العدد 295-296-297 -

العدد 295-296-297 – السنة السادسة والعشرون، شعبان ورمضان وشوال 1432هـ

حزب التحرير قارئ وصانع جيد للتاريخ

حزب التحرير قارئ وصانع جيد للتاريخ

أحمد المحمود

مرت الأمة الإسلامية بطور من الضعف بلغ مداه بهزيمة الــ 1967. إذ أوصل التآمر الغربي مع الحكام العملاء الخونة إلى هزيمة مدوية لعدد من الدول العربية في أيام معدودات، وسقط معها بفعل الصراع الدولي المحتدم عبد الناصر وفكره الناصري وكل فكر قومي، وظهرت على الأمة مظاهر الضياع والانهزام بكل ما تحمله من معانٍ. ولكن في هذه الأثناء، وجد من يقول، متشربًا روح الأمل من إدراكه العميق للواقع وفهمه الدقيق للشرع، إن هذه هي نهاية القعر… وإنه لم يبق للأمة سوى إسلامها لترتفع به من جديد أنه هو من سيعيد إليها عزها المفقود كما كان من قبل، خاصة وأنها لم تتخلّ عنه يومًا مشاعريًا… وأنه ليس أمام حملة الدعوة إلا أن يتقدموا، فقد خلت الساحة أمامهم من مقومات الانبهار بالغرب وحضارته، وافتتانهم بالحكام وخاصة عبد الناصر الذي وعد فأخلف… ولم تعد أفكار الوطنية والقومية تملأ رأس أحد… نعم، لقد كانت هزيمة الـــ 67 تحمل خيرًا من هذا الجانب.

لقد تعجب الكثيرون من هذا القول، واعتبروه قراءة معكوسة للواقع، ولكن مجريات الأحداث في قادمات الأيام أثبتت صدق وعمق هذه النظرة، فقد وقعت حرب 73، كذلك وكانت من ضمن الصراع الدولي المحتدم على المنطقة، لتعطي الأمة  أملاً من جديد، ولكن هذه المرة على أساس الإسلام، بالرغم من خيانة الحكام العملاء كالسادات وحافظ الأسد تحديدًا والتي جعلت النصر منقوصًا و منقوضًا (لم تغب عن أذّهان المسلمين صورة حافظ الأسد صاحب الفكر القومي البعثي، أنه باع الجولان في الــ67 لذلك لم يستردها في الــ73) ومن مثل هذه الأحداث يتبين لمن يعرف قراءة الواقع السياسي في المنطقة أن الأمة فعلًا قد بدأت رحلة العودة إلى الإسلام، وأن الإسلام نفسه يحركها بهذا الاتجاه…

وظهر أن أمريكا فهمت، بأساطين السياسة والاستخبارات عندها هذا الواقع، وقامت باستغلاله لمصلحة تحقيق استعمارها للمنطقة، فقامت بضمه إلى أساليب وأدوات استعمارها، وقد ظهر ذلك جليًا في إيران حيث أسقطت بواسطته حكم الشاه، وفي أفغانستان حيث أسقطت إمبراطورية الاتحاد السوفياتي. كذلك حاولت بريطانيا في الثمانينات استغلال هذا العامل لمصلحتها في سوريا ضد حافظ الأسد ولكنها فشلت، كذلك جاءت انتخابات الجزائر لتعلن فوز الإسلاميين فيها وما تبع ذلك من زج للفائزين بالسجون… كذلك جاء الإعلان عن (القاعدة) وإعلانها الحرب على أمريكا وأوروبا (الصليبيين الجدد)… وكذلك الإعلان عن قيام السلفية الجهادية التي ترى في آل سعود أنهم حكام ظاهرهم الصلاح وباطنهم العمالة والارتماء في أحضان الغرب، وهمهم فقط الحفاظ على عروشهم … هذا وأمثاله ساعد في بروز تيار العودة إلى الإسلام، وهو ما عبر عنه الغرب بتيار الصحوة. وهذا التيار أخذ يتغذى مما يحدث في ساحة الأمة من صراع دولي كان فيه حكام المنطقة أدوات فيه، وهذا ما جعل تيار الصحوة يتخذ اتجاه القضاء على نفوذ الغرب في بلاد المسلمين، بما يمثله من كفر وأطماع… و اتجاه القضاء على الحكام و ما يمثلونه من ظلم وخيانة وحماية لمصالح الغرب… واتجاه القضاء على (إسرائيل) كأحد أهم رموز العداء للإسلام وللأمة الإسلامية… كذلك جاءت أحداث المذابح في البلقان ضد المسلمين وتواطؤ ما يسمى بقوات السلام الدولية الأوروبية منها بالتحديد في هذه المجازر، كذلك جاءت أحداث قتل المسلمين في كشمير من الهنود، والأيغور من الصينيين، والشيشان من الروس… لتشكل مع بعضها صحوة إسلامية تشمل كل المسلمين في العالم.

ما ذكرناه سابقًا كان يسير على خطين: خط الصراع الدولي الذي كانت تقوده دول الغرب الكبرى لمصلحتها، والتي لا يدخل فيها إلا حسابات المصالح، ويُتغاضى فيها كليًا عن مشاعر الأمة الإسلامية والنكبات الإنسانية التي يوقعونهم فيها. وخط الصحوة الإسلامية لدى الأمة الذي راح يتشكل ويتغذى من الخط الأول من غير أن يعرف أحد مدى ما يحمله من خطورة، إلا فئة من المسلمين كانت تقرأ الواقع بشكل جيد وتلاحظه وتبني عليه، وراحت توظفه في دعوتها الملتزمة بطريقة الرسول r وتضعه موضعه في عملية التغيير التي تقوم بها، وتوصّفه بالرأي العام المنبثق عن الوعي العام المنبثق عن الوعي العام على فكرة الحكم في الإسلام… وهذه الفئة هي حزب التحرير؛ وذلك لأن حزب التحرير لا يقرأ الواقع فقط من أجل قراءته، بل من أجل صنع تاريخ العالم وفقًا لرؤيته الشرعية، ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تقدمت أمريكا (مع بوش الأب) لتقود النظام العالمي الجديد وترث الاتحاد السوفياتي وحدها، فقامت بلعبة استدراج صدام للدخول إلى الكويت بعد انتصاره في حربه على إيران لتقود حملة عالمية ضده بحجة الاعتداء على القانون الدولي لإخراجه من الكويت، وحقيقة الأمر لوضع يدها مباشرة على الخليج، ومع أنها كان بمستطاعها القضاء عليه إلا أنها أبقته فزاعة لدول الخليج ليبقى وجودها هناك مبررًا. وأبقت عليه زمن بوش الأب وعهدي كلينتون وهي تمارس على العراق أبشع أنواع الحصار، ما جعل العداء الإسلامي يتغذى ضد الغرب، وأمريكا خاصة، وضد حكام المنطقة الذي كشف الحصار تواطؤهم مع الغرب أكثر وأكثر. ثم جاء بوش الابن ومعه المحافظون الجدد، بسياسة التفرد في حكم العالم، ثم جاءت تفجيرات 11/9 بدا أن فيها نوعًا من الاستدراج شبيهًا باستدراج صدام حسين لدخول العراق، فأعلنت أمريكا مقابل ذلك حربها على الإسلام تحت مقولة الحرب على الإرهاب. ويمكن القول هنا إن أمريكا ومعها الغرب الأوروبي قد بدأت تنفيذ خطة الوقوف في وجه الصحوة الإسلامية للقضاء عليها مع هذه المقولة. فاحتلت أفغانستان وأعقبتها العراق بحجج واهية وارتكبت الآثام، ولم يبق محرمًا إلا وارتكبته ليس بحق القاعدة المتهمة بالتفجير فحسب، ولا بحق طالبان المتهمة بدعمها فحسب، بل بحق المسلمين كلهم هناك، ولم تفرق بين رجل وامرأة وشيخ وطفل، ولا بين مدني وعسكري … وقامت مقابل ذلك مقاومة إسلامية جريئة في العراق كبدت أمريكا خسائر مادية وبشرية هائلتين، وتبعتها مقاومة شرسة أقوى في أفغانستان… فأدى انشغالها بالحرب على الإسلام تحت مقولة الحرب على الإرهاب إلى تأخرها على المسرح الدولي، وأدى إلى وقوعها بأزمة مالية هددت النظام الرأسمالي كله بالانفراط وما زالت، وما أن انتهى عصر بوش الابن وفوز أوباما حتى أعلنت أمريكا إنهاء سياسة التفرد في حكم العالم، وبرز الاهتمام بالانسحاب من العراق ومن أفغانستان والعمل على لملمة وضعها السياسي والمالي والمحافظة على موقعها الدولي في العالم.

وخلال الاحتلال الأمريكي لكل من العراق وأفغانستان، وفشله في تحقيق أهدافه، ونمو المقاومة ضده، وتكبده الخسائر الفادحة…بدأت تظهر لدى مراكز الأبحاث الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، ودوائر الاستخبارات، ومراكز الإحصاء… دراسات مفادها جميعًا أن الصحوة الإسلامية اتخذت لنفسها اتجاهًا معينًا وهو إقامة إمبراطورية إسلامية، وقد صرح بذلك زعماء الغرب من بوش إلى بوتين إلى بلير إلى ساركوزي… وهؤلاء هم رؤوس الحكم في دولهم، وهم الذين يرسمون سياستها، هؤلاء راحوا ينظرون إلى هذا الواقع بشفافية، وخلصوا إلى أن الأوضاع السياسية تتجه لدى المسلمين بشعوبها ومثقفيها وحركاتها الفاعلة بهذا الاتجاه.

لكن الأمر بدأ يتعدى ذلك بكثير، إذ ظهرت دراسات تبين أن النظام الغربي الرأسمالي يشهد سقوطًا مريعًا لم يعد بالإمكان إيقافه ،وأن الحروب التي أعلنها الغرب، وعلى رأسه أمريكا، بحجة أنها على الإرهاب سرعت هذا السقوط. وتكشف هذه الدراسات أن الغرب قد سقط حضاريًا، وتجلى سقوطه في ميدان الاقتصاد، حيث أدت سياساته المادية الجشعة إلى استغلال العالم أبشع استغلال، وإلى إفقار العالم واستعماره، وخوض الحروب لسلب موارده ولفتح أسواق استهلاكية له، وهذا أدى إلى أزمات مالية واقتصادية داخل دوله، فإذا بعروشه المالية التي ظلوا يبنونها لعشرات من السنين تتهاوى وتصبح مهددة بالسقوط خلال سنوات معدودات. ولولا تدخل الدول الغربية لأصبح كل شيء عندهم على الأرض. والأخطر من كل ذلك عليهم أنه لا يوجد في النظام الرأسمالي معالجات لهذه المشكلات المالية المستعصية، وهذا قمة الإخفاق، إذ إنه إخفاق حضارة ونظام أساسي، وليس إخفاق حكومات وسياساتها المالية فقط. وقد سبق ذلك سقوط الحضارة الغربية على الصعيد الأيديولوجي والاجتماعي حيث أصبحت المجتمعات الغربية مجتمعات خاوية. أصبحت مجتمعاتهم، وذلك باعترافهم وقد سجل في كتبهم، هرمة من ناحية معدل متوسط الأعمار ومفككة أسريًا وخالية من القيم الروحية والإنسانية والخلقية وما يستتبع ذلك من علاقات داخلية هي في غاية الأثر السلبي على هذه المجتمعات… ولم يبق ما يمتلكه الغرب ليحقق ذاته واستعماره كونه جزءًا أصيلاً من فكره الرأسمالي إلا القوة العسكرية. والقوة العسكرية مع هذا الخواء في القيم، لم تعد تملك إلا الإجرام لتحقيق استعمارها، وحتى الإجرام كان له أثره السلبي على الجنود إذ جعلهم يعانون من أمراض نفسية خطيرة جعلتهم يقدمون على الانتحار، ويوجد لهم مشاكل لها أكبر الأثر في زيادة التفكك الاجتماعي داخل بلادهم.

لقد تحقق الغرب أن حضارته تتهاوى، وهو لا يستطيع أن يفعل شيئًا يخلص نفسه به لأنه لا يملكه، بل لأن حضارته ذاتها لا تملكه… ولذلك جاءت هذه الدراسات لتعلن أن العالم اليوم يشهد تغيرًا شاملاً على صعيد السياسة الدولية، وأنه ستندثر إمبراطوريات وستقوم إمبراطوريات، واختلفت النظريات والتوقعات…

فمنهم من يرى أن أوروبا ستتبخر وستقسَّم، ومنهم من يرى أن المستقبل لها دون غيرها، وأنها تسعى إليه بهدوء وبقدم ثابتة عن طريق وحدتها السياسية ووحدة عملتها.

ومنهم من يرى أن أمريكا لن تختفي كدولة كبرى في المنظومة العالمية الجديدة، ومنهم يرى أن الصين ستظهر كعملاق دولي ويشكل منافسًا حقيقيًا قويًا في وجه العملاق الأمريكي. ومنهم من يرى أن روسيا ستأخذ شكل إمبراطورية من جديد. ومنهم من يرى الهند… وأكثر هؤلاء يجعلون للخلافة نصيبًا في هذه المنظومة، وأنها ستجمع المسلمين جميعهم في دولة واحدة، وبلاد واحدة كأمة واحدة…وهذا ما يجعل الخوف بل الهلع ينتصب لدى هؤلاء عند ذكر هذا السيناريو…

هذه القراءة للواقع تعيش في هاجسه الدول الكبرى: المسؤولون والمفكرون الإستراتيجيون والسياسيون والعسكريون… لأن من مصلحتها أن تراقب هذه التطورات لتعرف كيف تسير الأمور، وكيف يمكن التأثير عليها لمنعها من تحقيق غايات لا تناسبهم أو لجعلها تصب في مصلحتهم …

هذه هي القراءة الصحيحة للموقف الدولي. ولكن أيًا من هذه السيناريوهات سيكون صحيحًا.

لا بد من القول إن المأزق الذي وصل إليه العالم هو تحديدًا بسبب فشل الحضارة الغربية، أما ممارسات الدول الغربية غير الإنسانية والمتوحشة والظالمة والمتغولة التي أدت إلى هذا الفشل فإنما كانت نتيجة لسبب وليست السبب. وما يجدر ذكره هنا فإن على من يريد أن يتقدم على مسرح السياسة الدولية ويقود العالم فإنه لا يقوده بالقوة المادية فحسب، فهي كانت موجودة ومع ذلك لم تستطع أن تمنع سقوط الاتحاد السوفياتي، وإنما كان سقوطه بسبب فشل النظام الاشتراكي في تحقيق ما وعد به، فالسقوط كان فكريًا، وعندما نقول فكري فمعناه أنه سقوط عقائدي واقتصادي واجتماعي وسياسي، إذ كل ذلك تابع للقوة الفكرية. وأمريكا ومعها أوروبا كذلك ما زالت تمتلك القوة المادية الأقوى، وتمارسها بأبشع صورها، ومع ذلك هي تشهد سقوطًا حضاريًا من حيث عقيدتها السياسية ونظمها الاقتصادية الجائرة، والاجتماعية المتهتكة، والسياسية الوقحة التي تزين بمكاييل مختلفة. إذ كيف سيكون لأمريكا وأوروبا وروسيا والصين واليابان والهند أن تمتلك قيادة العالم وهي مفلسة فكريًا.

إن الذي ينتظره العالم هو وجود دولة عالمية تستطيع أن تقود العالم قيادة صحيحة، وتمتلك تصورًا صحيحًا للحياة ومعالجات صحيحة، وتمتلك فكرًا موافقًا للفطرة والعقل؛ لتقدم الخلاص للعالم. وفي كل ما ذكرنا من الدول التي ستنافس أمريكا حقيقة على مركز الدولة الأولى في العالم وتريد أن تجعلها لنفسها لا يوجد دولة واحدة منها تمتلك تصورًا صحيحًا واضحًا للإنقاذ، وحدهم المسلمون فقط من يمتلكون هذا التصور، وقد ظهر ذلك في الأزمة المالية الأخيرة حينما أقر الجميع بأن أحكام الشريعة الإسلامية هي التي تمتلك الحل. وفي هذا إقرار: أولاً: إن الإسلام دين فيه شريعة. وثانيًا: إن شريعته هي الصحيحة… وبذلك فإن ما يححقه الإسلام من إيجاد مجتمعات متماسكة وحياة اجتماعية نظيفة ومستقرة وما يحققه من نمو طبيعي للسكان يتناسب مع الأهداف العليا للفكرة الإسلامية، ومن انسجام العلاقات الاجتماعية واطمئنان الحياة فيها، وقد حافظ على ذلك كله وهو في أشد حالات ضعفه، واستمر عليه حتى في المجتمعات الغربية المتهتكة حيث لم يرض معظم المسلمين الاندماج في حضارة فاسدة تعلن عن فشلها كل يوم مئات المرات (طلاق، عنف أسري، وضياع الأولاد مع خلافات الآباء والأمهات، وخلو الناس من أهداف، وانفصال تام ما بين الحياة وما قبلها وما بعدها)

نعم إن الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي يمتلك القوة والفكرة الصالحة لقيادة البشرية، وغيره لا يملك إلا ما هو فردي الطابع رأسمالي السياسة.

أما القوة المادية فإن قوة الفكرة إذا وجدت وجدت بالتبع لها ولخدمتها القوة المادية. وإن المسلمين متى تحقق لهم وجود دولة إسلامية فإنهم سيقومون بامتلاك القوة المادية على أرفع طراز؛ وذلك ليس من أجل سيطرة مبدئهم لمجرد السيطرة أو للاستغلال، وإنما لنشر مبدئهم وإدخال الشعوب في الدولة الإسلامية أولاً وفي الإسلام ثانيًا…

وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن ميزان القوى قد طغى عليه في هذه الأيام فقط حساب القوة المادية من عسكرية واقتصادية ومالية وإعلامية، وهذا التقييم ينسجم مع النظرة المادية التي يحصر الغربيون التقييم فيها بسبب إهمالهم للقوى الروحية والمعنوية والإنسانية، ولعل القوة الروحية هي أقواها فيقولون مثلاً: هذه الدولة تمتلك كذا طائرة، وكذا عدد جيوش وكذا صاروخ… وبحسب الحسابات المادية يقدرون قوة الدولة وتفوقها على غيرها ويهملون القوة الروحية تقريبًا، مع أن القوة الروحية هي أقوى القوى، وأكبر دليل على ذلك هو الدولة الإسلامية الأولى التي أقامها الرسولr  فهذه الدولة الناشئة استطاعت بإمكانات قليلة وسنوات معدودة وبقوة روحية فائقة أن تهزم إمبراطورتي الفرس والروم.

ولسائل أن يسأل: إن القوة الفكرية في الإسلام موجودة منذ كان، فما الذي تغير حتى تأخر المسلمون عن ركب القيادة.

والجواب: نعم إن القوة الفكرية في الإسلام موجودة، ولكن المسلمين تخلوا عنها في يوم من الأيام، وكان ذلك سببًا في ضياعهم وضياع دولتهم، وفي تفوّق عدوهم الغربي عليهم، والذي واجههم بقوة فكرية (خاطئة). ولأنهم تخلوا عن القيادة الفكرية على أساس الإسلام بسبب ضعف فهمهم له وسوء تطبيق دولتهم لأنظمته فقد غلبوا على المسرح الدولي. أما اليوم فإن الأمة الإسلامية تعود إلى دينها بالرغم من كل الموانع والضغوط كقيادة فكرية عن طريق إقامة دولة الخلافة الإسلامية التي ستقوم بإذن الله تعالى، وستبلور هذه القيادة الفكرية على أرض الواقع بحسن التطبيق وحسن الدعوة إليها، لتتحول عندها إلى قيادة فكرية تواجه بها العالم كله.

ولما كان حزب التحرير قد أعلن عن نفسه منذ أول يوم قام فيه أنه يسعى إلى إقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة، فمعنى ذلك أنه يطرح نفسه كصاحب مشروع يريد قيادة العالم به قيادة فكرية عن طريق الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية. هذا ما يقرؤه الغرب وبدأ يلمسه على أرض الواقع ويعمل على تأخيره إن لم يستطع منعه. ولكن الأمر أكبر منه، ولن تترك له دورة التاريخ أي حظٍ في بقائه هو أو منع الإسلام من العودة بقوة إلى مسرح الأحداث الدولي.

هناك من يصنع التاريخ وهناك من يقرؤه، والذي يعرف كيف يصنع التاريخ يعرف قراءته بشكل صحيح، وحزب التحرير عمله هو في صنع التاريخ… متأسيًا بطريقة الرسول r في ذلك. وقراءته الجيدة للسيرة وللواقع تعينه في ذلك وعلى المسلمين حركات وعلماء أن لا يكتفوا بالقراءة ويتركوا صناعة التاريخ لغيرهم، بل على الأقل عليهم أن يشاركوا حزب التحرير في صناعة التاريخ لهم ثم للعالم.

  إن هذا الكلام قد يبدو كبيرًا جدًا، ولكن الموضوع ليس حزب التحرير بل الموضوع هو أن الإسلام كبير، ومشروعه للخلافة الراشدة كبير، وحزب التحرير ارتقى أن يكون كبيرًا في عمله في حسن قراءته للإسلام ولحسن التزامه به؛ لذلك هو يعيش في أجواء التغيير (تغيير التاريخ والجغرافيا) في العالم.

إن حزب التحرير رائد لم يكذب أهله يومًا ولن يكذبهم، ويسعى لتحقيق وعد رسول الله r بإقامة الخلافة الراشدة الثانية؛ ليقود العالم على أساسها، وليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *