العدد 378-379-380 -

السنة الثالثة والثلاثين، رجب-شعبان-رمضان 1439هـ، نيسان-أيار-حزيران 2018م

يا أمة الإسلام… إلامَ تبقين دون إمام يرد عنك عوادي الزمان

يا أمة الإسلام…

إلامَ تبقين دون إمام

يرد عنك عوادي الزمان

 

الأستاذة زينة الصّامت

من سنن الله عزّ وجلّ في هذا الكون أنْ خلق النّاس أممًا: ]وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ [، والأمم جمع الأمّة، وهي حسب ما ورد في (المعجم الغنيّ): «جمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ تَجْمَعُهُمْ رَوَابِطُ تَارِيخِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ، قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَا هُوَ لُغَوِيٌّ أوْ دِينِيٌّ أوِ اقْتِصَادِيٌّ، وَلَهُمْ أهْدَافٌ مُشْتَرَكَةٌ فِي العَقِيدَةِ أَوِ السِّيَاسَةِ أَوِ الاقْتِصَادِ». خلقها الله وجعلها تتنافس على القيادة والسّيادة لتفرض ما اجتمعت عليه – كأمّة – على سائر الأمم الأخرى ]وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ[ ويقول سبحانه وتعالى: ]وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ[. فهذه الأمم تتدافع لتنال الصّدارة وتسيّر العالم وفق وجهة نظرها. فهي معركة بين الحقّ والباطل، وصراع لن ينتهي إلى قيام السّاعة.

وأمّة الإسلام أمّة اجتمعت على كلمة «لا إله إلّا الله»، أي لا معبود بحق ولا مشرّع إلّا الله… وقادت العالم به قرونًا وسادته وفرضت أحكام الله لتسيّر بحسبها الحياة. لقد كانت أمّة في الصّدارة ولكنّها اليوم صارت في ذيل الأمم، تتهافت عليها الدّول كما تتهافت السّباع الجياع على الفريسة، فهل سترضى بالبقاء في هذه المرتبة المهينة الوضيعة؟! وهل ستركن للجمود والخمود وتقبع تحت ذلٍ وهوانٍ مقيتين؟!

اتّبعت أمّة الإسلام طريقًا وسلكته بدقّة واقتدت في ذلك بسيرة نبيّها، ولم تَحِدْ عنه؛ فقادت العالم وسادته، وعليها اليوم – حتّى تكون في الصّدارة – أن تعود إليه وتسلكه، وترمي كلّ السّبل الأخرى التي وضعها الأعداء أمامها ليضلّلوها ويحيدوا بها عنه؛ لأنّه الوحيد الذي جعل منها وسيجعلها من جديد – بإذن الله – أعظم وأعزّ أمّة عرفها التّاريخ.

قال تعالى: ]وَمِمَّنۡ خَلَقۡنَآ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ[، أي يهدون النّاس بما أنزل الله ويحكمون به بينهم. وقال تعالى: ]كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ[ أي كنتم خير أمّة حال كونكم آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر مؤمنين بالله، وبما يجب عليكم الإيمان به من كتابه سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما شرعه لعباده، كما ورد في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وصوله إلى المدينة المنوّرة: «هذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ، فَحَلَّ مَعَهُمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ…».

وحدة الأمّة هي وحدة في العقيدة والرّسالة والنّظام. أمّا العقيدة: فأمّة الإسلام لم تنتفض يومًا ولم ترفع شعار «الأمّة تريد الخروج عن الإسلام»، والأمّة لم ولن تجتمع على كفر؛ ]ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ [. وأمّا الرّسالة، فالأمّة تُجمع أنّ محمّدًا صلى الله عليه وسلم رسولًا بعثه الله هداية ورحمة للعالمين ]قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ [. أمّا النّظام، فالأمّة بعد أن كانت مجتمعة تحت نظام ينفّذ فيها أحكام ربّها ويسير بها على خُطا نبيّها، فرّقها الأعداء والخونة، وأضاعوا سلطانها، وأسقطوا كيانها… وبعدها رُفعت شعارات كثيرة لإيهام الأمّة بأنّ رافعيها يعملون على إعادة المجد الضائع والعزّ المسلوب والنّهضة بها من جديد؛ في خبث ودهاء كبيرين؛ لصرفها عن الطّريق الصّحيح والوحيد لتنفيذ هذا المشروع.

تمكّن أعداء الأمّة الإسلاميّة ومن والاهم من طمس معالم النّظام الإسلاميّ الذي يجب أن تعمل به الأمّة، والذي يستوجب وحدة مصدر التّشريع، فالله عزّ وجلّ هو الخالق، وله وحده الأمر والتّشريع، وعلى الحاكم والمحكوم على حدّ سواء الامتثال لشرع الله؛ قال تعالى: ]وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ[، وقال تعالى: ]وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ
لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ[ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَضَ فَرائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وحدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوهَا، وحَرَّم أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها».

كما يستوجب هذا النّظام أن يكون القائم على تنفيذ الأحكام وتطبيقها حاكم واحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا».

طمس هؤلاء الحاقدون – الذين يعملون على ترسيخ مشروعهم الاستعماري لنهب ثروات الأمّة وفرض حضارتهم الغربيّة – معالم القضيّة الأمّ، القضيّة المصيريّة للأمّة، وألهَوها بقضايا ثانويّة لا تغني الأمّة عمّا تكابده من فرقة وتشتّت وضعف وهوان، وصرفوا نظرها عن دينها… فضعف فهم الأمّة لدينها وكانت النّكبة الكبرى: سوء الفهم هذا توارثته جيلًا بعد جيل لتخرج شخصيّات مغتربة لا تعرف أحكام دينها مذبذبة غير مركّزة. فلم يرسّخ الآباء في أبنائهم الفهم الصّحيح السّليم للإسلام ويبنوه فيهم بناء مركّزًا ثابتًا لا تهزّه رياح حضارات الأمم الأخرى ولا حتّى أعاصيرها؛ لأنّهم متيقّنون بأنّ هذا الدّين هو الدّين الحقّ، وهو دين ربّ العالمين الذي ارتضاه للعالمين؛ حتّى تستقيم حياتهم ويحيَوا في طمأنينة وأمان.

ضاع الفهم الصّحيح للإسلام فأهمل وانحسر بل انحصر في صلاة وصيام وحجّ… ورُكِنَ – كنظام يعالج مشاكل الحياة – على الرّفوف ليحلّ محلّه تشريع بشريّ يسعى أصحابه للسّيطرة على العالم وإفقاد هذه الأمّة حيويّتها وروحها؛ لتصبح جامدة مغيَّبة الفكر؛ ليقودها مجرمو الغرب لجحرهم، وليوجّهوها أينما ذهبوا وكيفما شاؤوا…

أُبعِد الإسلامُ، عقيدةً وشريعةً، عن الدّولة وعن شؤون حياة الأمّة، وفُتِح البابُ على مصراعيه لدعاة الكفر والحكم بغير ما أنزل الله. وقد تولّى أمر الأمّة حكّامٌ يحرسون أنظمة الكفر ويقومون بتنفيذ قوانينها ويمرّرون مفاهيمها بدل حراسة الإسلام وأحكامه وتنفيذها في الأمّة، حكّامٌ يحاربون كلّ من يعمل على إعادة الحكم بالإسلام، ويتّهمون كلّ من يسعى لإعادة الأمّة للصّدارة بـ (الإرهاب) حتّى لا يلقوا من الأمّة دعمًا ولا تجاوبًا؛ فلا تثق بهم، ولا تجعل منهم قيادة تسلك بهم إلى طريق النّجاة والخلاص…

تُرى، أكان هذا نتيجة عدم ثقة في أنّ الإسلام نظام صالح لقيادة العالم، وأنّ هذه الأمّة لم تعد قادرة على أن تكون في الصّدارة لتسود الدّول العظمى وتقودها، وأنّ الغرب الكافر صار قويًّا يمتلك العديد من الأسلحة ولا قِبَلَ لهم بالوقوف بوجهه؟؟

لقد نكبت الأمّة يوم رضيت بذلك وفرّطت في سلطانها فانقضّ عليها الأعداء وأسقطوا نظامها الذي حكمت به قرونًا… فجعل العقيدة حيّة يجعل قلب الأمة ينبض كأمة من جديد؛ ليضخّ الدّماء الجديدة؛ فتبعث الحيويّة والنّشاط في حياة المسلمين، ولكن كيف قبلت الأمّة أن ترمي بنظام ربّها العادل والكامل وتحيا بنظام بشريّ ظالم ناقص؟ ولماذا غاب عن الأمّة الشّوق إلى الفوز بالجنّة والخوف من غضب الله ونار جهنّم وعذابها؟ وكيف لا يغضب المسلمون لدينهم ولأحكامه التي تنتهك ويُستهزأ بها، وكيف لا يدفعهم الألم لنجدة إخوانهم الذين تفصلهم عنهم حدود صنعها الأعداء لتفرقتهم، مما يحلّ بهم، بل يسيرون مضبوعين وراء دعاة الوطنيّة والقوميّة؟!

إنّ الأمّة الإسلاميّة هي الأمّة التي تؤمن بالعقيدة الإسلاميّة، وتضع أحكام الإسلام موضع التّطبيق، وتحمل الإسلام رسالة رحمة إلى البشريّة جمعاء. هذا هو الوضع الطّبيعيّ لأمّة الإسلام، وهذا هو دورها المنوط بعهدتها، وهذا ما يجب أن تكون عليه. ولكنّ الواقع غير ذلك: فـ «لا إله إلّا الله» التي جمعت الأمّة وجعلتها عظيمة، والتي كانت تهزّ القلوب وتدفعها للتّضحية بكلّ غال ونفيس في سبيل رفع رايتها، فقدت معناها في نفوس المسلمين، ولم تعد مفهومة ذلك الفهم الدّقيق الصّحيح الذي بنى صرح أمّة تهابها باقي الأمم. لقد أصبحت عقيدة المسلمين منفصلة عن حياتهم وعن تنظيمها، وصارت جامدة في رفوف المكتبات… فكيف لأمّة الإسلام أن ترضى بتشريع من غير ربّها يسيّر حياتها وينظّمها؟! هل رضيت أمّة الإسلام في ظلّ دولتها أن تحكم بغير شرع الله؟ وهل سمحت بوجود مصدر غير كتاب ربّها وسنّة نبيّها يشرّع لها الأحكام وينظّم سير حياتها؟

يا أمّة الإسلام كفانا خزيًا، وكفانا عارًا أن نواصل الحياة دون كيان ينفّذ فينا أحكام ديننا!! كفانا ذلًّا وصغارًا ونحن نحيا حياة يسيّرها أعداء ديننا، وينشرون فينا الفاحشة والظّلمات، وقد كنّا الأمّة التي تنشر العدل والنّور!! إنّ ما تعيشه الأمّة الإسلاميّة هو نتيجة غياب حكم ربّها فيها ]وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ١٢٥ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ١٢٦ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ يُؤۡمِنۢ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰٓ ١٢٧[

يقول سبحانه وتعالى: ]وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ٣٣[ ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»… تلك هي وجهة النّظر التي رسّخها الإسلام في العباد أن تكون الحياة ممرًّا يسلكه الإنسان ليصل إلى الدّار الباقية، يعمل فقط لإرضاء خالقه بنشر دينه ورفع رايته وجعل أحكام الله سائدة في العالم تنظّمه كما أراد الله… تلك هي وجهة النّظر التي سادت فقدّمت أمّة الإسلام أبناءها ليكونوا الحصن المنيع للحفاظ على هذا الدّين ونشر رسالته في العالمين. هكذا هي أمّة الإسلام، لا همّ لها سوى العمل على أن يسود شرع الرّحمن فيحكم العالم وينقذ البشريّة من ظلم الإنسان.

هكذا أنت يا أمّة الإسلام؛ لست الأمّة الضّعيفة التي تسير في ركب غيرها! لست الأمّة التّابعة التي يسعى أعداؤك وأعداء دينك أن يضعفوك بل يقتلوك! خاب فألهم، ولن يصدق حدسهم، بإذن الله، فأنت لست كغيرك من الأمم؛ أنت أمّة لا تموت لأنّك أمّة دين الله «الإسلام» وسينصرك الله إن نصرتِه، ورفعتِ راية دينه، وجعلتِها ترفرف عاليًا.

هذا ما دأب عليه الصّحابة والمسلمون من بعدهم؛ حملوا هذه الدّعوة العظيمة إلى مشارق الأرض ومغاربها ليخرجوا النّاس من الظّلمات إلى النّور. سأل رستم ربعي بن عامر رضي الله عنه: ما الذي جاء بكم؟ فردّ عليه وقال: «إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة». ولكنّنا اليوم نرى أمّة الإسلام وقد حُملت إليها الأفكارُ الفاسدة الهدّامة التي لم تجلب سوى الدّمار والخراب والحروب والويلات، وجعلت حياة النّاس مليئة بالبؤس والشّقاء والضّنك.

يا أبناء خير أمّة أخرجت للنّاس! حريّ بكم دراسة مشروعكم العظيم و «إعادة أمّتكم إلى الصّدارة» لتقود العالم إلى الخير… حريّ بكم أن تعقلوا سيرة نبيّكم الحبيب صلى الله عليه وسلم وقد أخذ بالأسباب ليبني دولته ويوحّد أمّته، واحتاط من كلّ ما من شأنه أن يضعفها ويضيّعها… هو قدوتنا وعلى هديه نسير. يقول سيّد قطب: «لا يقعدنَّ أهل الحقّ كسالى يرتقبون أن تجري سنّة الله بلا عمل منهم ولا كدّ، فإنّهم حينئذ لا يمثّلون الحقّ، ولا يكونون أهله، وهم كسالى قاعدون».

أمّتي!!… يا خير أمّة أخرجها الله للنّاس! كيف تحيَيْن وقد تداعت عليك الأمم الأخرى تنهش أراضيك وتنتهك حرماتك ومقدّساتك؟! كيف ترضين أن يحكمك خونة خانوا الله ورسوله وخانوك واتّبعوا خُطا الكفّار والمجرمين؟!

ألم تتبيَّني بعدُ أنّك لن تعرفي الإسلام في حياتك إن غاب عنه السّلطان؟ ألم ينجلِ لك بعدُ عِظم الإثم الذي تعيشينه دون دولة ترعى شؤونك بالإسلام وتجمعك تحت راية واحدة فتأخذي مكانتك الحقيقيّة بين الأمم؟! كيف تبقَين دون إمام ينفّذ فيك أحكام دينك ويحمي بيضتك ويدافع عنك ضدّ كلّ من تسوّل له نفسه الاعتداء ولو على شبر واحد من أراضيك أو انتهاك حرمة من حرماتك؟ مرّ عليك ما يناهز قرنًا من الزّمان وأنت بلا إمام ينشر الإسلام رحمة في العالمين!

كُنَّا مُلُوكًا عَـــلَى الدُّنْيَا وَكَـانَ لَنَا

مَلِكٌ عَظِيمٌ وَكُنَّا سَـــادَةَ الأُمَمِ

كِسْرَى وَقَيْصَرُ وَالْخَاقَانُ دَانَ لَنَا

وَأَمْرُنَا كَانَ بَيْنَ السَّيْفِ وَالْقَلَمِ

هذا هو الوضع الطّبيعيّ لأمّة وهبها الله خير تشريع يرعى شؤون الإنسان وينظّم حياته تنظيمًا محكمًا، وينفّذه إمام تبايعه الأمّة… أمّة الخير! هذا هو مشروعك الذي عليك العمل على تنفيذه: خلافة راشدة على منهاج نبيّك وحبيبك محمّد صلى الله عليه وسلم. فهيّا – يا أبناء هذه الأمّة – شمّروا عن سواعدكم واعملوا مع العاملين المخلصين لنصرة هذا الدّين.

هيّا – يا أبناء أعزّ أمّة – أعلوا الهمم، واعقدوا الميثاق، واصدعوا أن لا راحة بعد اليوم حتّى يعود نظام الإسلام إلى حياتكم فينظّمها، وتنشروه هداية ورحمة للعالمين، وتعود أمّتكم أفضل أمّة بين الأمم، تتربّع على عرشها وتعلو القمم!.

قال تعالى: ]وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥[.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *