العدد 378-379-380 -

السنة الثالثة والثلاثين، رجب-شعبان-رمضان 1439هـ، نيسان-أيار-حزيران 2018م

أيها المسلمون، اختصروا مآسيكم بالعمل لإقامة الخلافة على منهاج النبوة

أيها المسلمون، اختصروا مآسيكم

بالعمل لإقامة الخلافة على منهاج النبوة

 

عبد الله عبد الرحمن

 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

منّ الله على هذه الأمة بهذا الدين العظيم وأخرجها به من الظلمات إلى النور وأعزها وأكرمها وجعل منها خير أمة أخرجت للناس، وكانت بحملها لهذا الدين حملًا صحيحًا سيدة الدنيا لما يزيد عن ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، انتشرت جيوشها شرقًا وغربًا لتزيل العوائق والحواجز المادية التي تحول بين الأمم الأخرى وبين هذا الخير، ففتحت البلاد ونشرت الخير والعدل بين العباد، وأزالت ملك الأكاسرة، وقهرت جبروت القياصرة، وأزالت ممالك وعروشًا، وصهرت بلادًا وشعوبًا في جسمها فصارت جزءاً منها لا يتجزأ، انتزعتها من بين أنياب الغرب الذي كان يفترسها ويلتهم خيراتها، فحرَّرت الشعوب وأعادت إليهم خيراتهم وثرواتهم.

 وظل الصراع بين الأمة والغرب لقرون كانت الغلبة فيها للأمة التي ظلت مرتبطة بدينها تجعل منه أساسًا لتفكيرها، وتجعل من أحكامه الشرعية حلولًا لمشكلات حياتها، وقوانين تسيِّر بها حياتها، فلم تكن قوة على الأرض تستطيع مغالبتها؛ فهي أمة تحركها عقيدة لو استعرضت للجبال لأزالتها، وهو ما ترجمته بشكل عملي بطولات الصحابة والتابعين وجيوش الأمة حتى آخر سلاطين المسلمين.

أدرك الغرب، على مدار قرون، صراعه مع الإسلام ودولته أنه لن يستطيع التغلب على الأمة طالما بقيت على رباط بالعقيدة والأحكام الشرعية، فعمل على الفصل بين الأمة وبين عقيدتها، وعمل جاهدًا على هدم الدولة التي ترسخ لهذه العقيدة وتحميها وتحملها للعالم وتطبق الإسلام وتلزم الناس به وبأحكامه؛ حتى يستطيع التغلب على هذه الأمة. وبعد طول صراع وطول كيد ومكر خبيثين تمكنت بريطانيا من هدم الخلافة، وتفتيت الأمة على يد عميلها مصطفى كمال، وأجبرت هذه الأمة على التحاكم للقوانين الغربية بقوة الحديد والنار، وأنشأ الغرب في الأمة أوساطًا سياسية وأحزابًا علمانية قوامها من عملائه المضبوعين بالثقافة الغربية حتى تمكن بعملائه من الحكام والنخب السياسية المدعومة بقوة الجبر والقهر من إجبار الأمة على السير وفق حضارة الغرب وتبني وجهة نظره في الحياة، فتغيرت أساليب عيشها، وفرضت طرق التعليم ومناهجه عليها؛ فنتج جراء ذلك أجيال تجهل تاريخها، فاقدة لهويتها، لا ترتبط بعقيدتها، أو فلنقل حتى صار ما نراه الآن في بلادنا نعيشه واقعًا مؤلمـًا.

وكرد فعل على حركات تغريب الأمة ومحاولات سلخها من عقيدتها وهويتها؛ نشأت حركات وأحزاب كـ حزب التحرير الذي يسعى للتغيير عاملًا على إعادة الأمة لسابق عهدها ومجدها؛ وذلك بالعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فيضخ في الأمة أفكار التحرر من هيمنة الغرب والتبعية له، ويفضح مؤامرات حكام المسلمين، ويكشف خيانتهم للأمة وعمالتهم للغرب الكافر المستعمر، فأخذت هذه الأفكار تنمو في الأمة، يساعد على نموها ما عانته الأمة من قمع وقهر وإفقار واستعباد، ونهب مستمر للخيرات والثروات، وإثقال لكاهلها بمزيد من القروض والضرائب والأعباء… حتى حدث ما رأينا من ثورات الأمة المتتالية، والتي بدأت من تونس ومصر وليبيا واليمن، وعلى رأسها ثورة الأمة الحقيقية في بلاد الشام الأبية، ورأينا كيف التفَّ الغرب على هذه الثورات، واستطاع إلجام الشعوب ولو إلى حين، وأعاد إنتاج نظامه بعملاء جدد وبشكل أقسى وأشد على الأمة، إلا ثورة الشام التي أعيتهم وأفشلت خططهم؛ لأنها ومن يومها الأول خرجت تحمل مشروعًا حقيقيًا واضحًا تطالب بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فاستعصت على خطط الغرب ومكره ومؤامراته وأفشلتها جميعها، خطة تلو خطة، ومؤامرة تلو مؤامرة، حتى صبت عليهم أميركا جام غضبها فقصفتهم بيدها ويد حلفائها وعملائها بلا رحمة.

أيها المسلمون، إنكم الآن، وبعدما رأيتم ما حل ويحل بكم بعد هذه الثورات، لا خيار أمامكم، ولا يُصلح حالكم إلا حل واحد يختصر كل مآسيكم، ويعالج كل مشكلاتكم، وينهي عقود معاناتكم وآلامكم… هو حل الخلافة على منهاج النبوة؛ فلا سبيل أمامكم غيرها، ولن ينجيكم مما أنتم فيه سواها، مهما جربتم من حلول، ومهما حاول الغرب خداعكم به من مقترحات ليلفت انتباهكم عنها. ألا فلتعلموا أن بها وحدها يرضى ربكم عنكم بتطبيق أحكامه عليكم وفيكم… وبها وحدها يتحقق ما تصبون إليه، وما خرجت ثوراتكم لتطالب به من حياة كريمة ورغد عيش لم ولن يتحقق في ظل الرأسمالية الجشعة، التي مهما غيَّروا من ثيابها، وبدَّلوا من مسمياتها؛ فستبقى عفنة منتنة؛ فالفظوها فهي سم زعاف.

أيها المسلمون، ألا فلتعلموا أنه لا خلاص ولا نهضة حقيقية لبلادكم بغير الخلافة، وسيظل دورانكم وسعيكم في حلقة مفرغة إلا أن تكون الخلافة مطلبكم على الحقيقة، وأن يكون سعيكم لها لغاية رضوان الله عز وجل قبل الرخاء ورغد العيش الذي سيكون من نصيبكم لا محالة كنتيجة طبيعية لتطبيق الإسلام عليكم، والذي سبق وحكم فأنتج خير نماذج عرفتها البشرية، وخير عدل شاهدوه؛ فكان من خلفائنا عمر بن الخطاب الذي قال وهو في المدينة: «لو عثرت دابة في العراق لسألني ربي عنها، لمَ لمْ تمهِّد لها الطريق يا عمر»، فكم من طرقاتنا تحفُّ بمهالك الإهمال؟!… وكان من خلفائنا عمر بن عبد العزيز الذي قال: «انثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين»، فكم من أطفال المسلمين الآن جوعى بسبب الرأسمالية الحاكمة وتسلط الغرب علينا؟!.. وكان من خلفائنا المعتصم الذي حرَّك جيوشه لفتح عمورية نصرة لامرأة واحدة من نساء الأمة وقعت في أسر الروم، فكم من أعراض نسائنا تنتهك الآن؟! وكم يقتل من أطفالنا وشبابنا وشيبنا؟! وكم تنهب من ثرواتنا؟! وكم يقتطع الغرب من أرضنا وديارنا دون رقيب أو حسيب؟!…

أيها المسلمون، هكذا كان حالنا لما كانت لنا خلافة، ويحكمنا خليفة بكتاب الله عز وجل… كنا سادة الدنيا، وكان رد هارون الرشيد على نكفور ملك الروم الشهير: «من هارون الرشيد، أمير المؤمنين، إلى نكفور كلب الروم، أما بعد، فيا ابن الكافرة، إن ما ترى دون ما تسمع، واللهِ لأبعثنًّ إليك بجيوش، أولها عندك وآخرها عندي».

 أما لما غابت الخلافة، فضاعت هيبتنا، وقسم الغرب دولتنا، وفرَّق جماعتنا، وصرنا أيتامًا على موائد اللئام… وسنبقى هكذا طالما بقينا بلا خلافة… ولا خلاص لنا إلا بحكم رشيد يعيدها لنا على منهاج النبوة، تجمع شتاتنا، وتحمي بيضتنا، ويؤلف الله بها بين قلوبنا، فتعيدنا سادة للدنيا من جديد؛ نعلي فيها عدل الإسلام، ونخرج بها الناس من ظلمات الرأسمالية إلى نور الإسلام… اللهم عجِّل لنا بها، واجعلنا من جنودها وشهودها…

قال تعالى: ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٢٤[.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *