واجب العلماء تجاه عملية التغيير وإقامة الدين…
2018/05/22م
المقالات
5,564 زيارة
واجب العلماء تجاه عملية التغيير وإقامة الدين…
ويا ويل قوم يصمتون
عصام عميرة
بيت المقدس – فلسطين الأسيرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
إن لكل أمة روادًا، ورواد أمة الإسلام علماؤها الذين رفعهم الله في المسلمين مكانًا عليًّا، ومنحهم من الدرجات ما لم يمنح غيرهم في قوله تعالى: ] يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ١١ [. ذكر ابن جرير في قوله تعالى: ] يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ [ فقال: في دينهم إذا فعلوا ما أُمروا به. وقال: يرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم، فيما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين، الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به. وعن قتادة في قوله: ] يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ [: إن بالعلم لأهله فضلًا، وإن له على أهله حقًا، ولعمري للحقّ عليك أيها العالم فضل، والله معطي كل ذي فضل فضله.
وفي هذه الأقوال إشارة واضحة إلى أن العلماء إذا فعلوا ما أمروا به؛ فإن الله يمنحهم الدرجات المرفوعة، ويرفعهم الأمكنة العلية، وأما إن تجاهلوا علمهم ولم يفعلوا ما أمروا به، أو سخروا علمهم لخدمة أغراض أخرى كالتكسب به، أو ليقال عالم وتحقيق المكانة في المجتمع والوجاهة بين الناس، أو ترويج باطل الحكام لصرف العامة عن إنكار منكراتهم والتلبيس عليهم بوجوب طاعتهم وحرمة الخروج عليهم، وقد يكون المقصود ما تقدم جميعًا – والعياذ بالله -، فإنهم لن ينالوا من الله ما وعدهم، وسيكون عقابهم يوم القيامة أشد من غيرهم. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إنَّ أولَ الناسِ يُقضى يومَ القيامَةِ عليه، رجُلٌ استُشهِد، فأتى به فعرَّفه نِعَمَه فعرَفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: قاتَلتُ فِيكَ حتى استُشهِدتُ، قال: كذَبتَ، ولكنَّكَ قاتَلتَ لِأَنْ يُقالَ جَريءٌ، فقد قيل، ثم أمَر به فسُحِب على وجهِه حتى أُلقِيَ في النارِ. ورجُلٌ تعلَّم العِلمَ وعلَّمه وقرَأ القرآنَ. فأُتِي به، فعرَّفه نِعَمَه فعرَفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: تعلَّمتُ العِلمَ وعلَّمتُه وقرَأتُ فيكَ القرآنَ، قال: كذَبتَ، ولكنَّكَ تعلَّمتَ العِلمَ لِيُقالَ عالِمٌ، وقرَأتُ القُرآنَ لِيُقالَ هو قارِئٌ، فقد قيل، ثم أمَر به فسُحِبَ على وجهِه حتى أُلقِي في النارِ. ورجُلٌ وسَّع اللهُ عليه وأعطاه مِن أصنافِ المالِ كلِّه، فأتَى به فعرَّفه نِعَمَه فعرَفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: ما ترَكتُ مِن سبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنفَقَ فيها إلَّا أنفَقتُ فيها لكَ، قال: كذَبتَ، ولكنَّكَ فعَلتَ لِيُقالَ هو جَوَادٌ، فقد قيل، ثم أمَر به فسُحِب على وجهِه، ثم أُلقِي في النارِ».
هذا وإن من الواجبات العظيمة الملقاة على عاتق العلماء أن يبينوا للناس أمور دينهم، وما يُصلح لهم شأنهم، ويضمن سلامتهم من الفساد في الدنيا والخسران في الآخرة. وهذا هو الميثاق الذي أخذه الله عليهم في قوله تعالى: ] وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ ١٨٧
[. قال ابن جرير عن قتادة: ] وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ [ الآية، هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئًا فليعلِّمه، وإياكم وكتمانَ العلم، فإن كتمان العلم هَلَكة، ولا يتكلَّفن رجلٌ ما لا علم له به، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلِّفين. وكان يقال: «مثلُ علم لا يقال به، كمثل كنـز لا ينفق منه! ومثل حكمة لا تخرج، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب». وكان يقال: «طوبى لعالم ناطق، وطوبى لمستمع واعٍ». هذا رجلٌ علم علمًا فعلّمه وبذله ودعا إليه، ورجلٌ سمع خيرًا فحفظه ووعاه وانتفع به.
وتأسيسًا على ما تقدم من الأدلة، وهي غيض من فيض، فإن من واجب العلماء أن يبصّروا الناس بالحق، وأن يجتهدوا في بسطه وتقديمه نقيًا صافيًا من الشوائب، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، فلا يجرؤ حاكم أن يسلبهم حقوقهم، أو أن يسوقهم إلى المهالك، أو أن يُطمع فيهم عدوهم فيأخذ بعض ما في أيديهم. وذلك كله حاصل في المسلمين اليوم وزيادة، فالحكم بما أنزل الله معطل والعلماء ينظرون، والناس ما بين هالك أو مقتول أو جائع أو مشرد أو فقير أو مريض أو منكوب، والكرب شديد، والحال في بلاد المسلمين يغني عن أي مقال. فما بال كثير من العلماء لا يقومون بواجبهم في عملية التغيير التي وجدت استحقاقاتها، واستُكملت أركان القيام بها منذ أمد بعيد، وأقربه هدم الخلافة العثمانية وضياع إقامة الدين؟!
جاء في موسوعة ويكيبيديا الحرة: ومن الحقائق الذهبية النادرة لتاريخ أراكان أنه كان يشترط لملوك أراكان قبل توليهم على عرش الدولة أن يكونوا حاصلين على شهادة الفضيلة في العلوم الإسلامية، وكانت العملات والوسامات والشعارات الملكية تنقش وتحفر فيها كلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» والآية القرآنية: ] أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ [.
فانظروا رحمكم الله ماذا حصل للمسلمين في تلك الولاية في ميانمار التي كان يقام الدين فيها، بعد أن تبدلت أمورها وسيطر الكفار عليها! وليس ما حصل في أفريقيا الوسطى والجزائر وفلسطين والعراق والشام وليبيا وغيرها منكم ببعيد، وذلك بعد أن أقصي الدين عن الحكم والسياسة والاقتصاد، وتبنى الحكام الفسقة فصل الدين عن الحياة، دخولًا في جحر الضب الذي دخله الرأسماليون الديمقراطيون والشيوعيون الاشتراكيون والملحدون. وشايعهم العلماء في فسقهم هذا وضلالهم، وزينوا لهم باطلهم، حتى صار ذكر العلماء في الناس ممقوتًا بعد أن كان محمودًا، وصمتوا صمت القبور عن تلكم المنكرات، تحت ذرائع باطلة وحجج واهية، بل إنهم عمدوا إلى لَيِّ أعناق النصوص والأدلة لتوافق هوى الحكام، وإضلال الأنام. فكان ذنبهم مضاعفًا: صمتوا عن المنكرات، وكتموا المعلومات، وشايعوا أصحاب الهوى والضلالات… ويا ويل قوم يصمتون!
ولعل بعضهم قد اختفى وراء الفهم الخاطئ لقوله تعالى ] يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ [، فيرى ذمته قد برئت من العمل للتغيير بحجة صلاح نفسه بزعمه، وأنه إن صلح، فإن فساد الآخرين لا يضره!! أخرج الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنهُ قال: أيُّها الناسُ: إنَّكم تقرؤونَ هذهِ الآيةَ ] يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡ [، وإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يدَيهِ أوشكَ أن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابٍ منهُ». وهو من الأحاديث المستفيضة عن الرواة الثقاة، وفي كتب العلم المشهورة، وحدث بها أكابر العلماء حتى أصبح معناه من المعلوم من الدين بالضرورة. فلماذا لا يفهمه علماؤنا اليوم؟! ولماذا هذا التغافل والصمت المطبق عن الظالمين ومنكراتهم؟!…
ألم يأتِهم نبأ المنكرات التي ترتكب مع كل دقة من دقات الساعة في العالم الإسلامي؟! ألم يسمعوا عن أعمال قتل ثورة الشام المباركة، وتحويلها إلى ثورة فصائلية يسهل معها ربط قادة الفصائل والشرعيين بالداعمين من أصحاب المال السياسي الذي يُعمي الأبصار، ويطمس على الأفئدة والبصائر؟… فيا ويل قوم يصمتون عن ضياع تضحيات أهل الشام! ثم ألم يأتِهم نبأ المجازر الفظيعة وأعمال التطهير العرقي لمسلمي ولاية أراكان في ميانمار؟ فيا ويل قوم يصمتون عن معاناتهم!
ألم يأتِهم نبأ سفاهة حكام المسلمين من أشباه الرجال، وهم يتآمرون على أرض الإسراء والمعراج لتصفية القضية الفلسطينية بصفقة القرن، ويعيثون في بلاد الشام وأرض الإيمان والحكمة وبلاد الرافدين وغيرها من بلاد المسلمين، لتثبيت الكافرين على أراضي المسلمين، وإعطائهم التسهيلات السياسية والاقتصادية والعسكرية؟ ولماذا لم يقولوا لهم: تنحَّوا جانبًا، وأفسحوا الطريق للرجال القادرين على الحكم بنزاهة وشفافية ضمن حدود الشريعة الإسلامية؛ كي يصنعوا لهذه الأمة تاريخًا جديدًا؟… فيا ويل قوم يصمتون على بقاء الأنذال في الحكم ساعة من نهار!
ألم يأتِهم نبأ الغوطة التي تغرق بالدماء والدمار والأشلاء بعد الحصار الطويل الخانق، وتشتت مقاتلي الفصائل والجيش الذي يزعم أنه حر، وترك رأس الأفعى في دمشق ينسق مع الروس المجرمين وميليشيات إيران الخائنين، في ظل صمت مطبق من هؤلاء القادة والحكام المجاورين وغير المجاورين، وجنود فرعون وإبليس أجمعين؟… فيا ويل قوم يصمتون على مجازر الغوطة، كما صمتوا من قبل على مجازر حلب والموصل وسيربرنتسا وصبرا وشاتيلا ودير ياسين والأقصى وغيرها! وليعلم كل من كان بيده منعها أو تخفيفها وتنكَّبَ أو تخاذل، فإنه يكون قد خذل المسلمين، وسيخذله الله عز وجل. عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئٍ يخذلُ امرأً مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيهِ مِنْ عرضِهِ، ويُنتهكُ فيهِ مِنْ حُرمَتِهِ، إلَّا خَذَلَهُ اللهُ تعالى في موطنٍ يُحبُّ فيهِ نُصرتَهُ، ومَا منْ أحدٍ ينصرُ مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيهِ منْ عرضِهِ، ويُنتَهكُ فيهِ منْ حُرمَتِهِ، إلَّا نصرَهُ اللهُ في مَوْطِنٍ يُحبُّ فيهِ نُصرَتَهُ». فهؤلاء قوم صمتوا صمت أهل القبور، واختبؤوا وراء جدار الصمت، ولم تؤثر فيهم صيحات الأطفال وأنين الثكالى، ولم تهزَّ مشاعرهم مشاهد القتل والدمار وشلالات الدماء وهدم المنازل والمساجد والمستشفيات، خذلونا… خذلهم الله، فأين علماؤنا عن واجب نصرة المسلمين ولو بالكلمة التي هي عدة العلماء وعتادهم؟!
ألم يأتهم نبأ الذين شاركوا بإحياء ما يسمى بالتراث الفلسطيني و»الفولكلور»، قبل أن يسرقه الاحتلال منهم كما زعم عميد شؤون الطلبة في إحدى الجامعات الفلسطينية؟ دبكات مختلطة على أنغام الأغاني الشعبية يرقص فيها الشباب والفتيات عند دوار نيلسون منديلا في رام الله، وبالتعاون مع بلديتها! وليست نابلس وطولكرم وجنين وباقي المحافظات بمنأى عن هذا الشر المستطير، طالبات وطلاب في المدارس والجامعات يرقصون ويتمايلون سويًا في الشارع العام على أنغام دبكة «أنا فلسطيني» و«الدحية» للاحتجاج على دور الأمم المتحدة في عملية السلام، أمام الرجال وكاميرات الإعلام والمسؤولين! يشاهدون بناتنا وهن يرقصن ويتمايلن برفقة الطلاب.. من خلال برامج خبيثة تنفذها الوزارات والمعاهد العلمية برعاية الجمعيات المشبوهة، والمؤسسات الخبيثة، والبعثات البابوية الحاقدة، تحت عنوان النشاطات اللامنهجية. يريدون غرس ثقافة الرقص والاختلاط وقلة الحياء بدلًا من ثقافة الإسلام والاستشهاد والعفة. ويريدون تشويه تاريخ فلسطين وأهلها، من أمة قائدها محمد صلى الله عليه وسلم، وأجدادها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، إلى أناس أجدادهم نيلسون منديلا وراقص وراقصة ومغن وساقط، ويفتخرون بأن لهم عشرة مشاركين في «الأراب أيدول»؟! رقصة من أجل الأقصى، ودبكة من أجل فلسطين، ومارثون من أجل الأسرى، ودحية من أجل السلام؟!… فيا ويل قوم يصمتون على هذا العهر الفاضح في أرض الإسراء والمعراج، أرض الشهداء والصحابة! فأين علماؤنا عن هؤلاء المسؤولين الفسقة؟، ولماذا لم يقولوا لهم: كفوا أيديكم عن أبنائنا وبناتنا، فالمدارس وجدت للعلم لا للعهر، وارحلوا عنا وعن فلسطين كلها إن كنتم لا تطيقون أن تروا العفة أمامكم، عودوا من حيث أتيتم، واختاروا أرضًا يخلُ لكم فيها وجه ثقافتكم القبيحة، واتركوا أهل الأرض المباركة يتدبرون أمرهم. فإنهم قوم عشقوا الإسلام، ويريدون العفة والطهارة، والله يتولى الصالحين، ويُهلك الطغاة والمفسدين؟… فيا ويل قوم يصمتون!
أين علماؤنا الأفاضل من الحل الوحيد لهذه المعضلات وغيرها، والذي هو عودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهي الحامية والواقية، ففيها الإمام الجُنَّة الذي يقاتل من ورائه ويتقى به؟!… فيا ويل قوم يصمتون على المنكرات التي كثرت، والمآسي التي عمت وطمت! ولماذا لا يكون العلماء في مقدمة ركب العاملين لإقامتها؟! ألم يقرؤوا قول الله عز وجل: ]² فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ ١١٦. قال أهل التفسير: ذو بقية من الفهم والعقل، يعتبرون مواعظَ الله ويتدبرون حججه، فيعرفون ما لهم في الإيمان بالله، ينهون عن الفساد في الأرض، وينهون أهل المعاصي عن معاصيهم، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به في أرضه، فنجاهم الله من عذابه، وهم أتباع الأنبياء والرسل، وأخذ من كان مقيمًا على الكفر بالله عذابُه. هذا هو جزاء الذي ينسى ما ذكره الله به من محاربة المفسدين والمتآمرين وغيرهم. ويا ليت العذابَ يقف عند حدود المفسدين خاصة، ولكنه يتعداه إلى العامة مصداقًا لقوله سبحانه: ] وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ [. فما أصابنا هنا في فلسطين، ويصيب أهل أراكان والشام واليمن وغيرها هناك، فبذنوبنا وذنوبهم، وهذه هي العلاقة التبادلية بين المعاصي والمصائب، وهكذا تعمل سنة الله في الصامتين عن المنكر… ويا ويل قوم يصمتون!
وختامًا فإني أوجه هذا النداء إلى كل من أنعم الله عليه بنعمة العلم الشرعي، وعرف صلته بخالقه، فصفت عقيدته، ونقت سريرته، وأيقن بلقاء ربه، ثم اطلع على مآسي أمته، ورآها تذبح من الوريد إلى الوريد، أن يبادر من فوره لإدراك ما يمكن إدراكه قبل أن تهلك هذه الأمة وهم ينظرون، وعندها يندمون ولات ساعة مندم.
فاللهم يا من عزَّ فارتفع، وذلَّ كل شيء لعظمته وخضع، وجهك أكرم الوجوه، وجاهك أعظم الجاه، وعطيتك أعظم العطية، تجيب المضطر وتكشف الضر، وتغفر الذنب وتقبل التوب، لا إله إلا أنت، يا سامع كل نجوى، يا من إليك منتهى كل شكوى، يا رافع كل بلوى، يا من عليه يتوكل المتوكلون، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك أن ترحم هذه الأمة رحمة عامة، تعز فيها أولياءك وتذل أعداءك، وتجعل كلمتك العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، اللهم اجعل علماءنا الأفاضل هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، ووفقهم للعمل مع العاملين لإقامة خلافة المسلمين الحقيقية الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
2018-05-22