الفرعونيّة: قسمات وملامح
1989/06/10م
المقالات
2,993 زيارة
ليست الفرعونيّة فترة من فترات التاريخ ولا هي مقتصرة على جنس من البشر أو قوميّة معيّنة، وإنما هي حالة شيطانية تعتري الإنسان في كل مراحل التاريخ منذ أن خلق الله آدم وأنزله إلى الأرض وحتّى تقوم الساعة.
والفرعون شخصيّة لها عقليّة مميّزة ونفسيّة محدّدة قد تجتمع كلها في شخص واحد أو في ملا أو نظام، وقد توجد لها بعض الملامح في بعض الناس وحتّى المسلمين منهم قد يظهر فيهم بعض ملامح هذه الشخصيّة.
والقرآن قد أورد لنا الكثير عن ملامح هذه الشخصيّة وقسماتها مما لا يتّسع المجال للتفصيل فيه. وهذا ما يجعلنا نقتصر على عرض ما يتيسّر لنا عرضه من هذه الملامح.
إن لفرعون أساليب خبيثة كثيرة في مواجهة الحقّ وفي إسكات دعاته. فمن هذه الأساليب تزييف المقاييس، لانّ الأساس في تكوين القناعة هو المقياس الذي يجب أن تقاس به الأفكار، ومقياس الحقيقة هو انطباقها على الواقع، فإذا انطبق الفكر على الواقع كان حقيقة، فمعرفة الحق تكون بالتفكير بذات الأفكار المعروضة وبمطابقتها على الواقع، فان انطبقت عليه كانت حقيقة وان لم تنطبق لم تكن حقيقة. ولكن الفراعنة يحاولون صرف الناس عن طريقة التفكير السليمة: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ) [القصص-36] فيحاولون تزييف المقياس وجعله محصورا فيما ورد عن الآباء، فما لم يرد عن الآباء فليس حقيقة، مع أنّ الحقائق لا تؤخذ هكذا ولا تقاس بهذا المقياس، فالحقيقة هي ما طابق الواقع وليست هو ما ورد عن الآباء أو عن الشيخ أو عن المسؤول الفلاني ولكن الفراعنة يزيّفون الحقائق ويقلبون المقاييس.
ومن الأساليب الفرعونيّة التنكيل بحملة الحقّ وقتل الأطفال والنساء والبطش والقمع( فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ @ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر-25-26] ولكنه قبل أن يبطش به أو أن يسفك الدماء يقوم بتغطية إعلامية في محاولة لكسب الرأي العام بحجّة الحرص على الناس وعلى النظام الذي يتحكم في المجتمع وبحجّة أن موسى يظهر في الأرض الفساد. وهنا لا بد من الوقوف قليلا لنسأل سؤالا مهما. ترى لماذا يبرر فرعون عمله؟ ولماذا يخاطب الرأي العام ويسترضيه مع أنّه هو الذي قال (أنا ربكم الأعلى) وهو الذي قال: (وما علمت لكم من اله غيري)؟ فرعون بكل طغيانه وكبريائه يقف إمام الرأي العام يطلب منه رخصة في قتل موسى؟!!! لاشكّ أن فرعون يدرك أهمية الرأي العام وخطورته، ويعرف أن للمجتمع أفكارا عامة ومشاعر عامة، فيحاول التأثير على هذه الأفكار الجماعية حتّى تبقى بجانبه وحتى لا ينقلب الرأي العام ضدّه فينقلب كل شيء ويخسر بالتالي كل شيء. وفراعنة اليوم لايختلفون عن فراعنة الأمس، فهم لا ينكلون بالدعاة ولايستخدمون وحشيّتهم إلا بعد أن يقوموا بتغطية إعلامية فيبررون جرائمهم وسفكهم لدماء الدعاة بأن هؤلاء الدعاة مفسدون في الأرض، وبأنّهم متعصّبون ومتطرفون وأصوليون، وبأنهم متآمرون على النظام وبأنهم خونة وعملاء إسرائيل.
ومن الأساليب الفرعونية تعطيل عقول الأتباع ومنعهم من التفكير بحجّة أن هناك من يفكر عنهم (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[غافر-29]. ففرعون لا يملك الحجة التي يبطل بها حجة المؤمن حتى يقدمها لأتباعه فلا يجد إمامه إلا أن يقول لهم: “لا تفكروا فأنا الذي يفكر، وقد فكرت ورأيت أنّ موسى مفسد في الأرض وان سبيل هو سبيل الرشاد” وهكذا يحاول فرعون تعطيل العقول حتى لا تدرك الحقائق. ورغم أن أسلوب (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى) هو أسلوب فرعوني قديم ولكنّه لايزال يتجدد في كل يوم، فالآباء الذين يمنعون أنباءهم من العمل لإقامة شرع الله أو يضيقون عليهم بحجة أنهم قد جربوا قبلهم وأنهم يرون ما لا يرى الأبناء دون أن يقدّموا لهم برهاناً على أن عملهم خاطئ، هؤلاء الآباء – رغم أنهم مسلمون صادقون في إيمانهم – ولكنهم مقلدون لفرعون في اعتمادهم هذا الأسلوب، وقادة الأحزاب والحركات يمنعون أتباعهم من التفكير في مواقف الحركة وأفكارها، ويمنعونهم من التفكير في مناقشتها بحجّة أن المسؤول يعلم ما لايعلمون. هؤلاء القادة هم مقلدون لفرعون، وكذلك الحركات الإسلامية التي لا تحدد طريقها بوضوح ولا تتبنى خطّاً معيّنا واضحا توضحه لأتباعها وتقول لهم “هذه سبيلي. فإذا وقفتُ يوماً موقفاً مخالفاً لهذه السبيل فاعلموا أنني انحرفتُ فاقذفوني جانباً وتابعوا طريقكم الواضح”. هذه الحركات التي لا تتبنى ينحصر التفكير لديها في القادة دون العناصر، لان عدم التبني يقطع الطريق أمام تفكير العناصر وأمام مناقشتهم للقيادة ومحاسبتهم لها، مع أنّ الله سبحانه ويقول (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف- 108].
فالسبيل يجب أن تكون واضحة يشار إليها عن كثب ويوضع الإصبع على كل خطوة من خطواتها لأن لفظة (هذه) تفيد الإشارة عن قرب، والبصيرة مطلوبة من القادة ومن الأتباع (على بصيرة أنا ومن اتبعني) وشعار “مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى” لا يجوز أن يعتمده قادة الحركات ولا الآباء ولا أي مسلم من المسلمين.
وحين نقرأ في سورة الشعراء الحوار المصيري الذي جرى بين موسى وفرعون يتجلى لنا بوضوح أسلوب الفراعنة وأسلوب حملة الحق. يبدأ الحوار من جانب موسى وأخيه هارون بقولهما لفرعون (إنا رسول رب العالمين* أن أرسل معنا بني إسرائيل) وهنا يتجاهل فرعون مضمون الكلام، ويرد على موسى محاولا التأثير على شخصه وصرفه عن الموضوع (قال الم نربّك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين@ وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) فهو يحاول أن يؤثر على مشاعر موسى بتذكيره بنعم فرعون عليه وكأن المسالة مساومة شخصية بين موسى وفرعون وليست مسالة حق وباطل، ثم يحاول أن يجرّ موسى الى نقاش عقيم حول شخصيته بتذكيره بأنه قد قتل نفساً من قبل، ليجعله ينشغل بالدفاع عن نفسه فيتأكد للملا أن هذا ليس حامل حق ودعوة، وإنما هو شخص يدور حول نفسه همه أن يحظى بقبول الناس، وان دعوته هي لإظهار نفسه لاغير، وهكذا دائما يحاول من يريد طمس الحقائق أن يشغل الدعاة بالدفاع عن شخصيتهم بالدوران حول أنفسهم، ولكن الدعوة حين تتجسد في شخص تجعله يتمحور حولها ويدور في فلكها دون أن يهتم لما يقال عنه أو يمسّ شخصيته، فالمهم أن تسلم دعوته ولتكن شخصيته الوقود الدافع لحركة الدعوة (قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين @ ففررتُ منكم لما خفتكم فوهب لي ربّي حكما وجعلني من المرسلين @ وتلك نعمة تمنّها علىّ أن عبّدت بني إسرائيل). نعم لقد فعلت ما فعلت ولم آت الى هنا لأدافع عن نفسي أو لادعوكم الى الإعجاب بشخصيتي وإنما أنا آت لادعوكم الى رب العالمين. وهنا تسقط الورقة الأولى من يد فرعون، ويجد أن لامناص له من التورط في خوض الحوار الفكر (قال فرعون وما رب العالمين) فيجيبه موسى بوضوح (رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين) فيقاطعه فرعون قائلاً لمن حوله (ألا تستمعون)؟ ألم تسمعوا بآذانكم هذا المنكر العجيب؟ ورغم أن كلام موسى كله حق، ولكن دهشة فرعون واستهجانه الشديد يوحيان للنّاس أن الأمر لا يحتاج الى تفكير وأنّ بطلان كلام موسى واضح أشدّ الوضوح، وذلك من أجل أن يجعلهم يستهجنون الأمر قبل أن يفكروا فيه، لأنه يعلم أنهم إن فكروا فسيدركون الحقيقة. وهكذا دائما يفعل المدلّسون حين يعرضون كلام أهل الحق بطريقة تجعل المشاعر تتحرك قبل العقول فتطغى عليها وتعطلها. ولكن موسى لا يعبا بأساليب فرعون بل يتابع شرح أفكاره للملا (قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) فيقاطعه فرعون مجددا بأساليبه الغوغائيّة ( قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ولكن موسى يتابع شرح أفكاره بهدوء على طريقة رسم الخط المستقيم أمام الخط الأعوج (قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ). وهنا تسقط الورقة الثانية من يد فرعون ويجد أنه قد هزم أما موسى فكريا، فيكشر عن أنيابه، ويلجأ إلى قوته المادية مهددا موسى بزنزاناته الغاشمة (قال لئن اتخذت إلها غيري لاجعلنّك من المسجونين) وهنا يبدأ موسى بتقديم آياته وبيّناته. فيزداد ارتباك فرعون وحاشيته ويقررون أن يجمعوا كل ساحر عليم (فجمع السحرة لميقات يوم معلوم @ وقيل للنّاس هل أنتم مجتمعون @ لعلّنا نتّبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) فلنتأمّل في إعلام فرعون! انه يتجاهل أمر موسى ويركّز انتباه الناس على السحرة (لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) وهكذا يحاول إعلام الفراعنة أن يعتّم على حملة الحق ويجتمع الناس وتحصل المبارزة ,ويقذف الله بالحق على الباطل فيدفعه، ويخر السحرة ساجدين مؤمنين، ويهددهم فرعون – كعادته – بالبطش والتنكيل (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) فهو ينكر عليهم إيمانهم قبل أن يأذن لهم أي بدون ترخيص منه، تماما كما ينكر فراعنة اليوم على العاملين للإسلام عملهم بدون ترخيص ويعتبرونهم خارجين عن القانون، وكأن أمر الله أصبح بحاجة الى ترخيص أو إذن أو موافقة من القوانين؟! ومن العجيب أن نجد بعض الحركات الإسلامية تلهث وراء ترخيص الطواغيت، وتعلن بلا خجل أنّها تعمل ضمن القنوات القانونيّة وإنها تطالب أن تشارك في اللعبة الديمقراطية؟! فهل طلب موسى والسحرة المؤمنون من فرعون أن يرخص لهم أم أنّهم آمنوا قبل أن يأذن لهم؟ وهل آثروا السلامة وأخذوا الى الواقع وخنعوا للظروف أم أنهم قالوا (لا ضير إنا الى ربّنا منقلبون) ؟؟ فليتق الله كل من يلهث وراء أنظمة الكفر والعمالة يطلب منها إذنا أو ترخيصا له في العمل للإسلام، وليتقّ الله كل من ينتظر من قانون الفراعنة أن يترك له ثغرات تمكّنه من العمل لإقامة الخلافة الإسلامية، ولنقل جميعا للفراعنة ولقوانينهم (لا ضير إنا الى ربّنا منقلبون).
وهناك ملاحظة أخيرة ومهمة لا بد من تركيز الانتباه عليها، وهي طريقة موسى عليه السلام في التغيير فنلاحظ أن الحوار بين موسى وفرعون لم يكن حوارا فرديا مجرّدا. بمعنى أنه لم يكن همّ موسى فقط أن يقنع فروعن ولم يكن همّ فرعون فقط إقناع موسى، وإنما كان حوارا فكريا سياسيا يحاول كل طرف من أطرافه أن يكسب الرأي العام الى جانبه، موسى يتوجّه الى الرأي العام قائلا لهم (ربكم وربّ آبائكم الأولين) وفرعون يحاول أن يثير هذا الرأي العام ضدّ موسى لكسبه الى جانبه قائلا لمن حوله: (ألا تسمعون) (إن رسولكم الذّي أرسل إليكم لمجنون). وهكذا فموسى لم يبدأ بإصلاح الأفراد فردا فردا حتّى وان قام بالدعوة الفردية، فان القرآن لا يحدثنا عن هذه الدعوة لأنها عمل جزئي لاعلاقة له بتغيير المجتمعات. وبما أن الموضوع يدور حول سنن التغيير وطريق الدعوة الأساسي، لذلك نجد القرآن يعرض لنا الدعوة الفكرية السياسيّة التي تخاطب المجتمع بأفكاره ومشاعره، والتي تتحدّى رموز الكفر فيه، الذين يمثلون الجدار الواقي للمفاهيم الجماعية والحصن الحصين لنظام المجتمع الفاسد.
وهذه هي سنة الله في التغيير، فالقرآن حين يحدثنا عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نجده لا يحدثنا عن أعمالهم الفردية وعن دعوتهم للأفراد، وإنما يحدثنا عن أعمالهم الجماعية السياسية، وعن صراعهم مع المجتمع ومع أعرافه ومفاهيمه ورموز الفساد فيه. فإصلاح الفرد مطلوب ولكنه ليس طريقة في تغيير المجتمعات، لان المجتمعات لا تتغير إلا بتغيير مفاهيمها ونظامها، فلو قمنا بإصلاح أحد الأفراد فان صلاح هذا الفرد لا يؤثر مطلقا على تغيير المجتمع إذ قام هذا الفرد بالعمل لتغيير المفاهيم الجماعية والنظام الذي ينبثق عنها، هنا فقط يكون إصلاح هذا الفرد مؤثرا. فلو أصلحنا آلاف الأفراد دون أن يسعى أي واحد منهم لتغيير المفاهيم والنظام في المجتمع، فان هذا الإصلاح لا قيمة له مطلقا في عملية تغيير المجتمع (بالنسبة لعملية التغيير وليس بالنسبة للأجر الذي يترتب على هداية فرد على يدينا) بينما إصلاح فرد واحد يعمل لتغيير المفاهيم والنظام خير من إصلاح آلاف الأفراد الذين لا يعملون للتغيير. فالعبرة بتغيير مفاهيم المجتمع ونظامه وليست بتغيير أفراده. ولذلك قلّما نجد القرآن يحدثنا عن عمل الأنبياء الفردي وعن كيفية إصلاحهم للأفراد بينما نجده يستفيض في حديثه عن عملهم السياسي وعن مخاطبتهم للمجتمع مخاطبة جماعية تنقض الأسس التي يقوم عليها وتهدمها لتضع مكانها أسسا صالحة وفق أوامر الله ونواهيه ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ )[هود: 5] خطاب للمجتمع ونقض لعقيدته (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [هود:61] خطاب للقوم بمجموعهم وليس لفرد منهم ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ @ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ )[هود: 85,84] خطاب للمجتمع ونقض للنظام الاقتصادي فيه وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ @ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [الأعراف: 80,81] مخاطبة جماعية ونقض للنظام الاجتماعي في المجتمع…
فيا شباب الإسلام! ويا دعاة التغيير! ويا أمل البشريّة بالخلاص!! راجعوا حساباتكم وتعمّقوا في تفكيركم واستلهموا حقائق التاريخ وميّزوا بين ما هو حقيقة تاريخية وما هو حادثة تاريخية كي تستطيعوا استنباط السنن التي أودعها الله في هذا الكون، فللمجتمع تركيبة عضوية يجب إدراكها، ولتغييره سنن لاتختلف ولا تتبدل، فإذا لم نتعمق في فهم هذه السنن فان سعينا للتغير سيكون كالذي يدور في حلقة مفرغة وسينتهي دوراننا بالخمود واليأس مهما كان نشاطنا عظيما ومهما كان اندفاعنا قوياً.
نسأل الله العظيم أن يجعل فهمنا عميقا صحيحا وأن يجعل أعمالنا هادفة متقنة وأن يسدد خطانا ويوفّقنا للصواب حتّى نلقاه وهو عنّا راض انه قريب مجيب.
1989-06-10