العدد 129 -

السنة الحادية عشرة – شوال 1418 – شباط 1998م

مع القرآن الكريم:توجيه التهم وتصديقها وإشاعتها

مع القرآن الكريم:

بسم الله الرحمن الرحيم

توجيه التهم وتصديقها وإشاعتها

قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) (النور: 11).

وقال تعالى: (لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ@  لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ)(النور:12و 13).

وقال تعالى: (ِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ@  وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (النور: 15و 16).

هذه الآيات الكريمة نزلت في حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها. وهي تشمل كل إفك يطال المسلمين, إذ العبرة بعموم الفظ وليس بخصوص السبب.

الآيات تبيّن حكم من يطلق التهم ابتداءً, وتبيّن حكم من يسمعها, وتبيّن حكم من ينقلها. فالذي يطلق التهمة يجب أن يأتي عليها بالبيَّنة الشرعية, فإن كانت تهمة زنى فيلزمها أربع شهود. وإن كانت تهمة سرقة أو قتل أو ردَّة فإنه يلزمها شاهدان, وهكذا. فإذا كان المرء لا يملك البيّنة الشرعية فإنه لا يجوز له أن يطلق التهمة حتى لو كان متأكداً من حصول التهمة, وهذا واضح من الآية الكريمة (لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ).

أما من يسمع التهمة فإنه يجب عليه أن ينظر في حال من يطلق التهمة وفي حال من تُوجَّه التهمةُ إليه. فإن كان الذي يطلق التهمة معروفاً بالصدق والعدالة ويملك البيِّنة فكلامه يمكن أن يُنْظر فيه، فإن كان الذي وُجِّهت إليه التهمة ليس معروفاً بالتقوى والعدالة فتصديق التهمة جائز شرعاً, وإن كان المتهم معروفا بالتقوى والعدالة فلا يجوز تصديق التهمة فوراً, ولا بد من التحري والاستقصاء, وهذا واضح من الحديث الشريف: «البَيِّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر». وأما إن كان من يطلق التهمة فاسقاً أو مجهول الحال فإن تهمته لا تُصدَّق حتى لو كانت ضد فاسق، إلا إذا جاء بالبيّنة, وذلك واضح من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا). وأما من يحمل التهمة ضد المؤمنين المعروفين بالتقوى والعدالة والاستقامة, ولا يملك البيّنة فإنه لا يجوز تصديقه بحال من الأحوال, وهذا واضح من قوله تعالى: (لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ).

وأما إشاعة التهمة فإنه غير جائز حتى لو كانت التهمة صحيحة والبيّنة عليها قائمة, لأن المطلوب هو الستر على المسلمين وليس فضحهم e: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة», إلا في حالات محددة مثل إثبات الحق في المحاكم, أو التحذير أو النصيحة أو منع المنكر. أما إشاعة التهمة الكاذبة, أو التهمة التي لا يعرف المرء إن كانت صادقة أم كاذبة فإنه حرام لقوله تعالى: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) وقوله: (مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا).

فما قولكم إذا جاءت التهمة من فاسق نكث بالعهد, وحنث بالقسم, وخان الأمانة ضد رجل مشهود له بالعدالة والاستقامة والتقوى؟□

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *