العدد 172 -

السنة الخامسة عشرة جمادى الأولى 1422هـ – آب2001 م

المفاهـيم السـياسـية

المفاهيم: هي معاني الأفكار المدرك واقعها والمدركة في الذهن والتي جرى التصديق بها.

فالمفاهيم هي مدلولات الأفكار الموجودة في الواقع الخارجي أو الواقع المسلم به أنه موجود في الخارج تسليماً مبنياً على واقع محسوس، وهذه المفاهيم لا بد أن يكون مدلولها له واقع في الذهن كالواقع في الخارج أو المسلم به، ولا بد من التصديق بهذه المعاني تصديقاً جازماً إن كان الفكر أساسياً أو مقطوعاً به، وتصديقاً بغلبة الظن إن كان الفكر فرعياً وظنياً.

والمفهوم إطار ومضمون، والإطار هو الفكرة، والمضمون هو المعنى الذي تحمله الفكرة، والمفاهيم هي التي تؤثر في سلوك القوى السياسية سواء أكان المفهوم قاعدة، عقيدة وأحكاماً، أو كان حقيقة سياسية أو تاريخية، أو كان فكرة من الأفكار التي تبنى على العقيدة.

والسياسة في اللغة: القيام على الشيء بما يصلحه، وهي فعل السائس وهو يسوس الدواب إذا قام عليها. والوالي يسوس رعيته، والسياسة مصدر ساس الوالي الرعية أي أمرهم ونهاهم. والسياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً. وتكون من قبل القوى السياسية دولة وأحزاباً وأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والحزب والأمة تحاسب بها الدولة وترعى الشؤون بالفكر والقول فحسب.

ورعاية شؤون الأمة داخلياً من قبل الدولة تكون بتنفيذ المبدأ في الداخل، وهذه هي السياسة الداخلية. وأما رعاية شؤون الأمة خارجياً من قبل الدولة فهي علاقتها بغيرها من الدول والشعوب والأمم، ونشر المبدأ إلى العالم، وهذه هي السياسة الخارجية.

وتعريف السياسة هذا عام عند جميع الناس، إذ هو وصف لواقع السياسة من حيث هي. فهو كتعريف العقل والمجتمع والنهضة وغير ذلك من المعاني التي لها واقع موجود عند جميع البشر. وقد عرف العلماء السياسة بأنها فن الممكنات، أو فن الممكن. وهذا التعريف صحيح إلا أنه من حيث ما جرى عليه الناس من حصرها في الأمور الآنية، هو خطأ، لأنه يعني الواقعية بمعناها الخاطئ، وهو بحث الواقع والسير حسب هذا الواقع، ولو سلم بهذا لما وجد تاريخ، ولما وجدت حياة سياسية، لأن التاريخ هو تغيير الواقع، والحياة السياسية تحويل الوقائع إلى وقائع أخرى، ولذلك كان تعريف السياسة أنها فن الممكن تعريفاً خاطئاً حسب فهم الناس له أو حسب فهم السياسيين. ولكن من حيث إن كلمة ممكن تعني المعنى الحقيقي لها، وهي ما يقابل المستحيل، فإنها صحيحة، لأن السياسة ليست فن المستحيل بل هي فن الممكن فقط. فالأفكار التي لا تتعلق بالممكنات، أو على الأصح التي لا تتعلق بالوقائع الممكنة والواقع، فإنها ليست سياسة، وإنما هي فروض منطقية، أو مجرد أوهام وخيالات. فحتى تكون الأفكار أفكاراً سياسية لا بد أن تتعلق بالممكنات. وحتى نزيل اللبس في تعريفها فنقول أن السياسة هي فعالية مؤثرة في الممكنات لتحويلها إلى الوضع الذي نريده بغض النظر عن نظرة الناس إليه، وبغض النظر عن كونه الأسهل أو الأشق أو الأصعب وبالتالي فهي ليست اختيار أفضل الممكنات وليست الخضوع للممكن.

وفهم السياسة الخارجية أمر جوهري لحفظ كيان القوى السياسية، وأمر أساسي للتمكن من حمل الدعوة إلى العالم، وعمل لا بد منه لتنظيم علاقة الأمة بغيرها على وجه صحيح.

ولما كانت القوى السياسية مكلفة بحمل الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة، كان لزاماً على المسلمين أن يتصلوا بالعالم اتصالاً واعياً لأحواله، مدركاً لمشاكله، عالماً بدوافع دوله وشعوبه وأحزابه، متتبعاً الأعمال السياسية التي تجري في العالم، ملاحظاً الخطط السياسية للدول في أساليب تنفيذها، وفي كيفية علاقتها بعضها ببعض، وفي المناورات السياسية التي تقوم بها هذه الدول، ولذلك كان لزاماً على المسلمين أن يدركوا حقيقة الموقف في العالم الإسلامي على ضوء فهم الموقف الدولي العالمي، ليتسنى لهم أن يتبينوا أسلوب العمل لإقامة دولتهم وحمل دعوتهم إلى العالم. ومن هنا أصبح من المحتم عليهم معرفة الموقف الدولي معرفة تامة ومعرفة التفاصيل المتعلقة بالموقف الدولي والإحاطة بموقف الدول القائمة في العالم والتي لها شأن يذكر في الموقف الدولي العام.

والسياسة بمعناها المحلي، كرعاية شؤون القوى السياسية وإن كانت مهمة، ولكنها لا يصح أن تكون هي محل الاهتمام، ولا يصح الاقتصار عليها. لأن جعلها محل الاهتمام يعني الأنانية والعمل للذات، فوق كونه يضر لإيجاده الصراع الداخلي بين السياسيين ثم بين أفراد الأمة أو فئات منها. وفي هذا ضرر على القوى السياسية، ولأن الاقتصار عليها فوق كونه لا يجعل المرء يدرك السياسة، فإن فيه غفلة عن شؤون الأمة، والسياسي لا بد أن يرعى شؤون أمته حتى يكون سياسياً. وهذا لا يتأتى إلا بالاهتمام بشؤون الأمم الأخرى، والدول الأخرى، ومعرفة أخبارها، وتحركاتها، والإحاطة ما أمكن بمعلومات عنها.

لذلك كانت السياسة الدولية، والسياسة الخارجية جزءاً لا يتجزأ من السياسة، من حيث هي سياسة، ولذلك لا تكون السياسة بمعنى السياسة إلا إذا كانت أفكاراً عن رعاية شؤون أمته، وأفكاراً عن رعاية شؤون الأمم الأخرى والدول الأخرى. فعلاقة السياسة الدولية والسياسة الخارجية، بالسياسة علاقة جزء من كل، بل الجزء الجوهري الذي يكونها.

والسياسة الخارجية، والسياسة الدولية، التي يجب الاهتمام بها هي سياسة الأمم المؤثرة، لا جميع الأمم، وسياسة الدول المؤثرة لا سياسة جميع الدول، ولا سيما فيما له علاقة بأمته أو دولته.

ومن هنا كانت السياسة الخارجية والسياسة الدولية، إنما تعني سياسة الأمم المؤثرة والدول المؤثرة. لا سيما المؤثرة على سياسة أمته ودولته، سواء أكان هذا التأثير قريباً أم بعيداً.

لذلك يجب أن تكون الأمة الإسلامية كلها لا سيما السياسيين مشغولة باتقاء الخطر الخارجي، أي أن تظل مشغولة في السياسة الخارجية والسياسة الدولية، بالمعرفة والتتبع، وإبصار مواطن الخطر .

عبد السميع محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *