العدد 258-259 -

العددان 258-259، السنة الثانية والعشرون، رجب وشعبان 1429هـ، الموافق تموز وآب 2008م

سعد بن معاذ

سعد بن معاذ

جواد عبد المحسن – الخليل

على أهل القوة اليوم أن يدركوا أن الدولة الإسلامية قد أقيمت مرة واحدة من قبل وهدمت مرة واحدة. وأن شأن من يقيمها اليوم سيكون كشأن من نصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)  ودرجته ستكون إن شاء الله تعالى مثل درجة سعد بن معاذ (رضي الله عنه) الذي قال عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ»، وإنه لحريُّ لكل قائد من قادة المسلمين أن يقرأ عن سعد… إنه سعد الذي وقف يوم بدر يوم الفرقان وقال للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «لقد آمنا بك وصدقناك… وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لَصبرٌ في الحرب، صُدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر له عينك، فسر على بركة الله».

وفي رواية: «لعلك أن تكون قد خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذي أحدث الله إليك فامضِ، فَصِل حِبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وما أخذت منا كان أحبَّ إلينا مما تركت».

هذا ما يجب أن يدركه المخاطب عن مواقف الرجال في مواقف الحسم المتعلقة بمصائر الأمة، فلم يكن بنو عبد الأشهل آلافاً، ولكنهم كما يقول الشاعر:

ثقالٌ إذا لاقوا، خفافٌ إذا دُعُوا            كثيرٌ إذا اشتدوا، قليلٌ إذا عُدوا

 إنه سعد بن معاذ الذي قال عنه القوم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما حملنا يا رسول الله ميتاً أخفَّ علينا منه» فيجيبهم الرسول «ما يمنعه أن يخفَّ وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل يومه قد حملوا معكم» أخرجه ابن سعد في الطبقات.

إنه سعد بن معاذ، وحين صعدت روحه إلى خالقها جاء جبريل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «من هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش» أخرجه الحاكم ووافقه الذهبي وأخرج أحمد باسناد صحيح، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفاً من الملائكة لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك، لقد ضُمَّ ضمَّة ثم أخرج عنه».

إنه سعد بن معاذ الذي توالت نعم الله عليه، وترادف كرمه عز وجل عليه فتقول أسماء بنت يزيد بن السكن… لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ليرقأ (لينقطع) دمعك، ويذهب حزنك، فإن ابنك أول من ضحك الله له واهتز له العرش» رواه الطبراني.

هذه هي المنزلة التي أعدها الله لمن قدم النصرة لرسول الله حين بنى دولة الاسلام… والمنزلة هي المنزلة نفسها وربما بفضل الله وجوده هي أعظم لمن ينصر المسلمين حين تقاذفتهم أمواج الكفر ميمنة وميسرة، وتكالبت عليهم الأمم ورمتهم كل الأنظمة عن قوس واحدة.

إن النياشين والرتب لن تمنع عن صاحبها من الله الغضب ولا شيئاً من اللهب إذا ما قصر في نصرة دين الله، وإن ما يجب أن يدركه الضابط صاحب القوة والمنعة، والذي نخصه في الخطاب  أن سعد بن معاذ ليسَ فلتة من فلتات التاريخ لا يتكرر… بل يجب أن يدرك أنه سعد، ويستطيع أن يفعل وأن ينصر كما فعل ونصر سعد، وأن الخطاب له اليوم كما كان الخطاب في الأمس لسعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *