العدد 46 -

السنة الرابعة – رجب 1411هـ، شباط 1991م

من يمول أكثر الحروب نفقات في التاريخ؟

فيما تتطاير القنابل في حرب الخليج يتتبع المحاسبون الأوضاع ويحصون التكاليف. غذ أن اعتماد الحلفاء على التكنولوجيا المتقدمة سيجعل حرب الخليج أكثر الحروب نفقات في التاريخ.

وتأمل الحكومتان الأميركية والبريطانية المعنيتان بالقتال أكثر من غيرهما في الغرب أن تخرجا من الحرب بخسائر مالية طفيفة.

وتأمل واشنطن ولندن أن يشاركهما الحلفاء بتحمل العبء المالي للحرب كي تتجنبا الآثار الاقتصادية الضارة مثل ارتفاع الاقتراض الحكومي أو زيادة الضرائب.

وفي الأيام القليلة الماضية بذلت الولايات المتحدة من الجهود لجمع المال ما لم يشهده العالم من قبل وتلقت وعوداً من اليابان والكويت والسعودية وألمانيا بتقديم نحو 36 بليون دولار مساهمة في الإنفاق الحرب في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.

ومن المتوقع أن تأتي بلايين إضافية من الإمارات وألمانيا التي تشبه اليابان في أنها غنية وترفض المشاركة في القتال على رغم اعتمادها على بترول الشرق الأوسط. بعدما اعتمدت 5.5 بليون دولار الثلاثاء لمساعدة أميركا.

ففي شهر أيلول (سبتمبر) الماضي زار وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر برفقة نيقولاس بريدي وزير الخزانة الأميركي دولاً عديدة وحصلا على التزامات بالمساهمة بحوالي 20 بليون دولار ودفع بعض هذه الالتزامات نقداً ولكن معظمها كان عينياً مؤلفاً من البترول والمواد الغذائية والماء قدمته دول خليجية للجنود الأميركيين.

وبالمقارنة مع الأسلوب الأميركي لم تطلب بريطانيا أي مساعدات من الحلفاء أو من أي دولة أخرى عندما كانت مارغريت تاتشر رئيسة الحكومة البريطانية، أما رئيس الوزراء الحالي جون ميجر فيبدو أنه لا يجد حرجاً في طلب المساعدات من الآخرين إذ أن بريطانيا لم تتمكن من تغطية نفقاتها حتى الآن من المساعدة الخارجية وستكون مسألة مشاركة الحلفاء في تحمل الأعباء موضع بحث معهم.

وإذا لم تطل الحرب فسيغطي مبلغ الـ 36 بليون دولار كثيراً من النفقات العسكرية الأميركية التي تقدرها الولايات المتحدة بحوالي 50 بليون دولار.

ويقول ريتشارد دارمن مدير الموازنة الأميركي أن بوسع الولايات المتحدة أن تتحمل ديناً بقيمة 15 بليون دولار خلال السنة المالية 1991 إذ يشكل هذا المبلغ  5 في المئة من العجز المتوقع في الموازنة الفيدرالية في العام الحالي وجزءاً صغيراً جداً من كلفة إنقاذ مؤسسات الادخار والتسليف الأميركية، وعلى هذا لن تكون هناك حاجة إلى رفع الضرائب من اجل الإنفاق على الحرب.

وعلاوة على ذلك تأخذ الولايات المتحدة على عاتقها التزامات طويلة الأجل بالنسبة لبعض دول المواجهة مثل إسرائيل التي تحدث زعماؤها عن حاجتهم إلى 13 بليون دولار على مدى السنوات المقبلة.

وتأتي الجهود الأميركية الراهنة مناقضة لما فعلته الولايات المتحدة في الحروب السابقة، ففي الحرب العالمية الثانية مولت الحرب الراهنة بمفردها من دون إرهاق مواردها الخاصة.

والأهم من مقدرة الولايات المتحدة المالية أن الأميركيين يعتقدون أنه يتعين على الآخرين المشاركة في تحمل الأعباء على اعتبار أنهم يحاربون باسم الأمم المتحدة وأن أمم العالم تستفيد من قهر العراق وإعادة السلام والاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط.

فالأميركيون يعتقدون أن الدول الغنية التي تنتج البترول، التي استفادت من ارتفاع أسعار البترول والدول التي تستهلك البترول مثل اليابان وألمانيا يجب أن تساهم في النفقات العسكرية، ويشعر الأميركيون بامتعاض لأن أبناءهم يحاربون فيما يقف الآخرون موقف المتفرج.

وانتقدت الولايات المتحدة دول المجموعة الأوروبية على تقصيرها في دفع مبلغ 750 مليون دولار الذي وعدت به على رغم أن المجموعة تنظر إلى هذا المبلغ على اعتبار أنه جزء من موازنتها لعام 1991.

وفي آخر محاولاتها لجمع المساعدات حصلت الولايات المتحدة على 13,5 بليون دولار من كل من السعودية والكويت، ووعدت اليابان بتقديم 9 بلايين دولار بالإضافة إلى الأربعة بلايين دولار التي وعدت بتقديمها في العام الماضي.

أما في ما يتعلق بالدول الأوروبية فالأمر معقد على اعتبار أن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا تشارك إلى حد ما مباشرة في القتال.

وعلى رغم أن مجموعة الدول الأوروبية قد تزيد مساهمتها الاقتصادية، توجه المناشدة إلى ألمانيا خاصة للمساعدة في المجهود الحربي.

وتعرب الولايات المتحدة عن فتهما للوضع الدستوري في ألمانيا الذي يمنعها من إرسال قوات مقاتلة إلى الخليج ولكن إدارة الرئيس بوش منزعجة من فتور حماس المستشار هلموت كول لمساعدة الحلفاء ومن المساهمة المالية الضئيلة التي قدمها وخصوصاً لأن الشركات الألمانية ساعدت في بناء قدرة العراق الصاروخية والكيماوية الحربية.

وبينما تأمل إدارة الرئيس بوش في تجنب زيادة الضرائب ويحيط بنوايا الخزينة البريطانية الغموض بسبب استعداد وزير المال البريطاني تقديم موازنته الأولى في شهر آذار (مارس) المقبل، تستعد ألمانيا واليابان لاتخاذ «تدابير غير شعبية» لزيادة الضرائب بسبب الحرب. ففي ألمانيا يعم اعتقاد بأن الدولة ستقدم مبالغ إضافية لدفع انتقادات الولايات المتحدة عنها ولإشعار الحلفاء بأن ألمانيا متضامنة معهم.

وتشكل الأموال الموعودة حتى الآن دفعة أولى فقط لتغطية نفقات الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العالم، أما إذا استمرت الحرب إلى نيسان (إبريل) المقبل فستعود الولايات المتحدة إلى المطالبة بالمزيد.

وقدر المسؤولون في مكتب الموازنة في الكونغرس الأميركي أن الحرب قد تكلف 86 بليون دولار إذا طالت ستة أشهر وبعد الحرب سيكلف تعويض الخسائر على مدى ما يتقرر تعويضه. فحرب طويلة إذن ستتطلب زيادة الطلب على المشاركة في الأعباء وبالتالي زيادة التوتر بين الدول الصناعية.

أما الآن فبوسع الرئيس بوش الذي يحمل أكبر مسؤولية شخصية عن الحرب أن يسكت منتقديه الذين يعربون عن قلقهم من أن حصة الولايات المتحدة من أعباء الحرب أكثر من حصص الآخرين بكثير¨

عن «الفايننشال تايمر»

     

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *