العدد 258-259 -

العددان 258-259، السنة الثانية والعشرون، رجب وشعبان 1429هـ، الموافق تموز وآب 2008م

صرخة من القلب

صرخة من القلب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,

اللهم لك الحمد تفردت بالبقاء, وكتبت على غيرك الفناء, لك العزة والكبرياء, ولك أجل الصفات وأحسن الأسماء, أنت عالم الغيب البريء من كل عيب, ملكك عظيم, وجنابك كريم, وأنت الرحمن الرحيم.

وصلى الله على محمد حين اصطفاه, وسلم على ذلك الوجه ما أبهاه, وبارك الله على الأسوة ما أكمله وأعلاه.

أخواني الكرام:

جمع يتلوه جمع, ولقاء يتلوه لقاء, ولبنة تتلوها لبنة في بناء صرح المجد, في بناء زهرة الدنيا بأسرها, في بناء البرج الشامخ, ليعلو بكرامة المسلم بعد أن سُحقت, فيرتفع بها لتخاطب عنان السماء, ولتمنح كرامة للكرامة ذاتها, وتعطي مجداً للمجد نفسه.

فهذه الوجوه سألت ربها الجنة, فعرفت سبيلها, وتنسمت عطرها، وتاقت أعينها لرؤية ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

فواااااااااااه لريح الجنة, فقد آن بإذن الله أن تقر هذه الأعين, وأن ترضى هذه النفوس.

كيف لا, وهذا الجمع ما اجتمع إلا حباً في الله ونصرة لدينه, وحرصاً على رضوانه, قدوتهم في ذلك الحبيب المحبوب, محمد وصحبه.

الفكرة هي الفكرة, والغاية هي الغاية, والطريقة هي الطريقة, وبإذن الله سيكون النصر هو النصر, والفتح هو الفتح, ونداء ” الله أكبر الله أكبر” الذي رُفع من فوق الكعبة, سيرفع من على أسوار الفاتيكان, ليتردد صداه من روما إلى باريس, وأثينا فواشنطن, مدمراً معه كل صرح من صروح الكفر, وكل كلمة باطل سادت, وينشر معه الحق والعدل, القوة والمنعة, ليروي ظمأً طال وطال, ويمحو ظلماً عتا وتجبر.

إي والله, عتا وتجبر, فمن أشلاء تتطاير في العراق, إلى سكب الماء المغلي على أجساد حملة الدعوة الكرام في أوزباكستان, إلى زفرة مغتصبة في البوسنة صاحت: وا إسلاماه… وا خليفتاه!!! فاستغاثت الدنيا، وما من دنيا وما من مجيب.

لا بل لبيك أختاه, ولبيك أماه, ولبيكم أيها المسلمون في كل مكان.

أه لو أن لي بكم خلافة…

لو أن لي بكم خلافة لكانت كتائبنا بآي الذكر تجتاز الحواجز والحدود, بمحجة بيضاء ساطعة الهدى, كالنور تكتسح الضلالة والجحود.

لو أن لي بكم خلافة لامتطينا جيشاً عُرَاماً يُذهل كل مرضعة عما أرضعت.

فبالخلافة فقط حرر المعتصم حرائر المسلمين.

وبالخلافة فقط جعل المنصور الكل مسرور.

أيها الإخوة الأكارم:

لما ذُبحت أمنا الخلافة على أعين أبنائها، وتهافتت الغيلان والذئاب من وحوش الإنس ينهشون من لحمها, مقسّمين خيراتها وبلادها, ظن العلماء والناس أنها قد ماتت, كيف لا؟ وقد ظهرت عليها معظم علامات الموت. فالعين شاخصة, والصدغ منخسف, والقدمان مرخيتان, والأنف أعوج. ولكن الحقيقة أن القلب لا زال نابضاً من غير أجهزة تنفس اصطناعية, ما يقطع بأن سر الحياة باقٍ فيها.

وبناءً عليه فإن محاولات إحيائها وعودتها من جديد لن تكون يائسة ما دامت الروح فيها, وروحها وسر حياتها هي عقيدتها وقيادتها الفكرية.

وها هي الأمة قد استفاقت من هول المطلع, وأدركت أن لا خلاص لها إلا بالالتفاف حول أمهم الخلافة, فمن مسعف إلى مضمد لجروحها, ومن عامل بجدٍ وكدٍ لاستنهاضها لتعود المارد الذي سيحطم رؤوس جلاديها, وأُمّـاً رؤوما رؤوفا حاميةً لتابعيها. فها هو ضابط متقاعد في الجيش الأردني يقول في حقها: ” يجب أن نبدأ من الحكام والأنظمة لأنهم هم الذين يحكمون الناس ويقودونهم. الإسلام ليس فقط الصلاة والصوم والجمعيات الخيرية, الإسلام يجب أن يغير الحكام والأنظمة لأنهم هم أساس البلاء والمصائب في الأمة… نعم ما يقوله حزب التحرير صحيح يجب أن نبدأ من الحكام والأنظمة لأنهم جميعاً عملاء وخونة, لو كانت الخلافة قائمة لما جرؤت أميركا ولا بريطانيا علينا… أنا معهم ومؤيد لهم”.

ها هي الدعوة إلى الخلافة قد انتقلت من الخرافة إلى الإخافة، ومن اليأس إلى الأمل، ومن الوهم إلى الحقيقة، وستنتقل قريباً، وبإذن الله، من الحلم إلى الواقع المشخص، تحكم بشرع الله، وتحمل رسالة الإسلام إلى العالم أجمع رسالة هدى ونور عن طريق الجهاد في سبيل الله، وتشدخ نافوخ الكفر. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.

إخواني الكرام:

عندما زار حفيد السلطان عبد الحميد تركيا التي يعبث بها العابثون اليوم، ووصلت السيارة التي تُقله إلى الجسر المعلق فوق البوسفور، ترجّل منها متأملاً، فتقدم رجال الشرطة من السيارة ليعرفوا سبب وقوفها فوق الجسر، ولكنهم سرعان ما تعرّفوا على السلطان أورخان الثاني من خلال الصور التي نشرتها له الصحف التركية، فبادروا إلى تقبيل يده قائلين: “أهلا وسهلاً”. وهنا تذكر السلطان محمد أورخان اليوم الذي أبلغ فيه قرار النفي قائلاً: “كنت في الصف الثالث في المدرسة السلطانية عندما جاءني مساءً رجلان ضابطان في الجيش، بكيا وسلّماني ورقة وقالا: اعذرنا يا حضرة ابن السلطان، لأننا نريد توقيعك على ورقة مغادرة البلد خلال 24 ساعة”.

انظروا كيف يوقر المسلمون خلفاءهم ومن أدلى لهم بسبب, رغم أنهم كانوا في الرمق الأخير من الخلافة الضعيفة والمستضعفة، وكيف أن هذا التوقير لا يزال في قلوبهم كامناً! فكيف بالله عليكم سيكون حالهم عندما تقوم خلافتهم القادمة، لا على منهاج العثمانية أو العباسية أو الأموية، بل راشدة على منهاج النبوة؟

هي خلافة على منهاج النبوة, والتي بذكرها اصطكت أسنان بوش وزبانيته خوفاً لصراخها الغاضب, وزمجرتها اللظى. ما دعاه إلى التصريح بعودتها في أكثر من موضع وخطاب. وخُلعت قلوبَ يهودَ لما رأت كتائب العقاب في بقاع الأرض مزمجرةً تنادي وتقول: الخلافة الخلافة أو الشهادة…

إخواني الكرام:

إن دولة الخلافة قادمة لا محالة, شاء من شاء وأبى من أبى, قادمة بوعد من الله الذي لا يُخلف الميعاد, قال الله تعالى (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم 47].

قادمة بنا أو بغيرنا, في زماننا أو زمان غيرنا, وما علينا إلا الأخذ بأسباب النصر واتباع طريقة المصطفى عليه الصلاة والسلام حذو القذة بالقذة, شبراً بشبر وذراعاً بذراع, لتقف أمنا مرة أخرى مارداً تنحني لعزتها رؤوس الجبابرة والملوك.

فالله نسأل أن نكون من شهودها وجنودها العاملين لإقامتها كي نلقاه وقد أبرأنا من رقابنا مبايعة صنو العتيق خليفة المسلمين وحصنهم الحصين.

والله نسأل أن نكون من أفضل أهل الإيمان إيماناً, حيث روى الحاكم في المستدرك: عن عمر (رضي الله عنه) قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيماناً؟ قالوا: يا رسول الله الملائكة، قال: هم كذلك, ويحق ذلك لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنـزلة التي أنزلهم بها, بل غيرهم، قالوا: يا رسول الله، فالأنبياء الذين أكرمهم الله تعالـى بالنبوة والرسالة. قال: هم كذلك, ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنـزلة التي أنزلهم, بل غيرهم. قال: قلنا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال، فيؤمنون بي ولم يروني، ويجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه, فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد

والورق المعلق كناية عن الكتاب والسنة، وقد كان هذا الورق موجوداً زمن الصحابة، وكان بعض السنة معلقاً أيضاً عند بعض الصحابة كعبد الله بن عمرو، وكان معلقاً أيضاً عند الأجيال التي جاءت بعد الصحابة.

إن الصحابة والتابعين وجدوا الورق المعلق ووجدوا الدولة التي تعمل به، أما نحن فلم نجد إلا الورق المعلق ولم نجد الدولة، فعملنا لها وسنعمل به فيها إن شاء الله تعالى. فيكون معنى الحديث: فيجدون الورق المعلق لا يعمل به فيعملون بما فيه كله. أي أن الورق المعلق لا يعمل به قبلهم فيعملون به. أي أنهم يجدونه على الرفوف فيضعونه موضع التطبيق في الحياة من خلال نظام وكيان تنفيذي ألا وهو الدولة.

فالله الله في أمّكم الخلافة أيها المسلمون… لا تتركوها تواجه عدوها وعدوكم وحدها وأنتم لها ناظرون!! بل اعملوا معنا على إقامتها لتأخذ مكانها الطبيعي, رائدة العالم, فعزها عزكم، ونصرها نصركم، وبها تدخلون جنة ربكم.

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف 21]

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الرحمن المقدسي ” تراب”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *