العدد 295-296-297 -

العدد 295-296-297 – السنة السادسة والعشرون، شعبان ورمضان وشوال 1432هـ

“الدولة المدنية والدولة الإسلامية”

الدولة المدنية والدولة الإسلامية

إعداد كتلة شباب الوعي – اليمن

كان اندلاع الاحتجاجات الغاضبة والاعتصامات الحاشدة دلالة واضحة وصريحة على الصحوة الإسلامية المتدفقة بالمشاعر الإسلامية، ولكن لأسف رحنا نسمع مطالبة بالديمقراطية والدولة المدنية الني تقوم على إطلاق الحريات العامة بدل الدعوة إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية التي حكمت العالم طيلة ما يقارب 14 قرنًا من الزمان، وكانت الدولة الأولى وصاحبة الحضارة الأرقى، فما هو الفرق بين الدولة المدنية والدولة الإسلامية؟

أولاً: الدولة المدنية في التراث الإسلامي:

إن المدقق في الكتب السابقة التي تتحدث عن الأحكام السلطانية أو السياسة الشرعية لا نجد لهذا المصطلح وجودًا مع أن مفرداته: (الدولة) و(المدنية) هي من مفردات لغتنا، مما يتبين معه أن المصطلح مستورد من بيئة غير بيئتنا، وهذا في حد ذاته ليس عيبًا لو أنه كان لا يحمل مضمونًا مخالفًا لما هو مقرر في ديننا.

وعليه فإن محاولة البحث عنه في تراثنا لن تجدي شيئًا، وعلينا أن نبحث عن معناه في البيئة التي وردت إلينا، ثم ننظر في معناه في تلك البيئة: هل يناسب ديننا فنقبله، أم يتعارض مع ديننا فنرفضه؟

وبما أن الدولة المدنية مصطلح نشأ في الغرب أساسًا، فلا بد قبل أن نسعى إلى تطبيقها على واقعنا، أو نقرر رفضها أو قبولها اجتماعيًا ودينيًا، أن نستوعب معانيها كما هي في الثقافة التي أنشأتها،وأي منها يتعارض مع الإسلام وأي منها يتفق معه.

لكن عدم وجود المصطلح نفسه في تراثنا لا يعني أن المضمون الذي يحمله لم يكن موجودًا أيضًا. فالدولة تعني في اللغة: الغلبة، والغلبة يترتب عليها سلطان للغالب على المغلوب، ومن هنا يمكنا لقول إن العامل الأساس في تعريف الدولة هو السلطان أو السلطة، فإنه راجع إلى أصلها اللغوي، وفي كثير من كتب القانون الدستوري يعرفون الدولة عن طريق بيان أركانها دون الحديث عن ماهيتها.

ونجد أن ابن خلدون يفرق بين سياسة عقلية وهي الأشبه بالدولة المدنية، وبين السياسة الدينية، فكانت الدولة عنده ثلاثة أنواع:

1- دولة قائمة على حمل الناس على مقتضى الغرض والشهوة (وهي ما يمكن أن نطلق عليه الدولة المستبدة أو الديكتاتورية).

2- ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار (وهي ما يمكن أن نطلق عليه الدولة المدنية).

3- ودولة قائمة على حمل الناس على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها (وهو ما يمكن أن نطلق عليه الدولة الإسلامية الخلافة).

ثانيًا: الدولة المدنية في الثقافة الغربية:

إن الدولة المدنية مفهوم مترجم ومعرب من الثقافة الغربية الحديثة، ويقصد به الدولة التي تستقل بشؤونها عن هيمنة وتدخل الكنيسة، فالدولة المدنية هي التي تضع قوانينها حسب المصالح والانتخابات والأجهزة والتي في نفس الوقت لا تخضع لتدخلات الكنيسة. ومنهم من يقول إنها هي الدولة التي تقوم على المواطنة وتعدد الأديان والمذاهب وسيادة القانون. ومنهم من يقول إنها هي الدولة التي يحكم فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد. ومنهم من يقول إنها دولة المؤسسات التي تمثل الإنسان بمختلف أطيافه الفكرية والثقافية والأيديولوجية داخل محيط حر لا سيطرة فيه لفئة واحدة على بقية فئات المجتمع الأخرى، مهما اختلفت تلك الفئات في الفكر والثقافة والأيديولوجيا.

ويمكن أن نلخص تعريف الدولة المدنية من خلال عناصرها (فطبيعتها تتخلص في وجود: دستور يعبر عن قيم ومعتقدات وأعراف المواطنين في الدولة، وفي الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية – القضائية – التنفيذية)، وفي اكتساب الحقوق على أساس المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب المذهب أو الطائفة أو الثقافة أو العرف، وفي كفالة الإنسان والحريات الأساسية واحترام التعددية والتنوع).

فمن خلال هذه التعاريف يتبين أن هناك عناصر للدولة المدنية، منها:

1- وجود دستور مكتوب: والدستور هو أعلى وثيقة قانونية في الدولة، وهو المرجعية النهائية لجميع القوانين والأنظمة، فكل ما خالفه من أفعال أو تصرفات هو باطل، وقد يختلف الناس في شأن تدوين الدستور، ما الأساس الذي يدون عليه الدستور؟ هل هو الكتاب والسنة؟ أو الأساس هو العقل والمصلحة والخبرة والتجارب…؟

2- إمكانية تداول السلطة: أي الحكومة بما لها من حقوق وما عليها من واجبات وتبعات، والمشكلة الجوهرية مع أنصار الدولة المدنية في هذه المسألة تكمن في الشروط والصفات التي ينبغي توفرها فيمن يولى الأمر، وليس في تداولها، فهل من شروط الحاكم عندهم أن يكون مسلمًا، أم يجوز أن يكون كافرًا شقيًا ما دام أنه يتمتع بصفة المواطنة؟ وهل يشترط عندهم أن يكون رجلاً أم يجوز أن تكون امرأة؟

تنبع أهمية الحديث عن تداول السلطة عند كثيرين من أن السلطة في عرفهم صارت مغنمًا من المغانم وليست مغرمًا، لذلك يطالبون بنصيبهم من هذا المغنم، ورضي الله عن سيدنا عمر عندما رفض أن يعهد بالأمر من بعده لابنه عبدالله، وقال: “لا أتحملها حيًا وميتًا”، والتداول لا يمثل قيمة جوهرية في الفقه السياسي الإسلامي، وإنما القيمة تكمن في قدرة ولي الأمر على القيام بمهامه على الوجه الأحسن، فإذا كان ولي الأمر قائمًا بما يجب عليه، محققًا للمقصود من نصبه من غير إخلال أو تقاعس عن القيام بمهامه وواجباته، فليس هناك معنى معقول لإخراجه عن السلطة بزعم تداولها، وفي الجهة المقابلة فإنه متى تقاعس ولي الأمر عن القيام بواجباته، ولم يكن نصبه محققًا للغرض المقصود منه فإن الشريعة لا تأمر بالإبقاء عليه واستمراره في منصبه بل يوعظ وينصح ويوجه، فإن استقام وإلا فالعزل طريقه.

3- الاعتراف بالآخر.

ما المراد بالاعتراف به؟ الاعتراف بوجوده، أم الاعتراف بحقوقه التي كفلتها له الشريعة، أم الاعتراف بواجباته التي أناطتها به الشريعة، أم الاعتراف بأنه على دين يخالف دين الإسلام، أم الاعتراف بأن له الحق في أن يدعو بين المسلمين إلى دينه، وأنه يحق له إقناعهم بالتحول إليه؟

ونقول: الاعتراف بالموجود لا حاجة له، فنفس وجوده دليل عليه، وهذا من البدهيات ولا يحتاج إلى اعتراف، وأما الاعتراف بحقوقه وواجباته وفق الشريعة فلم يعارض في ذلك أحد ممن يؤخذ عنه العلم، ولا ينبغي أن يعارض في ذلك أحد. وأما الاعتراف بأنه على غير دين الإسلام فهذا من أساسيات الإسلام. فكل من لم يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فهو على غير دين الإسلام.

ما بقى إلا شيء واحد وهو أن يكون الاعتراف بالآخر يعني الاعتراف بحقه في أن يدعو المسلمين إلى دينه وأن يكون له الحق في أن يتمتع بكامل الحقوق التي يتمتع بها المسلمون ومنها أن يكون حاكمًا، لكن نحن نسألكم: هل هناك أدلة تدل على ذلك؟ وإذا لم تكن هناك أدلة تدل على ذلك، بل كانت الأدلة تدل على عكسه، كانت المطالبة به على أساس أنه من مواصفات الدولة المدنية قدحًا في تلك الدولة، لأنها تقوم على مخالفة الشرع.

4- قبول الديمقراطية:

فكرة الديمقراطية التي هي أساس هذه الدولة، وفكرة الديمقراطية تقوم على أن:

– السيادة للشعب

– الشعب مصدر السلطات (التشريعية – القضائية – التنفيذية).

– إطلاق الحريات الأربع (حرية العقيدة – حرية التملك – حرية الرأي – الحرية الشخصية).

إن قيام الديمقراطية على الأكثرية هو أكذوبة، فلقد أثبتت حوادث الأيام أن الديمقراطية في تلك الدول التي تزعم ريادتها في هذا المجال مجرد شعار أجوف، فلقد شنت أمريكا الدولة الديمقراطية ومعها بريطانيا الدولة الديمقراطية الأخرى، وبالتحالف مع عدة دول ديمقراطية أيضًا، حربًا ظالمة على العراق بزعم وجود أسلحة دمار شامل في ذلك البلد، ثم تبين بعد ذلك أن هذه الأخبار كانت ملفقة، حتى إن وزير الخارجية الأمريكي السابق (كولن باول) اعترف بذلك، فماذا كانت النتيجة: هل اعترفت أمريكا وبريطانيا وذيولهما بالخطأ وندموا على ما فعلوا وقدموا تعويضات لهذا الشعب الذي قتل منه بسبب هذه الحرب الهمجية أكثر من مليون مسلم.

لقد اعترضت طوائف كثيرة من شعوبهم على تلك الحرب الأخلاقية فما أصغوا إليهم فأين الديمقراطية؟ ثم أين سيادة القانون التي يدعونها، وهم قد خالفوا القانون الدولي الذي يلزمون به الدول الأخرى؟

5- الحفاظ على حقوق الإنسان:

الناس لهم حقوق كثيرة كفلتها لهم الشريعة وينبغي أن يمكنوا منها، ولا يجوز لأحد أن يحول بينهم وبين حقوقهم التي منحها الله لهم، ولا يفعل ذلك إلا جبار عنيد، فالحقوق ممنوحة من الله تعالى لم تمنحها الطبيعة ولم يمنحها الحاكم، وفي هذا أعظم صيانة لهذه الحقوق. ومن هذه الحقوق أن الكافر لا يكره أحدًا على الدخول في دين الإسلام، بل يعرض عليه الإسلام، فإن قبله ونطق بالشهادتين دخل في الإسلام، وإن أبى وأصر على البقاء على دينه فلا يكره ولا يجبر على تغييره.

لكن هل من الحقوق أنه يجوز للمسلم أن يغير دينه إلى اليهودية أو النصرانية أو إلى لا دين؟ هذا محل خلاف بيننا وبين دعاة الدولة المدنية، هم يرون ذلك حقًا له، ونحن نقول غير ذلك.

6- السماح بالحريات:

إن الدولة المدنية التي تقبل فكرة الديمقراطية يوجد عندها إطلاق الحريات أي ما يسمى بالحريات العامة:

فهناك الحرية الشخصية، وحرية التملك، وحرية العقيدة، وحرية الرأي، فلكل إنسان أن يفعل ما يشاء، ولذلك لا توجد عقوبة على الزنا بل لا يجوز أن توضع عقوبة على الزنا لأن وضعها يعتبر تدخلًا في الحرية الشخصية. ولكل إنسان أن يملك بأي وسيلة، أي شيء يريد. ولكل إنسان أن يعتنق العقيدة التي يريدها، وأن يقول الرأي الذي يراه، وهذا خلاف الإسلام، فإن الإسلام لا توجد فيه حرية بمعنى عدم التقيد بشيء عند القيام بالأعمال، بل الإسلام يقيد المسلم بالأحكام الشرعية، فكل عمل من أعمال المسلم يجب أن يتقيد به بالأحكام الشرعية.

وما يسمى بالحريات العامة والسماح بها لا وجود له في الإسلام. فأما ما يسمى بحرية الرأي فإن الإسلام أباح للمسلم أن يقول الرأي الذي يراه ما لم يكن إثمًا، وأوجب قول الحق في كل مكان وكل زمان، ففي حديث عبادة بن الصامت في بيعتهم للرسول صلى اله عليه وسلم: «وَأَنْ نَقُولَ الْحَقَّ حَيْثُمَا كُنَّا، لا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ» أحمد. وأوجب مجابهة الحكام بالرأي ومحاسبتهم على أعمالهم، قال صلى اله عليه وسلم: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ» أخرجه الحاكم وهذا ليس حرية رأي بل هو تقيد بأحكام الشرع وهو إباحة قول الرأي في حالات، ووجوبه في حالات، فلا توجد حريات في الإسلام اللهم إلا الحرية بمعنى تحرير الرقيق من الرق.

نقول لدعاة الدولة الدنية والمبشرين بها:

– هل ما تذكرونه عن الدولة المدنية من حيث معناها وعناصرها، دل عليه ديننا وشريعتنا بأي نوع من الدلالات المعتبرة عند أهل العلم؟ فإن قلتم: نعم دل على ذلك! قلنا: أين هي النصوص التي تتحدث عن ذلك وما وجه دلالتها؟ وإن قلتم: لم تدل على ذلك النصوص وإنما دلت على خلافه، قلنا: لا حاجة لنا فيما يخالف شرعنا. وإن قلتم: إن النصوص لم تدل على اعتباره كما أنها لم تدل على إلغائه، فاجتهدنا نحن في ذلك من باب المصالح المرسلة، قلنا: أنتم لستم من أهل الاجتهاد، فليست لكم أية دراسات مقدرة في الشريعة، وكل علم له رجاله المتخصصون فيه، وهذه بدهية من بدهيات العلوم، ومن تكلم في غير فنه أتى بالأعاجيب. وإن قلتم: نحن لا يعنينا الاتفاق أو الاختلاف مع الأحكام الشرعية، والذي يهمنا هو ما نرى فيه المصلحة، قلنا: إذن، فقد خلعتم بذلك ربقة الإسلام من أعناقكم.

– أنتم في ظاهركم تقرون وتعترفون أن الله تعالى – هو خالق هذا الكون العجيب بسماواته العظام وأراضيه الشاسعة، وخلق الحياة كلها، والذي أحكم هذا الكون إحكامًا يحار فيه أولو الألباب، مقرين بعلم الله تعالى وحكمته وعظمته أفتستكثرون على الله تعالى أن ينزل على عباده ما يهديهم في شؤون حياتهم، أم تظنون أن الله تعالى- خلق الخلق ورزقهم من المال والبنين، ثم تركهم يديرون حياتهم بغير هداية منه ورشاد؟ ألم يقل الله تعالى منكرًا على من يريد أن يستقل ويضع بنفسه ما يحكم به مجتمعه، ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ

– ما الذي يدعوكم للمطالبة بالدولة المدنية؟ وما المكاسب التي ترونها في التمسك بالدولة المدنية، وهي ليست في الدين؟ وهل هناك ما يدعو إلى استخدام هذا الاسم المشتمل على قضايا مقبولة، وقضايا تتعارض مع الدين؟ ولماذا العدول عن اسم الدولة الإسلامية أو الشرعية؟ ما الذي تنقمونه من الدولة الإسلامية، هل تشتمل على قضايا غير مقبولة؟ إن كانت هناك ممارسات غير مقبولة وقعت من بعض المسلمين أو حكامهم؛ فهل هي مقبولة إسلاميًا؟ بمعنى آخر: هل هي من نواتج التمسك بالإسلام أو من نواتج البعد عنه والخروج عليه؟ وإذا كانت من نواتج البعد عنه والخروج عليه؛ فلماذا تلصقونها به، وتحملونه ما هو منه بريء؟

– هناك من يحاول أن يبين أن الدولة المدنية هي دولة المؤسسات، وأنها لا تعارض الدين ولا تعاديه… إذا قلتم هذا؛ فلماذا تأبون وصفها بدولة إسلامية، ولماذا التركيز على أنها دولة مدنية، وهل كانت الدولة التي أقامها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دولة مدنية أم دولة إسلامية؟ وكذلك الدولة التي أقامها خلفاؤه من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.

ثالثًا: الدولة الإسلامية:

إن الدولة الإسلامية هي دولة عالمية وهي رحمة للعالمين، وهي كيان سياسي تنفيذي لتطبيق الإسلام، فهي ترعى الشؤون، وتُقيم الحدود، وتحمي الثغور، وتؤمن المسلمين في كل مكان، وتحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد، لأنها دولة مبدئية تقوم على فكرة العقيدة الإسلامية وهذه الدولة الإسلامية تختلف عن الدولة المدنية الديمقراطية وعن الدول الموجودة من حيث أسسها وقواعدها وأنظمتها وأركانها ومميزاتها.

Ÿ الدولة الإسلامية هي الخلافة:

وهي رئاسة عامة لجميع المسلمين في الحياة الدنيا، لتطبيق الشرع الإسلامي، وحمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد.

Ÿ قواعد الدولة الإسلامية

تقوم الدولة الإسلامية على قواعد أربع هي:

أولاً: السيادة في الدولة الإسلامية للشرع فقط. فالذي يُسّير إرادة الفرد والأمة والحاكم في هذه الدولة هو الشرع، وليس العقل أو رأي الأكثرية، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً[ فالذي يُسّير الدولة والأمة هو الشرع الذي جاء به محمد صلى اله عليه وسلم من عند الله، فهو المرجع الوحيد في الأفعال والأشياء وفي فضّ المنازعات بين الفرد والفرد، أو بين الحاكم والرعيّة، أو بين الدولة وغيرها من الدول والشعوب. والحاكم في هذه الدولة تُبايعه الأمة على كتاب الله وسنة رسوله، ليُنفذ أوامر الله ونواهيه عليها، أي ليُنفذ الشرع، فإن هو حاد عن الشرع حاسبوه حتى يعود إليه، وإن أظهر الكفر البواح قاتلوه، وإن خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع قاتلهم حتى يرجعوا إليه. فالأمة والفرد والحاكم يخضعون للشرع، ومن هنا كانت السيادة للشرع وليست للشعب أو للعقل. فالشرع هو المحرك والمسيّر لكل: أمر في دار الإسلام، قال تعالى: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[.

ثانيًا: السلطان في الدولة الإسلامية للأمة:

فالأمة هي التي تملك السلطان، أي القوة والحكم، والحكم هنا بمعنى تنفيذ الحكم الشرعي. إلا أن الله سبحانه وتعالى شرع طريقة لتنفيذ الشرع وهي الدولة المتمثلة بالخليفة، حيث تبايع الأمة الخليفة لينوب عنها في تطبيق الشرع وحمله إلى العالم، مستندًا إلى قوتها الفكرية والمادية. قال صلى اله عليه وسلم: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» متفق عليه، وقال صلى اله عليه وسلم مخاطبًا الأمة صاحبة السلطان: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ» مسلم، وهذا السلطان يصبح بيد الخليفة ما دام ملتزمًا بالشرع، يُنفذ به أحكام هذا الشرع في الداخل والخارج، كتطبيق الحدود، وحماية الثغور، وحمل الدعوة بالجهاد إلى الناس كافّة.

ثالثًا: وجود خليفة واحد للمسلمين (أي دولة واحدة فقط):

إذ يحرم على المسلمين أن يكون لهم أكثر من خليفة واحد، قال صلى اله عليه وسلم: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا« مسلم، وعن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» مسلم، وقال صلى اله عليه وسلم: «فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» مسلم.

وقد أجمع الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى اله عليه وسلم على هذا الحكم، وهو وحدة الخلافة، فعندما عرض الأنصار على المهاجرين قائلين منا رجل ومنكم رجل»، قال عمر بن الخطاب t: “سَيْفَانِ فِي غِمْدٍ وَاحِدٍ، إِذًا لَا يَصْطَلِحَانِ” وقال أبو بكر: “إِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ أَمِيرَانِ”، ثم أجمع الصحابة على مبايعة خليفة واحد لرسول الله صلى اله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق.

رابعًا: للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية فيما له علاقة برعاية شؤون الرعية.

فإذا تعددت الاجتهادات الشرعية في المسألة الواحدة، فهو المسؤول أمام الله، وتُجاه المسلمين عن تبنِّي حكم شرعي من هذه الاجتهادات، الذي يغلب على ظنه أنه الصواب لتطبيقه. وقد تبنَّى أبو بكر في خلافته أحكامًا شرعية ألزم الناس العمل بها، وتبنَّى من بعده عمر وعثمان وعلي في خلافتهم أحكامًا أخرى ألزموا الناس العمل بها، ولم ينكر عليهم أحد من الصحابة ذلك، فكان إجماعًا من الصحابة على أنّ للخليفة أن يتبنى أحكامًا معينة يُلْزِمُ الناس العمل بها، وقد استنبطت قواعد شرعية مشهورة في ذلك، مثل: “لِلسُّلطَانِ أَنْ يُحدِثَ مِنَ الأَقضِيَةِ بِقَدْرِ مَا يَحدُثُ مِنْ مُشكِلَاتٍ“، ومثل: “أَمْرُ الإِمَامِ يَرفَعُ الخِلَافَ” ومثل: “أَمرُ الإمام نافذ ظاهرًا وباطنًا” فالمسلم ينفذ أمر الإمام فيما يتعلق بسلوكه الظاهر بينه وبين الدولة وبينه وبين الناس، وكذلك في سلوكه المخفي عن الدولة. ومع ذلك يجوز لأي مسلم، إن اقتنع بصواب اجتهاد معين يخالف ما تبناه الخليفة، أن يُعلمّه للناس وأن يدعو له، وذلك لأنّ إجماع الصحابة يدل على لزوم العمل بما تبناه الخليفة، وليس التعليم والدعوة لما تبناه الخليفة، فأبو بكر كان يوزع المال على المسلمين بالتساوي في خلافته، بينما كان عمر يرى غير ذلك، وقد ناقش أبا بكر في هذا الحكم، ولكنه خضع عمليًا لما تبناه أبو بكر، وعندما صارت إليه الخلافة، طبق ما كان يتبناه هو. فتبنِّي الخليفة مُلزم في العمل وغير ملزم في الدعوة.

Ÿ جهاز الحكم في الدولة الإسلامية

وللدولة الإسلامية جهاز تنفيذي خاص بها، أسسه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المدينة المنورة، والتزم به خلفاؤه الراشدون من بعده، ثم أقام معظمه الخلفاء المسلمون من بعدهم، إلى أن هُدمت دولة الخلافة عام 1924م.

ويتكون هذا الجهاز من: 1-الخليفة 2- المعاونين (وزراء التفويض) 3- وزراء التنفيذ 4- الولاة 5- أمير الجهاد (الجيش) 6- الأمن الداخلي 7- الخارجية 8- الصناعة 9- القضاء 10- الجهاز الإداري (مصالح الناس) 11- بيت المال 12- الإعلام 13- مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة).

فهذه هي أجهزة الدولة الإسلامية وهي ثلاثة عشر جهازًا، لكل واحد منها أدلته، وسنكتفي بشرح الجهاز الأول للدولة وهو الخليفة:

– الخليفة: هو الذي ينوب عن الأمة في الحكم والسلطان وفي تنفيذ أحكام الشرع، ذلك أن الإسلام قد جعل الحكم والسلطان للأمة، تنيب فيه من يقوم به نيابة عنها، وقد أوجب الله عليها تنفيذ أحكام الشرع جميعها، وأن الخليفة ينصبه المسلمون، لذلك فإنه لا يكون خليفة إلا إذا بايعته الأمة، فبيعتها له بالخلافة جعلته نائبًا عنها، وانعقاد الخلافة له بهذه البيعة أعطاه السلطان، وأوجب على الأمة طاعته، ولا يكون من يلي أمر المسلمين خليفة إلا إذا بويع من الأمة أو من أهل الحل والعقد بيعة انعقاد شرعية بالرضى والاختيار، وكانت شروط انعقاد الخلافة متوفرة فيه وهذه الشروط هي أن يكون مسلمًا، رجلاً، بالغًا، عاقلاً، عدلاً، حرًا، قادرًا من أهل الكفاءة والقدرة.

هذه شروط الخليفة الذي يتولى أمر المسلمين، ولابد أن يبادر بعد انعقاد الخلافة له بتطبيق أحكام الشرع.

وطريقة نصب الخليفة معروفة ولها أدلتها من الكتاب والسنة وهي البيعة، والإجراءات العملية لتنصيب الخليفة وبيعته تأخذ أشكالاً مختلفة، وكذلك هناك الأمير المؤقت إذا خلا المسلمون من الخليفة، وكيفية البيعة وألفاظها، وعزل الخليفة متى يكون، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بهذا الموضوع.

وفي الإسلام لابد من وحدة الخلافة، أي يجب أن يكون المسلمون جميعًا في دولة واحدة، وأن يكون لهم خليفة واحد لا أكثر ويحرم شرعًا أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة.

وجهاز الحكم في الدولة الإسلامية هو جهاز خاص بدولة الخلافة، يختلف عن الأجهزة التنفيذية في الأنظمة الوضعية التي سبقت الدولة والتي جاءت بعدها. ومما يميّز دولة الخلافة ونظام الإسلام عن سائر الدول والأنظمة، ويجعل لها خصائص ومميزات تُعرف بها:

1- ليس لدولة الخلافة حدود ثابتة تقف عندها ولا تتعداها، لأنها مكلفة شرعًا بوجوب حمل الإسلام إلى الناس كافة وتطبيقه عليهم، سواء أسلموا أم لم يسلموا، فحدودها منذ أن أنشأها رسول الله صلى اله عليه وسلم في المدينة المنورة حدود متحركة، تضم إليها أرض كل من خضعوا لها، سلمًا كان أم حربًا، وترعاهم بأحكام الإسلام، ليصبحوا جزءًا لا يتجزأ منها، قال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا[. وقال تعالى: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [وقال صلى اله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا» متفق عليه.

وحدود هذه الدولة مفتوحة لجميع المسلمين وحاملي التابعية، يدخلون إليها ويخرجون منها متى أرادوا، ولهم حق حمل تابعية الدولة، إلا ما استثناه الشرع من حالات.

2- الدولة الإسلامية تلتزم بأحكام الإسلام في سياستها الداخلية والخارجية، ويحرم عليها التحاكم إلى غيره كالعلمانية أو الديمقراطية، أو قوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن. فيحرم عليها أن تكون عضوًا في هذه المنظمة ولو ليوم واحد، فإن فعل الخليفة ذلك، حاسبته الأمة وأنكرت عليه بالطريق الشرعي، حتى يرجع عن ذلك، وتلتزم الدولة في علاقاتها الدولية بالحكم الشرعي، كعدم قتل الرسل والأسرى، وكالوفاء بالمعاهدات التي تُبرمها مع غيرها من الدول.

3- الدولة الإسلامية دولة بشرية وليست دولة إلهية:

الدولة الإسلامية هي الخلافة، وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعًا في الدنيا، والخلافة هي لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، بالأفكار التي جاء بها الإسلام والأحكام التي شرعها، ولحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، بتعريفهم الإسلام ودعوتهم إليه، والجهاد في سبيل الله.

وهي منصب دنيوي، وليست منصبًا أخرويًا، وهي موجودة لتطبيق دين الإسلام على البشر، ولنشره بين البشر، وهي غير النبوة، فالنبوة منصب إلهي يعطيها الله لمن يشاء، يتلقى فيها النبي أو الرسول الشرع من الله بواسطة الوحي، بينما الخلافة منصب بشري يُبايع فيه المسلمون من يشاؤون ليطبق عليهم الإسلام.

 وهي دولة بشرية، من يتولاها هم بشر وليسوا أنبياء، ويقع عليهم ما يقع على البشر من خطأ أو نسيان.

4- تسمح الدولة بإقامة أحزاب سياسية على أساس الإسلام فقط لتقوم بأعمال سياسية وفكرية، كمحاسبة الخليفة، والدعوة إلى أفكار إسلامية تتبناها هذه الأحزاب، غير التي يتبناها الخليفة، لأن إقامة أحزاب سياسية على أساس الإسلام، فرض على الكفاية، لقوله تعالى: ]وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ فتكون الأوصاف الواردة بالمعروف والنهي عن المنكر، هي مقومات الحزب السياسي في الإسلام. لذلك يحرم أن يتكتل المسلمون على غير أساس الإسلام، كالوطنية أو القومية أو الاشتراكية أو غيرها، لقوله تعالى: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[، ولقوله صلى اله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ»

5- يحرم على الدولة الإسلامية أن تجعل سلطانًا للكفار على المسلمين فيها، كانضمامها إلى أحلاف عسكرية، أو عقدها معاهدات سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو غيرها، يكون السلطان فيها للكفار على المسلمين، لقوله تعالى: ]وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا[ ويجب أن تعمل منذ قيامها للاكتفاء الذاتي في اقتصادها، وأن تعمل على اقتعاد مركز الدولة الأولى في العالم، كما دلّت على ذلك أفعال الرسول صلى اله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من تابعة وعميلة، تحمل الإسلام إلى الناس كافة، لتخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، ومن شقاء الأنظمة الوضعية إلى عدل الأحكام الشرعية.

6- اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الدولة الإسلامية، فهي اللغة الرسمية للتخاطب محليًا ودوليًا، وهي لغة التثقيف والتعليم والإعلام، ويرجع إلى نصوصها ومدلولاتها في حال حصول خلاف على نصّ من نصوص المعاهدات والاتفاقيات بين الدولة وغيرها من الدول. وهذا واجب شرعي، لأنها لغة القرآن والسنة، ولا يتم الاجتهاد في نصوصهما ومعرفة الأحكام منهما إلا باللغة العربية.

7- الحياة العامة في الدولة الإسلامية خاضعة كلها لأحكام الإٍسلام، فلا يسمح فيها لأيّ مظهر جماعي غير إسلامي، كعيد الميلاد، ولا يسمح لأيّ فرد فيها، سواء أكان فردًا من الرعية أم معاهدًا، أن يخالف أحكام الإسلام في الحياة العامة في لباسه وسلوكه، وإن لم يكن مسلمًا. فالدار دار إسلام، والحياة العامة فيها حياة إسلامية. أمّا في الحياة الخاصة فقد أجاز الإسلام لغير المسلمين، أن يقوموا بأعمال لا يجوز لهم أن يقوموا بها في الحياة العامة الإسلامية، كشرب الخمر، وأكل الخنزير، والاحتفال بأعيادهم، والقيام بشعائرهم الدينية.

هذه الأسس والمميزات لدولة الخلافة المستنبطة من الأدلة الشرعية، يجب أن تكون مدركة وواضحة لدى المسلمين، لكي يستطيعوا الحكم على أيّة دولة تدّعي أنها دولة إسلامية، ولكي لا يُخدعوا بالمسميات والشعارات التي تخالف المضمون الشرعي، فليس ما لا يخالف الإسلام من الإسلام، وليس ما يوافق الإسلام من الإسلام، وإنما كلما يُستنبط أو يستند إلى القرآن والسنة هو من الإسلام.

إن الدولة الإسلامية هي دولة تستأنف الحياة الإسلامية عن عقيدة، وتطبق الإسلام في المجتمع بعد أن يكون متغلغلا في النفوس متمكنًا من العقول، وتحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم.

إن الدولة الإسلامية ليست خيالاً يداعب الأحلام، لأنها قد امتلأت بها جوانب التاريخ في مدى ثلاثة عشر قرنًا، فهي حقيقة، كانت في الماضي، وتكون كذلك في المستقبل القريب إن شاء الله لأن عوامل وجودها أقوى من أن ينكرها الزمان، أو يقوى على مصارعتها، وقد امتلأت بها اليوم العقول المستنيرة، وهي أمنية الأمة الإسلامية المتعطشة لمجد الإسلام.

إن الدولة الإسلامية ليست رغبة تستأثر بالنفوس عن هوى، بل هي فرض أوجبه الله على المسلمين، وأمرهم أن يقوموا به، وحذرهم عذابه إن هم قصروا في أدائه. وكيف يرضون ربهم والعزة في بلادهم ليست لله ولا لرسوله ولا للمؤمنين؟! وكيف ينجون من عذابه وهم لا يقيمون دولة تجهز الجيوش

وتحمي الثغور وتنفذ حدود الله, وتحكم بما أنزل الله؟!

لذلك كان لابد أن نطالب ونقيم دولة إسلامية، لا دولة مدنية ديمقراطية ولا دولة جمهورية ديمقراطية. ولا دولة مستبدة وإنما دولة إسلامية تكون «خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة».

قال صلى اله عليه وسلم: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيًّا فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ» أخرجه أحمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *