العدد 326 -

السنة الثامنة والعشرون ربيع الأول 1435هـ – كانون الثاني 2014م

أم محمد علي: «هب حياتك للخلافة يا بني»

بسم الله الرحمن الرحيم

أم محمد علي: «هب حياتك للخلافة يا بني»

الكاتب: مصعب بن عمير – باكستان

في منطقتنا، أرض الإسلام، عاشت امرأة مسلمة كان يدعوها الصغار والكبار، المسلمون وغير المسلمين، على حد سواء، بكل حب بكنية “أم الثنائي” أو “باي أما”. وإذا سألت كبار السن إن كانوا يعرفون من هي -باي أما-، سوف تتلقى الرد: “نعم، كنا نسمي أم شوكت علي ومحمد علي باسم “باي أما”.  فلقد كانت هي أم قادة حركة الخلافة..

كانت عبادي بانو بيغوم من سكان رامبور، في أتر براديش، ولدت في عام 1852م، وهي من الجيل الذي ورث ألف سنة من حكم المسلمين في شبه القارة الهندية، والذي توقف بسبب الاحتلال البريطاني الذي بدأ في عام 1757م. وفي عام 1857م، عندما ثار المسلمون ضد الحكم البريطاني غير القانوني، كانت “باي أما” تبلغ فقط خمس سنوات من العمر. ولهذا السبب لم تحصل على التعليم الجيد في المدرسة والكلية، ولكنها كانت لها ثقافة إسلامية عالية مع الخلق العفيف، والذي هو أفضل من جميع المعارف. وكانت تملك الحب الكبير لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وكانت دائماً على استعداد للتضحية بحياتها وكل شيء من أجل قضية الإسلام. وقد تمسكت بالإسلام. وكانت تكن الاحترام للكبار وشعارها في الحياة هو: “الحياة البسيطة والتفكير العالي”. تزوجت من عبد العلي خان الذي كان مسؤولاً كبيراً في دولة رامبور. كان لديها ابنة واحدة وأربعة أبناء هم: مولانا نوازش علي وشوكت علي، ومولانا محمد علي جوهر،وذو الفقار علي. توفي ابنها الأكبر، نوازش وهو طفل. وأمد الله في عمر الثلاثة الآخرين. وفي طفولتهم المبكرة، توفي والدهم فأصبحت “باي أما” أرملة وهي ما تزال في سن الثلاثين. ووقعت مسؤولية تنشئة وتعليم هؤلاء الأطفال على عاتقها وحدها. فكانت لهم نعم الأم والأب، ونعم المربي والمعلم.

عندما توفي ابنها البكر، جاء الناس لمواساتها وتعزيتها في مصيبتها. فوجدوها مثالاً للصبر والثبات عند المأساة يحتذى به. حيث قالت لهم بلسان الصابرة المحتسبة: “يجب علينا أن نسلم لإرادة الله، إن الله على كل شيء قدير. كل ما وهبنا إياه الله فإنه لديه القدرة على أخذه متى يشاء، إن حياتنا ومماتنا بيده وحده”.

وعندما ذهبت “باي أما” إلى الحج أمسكت بكسوة الكعبة ودعت قائلة: “اللهم لقد كبر أولادي بفضلك، أتوسل إليك أن تجعلهم مسلمين حقاً”.

على الرغم من أنها لم يكن لديها أي نوع من التعليم الرسمي، فقد كانت على قناعة تامة بمزايا الحصول على التعليم للمسلمين في شبه القارة الهندو باكستانية. تلقى أبناؤها التعليم في عليكرة وأكسفورد، حيث رهنت مجوهراتها لدفع ثمن تعليمهم. من أبنائها الأحياء الثلاثة، اشتهر اثنان شهرة كبيرة. الابن الأصغر، محمد علي، اكتسب صفات استثنائية من الذكاء والعاطفة. كان شجاعاً للغاية ويكنُّ له الناس الاحترام. اعترف العالم كله بتفوقه وإنجازاته. وحول هذا الموضوع، أذكر حواراً واحداً مثيراً للاهتمام، وذلك عندما أثنى أحد الرجال على مولانا محمد علي في وجود والدته وقال: “إن جهدك الذي لم يعرف الكلل، والرعاية الحنونة منك هما اللذان شكلا مولانا محمد علي ليبلغ هذه المكانة المميزة والقدرة العالية”. فأجابته: “أنت مخطئ. والحقيقة هي أن كل هذا هو نتيجة نعمة الله علينا. الله يعز من يشاء ويذل من يشاء”.

تحت الاحتلال البريطاني، أصبح بعض المسلمين مطبوعين بالحياة الغربية. فخاطبت “باي أما” هؤلاء وحذرتهم قائلة: “يا أهل بلدي! تخلُّوا عن طريقة حياة هؤلاء الأجانب. اتبعوا الطريقة التقليدية لحياة أسلافكم. لا تخدموا هؤلاء الأجانب، ولا تقبلوا تكريماً منهم لأن هؤلاء الناس هم ماكرون جداً ومحتالون.” وخلال دورات رابطة المسلمين في الهند في عام 1917م، وفي سن الـ62، ألقت كلمة مؤثرة وقوية تركت تأثيراً دائماً على المسلمين. وبفضل الله، ثم باقتفاء مثالها النبيل، فقد أصبح مولانا شوكت علي ومولانا محمد علي مثالاً للمسلمين الحقيقيين الذين لم يستسلموا إلا لله، وكانوا يخشون الله وحده. كلِا الأخوين قاتلا ضد البريطانيين طوال حياتهما، وعملا على منع البريطانيين من تدمير الخلافة. عندما اعتقلهما الإنجليز وسجنوهما، كانت تغمر “باي أما” الحماسة. وعندما كانت تذهب إلى السجن تقول لأبنائها: “يا ولديَّ! اعتصما بالإسلام بكل قوتكما، وإن ضحيتما بحياتكما في سبيل الإسلام”.

وبينما كان ابناها لا يزالان في السجن كانت هذه الأم الجريئة والجليلة تُبقي الحماس حياً في حركة الخلافة. وقامت بجولات في البلاد، موجهة الكلمات في التجمعات الكبيرة للناس الذين توافدوا للاستماع لها وحثهم على اتباع خطى ابنيها في كفاحهما من أجل الوحدة وأخوة الأمة الإسلامية. وأخذت مكان ابنيها اللامعين في شعبيتهما وقيادتهما، وأصبحت المقولة الشهيرة التي قالتها والدة محمد علي: «هب حياتك للخلافة يا بني» تتردد في كل منزل، وكان يتغنى بها في كل زاوية وركن من شبه القارة من قبل جميع قطاعات الشعب.

بعد إلغاء الخلافة في مارس 1924م، لم تبقَ “باي أما” على قيد الحياة لفترة طويلة حيث توفيت في 13 نوفمبر 1924م. وكانت وفاتها خسارة كبيرة للأمة، ولكن النساء المسلمات اللاتي خرجن للعمل مع “باي أما” أصبحت لهن قوة سياسية يحسب لها حساب. وكانت أنشطتهن تمهيداً لازماً لمشاركتهن الفعالة في النضال من أجل تأسيس باكستان باسم الإسلام. ومن إرثهنَّ ولد جيل النساء العظيمات اليوم، اللاتي يرضعنَ أطفالهنَّ حب الإسلام منذ نعومة أظفارهم، ويدفعون مسلمي اليوم للمطالبة بالشريعة قانوناً لباكستان والدعوة علنًا وعلى نطاق واسع لعودة الخلافة.

كانت هذه “باي أما”، والدة اثنين من أبناء الهند اللامعين، مولانا شوكت علي ومولانا محمد علي جوهر. نسأل الله لهم جميعاً واسع المغفرة والرحمة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *