العدد 258-259 -

العددان 258-259، السنة الثانية والعشرون، رجب وشعبان 1429هـ، الموافق تموز وآب 2008م

فضل الأنصار

فضل الأنصار

فضل الأنصار في القرآن الكريم:

يكفي الأنصار فضلاً ذكر الله تعالى لهم في كتابه العزيز حيث وصفهم بصفات هي مطمع كل مسلم، فذكر عنهم أنهم من السابقين الأولين، وطلب منا اتباعهم بإحسان، ورضي عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار… فهنيئاً لهم ما ختموا عليه. قال تعالى مسجلاً لهم الشهادة العظمى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة 100] وقال تعـالى في حـقهم، وهـنيئاً لهــم من قــول: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة 117] وقال تعالى آمراً المؤمنين أن يكونوا أنصار الله فهنيئاً لمن كان كذلك (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [الصف 14].

فضل الأنصار في السنة والسيرة النبوية المشرفة:

جاء في السير عما جاء في العقبة الثانية: قَالُوا -أي الأنصار-: “فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ نَحْنُ وَفّيْنَا (بِذَلِكَ) قَالَ الْجَنّةُ. قَالُوا: اُبْسُطْ يَدَك. فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعُوهُ”، وفي المقابل، فإن وزر من تطلب منهم النصرة عظيم، ذلك بأن يُؤتى الإسلام من قبلهم ويبقوا على طاعتهم للحكام المتسلطين على رقاب الأمة.

وروى الشيخان عن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ»، وروى الترمذي عن البراء بن عازب أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أَوْ قَالَ: قَالَ (صلى الله عليه وآله وسلم) فِي الأَنْصَارِ: «لا يُحِبُّهُمْ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يَبْغَضُهُمْ إِلا مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ فَأَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَأَبْغَضَهُ اللَّهُ»، وروى البخاري عن أنس قال: «رَأَى النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ، قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ عُرسٍ، فَقَامَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مُمْثِلاً فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ»، وفي البخاري أيضاً عن أنس قال: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، مَرَّتَيْنِ»، وروى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)  قَالَ «إِنَّ الأَنْصَارَ كَرِشِى وَعَيْبَتِى، وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ». وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كرشي وعيبتي أي بطانته وخاصته، وعنده أيضاً عن ابن عباس أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ»،روى البخاري قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ، قَالَتْ الأَنْصَارُ: إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ أَتْبَاعًا وَإِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا، قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَتْبَاعَهُمْ مِنْهُمْ»، وفي تلك الخطبة المؤثرة بعد تقسيم غنائم حنين، خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأنصار قائلاً، واللفظ لأحمد عن أبي سعيد الخدري: «أَفَلا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَار أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فِي رِحَالِكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ» فأي فضل أعظم من أن يكون آية المؤمن حب قوم وآية النفاق بغضهم؟ وأي مكانة أعظم من أن يكون قوم هم أحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم خاصته وبطانته؟ وأي شرف أعظم من أن تكون المغفرة لأبناء قوم وأبناء أبنائهم ونسائهم وذراريهم؟ بل وفوق ذلك أن يكون أتباعهم وأصحابهم منهم؟ وأي فضل هو ذاك أعظم من أن يهتز عرش الرحمن لموت رجل اسمه سعد بن معاذ، ما تميز به عن غيره من الصحابة إنما هو النصرة؟ روى البخاري عن عَنْ جَابِرٍ (رضي الله عنه) قال: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقُولُ: اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ».

كل ذلك الفضل إنما هو للأنصار وليس لغيرهم من أحد فضل مثله إلا ما كان للمهاجرين، فأين أنصار اليوم وقد فتح لهم باب النصرة من أوسع أبوابه ليعيدوا سيرة الأنصار الأُوَل، الأبطال الأول، وإنه إذا كان هذا الباب قد أغلق قروناً طوالاً فليفتح لهم من جديد. فهنيئاً لمن يصطفيه الله في فتحه، فإنه بعدها، والله أعلم، سيغلق ولا يفتح أبداً بعد ذلك.

أبو تقي الشامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *