العدد 378-379-380 -

السنة الثالثة والثلاثين، رجب-شعبان-رمضان 1439هـ، نيسان-أيار-حزيران 2018م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

] وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّآ ءَاتَيۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٢٣٣ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ٢٣٤ [

 

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

في هذه الآيات البينات يبيِّن الله ما يلي:

  1. إذا طلقت المرأة وكان لها طفل في سن الرضاع، فإن على والده أن يدفع نفقة إرضاعه من طعام وكسوة لوالدته مدة الرضاعة، أي يدفع لها أجرة مدة الرضاع، وهي حولان كاملان، إن أراد الوالد إكمال مدة الرضاعة.

وعلى الوالد أن يدفع النفقة لوالدة ابنه بما يتناسب مع وسعه؛ فإن لم يكن الوالد موجودًا تولَّى الإنفاقَ على الإرضاع الورثةُ.

ولا يصح أن تضارَّ المرأة بولدها فتمنع من إرضاعه إن أرادت أو تمنع من رؤيته، وكذلك يحرم أن يضارَّ الوالد بولده كأن ترفض أمه إرضاعه، وبخاصة إذا كان متعلقًا بها.

كما أنه ليس هناك حرج على الوالدين إن اتفقا على فطم الطفل قبل الحولين إن تراضيا وتشاورا واتفقا على ذلك.

وكذلك لا جناح على الأب أن يسترضع لابنه امرأة أخرى إن كان هناك عذر مشـروع لعدم استمراره مع أمه، وفي هذه الحالة يستلم ولده من والدته بعد أن يكون قد دفـع لها أجـرة إرضـاعه، ثم يسلمه لأخرى ترضعه بعد أن تسلم المرضعات الجدد أجرة الإرضاع.

ثم يختم الله سبحانه الآية بتذكير الوالدين بالتقوى ليحنوا على ولدهما ولا يسيئا تربيته أو يضارَّا بعضهما؛ فإن الله سبحانه لا تخفى عليه خافية مما يعملون، وسيجزي كلًّا بما يستحق ]وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ٢٣٣[

] وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ[ هذا خبر في معنى الطلب، أي لترضع الوالدات المطلَّقات أولادهنَّ، وهو على وجه الندب لعدم وجود قرينة تلزم الوالدة بذلك، إلا أن الأم أحق بالحضانة – ما لم تتزوج – وذلك لأن الآية تخاطب الوالدات بالإرضاع ابتداء.

]ٱلۡوَٰلِدَٰتُ[ لفظ عام في كل والدة، ولكنها مخصصة في المطلقات فقط دون الزوجات؛ وذلك للسببين التاليين:

أ. إن الآية وردت بعد آيات الطلاق، فالسياق يشير أن المقصود بالوالدات هنَّ المطلقات المرضعات، فعلى الزوج أن يدفع لهنَّ أجرة.

ب. أن الآية تنص على دفع الرزق والكسوة بسبب الإرضاع ]وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ[ بعد ذكر ]وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ[ وهذا يعني أن المقصود هنَّ المطلقات المرضعات؛ لأن رزق الزوجات وكسوتهن فرض على الزوج بسبب الزوجية وليس بسبب الإرضاع، فكون الآية ربطت الرزق والكسوة بالإرضاع فهذا يعني أن الوالدة ليست في عصمة الزوج.

وعلى ذلك، فالآية تبين أن من حق المطلقات المرضعات أخذ أجرة على إرضاع أولادهن.

]وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُ[ فيه دلالة إشارة أن نسب الولد هو للوالد وليس للأم.

كما أن المنطوق ] ٱلۡوَٰلِدَٰتُ [ و] ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُ [ يفيد استعطاف الوالدين وإثارة شفقتهما على العناية بالولد والاهتمام به دون المضارَّة لكليهما.

] وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَۗ[ أي على الوارث أجـرة المرضـع إن تـوفي الوالـد ولم يكن للولد مال يكـفي لحـاجته المعـروفـة ولأجـرة أمـه، والوارث هنا لفـظ عام على كل وارث.

]لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِ[ المضارَّة مفاعلة من الضرر، أي يلحق الوالد ضررًا بالوالدة بسبب الولد كأن يضيق عليها في الرزق والكسوة أو يأخذ الصبي منها وهي تريد إرضاعه، ولا تلحق الوالدة ضررًا بالوالد بسبب الولد، كأن تطلب منه فوق طاقته من الكسوة والرزق، أو أن تقول بعد أن ألفها الولد: اطلب له مرضعة أخرى مضايقة له.

وهذا النهي جازم لأن (المضارَّة) وصف مفهم يفيد الجزم، أي أن الآية تفيد تحريم المضارَّة.

و(الباء) في ] بِوَلَدِهَا [ و] بِوَلَدِهِ [ سببية، أي بسبب الولد.

] فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ[ أي إن أراد الوالدان فطامًا للمولود قبل الحولين المذكورين سابقًا ] حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ[ وفي الآية دلالة أن لا ينفرد أحد الوالدين بتقرير فطام المولود.

] فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ[ فلا إثم عليهما، أي مباح لهما ذلك.

] وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّآ ءَاتَيۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ[.

بعد أن بيَّن الله سبحانه مدة الرضاع الكامل وهي حولان ] وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ[ بعد ذلك بيَّن الله سبحانه تشاور الزوجـين حـول فطـام المولود قبل السنتين ] فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ [ وهنـا يتـوقع أن ترفض المرأة إكمال الرضاع للحولين فلا يتفقان على الفطام، ويحب الوالد أن يكـمل رضـاع ولده إلى الحولين، والأم ترفض ذلك لسبب أو لآخر، عندها ذكر الله سبحانه أن لا جناح على الوالد أن يسترضع لولده مرضعة أخرى.

]إِذَا سَلَّمۡتُم مَّآ ءَاتَيۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ[ أي إذا سلمتم للمراضع ما قررتم إيتاءهن من أجور بالمعروف لأمثالهن، ودلالة ]ءَاتَيۡتُم[ بالماضي لإفادة أمرين:

الأول: لصوق هذه الأجور بذمتهم منذ اليوم الأول للإرضاع.

الثاني: مفهوم إشارة بأفضلية دفع أجور المرضعة ابتداء.

فتسلموا الأمهات أجرة مدة الإرضاع الأول التي أرضعتها للولد، وتطيِّبوا أنفسهنَّ بالمعروف لأمثالهنَّ من أجرة، ثم تسلموا كذلك أجرة المرضعة الجديدة كذلك بالمعروف في مثل هذه الحالات ]تَسۡتَرۡضِعُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ[ أي تسترضعوا لأولادكم فحذف الجار على نحو قوله سبحانه ]وَإِذَا كَالُوهُمۡ[ المطففين/آية3 أي كالوا لهم.

  1. يبين الله سبحانه في الآية الثانية أن عدة المتوفى عنها زوجها هي أربعة أشهر وعشرًا، ويحرم خلالها على المرأة أن تتهيَّأ للأزواج من لباس جميل أو طيب ونحوه بل تعيش في بيتها عيش حداد: “لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا[1] كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا انتهت العدة فلا شيء عليها ولا على أوليائها إن فعلت في نفسها من العيش العادي كأية امرأة في حياتها الخاصة والعامة بالمعروف لأمثالها في الوسط الذي تعيش في حدود الشرع.

ثم يختم الله الآيـة الكريمـة بأن الله سـبحانـه خبير بما نعمل، مطلع عليه ويجزي به ]وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ [.

[1]           البخاري: 1201، 4918، مسلم: 273

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *