العدد 26 -

السنة الثالثة – العدد 26 – ذو القعدة 1409هـ، الموافق حزيران 1989م

لا يكفي الإقرار بالعقائد دون تطبيق

قال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ )[العنكبوت 61]

وقال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )[العنكبوت 36]

نرى في الآية الأولى أن الله يخاطب رسوله الكريم قائلا له بأنّه لو سألتهم (المشركين) يا محمد من الذّي خلق السموات والأرض والشمس والقمر لأجابوك بأنه الله. ولكن جوابهم هذا ليس دليلا على أن الله راض عنهم مع أنهم يقرون بانّ الخالق هو الله وأنه على كلّ شيء قدير، فالآية تتابع فتردّ على جوابهم ب(فأنّى يؤفكون). وذلك أنهم إذا كانوا يؤمنون بانّ الله هو الخالق فكيف يكفرون بتوحيده وينقلبون عن عبادته. وفي الآية الثانية أيضا نرى أنّ الله قد قال عن المشركين بأنّهم لا يعقلون مع أنّهم يؤمنون بأنّ الله هو الخالق ولكنّهم لم يوحدوه ولم يعبدوه.

هاتان الآيتان وغيرهما من الآيات دليل وضاح على أنّ الإيمان بدون تطبيق في الأفعال وجميع ما يقوم به الإنسان في حياته ليس موصلا إلى رضى الله تعالى.

فالمسلم الذي ينتسب إلى تنظيم ديمقراطي أو اشتراكي،إذا سألته: بيد من الزرق؟ سيقول: انّه بيد الله وحده ولا أحد غيره. هذا المسلم من حيث الإيمان بأنّ الله هو الرزّاق، فهو مؤمن ولكنّه لم يطبّق هذا الإيمان في أفعاله التي يقوم بها. وأيضا لو سألته لماذا تنتسب إلى هذا التنظيم؟ سيقول لك: نحن نريد أن نعيش وان تركنا التنظيم من أين نأتي بالراتب الذي يدفع لنا. ولكن الم يعتقد هذا بأنّ الرزق بيد الله تعالى، فالله تعالى هو الذي سيرزقه خيرا ممّا كان يدفع له إذا شاء. ثمّ انه ليس التنظيم هو الذي يرزقه الراتب، ولو شاء الله لما رزق التنظيم نفسه النقود التّي يدفعها لعناصره.

وأيضا المسلم الذّي يتخلّى عن الدعوة وعن نشر الإسلام وينتسب إلى حزب اشتراكي مثلا، بحجّة أنّه قد يموت أو يسجن ولديه زوجة وأولاد، فمن الذي سيرزقهم ويحميهم ويعطيهم الأمان إذا مات؟ فلذلك يقول بأنه إذا تخلّى عن الدعوة وانتسب إلى الحزب الاشتراكي سيكون في أمان واطمئنان. هذا المسلم إذا سألته: بيد من الأمان والأجل والرزق؟ سيقول انه بيد الله تعالى وليس بيد غيره.

هذا المسلم من حيث الإيمان بانّ الأجل والأمان والرزق بيد الله، فهو مؤمن، ولكنه لم يطبق هذا الإيمان في أفعاله التي يقوم بها. فهو يتخلى عن الدعوة الإسلامية لأنه لا يكون في أمان واطمئنا. ولكن، ألم يعتقد هذا المسلم بأنّ الرزق والأمان والأجل بيد الله تعالى؟ ثمّ انّه ليس الانتماء إلى الحزب الاشتراكي أو الاختباء يعني إطالة عمر الإنسان. فالله تعالى يقول (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ).

وأيضا الذي يسير في طريق الدعوة لا يعني أنه يؤدي بنفسه إلى الهلاك أو انّه سيموت، فخالد بن الوليد خاض معارك كثيرة طيلة حياته ولم يمت إلا على فراشه، رغم كل الطعنات والضربات التي مزّقت جسمه.

لذلك فان كل مسلم يؤمن بانّ الله موجود وأنّه تعالى خالق ومدبّر وأنّه على كل شيء قدير وأنّه المحيي والمميت وانّ إليه المصير وأنّه سميع بصير عليم بكل ما يعمل ويقال ، وأنّه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يجب أن يدفعه هذا الإيمان بكل ما ورد عن الله تعالى إلى الإيمان بأنّه يجب عليه الالتزام بأوامر الله ونواهيه, وأن يسير حسب النظام الذي وضعه الله وأن يكون مقياسه الشرع (شرع الله) وأنّه لا مجال أبدا لمعصيته تعالى، وهو يؤمن بأنّ الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأنّ مصيره في النهاية إلى الله تعالى وأنّه يوجد حساب، وسيحاسب على كل صغيرة وكبيرة، فانّه كله مسجّل. فمثلا: لا يشرك بالله تعالى ولا يجعل له أندادا وهو يؤمن أن الله تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. ولا يستغيث ويستنصر ويتضرع ويلجأ إلى غيره تعالى. وهو يؤمن أن الله تعالى غني وقويّ وأنّه على كلّ شيء قدير وأنّه هو العزيز الخالق وكلّ ما سواه مخلوق ومحتاج وعاجز.

من هنا،كان ذلك تبيانا لكيفية التطبيق لما يؤمن الإنسان به ويقره من العقيدة الإسلامية، لا الإيمان دون تطبيق. ثمّ انه إذا وضع أساس بيت ما فقط فإننا هنا لا نقول انه بنى بيتا، والبيت غير قابل للسكن.

والعكس صحيح، فانّ أداء العبادات دون عقيدة غير مقبول، فمثلا إذا صلّى رجل كافر فانّ صلاته باطلة ولا يثاب عليها، لأنه لم يقم بالأساس وهو الشهادتان ليدخل في الإسلام ويصير مسلما، قال تعالى (إنّ الدّين عند الله الإسلام) وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ).

ثمّ إذا بنى بنّاء بيتا بدون أساس أو بأساس فاسد فان البيت سيكون غير صالح للسكن ومعرضا للخطر الكبير. وبالله التوفيق.

                                                     محمد .ع. فاعور

                                                  طرابلس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *