نصر الله للمرسلين وللمؤمنين
1988/02/22م
المقالات
3,041 زيارة
يقول الله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، ويقول: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)، ويقول: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). ونحن نرى أفراداً وجماعات يظهر عليهم الإيمان، ويظهر عليهم أنه يعملون لنصرة دين الله ومع ذلك نرى أنهم غير منتصرين، فكيف نفسر ذلك: هل يمكننا أن نستنتج أنهم غير مؤمنين، أو أنهم غير مخلصين لله في عملهم؟
دعونا ننظر أولاً في سيرة بعض المرسلين وبعض المؤمنين الذين شهد الله لهم بالإيمان والعمل الصالح.
نصر الله للمرسلين والمؤمنين
هذا سيدنا نوح عليه السلام كان رسولاً من أولي العزم، وقد قال الله تعالى مخبراً عنه: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا(، وكانت النتيجة كما قال تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه إني مغلوب فانتصر) وكان انتصار الله لنوح عليه السلام بإغراق قومه بالطوفان انتقاماً منهم. وما آمن معه إلا قليل.
وهذا سيدنا عيسى عليهم السلام كان رسولاً من أولي العزم مثل نوح، ولم يؤمن معه إلا نفر قليل هم الحواريون. وحاول اليهود صلبه فنجاه الله منهم ورفعه إليه. ويقول بعض العلماء بأن انتصار عيسى لم يحصل بعد، وسيكون انتصاره عند نزوله من السماء في آخر الزمان.
وهذا أيوب عليه السلام لم يذكر لنا القرآن أنه حقق انتصاراً، بل أصابه المرض ثم شفاه الله من مرضه بعد سنوات عدة. قال تعالى: )وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ @ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ(. ونفهم من الآيات أن كشف الضر عنه وإرجاع أهله إليه ومثلهم معهم هو نصر نصر الله له.
وهذه امرأة فرعون التي قال الله عنها: )وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(. امرأة فرعون هذه مؤمنة، فما هو نوع النصر الذي حققه الله لها؟ هذا النصر هو الثواب في الجنة، هو البيت الذي طلبته عند الله في الجنة. ولم يتحقق لها النصر أثناء حياتها لأنها ماتت تحت التعذيب. ولكن الله نصرها في الدنيا بعد مماتها بإهلاكه فرعون وجنوده. ومثلها سمية زوجة ياسر رضي الله عنهم أجمعين.
وهؤلاء سحرة فرعون الذين آمنوا مع موسى عليه السلام، والذين قال الله فيهم: )فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى @ قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى @ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا @ إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (. وقد نفذ فرعون فيهم وعيده، قال ابن عباس رضي الله عنه: (كانوا أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء بررة). فما هو نوع النصر الذي حققه الله لهؤلاء المؤمنين؟ إنه الثواب في الجنة، وانتقام الله لهم في الدنيا بإهلاك فرعون وجنوده.
معنى نصر الله
لنعد الآن إلى قوله تعالى: )إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا(. قال ابن كثير في تفسيره: ]قد أورد أبو جعفر ابن جرير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: )إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا( سؤالاً فقال قد علم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا وشعيباً، ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجراً كإبراهيم، وإما إلى السماء كعيسى، فأين النصرة في الدنيا؟ ثم أجاب عن ذلك بجوابين، أحدهما: أن يكون الخبر خرج عاماً والمراد به البعض، قال: وهذا سائغ في اللغة، الثاني: أن يكون المراد بالنصر الانتصار لهم ممن أذاهم، وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم، كما فعل بِقتلَة يحيى وزكريا وشعيباً سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماهم. وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر] 1.هـ
وقال القرطبي في تفسيره: )إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا( المراد موسى عليه السلام، )وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا( المراد المؤمن (مؤمن آل فرعون). وقيل هو عام في الرسل والمؤمنين، ونصرهم بإعلاء الحجج وإفلاحها، في قول أبي العالية، وقيل الانتقام من أعدائهم… فصاروا منصورين في الحياة الدنيا وإن قتلوا] 1.هـ
وقال الطبرسي في تفسيره: [)إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا( أي ننصر بوجوده النصر، فإن النصر قد يكون بالحجة، ويكون أيضاً بالغلبة في المحاربة، وذلك بحسب ما تقتضيه الحكمة ويعلمه سبحانه من المصلحة، ويكون أيضاً بالألطاف والتأييد وتقوية القلب، ويكون بإهلاك العدو] 1.هـ
وقد جاءت كلمة )نَصْرُ( في القرآن بمعانٍ كثيرة: فجاءت بمعنى ساعد، كما في قوله تعالى: )وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ(. وجاءت بمعنى ساعد وحقق الغلبة، كما في قوله تعالى: )وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ (. وجاءت بمعنى وقف مع، كما في قوله تعالى: )إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ (. وجاءت بمعنى حفظ، كما في قوله تعالى: )فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ( وقوله: )وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا(. وجاءت بمعنى أباح الثأر، كما في قوله تعالى: )ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ(. وجاءت بمعنى أنقذ، كما في قوله تعالى: )وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ(. وجاءت بمعنى سيطرة المبدأ، كما في قوله تعالى: )إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (. وجاءت بمعنى الانتقام، كما في قوله تعالى: )فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ(. وجاءت بمعنى أثاب، كما في سياق قوله تعالى: )وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ(.
من هذا نفهم بوضوح أن نصر الله قد يتأخر كثيراً كما حصل لسيدنا نوح عليه السلام. وقد يأتي بعد موت من ينصره الله كما حصل لزكريا ويحيى عليهما السلام، وكما حصل لامرأة فرعون وآل ياسر وسحرة فرعون رضي الله عنهم. وقد يكون نصر الله بالنجاة من الظالمين كما أنجى الله سيدنا عيسى برفعه إليه. وقد يكون بالعون على الصبر والمعافاة من الضر كما حصل لسيدنا أيوب عليه السلام. وقد يكون بظهور الحجة على الخصم دون حصول الغلبة عليه بالقهر كما حصل بين النمرود وسيدنا إبراهيم عليه السلام )فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ( وليس النصر محصوراً بحصول الغلبة والقهر فوق الخصم، كما يتوقع بعض الناس.
هذه بعض من معاني كلمة «النصر»، ولكن وردت في سورة النور آية كريمة عبرت عن معنى محدد من معاني النصر، قال تعالى: )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا(، هذا النوع الموصوف والمحدد من النصر، وإن لم تستعمل فيه لفظة النصر، هو وعد من الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو موصوف ومحدد بأنه استخلاف في الأرض، وبأنه تمكين لدين الإسلام، وبأنه سيحل عليهم الأمن بدل الخوف.
فهل هذا محقق الآن؟ وإذا لم يكن كذلك، فهل يمكننا أن نستنتج أن الأمة الإسلامية لا يوجد فيها الآن، ومن زمن طويل، فئة مؤمنة تعمل الصالحات، تستأهل أن ينجز الله لها وعده بالاستخلاف والتمكين والأمن؟
لِنرَ كيف فهم علماء المسلمين هذه المسألة: القرطبي في تفسيره لم يرَ أن الآية تفيد العموم وإن جاءت بلفظ العموم، فهي من العام الذي يراد به الخاص. فعبارة )الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ( المقصود بها أبو بكر وعمر، كما نقله عن مالك، ثم أضاف: (قال بعضهم: تشمل خلافة الخلفاء الأربعة من قوله عليه السلام: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً عضوضاً»). وحسبوا خلافة أبي بكر سنتين وخلافة عمر عشر سنوات وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة وخلافة علي ست سنوات، رضي الله عنهم جميعاً، فكانت ثلاثين سنة.
ابن كثير في تفسيره: (هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد. وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم. وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنّة). ثم أضاف: (فالصحابة رضي الله عنهم لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأوامر الله عز وجل وأطوعهم لله، كان نصرهم بحسبهم: أظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب، وأيدهم تأييداً عظيماً، وحكموا في سائر العباد والبلاد، ولما قصَّر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم). أي أن ابن كثير لم يجعلها خاصة بالخلفاء الأربعة أو بخليفتين بل جعلها عامة في الأمة. ونفهم من عبارته الثانية أنه يعتبر حرف الجر «من» للبيان وليس لتبعيض. أي لا يحقق الله هذا الوعد لمجرّد قيام طائفة قليلة بالإيمان والعمل الصالح بل لا بد أن تكون غالبية الأمة كذلك.
النسفي في تفسيره أورد الرأيين، قال: (الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام ولمن معه. «ومنكم» للبيان. وقيل المراد به المهاجرون «ومن» للتبعيض).
الشوكاني في تفسيره قال: (يعمّ جميع الأمة وليس فقط الخلفاء الأربعة أو المهاجرين). وأضاف في شرحه لمعنى )الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ(: كل من استخلفه الله في أرضه فلا يخص بني اسرائيل ولا أمة من الأمم دون غيرها). مع أن غالبية المفسرين خصوها ببني إسرائيل، أي: يستخلف الصالحين من هذه الأمة كما استخلف بني إسرائيل بعد إهلاك فرعون.
الرأي الأقوى
بعد هذا العرض السريع لآراء بعض العلماء نستطيع أن نرجّح الرأي الأقوى، وهو أن هذه الآية عامّة تشمل الأمة الإسلامية إلى قيام الساعة، وقد اتفق العلماء على معنى الاستخلاف والتمكين والأمن. واختلفوا في معنى)الأرض(: هل هي أرض مكة أو جزيرة العرب أو العالم بأسره. والمعنى الأرجح هو أنها العالم كله لقوله صلى الله عليه وسلم: »إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها». و )منكم( هي للبيان وليست للتبعيض. وشرح ابن كثير رحمه الله دقيق جداً. أي أنه لا يكفي وجود فئة مؤمنة تعمل الصالحات وتخلص عبادتها لله من أجل أن ينجز الله هذا الوعد، بدليل أن مثل هذه الفئة موجودة الآن وكانت موجودة من قبل وستبقى موجودة إلى قيام الساعة. فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من وجوه كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة». وفي رواية: «حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»، وفي رواية: «حتى يقاتلوا الدجال» وفي رواية: «حتى ينزل عيسى بن مريم وهم ظاهرون». وكل هذه الروايات صحيحة ولا تعارض بينها.
أمة مؤمنة مخلصة
وإذا أردنا أن ينجز الله لنا هذا الوعد، علينا أن نجعل الأمة الإسلامية بغالبيتها، إن لم يكن بأجمعها، أمة مؤمنة مخلصة لله تعمل الصالحات وتنتهي عن المحرمات. عند ذلك تصبح الأمة أملاً لإنجاز وعد الله، الأمر ليس فيه مغيبات، بل هو ربط للأسباب بالمسببات، وهذه هي سنة الله في التغيير. الأمر ليس سهلاً بل يحتاج إلى مجهود عظيم، وتضحيات جليلة، وصبر جميل، وتوفيق الله خير حليف.
ولا ينبغي للمؤمن أن يجزع ويفقد صبره إذا اقتضت حكمة الله أن يتأخر النصر. وتأخر النصر ليس دليلاً على أن المرء ليس مؤمناً أو ليس مخلصاً في طاعته لله، فهذا هو نوح عليه السلام. ووقوع المصائب والإبتلاء ليس دليلاً على غضب الله، فهذا هو أيوب عليه السلام. والرسول عليه السلام يقول: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثال». وإحراز النصر بالغلبة والقهر والملك ليس دليلاً على محبة الله، فهذا النمرود ملك رقعة واسعة من العالم زمناً طويلاً، وهذا فرعون ملك مصر زمناً طويلاً، وهذه الدول العظمى هذه الأيام تتحكم بالعالم من زمن طويل، قال تعالى: )وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(.
فمن أراد أن يختبر صدق إيمانه أو إيمان غيره فإنه لا ينظر إلى فقره أو غناه، ولا ينظر إلى قوته أو ضعفه، ولا إلى كونه معافى من المصائب أو مرمياً بها، ولا إلى مدى شوكته أو فقدانه الشوكة والسلطان. وإنما ينظر إلى ما وقر في صدره من عقيدة، وما حمل في رأسه من أفكار. هل هي مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله، وهل هي خالصة من كل شائبة غريبة، وهل هي راسخة لا تتزعزع، وشامخة بحيث تعلو ولا يعلى عليها، وهل تؤتي ثمارها من آداء الطاعات لله، والبعد عن محارمه؟ فمن وجد هذا فليحمد الله، فإنه علامة الإيمان، ومن وجد غير ذلك، فليسأل الله العافية، وليسارع بنفسه إلى النجاة فإنه خطر. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والإيمان الصادق والعمل الخالص لوجهك الكريم، ونسألك نصرك العزيز والأمن والتمكين وحسن الختام.□
1988-02-22