العدد 46 -

السنة الرابعة – رجب 1411هـ، شباط 1991م

وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ

 أيها المسلمون:

باسم الإسلام نتوجه إليكم, وباسم الإسلام نناشدكم أن تتخذوا حيال الحرب القذرة التي أعلنتها أميركا الدولة الكافرة على العراق البلد المسلم ما يوجبه الإسلام عليكم.

فأمريكا رأس الكفر, وعدوة الإسلام والمسلمين اتخذت من زج صدام حسين العراق في الصراعات الدولية المتنافسة على السيطرة على الخليج, بضمه الكويت، ذريعة لجعل فكرة النظام الدولي الجديد, فكرة العالم الواحد بقيادة أميركا – التي أعلن عنها بوش بعد أحداث أوروبا الشرقية, وانكفاء الاتحاد السوفياتي على نفسه, وانشغاله بمشاكله الداخلية, والتي تقوم على تفرد أميركا في الموقف الدولي, وفي رسم السياسة الدولية- واقعا حيا له وجود مجسّد في العالم, فحشدت قواتها البحرية والجوية والبرية في منطقة الخليج بشكل كثيف لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية, وجرَّت معها معظم دول العالم, واستخدمت مجلس الأمن أداة مسخرة في ذلك. ولم يسبق أن تجمعت جيوش معظم الدول بهذا الشكل الكثيف من أجل أن أحتُلَّ بلد صغير كالكويت, إذا أنه أقل من أن تتجمع مثل هذه الحشود الضخمة لأجله فقد سبق أن أحتل اليهود معظم فلسطين ثم احتلت إسرائيل بقية فلسطين واحتلت أراضي من مصر واحتلت الجولان, كما احتلت لبنان, واحتلت أميركا جزيرة غرينادا كما احتلت بنما, واحتلت بريطانيا جزر الفوكلند, واحتلت روسيا أفغانستان. ومع ذلك كله فلم يتحرك أي جيش من جيوش العالم ليحرر البلد المحتل ممن احتلوه.

لذلك كان هذا الحشد الضخم في منطقة الخليج بحجة تحرير الكويت أمرا غريباً لم يسبق له مثيل. وكانت الحجة التي تذرَّعوا بها لإيجاد هذا الحشد كاذبة ومضللة. فأمريكا لم تحشد هذا الحشد لتحرير الكويت, وإعادة آل الصباح لحكمه, لأن ذلك لا يساوي عندها حياة جندي أمريكي واحد, وإنما قامت بجمع هذا الحشد الأميركي الضخم وجرَّت معها فيه معظم دول العالم من أجل أن تثبت قيادتها الفعلية المتفردة في العالم, ولتتمكن من الهيمنة التامة على الخليج, والسيطرة على نفطه, والتحكم في إنتاجه وتسويقه وتسعيره, لتستطيع بذلك التأثير على مراكز التصنيع الكبرى: اليابان وألمانيا وأوروبا المنافسة لها اقتصاديا لتحافظ على تفردها في الموقف الدولي وفي رسم السياسة الدولية.

وحتى تضمن أميركا دوام سيطرتها على منطقة الخليج, وبالتالي على منطقة الشرق الأوسط جاءت بفكرة نظام الأمن الإقليمي, التي تسعى لتحقيقها بعد الانتهاء من أزمة الخليج. وهذا النظام يقوم على تحالف بين دول المنطقة بضمانة, أو بمشاركتها, وربما مشاركة بعض الدول الأوروبية الأخرى كبريطانيا لحفظ التوازن بين دول المنطقة, ومنع تفوق دولة على باقي دول المنطقة حتى لا تخرق التوازنات فيما بينها, ومنع احتلال أية دولة في التحالف لأية دولة أخرى فيه, والمحافظة على كيانات الدول القائمة, وعلى حدودها الدولية, والحيلولة دون توحيد دول المنطقة, حتى تبقى ممزقة وضعيفة وعاجزة عن ضرب المصالح الأميركية, ومصالح الدول الغربية, وعاجزة عن ضرب إسرائيل, أو التفكير بالقضاء عليها, لتبقى إسرائيل هي الدولة الوحيدة القوية والمالكة للأسلحة الذرية والكيماوية والجرثومية, والمتفوقة عسكرياً وقوة على الجميع دول المنطقة.

ولما رأت أميركا أنها لم تستطع احتواء العراق, ولا إرضاخه لإرادتها رغم الحصار الشديد الذي فرض عليها, ورأت تحديه العنيد لها صممت على تحطيم قدراته العسكرية والاقتصادية, وحرمانه من أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والجرثومية, والحيلولة بينه وبين امتلاك الأسلحة النووية, وتحطيم قيادته السياسية إن لم يرضخ ويستسلم بعد أن تستنفذ معه جميع الوسائل السياسية والدبلوماسية والتهديدية, لأنها ترى في بقائه دون استسلام أو تحطيم صخرة ضخمة أمام تحقيق مصالحها الحيوية في الخليج وبالتالي في العالم. فاستصدرت قراراً من مجلس الأمن يبيح لها استعمال القوة العسكرية ضد العراق لتحرير الكويت وإخراجه منها.

وما أن انتهت المهلة التي أباح مجلس الأمن بعدها استخدام القوة العسكرية ضد العراق لإخراجه من الكويت, حتى بادرت أميركا بإعلان الحرب على العراق, وجرَّت حليفاتها معها في ذلك, وأخذت تمطر العراق بأسلحة الدمار الفتاكة, عاملة على تدمير قدراته العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية, ولم تترك في العراق مصلحة عسكرية أو غير عسكرية من المصالح الحيوية كالماء والكهرباء والنفط والمصانع والمطارات والمرافئ والطرقات والاتصالات ومقار القيادة إلا وضربتها بقصد تحطيمها وتدميرها تدميراً تاماً وشاملاً, تجاوزت فيه قرار مجلس الأمن الذي أباح  لها استخدام القوة العسكرية, مما يثبت كذب ادعاء أميركا القائل أنها إنما أعلنت الحرب على العراق لتحرير الكويت وإخراجه منها, مع أنها إلى هذه اللحظة  وقد مضت عشرة أيام على بدئها الحرب لم تقرب الكويت التي تريد تحريرها, ولم تقم بأي هجوم بري عليها لطرد الجيش العراقي منها. مما يظهر هدفها الحقيقي من إعلان الحرب على العراق, والذي يتمثل في تحطيم جميع قدرات العراق العسكرية والاقتصادية تحطيماً تاماً, وتدمير قوة جيشه العظيمة تدميراً كلياً, والقضاء على جميع أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والجرثومية التي يملكها, وتدمير مصانعها, وحرمانه من تصنيع وتملك الأسلحة النووية, والقضاء على قيادته السياسية والعسكرية, وذلك لأنها ترى في العراق الدولة القادرة على العمل ضد مصالحها الحيوية في المنطقة.

أيها المسلمون, أيها الضباط, أيها الجنود:

هذه هي, وهذا هو هدفها من تحشيد قواتها العسكرية في منطقة الخليج, وهذا هو هدفها من إعلانها الحرب على العراق. وهي بهذا الإعلان قد أصبحت دولة محاربة فعلا.

فيجب عليكم أيها المسلمون, أيها الضباط والجنود أن تتخذوا حيالها وحيال حليفاتها من الدول الكافرة كبريطانيا وفرنسا جميع أحكام الدولة المحاربة فعلاً, من استحلال دمائهم وأموالهم, وضرب جميع مصالحهم, ومقاطعتهم وقطع جميع العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها معهم, ووجوب مقاتلتهم ودفعهم وإفشال حربهم، وطردهم من منطقة الخليج ومن جميع البلاد الإسلامية. إذ أن هذه الحالة التي هي هجوم كفار على بلد مسلم هي إحدى الحالات التي يصبح فيها القتال واجبا عينيا على المسلمين جميعاً إن لم يندفع العدو الكافر المهاجم لبلد من بلاد المسلمين إلا بهم جميعا. ويجب عليكم أيها المسلمون أن تدركوا أن أميركا وبريطانيا وفرنسا دول كافرة لا تجوز موالاتها ولا الاستعانة بها. فهي عدوة للإسلام والمسلمين، وكلها تتكاتف ضد المسلمين، وتقف مع عدوهم. وها أنتم ترون مدى انزعاج أميركا والدول الغربية الكافرة بمجرد أن سقطت عدة صواريخ على إسرائيل، وترون مدى مسارعة أميركا بمد جسر جوي إلى إسرائيل نقلت إليها عبره صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ وللطائرات، ومدتها بالجنود الأمريكان لتشغيل هذه الصواريخ، وتدريب الجنود اليهود عليها، كما بادرت بإرسال وكيل وزير خارجيتها إليها ليطمئنها وليؤكد تعهد حماية أميركا لها، ودفاعها عنها، وأن أميركا ستقدم لها مزيداً من الدعم المالي والعسكري، وقد قررت دعمها بثلاثة عشر ملياراً من الدولارات بناء على طلبها، زيادة على الثلاثة مليارات التي تقدمها لها سنويا.

وقد حاولت إسرائيل أن تأخذ من أميركا زيادة على ذلك تعهداً بعدم قبول أميركا بعقد مؤتمر دولي للنظر في حلِّ القضية الفلسطينية.

وقد طلبت أميركا من إسرائيل أن تلتزم بالهدوء وضبط النفس، وعدم القيام بالرد على العراق، وعدم الزج بنفسها في الحرب ضد العراق فأمريكا وحلفاءها يكفونها ذلك، ولأن دخولها الحرب سيقلب المعادلة وسيعمل على تفكيك الحلف الأميركي العربي، الذي تحرص أميركا على بقائه قائما لأن تفكيكه سيشعل المنطقة جميعها ضد، وضد إسرائيل، وسيفشل تحقيق الغرض الذي جاء بأميركا إلى الخليج، وأعلنت الحرب على العراق لأجله.

ومن هنا يمكنكم أيها المسلمون وأيها الضباط والجنود أن تدركوا مدى خطورة هذا التحالف بين أميركا وبين حكام السعودية ودول الخليج ومصر وتركيا، وتدركوا مدى إجرام هؤلاء الحكام الذين تحالفوا مع أميركا واستعانوا بها أو ساعدوها أو سهلوا لها محاربة المسلمين في العراق وقتل الآلاف من مسلميه، وتدمير قدراته العسكرية والاقتصادية، ومرافقه الحيوية. فأي إجرام أكثر من هذا الإجرام؟! وأية جريمة أكبر من هذه الجريمة؟!

كما يمكنكم أن تدركوا مدى إجرام وإثم الحفنة المرتزقة من علماء السلاطين الذين أفتوا لهؤلاء الحكام المجرمين جواز الاستعانة بأميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الكافرة لمحاربة العراق. فهل كان هؤلاء العلماء مدركين لواقع، ولأهداف أميركا في منطقة الخليج والشرق الأوسط، ومدركين لما ستقوم به من قتل آلاف المسلمين في العراق ومن تدمير قدراته العسكرية والاقتصادية، وتحطيم مرافقه الحيوية عندما أفتوا هؤلاء الحكام الخونة؟! وماذا عساهم يقولون اليوم بعد أن رأوا بأم أعينهم ما أوقعته أميركا بالعراق وأهله المسلمين من قتل وتدمير؟! 

لذلك فالواجب عليكم أيها المسلمون، وأيها الضباط والجنود، وقد أدركتم هذا الواقع، أن تعلنوا الحرب على أميركا وحليفاتها من الدول الكافرة، وأن تعملوا على تفكيك هذا التحالف القائم بين أميركا وبين حكام السعودية والخليج ومصر وتركيا، وإبطاله، وإرغام هؤلاء الحكام على ترك هذا التحالف مع، وإعلان الحرب عليها، وردها هي وحليفاتها الكافرات على أعقابهم خاسئين، لأنهم كفار اعتدوا على بلد إسلامي، وتكون القضية قضية اعتداء كفار على بلد مسلم فيجب إنقاذه، ودفع العدو المهاجم عنه، وليست القضية الآن قضية صدام، ولا قضية ضمِّه الكويت وزجِّه العراق بذلك في الصراعات الدولية المتنافسة على السيطرة على الخليج.

والعراق أيها المسلمون وأيها الضباط والجنود يستنصركم ويستنجد بكم فيجب عليكم أن تنصروه وأن تنجدوه وأن تدخلوا الحرب معه ضد أميركا وحليفاتها الدول الكافرة. فالله سبحانه وتعالى يقول:]وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [والمسلمون جميعا سِلْمُهم واحدة، وحربهم واحدة. فالرسول r يقول: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدٌ على من سواهم». ويقول: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله» ومعنى لا يخذله أي لا يترك إعانته ونصرته إذا استعان به في دفع عدو أو ظالم، بل يجب عليه أن يعينه وينصره. ويقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً» ولا يقبل من أية دولة في البلاد الإسلامية كالأردن وإيران أن تعلن أنها على الحياد بين شعب العراق المسلم وأميركا وحليفاتها الكافرات، لأنها بذلك تتخلى عن واجب شرعي فرضه الله عليها.

ولا تهولنَّكم أميركا ومن معها من الكفار أيها المسلمون. فالعراق وحده، وهو بلد صغير من بلاد المسلمين قد وقف في وجه أميركا وتحداها، وتحدى جبروتها وعنفوانها وقوتها وما تملك من أسلحة الدمار، وما استكان ولا لانت له قناة أمامها، فكيف إذا وقف في وجهها المسلمون في منطقة الشرق الأوسط، أو في العالم الإسلامي أجمع، فإنهم ولا ريب سيتمكنون من هزيمتها ودحرها، والقضاء على مصالحها ومصالح الدول الغربية في بلاد المسلمين، كما سيتمكنون من القضاء على ربيبتها إسرائيل ومن استئصال شأفتها من الوجود.

أيها المسلمون:

انصروا الله ينصركم. وقوموا بنصرة إخوانكم المسلمين في العراق، ومحاربة أميركا وحلفائها  الكافرات. 

لقد أعزكم الله بالإسلام، وملَّككم مفاتيح الأرض ومكنكم فيها، ووضع مهابتكم في نفوس الكفار، فلما تهاونتم بالتمسك بأحكام الإسلام، وابتعدتم عن تطبيق أنظمته وأحكامه، اعتراكم الضعف، ولحقكم الذُّل، وتجرَّأ عليكم أعداؤكم الكفار.

  فحتى تعودوا إلى عزِّكم وقوتكم، ومنع تجرَّؤ الكفار عليكم، فما عليكم إلا أن تعيدوا إقامة الخلافة وتنصيب خليفة عليكم تبايعونه على كتاب الله وسنَّة رسوله، ليعيد الحكم بما أنزل الله، ويعيد توحيد بلاد المسلمين، ويقضي على هذه الكيانات الكرتونية، ويخلِّص المسلمين من سيطرة الكفار ونفوذهم، ويحرّر الأرض المحتلة من الكيان اليهودي، وليحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالم أجمع.

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *