل الدول الحالية العميلة فتملى عليهم الأفكار والتعليمات التي يسوقها لهم الغرب؛ فيبتغون رضى ووجه هذا الغرب وحكامه التابعين، وكذلك هناك عامل خوف الخطباء من قول الحق خشية من بطش الحكام.

لذلك كانت المقدمة السابقة مدعاة لي لكتابة هذا الموضوع ابتغاء وجه الله، ثم التغيير لهذا السلوك غير السوي الذي ينتهجه هؤلاء الخطباء، هدانا وهداهم الله ليغيروا من مسار خطبتهم، فتكون خطب نافعة تنفع الأمة وتسوقها إلى كل خير، فيخرج المستمع من الخطبة بفكر إسلامي صحيح ومشاعر إسلامية صحيحة؛ لتتشكل بهذا الفكر والمشاعر شخصية إسلامية تغير وتقود المجتمع إلى كل خير وإلى كل نهضة صحيحة. فيا ترى، كم هي عدد الخطب التي يخطبها الخطباء؟؟ لا شك إنها بالآلاف وبالملايين، فهي بعدد الجوامع، فلو كانت تؤدى هذه الخطب على الوجه الأكمل والصحيح لساهمت في إيجاد نهضة ليست بالقليلة لهذه الأمة المكلومة.

الخطابة لغة هي علم البلاغة والبيان. وفن الخطابة هو فن إقناع الناس وإدهاشهم، إما بالكلام وإما بالكتابة، ويمكن تعريف الخطابة بأنها كل ما يشتمل على كلام أو كتابة يتم التفنن بها لتغمر وجدان السامع. وإيجازًا هي فن مخاطبة الجماهير للتاثير عليهم واستمالتهم. والخطابة لها أساسيات، منها المشافهة ووجود جمهور مستمع وتوفير عنصرَي الإقناع والاستمالة بوجود البراهين والأدلة. والاستمالة تكون إما بتهييح المشاعر باتجاه ما يقال أوتهدئة نفوسهم، هذا وقد خلق الله الإنسان باستعداد فطري للتعبير وإقناع الغير برأيه، وقد كان الرواد الأول في هذا هم الأنبياء والرسل، فقد كانوا يخاطبون أقوامهم لإقناعهم بما يحملون من فكر يمثل عقيدة، هذا وقد اشتهر العرب بفن الخطابة باستخدامهم للسجع في الدفاع عن أنفسهم من خلال المفاخرة والاستعراض بما كانوا يشتهرون، وهو الفصاحة والبيان، فهي صفة فطرية، وكذلك كانت تستخدم الخطابة في المجادلة والحوار الشديد والحروب والدفاع عن العرض والمال والنفس والكرامة.

أما الإسلام فقد أولى للخطابة أهمية كبيرة كونها تحقق استجابة عظيمة من قبل الناس، فقد استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطابة في دعوته الناس للإسلام، لا سيما في المناسبات الدينية، فجاء الإسلام يهذب ما كانت عليه الخطابة في الجاهلية فيشربها فكر الإسلام العظيم، فكانت خطبة الجمعة والعيدين، وكان فكرها مستمدًا من مفاهيم القرآن الكريم وأحاديث الرسول الكريم، صلوات ربي وسلامه عليه، فكانت تدعو إلى اتباع الدين والتمسك به، وتدعو للعمل للآخرة، وإعلاء كلمة الحق وإقامة دولته لتطبق أحكام الإسلام بها، وتحذر المسلمين من الانحدار والانزلاق في طرق الشهوات، فوصلت الخطابة إلى أعلى طبقات البلاغة، فكانت أسلوبًا مؤثرًا ومتينًا ومقنعًا، خاصة خطب الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام والتابعين، مثل زياد بن أبيه والحجاج بن يوسف الثقفي وأبي حمزة الشاري .

وهناك بعض الشروط الواجب توفرها لدى الخطيب حتى تكون خطبته ناجعة تحقق الأثر الأكبر في المجتمع  وهي:

1- قدرة الخطيب على استمالة وإقناع الناس، وكذلك الوقار، والصدق، والوفاء، والأمانة، والهمة العالية، والصراحة والوضوح.

2- طلاقة اللسان والتحدث بلباقة دون تعتعة والفأفأة والبعد عن الثرثرة.

3- المعرفة بالقرآن الكريم وعلومه وتفسيره وأحكامه، والمعرفة كذلك بالحديث الشريف.

4- الصوت الحسن والمريح والمقبول دون تكلف وتصنع وتلحين.

5- الجرأة في الكلام وقول الحق، وعدم الخجل أو ضعف القلب، وعدم مجاملة الأنظمة وبيان خطئها.

6- معرفة أحكام الإسلام وخاصة في القضايا المعاصرة.

7- معرفة الواقع السياسي وحكم الشرع فيه.

8- عدم إطالة الخطبة،  فهي خطبة وليست محاضرة جامعية، فخير الكلام ما قل ودل، فأن توجز بخير الكلام أفضل من الإطالة بخير الكلام، وأن تنتهي الخطبة والناس متشوقون لك خير من أن تنتهي والناس ضجرون وكارهون لك، فقد جاء في حديث عمار عند مسلم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرًا”. وكذلك حديث جابر بن سمرة قال: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا. رواه مسلم، والقصد في الصلاة أو الخطبة أي أن تكون الصلاة أطول من الخطبة. وقد ورد عن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة، عن أبي هريرة أنه كان يقرأ سورة الجمعة والمنافقون، وفي حديث النعمان بن بشير كان يقرأ الأعلى وهل أتاك حديث  الغاشية. وحديث ابن عباس بيَّن أنها سورة المنافقين والجمعة. فالأحاديث السابقة تدل على أن أطول صلاة جمعة تقرأ فيها سورة المنافقون والجمعة إضافة لفاتحتين وسجودين وركوعين وتشهد وصلاة إبراهيمية. أما أقصر صلاة للجمعة فجميع ما سبق وباستبدال المنافقون والجمعة بالأعلى والغاشية . وبالتالي يمكن تقدير الصلاة بقراءة السور السابقة، فلا داعي للإطالة.

9- اختيار موضوع مناسب للخطبة، وهو ما يحتاجه الناس من علاج لمشاكلهم، فقد تكون المشكلة في العقيدة فتحتاج ما يركزها من أفكار، أو تكون المشكلة كشفًا لواقع، أو موقفًا سياسيًا، أو تركيزًا لفكر، أو كشفًا وتوضيحًا لفكر خاطئ يبين الحق فيه… فلا بد من اختيار الموضوع الهام والرئيسي وليس الفرعي.

10- بث روح الأمل في الأمة، والمعارك التي انتصر فيها المسلمون.

11- استعمال الأسلوب الخطابي، لا أسلوب الدرس أو المحاضرة أو المقالة أو القصص أو الشعر… مع استخدام الأسلوب الانفعالي  بحسب ما تتطلبه الفكرة.

12- الحرص على تجنب اللحن، فإنه يقبح بالخطيب أن يلحن في كلامه، وأشد قبحًا اللحن في قراءة القرآن على المنبر.

13- عدم رفع اليدين بالنسبة للخطيب عند الدعاء والاكتفاء بالإشارة فقط بسبابته.

14- الهيئة الحسنة.

وهذا نموذج لخطبة الجمعة:

(بسم الله الرحمن الرحيم

1- عنوان الخطبة: زيف وفساد ما يسمى برابطة الوطن.  

2- المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، رب العرش الكريم، ناصر المتقين وهازم الظالمين والكافرين والمنافقين، القائل في محكم كتابه: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١ ويقول جلَّ من قائل: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ ﴾، والصلاة والسلام على النبي المجتبى، محمدٍ صلى عليك الله في علاه يا نور الهدى، صلوات ربي وسلامه عليك يا أيها النبي المصطفى. اللهم صلِّ على سيِّد الورى، محمدٍ وعلى آله وصحبة وسلِّم وبعد.

 3- الموضوع:

 أيها المسلمون، يتقاتل المسلمون اليوم في شتى بقاع الأرض على حدود وضعها الغرب الكافر المستعمر ليفصل بلاد المسلمين بعضها عن بعض: بين اليمن والحجاز، وبين مصر والسودان، وبين إيران والإمارات… نعم، إنها حدود حدَّتها بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سايكس بيكو عندما سقطت الخلافة العثمانية عام 1924م؛ لتجزِّيءَ الأمة وتشطرَها إلى أكثر من 57 دويلة، لكي يسهل على أعدائها النيل من قوتها واقتصادها وفكرها وكل مقوماتها، فتكون لقمة سائغة في فاه هذا الوحش الاستعماري البغيض. وهذا الغرب، لكي يعمل على تثبيت هذه الحدود، أوجد بين شعوب هذه الدول المصطنعة رابطة فاسدة هي ليست برابطة، ولا تصلح لأن تكون ميثاقًا يوثّق بين المسلمين، ولا حتى رابطة تربط بين البشر حينما يسيرون في طريقة النهوض. نعم، إنها رابطة ما يسمى بالوطن، الرابطة الوطنية. لقد خلق الله عز وجل الإنسان، وجعل فيه خواص خاصة به، هي الحاجات العضوية والغرائز. ومن هذه الغرائز غريزة حب الإنسان لبقعة معينة من الأرض بسبب التصاقه بها، فاستُغلت هذه الغريزة من قبل الكفار المستعمرين ليبنوا عليها فكرًا منحطًا، منشؤه غرائزي وعاطفي، وليس فكرًا مبدئيًا كمبدأ الإسلام الحنيف مثلًا، فيصبح حب هذه البقعة من الأرض وهي الوطن، أجَلَّ ما يقدسه أبناء هذه الشعوب، وهي بذلك ترسخ الفرقة والتجزئة والانقسام الذي وضعه الكافر ا لمستعمر، فهي تقسم بلاد المسلمين لقِطَعٍ ودول، والله سبحانه يقول: ﴿وَلَا تَفَرَّقُواْ حيث لكل دولة حدود تفصلها عن غيرها من بلاد المسلمين، وتعتبر ما هو خارجها أجنبيًا، حتى وإن كان من المسلمين، فلا يحق لهذا المسلم الذي تَعدُّه أجنبيًا بالإقامة إلا بإذن ورسوم، وحتى دخوله بتأشيرة، ولا يحق له ما يحق لأبناء البلد من حقوق، حتى الزواج من نساء هذا البلد فهو غير مسموح في بعض البلاد. وكذلك حق الوظيفة والانتخاب غير مصرح به ومحظور. فأيُّ وطنية هذه يدعو لها المسلمون الغافلون؟! في الوقت الذي تتوحد فيه أوروبا ببطاقة، والصين تتوحد بتعداد سكاني يصل إلى أكثر من مليار نسمة بعدد يقرب من عدد سكان بلاد المسلمين، وتتوحد أميركا بولايات هي بعدد قريب من عدد دول وبلاد المسلمين 51 ولاية. نعم، أيها المسلمون، إنها بحق رابطة فاسدة لأسبابٍ شتى. وهي رابطة منخفضة ومنحطة فكريًا، أساسها ليس مبدأ الإسلام، بل أساس غرائزي عاطفي يوجد في الطير والحيوان، ثم إنها عاطفية مشاعرية وليست عقلية تتميز بفكر، ثم إنها مؤقتة تظهر في وقت الحرب، فتجمع بين الوطني والوطني وقت الحرب والمشاكل، أما في السلم فلا أثر لها. فكيف نأمن على أنفسنا برابطة من أبرز صفاتها تجزيء الأمة، وتوجد الفرقة والتعصب، والله عز وجل يذمُّها في كثير من الآيات والأحاديث.

قال تعالى:﴿ وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠٣ فكيف يكون الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق في دول متفرقة زرعها الاستعمار وزرع فيها ما يفرقها، ألا وهي رابطة الوطن بدلًا من رابطة الإسلام الأشمل والأكمل والأوسع. ويقول خير البشر، صلوات ربي وسلامه عليه: “ليس منا من دعا إلى عصبية”، ويقول: “دعوها، فإنها منتنة” إن هذا الحديث كانت له مناسبة، وهي أن يهوديًا  لئيمًا أحبَّ أن يوقع بين الأنصار وهم الأوس والخرزج، الفرقة والضغينة والاقتتال؛ حيث ذكَّرهم فيما كان بينهم من اقتتال أيام الجاهلية، وكيف كانا يتقاتلان، وكيف يقتل بعضهم الآخر،  فتذكَّرا ذلك،  وكانا على وشك الاقتتال لولا أن أنقذهما رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم بمعرفته لغرض هذا الخبيث الذي كان ينوي الإيقاع بين الأوس والخزرج، فعرف الحيلة وكشفها، وقد غضب صلوات ربي وسلامه عليه واحمرَّ وجهه وقال “أبدعوى الجاهلية تبغون وأنا بين ظهرانيكم… دعوها إنها منتنة”  فكان التعصب إلى القوم أو الوطن أو الحزب أو القبيلة أو الجنس أو المذهب حرامًا شرعًا، فلا يجوز هذا لأنه من باب التفرقة التي ذمَّها الشرع ولم يحمدها، وهناك دعوات ضالَّة مضِلَّة تدعو إلى رفع رايات عصبية وعنصرية لما قبل الاسلام، كالدعوة للفرعونية والأشورية والآرامينية والحميرية والسبئية، فهي دعوات باطلة، وروابط ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يجعلها الشرع روابط تصلح لأن تربط بين بني الإنسان حينما يريد أن يسير في طريق النهضة، بل هي روابط تدعو لعصبيات وعنصريات ومشاكل. نعم، فقد كان رسول الأمة حاضرًا بين الأوس والخزرج، فأنقذهم من الوقوع في الكارثة العظمى، وهي ضرب المسلمين رقاب بعضهم بعضًا. فمن ينقذنا نحن اليوم من التفرقة والتشرذم والاقتتال؟ أليست أوامر الله ونواهيه من الآيات والأحاديث، أي أحكام الشرع،  هي التي تنقذنا من كل مشاكل الحياة؟.

إن محمدًا صلى الله عليه وسلم وحَّد المسلمين باختلاف أعراقهم وأجناسهم في دولة واحدة، هي دولة الإسلام، فبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وعلي القرشي، وسلمان الفارسي، وعمر العربي، لم تكن لكل واحد منهم دولة أو راية، كما هو حالنا اليوم: فأن يكون لكل دولة حدود وعلم وجوازات وقوانين وضعية فليست من الإسلام في شيء، لا من قريب ولا من بعيد. نعم، بل كان لهم راية واحدة هي راية العقاب، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. عاش عليها ومات سيد البشر. ولو تساءلنا: ما معنى أن يكون لبلاد المسلمين قرابة 57 راية، أحمر وأخضر وأصفر وأسود وأبيض؟ أليس معناه التفرق والتشرذم؟ أليس معناه أن لكل دولة شعبًا يوالي ويدافع ويحب ويتعصب… لهذا العلَم، ويقاتل من بجانبه من أجل هذه الراية العمياء، ومن أجل هذا الحاكم الذي زرعه الكافر المستعمر؟! وما معنى أن تكون لنا راية واحدة، راية الحق، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ ألسنا أمة واحدة من دون الناس، يجير أعلاهم أدناهم، والعكس صحيح، ومعناه أيضًا أن عقيدتنا واحدة هي عقيدة الإسلام، هي راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن حقوقنا وواجباتنا واحدة دون تمييز، ولا كرامة إلا للتقوى؟. أليس معناه أن لنا إلهًا واحدًا، وكتابًا واحدًا، ورسولًا واحدًا؟. أليس معناه سلمنا واحدة وحربنا واحدة؟ أليس معناه أن اقتصادنا وحكمنا وسياستنا وتعليمنا وثقافتنا وقضاءنا وتطبيبنا وقضاءنا وجيشنا وكل مصالحنا واحدة لا تتجزأ؟.

4- العلاج:

أيها المسلمون، في نهاية هذه الخطبة نؤكد لكم:

 

إن الرابطة الحق هي رابطة المبدأ الصحيح، وإن مبدأنا هو الإسلام، وهي رابطة لا إله إلا الله محمد رسول الله التي كان يحملها رسول الرحمة صلوات ربي وسلامه عليه.

نبذ كل رابطة غير رابطة الإسلام، كرابطة الوطن والقومية والمصلحية والروحية؛ لأنها روابط ناقصة، فكرها منحطٌّ من وضع بشر، ليست مثل رابطة مبدأ الإسلام الذي هو من عند الله.

نبذ كل فكر خاطئ كفكر الوطنية والجمهورية والديمقراطية… فكلها أفكار رأسمالية دخيلة على الإسلام،  ونشر فكر الإسلام المنقذ، ليس فقط للمسلمين، بل للبشرية جمعاء، قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ
إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧.

هذا ألا وصلُّوا على من أُّمرنا بالصلاة عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾.

5- الدعاء:

اللهم ردنا إليك ردًا جميلًا، اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عنا، واغفر لنا خطايانا، واختم بالصالحات أعمالنا، اللهم ووحِّد بلاد المسلمين، وأقم دولة الإسلام التي وعدتنا بها في محكم كتابك، يا من قلتَ، وقولُك الحقُّ: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥﴾ وبشَّرتنا بها على لسان رسولك، دولةً توحِّد بها القلوب والعقول، وتزيل بها الحدود، وتنقذ وتنقل الناس من عذابات الرأسمالية إلى رحمة الإسلام، إنك سميع قريب.

 إن الله يأمركم بثلاث، وينهاكم عن ثلاث، إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهاكم عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون…. أقم الصلاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *