العدد 27 -

السنة الثالثة – العدد 27 – ذو الحجة 1409هـ، الموافق تموز 1989م

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)

رئيس مجلس الوزراء في لبنان، سليم الحص، يشكو من حالة الشقاء والضنك التي وصل إليها الوضع في لبنان. ولكن أما آن للحص وغيره من أهل الحكم وأهل الحل والعقد في لبنان أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق. أما آن لهم أن يدركوا أنهم يسيرون في طريق الهاوية ويحسبون أنهم مهتدون. (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُون).

هاكم نموذجاً من حالة الرعية كما وصفها الراعي سليم الحص في كلمة وجهها في 23/06/89:

«المضحك والمبكي أن بلداً يصبح فيه الزعيم تاجراً وتختلط فيه التنظيمات بالمرافق والشركات ويذوي النضال فيه على وهج الخوات وفنون الجبايات وينقلب وجهاؤه سياحاً في عواصم الرخاء والاستقرار كلما فتحت نيران الجحيم على الصامدين في حيهم.

إنك يا أخي المواطن تعاني وأنا أدرى الناس بمعاناتك. ما العمل والحرب ما زالت مستمرة تطحن أبسط مقومات العيش الكريم في هذا البلد؟ ما العمل وقد بلغت الأزمة أبشع أطوارها، فإذا السلطة سلطتان والجيش جيشان، إذا المعركة تعود إلى الاحتدام بأسلحة الجيوش النظامية المتطورة والذخائر المدمرة، وإذا الساحة تنقسم مجدداً على أعتاب المعابر المقفلة وعلى إيقاع القذائف العشوائية المتبادلة، إذا الحل يتوارى خلف حجب من الشعارات الفضفاضة الباطلة وشهوات الحكم الجامحة؟

وبدلاً من أن تقلى الدولة، أو البقية الباقية منها، الدعم والمؤازرة من القوى الفاعلة على الأرض، فإن هذه القوى وجدت في الظروف فرصه لها للحلول محل الدولة حتى داخل مرافقها. وانكفأت كل قوة من تلك القوى إلى نطاق المنطقة والطائفة، فأدخلت البلاد عصراً جديداً من الشرذمة والتناحر. انكفأ كلٌّ إلى منطقته وجعل من الجغرافيات سلاحاً شهره في وجه الدولة وفي وجه جاره.

يحدثونك عن نضالاتهم ولا يحدثونك عن تجاراتهم.

يحدثونك عن الحصار الذي يفرضونه ولا يحدثونك عن حركة التهريب التي يقودونها.

ويحدثونك عن معبر أقفلوه ولا يحدثونك عن حاجز لهم وصندوق يخرق الستائر ويرفع السدود.

لو أجلت أيها الوطن الطرق من حواليك، لما فاتك أن تشاهد صفوفاً من المتفرغين للسياسة، وجموعاً لا حصر لها من المتحلقين حولهم لمرافقتهم أو حمايتهم أو السهر على راحتهم. فهلا سألت هؤلاء المتفرغين عَلاَمَ يتعيشون وكيف جنوا ما هم ينفقون، من أين لهم كل المال الذي يتناثر من أيديهم، هلا أخبروك عَلاَمَ سفحوا عرق الجبين؟

هذا هو الزمن الرديء.

كأننا بالوطنية تصبح حلماً يبحث عن حالمين.

كأننا بالوطنية تختنق تحت ثقل الابتزاز والاستقلال والنفعية.

كأننا بالقضية تتحول إلى مطية.

كأننا بالوطن يتقلص إلى حدود الحي أو المدينة أو المنطقة، ويتضاءل المجتمع إلى حجم المذهب والطائفة أو العشيرة.

وإذا كنا نواصل المواجهة لهذا الواقع صابرين على الضيم، فلكي لا نستسلم لمنطق الزمن الرديء، كي لا نقول: «سلام على الشرعية وبالتالي على الدولة، وسلام على وحدة الوطن وبالتالي وجوده، سلام على القضية الوطنية وبالتالي على المستقبل والمصير. ونحن في سلوكنا هذا السبيل لا ننتقي لأنفسنا أهون الخيارات».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *