العدد 42 -

السنة الرابعة – ربيع الأول 1411هـ، تشرين الأول 1990م

ثورة الحجاز 1916 (شريف مكة وآل سعود) ما أشبه اليوم بالبارحة

مقال كتبه الدكتور (شلتاغ عبود شراد) من نيجيريا لمجلة العالم ونُشر في العددين 343، 344 واستند فيه الكاتب إلى العديد من المصادر الهامة، والسمة الغالبة عليها أنها صدرت في السبعينات والثمانينات من هذا القرن مما يدل على أن هذه المؤلفات صدرت في ظل تنامي الوعي الفكري والسياسي في عالمنا الإسلامي ويدل أيضاً على أن الجيل الجديد من المؤلفين بدأ يضع الأمور في نصابها الصحيح وبدأ يسجل التاريخ بمنظار الصدق والدقة والوعي الأمر الذي لم يكن متوفراً من قبل.

و«الوعي» في عددها السابق كانت قد نشرت مقالاً عن خيانة آل الصباح طيلة تاريخهم وفي هذا المقال نرى بوضوح عمالة آل سعود والأسرة الهاشمية وتآمرهم على دولة الخلافة ومعاونة الإنجليز لإسقاطها. يقول الدكتور في بحثه:

«ما إن انتهى القرن التاسع عشر الميلادي حتى كان معظم العالم الإسلامي قد استحوذت عليه الدول الأوروبية، أو خلقت فيه مناطق نفوذ سياسية أو اقتصادية. ففي الخليج كانت بريطانيا تتسلل تدريجياً منذ فترة مبكرة، خاصة بعد انتصار الأسطول البريطاني على الأسطول الإسباني في معركة (الارمادا) عام 1588م، وتأسيس شركة الهند الشرقية عام 1600م حيث أخذت الشركة تستولي على إمارات الساحل العربي في الخليج وتطور علاقاتها مع كل من إيران والعراق [مصطفى النجار، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية. تموز 1978م].

ومن المعلوم أن الخطة الأوروبية للاستيلاء على العالم الإسلامي كانت تتمثل بالاحتلال العسكري التدريجي، أو التعامل الاقتصادي، أو التسلل من خلال التبشير أو الرحالة الجغرافيين [ينظر إلى كثرة هؤلاء وانتسابهم إلى عدة بلدان أوروبية، ووظيفتهم التجسّسية في الجزيرة العربية خاصة في كتاب (تاريخ نجد الحديث) لأمين الريحاني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1980 ص 77] أو إيجاد العملاء المحليين حيثما كان ذلك ممكناً. وبدون ذلك ما كان يسهل لأوروبا أن تدخل في صراع مباشر مع العالم الإسلامي الواسع الأرجاء، والذي يملك حصانة دينية متينة، تعضدها روح جهادية تخيف أوروبا وتقلقها.

عقد اتفاقيات ولاء لبريطانيا من قبل أمير الكويت وأمير المحمرة وأمير نجد

من أجل ذلك كانت المنطقة العربية من أكثر المناطق الإسلامية اهتماماً من لدن الأوروبيين نظراً للموقع الاستراتيجي والتاريخي. وكانت الجزيرة العربية بؤرة هذا الاهتمام الذي سيعجل من رجحان كفة الأوروبيين وتمزيق العلاقات العربية ـ العثمانية.

لقد كان المندوب السامي البريطاني في الهند ووكيله في الخليج يعملان على تدجين الإنسان العربي في الخليج والجزء الشرقي (نجد والرياض) حيث عقدت اتفاقيات ولاء لبريطانيا من قبل الأمراء العرب، خاصة من قبل أمير الكويت وأمير المحمرة وأمير نجد الذي سيلعب دوراً أساسياً في الجزيرة العربية كلها [نوار عبد العزيز، تاريخ العرب المعاصر، دار النهضة العربية، بيروت 1973، ص 467]. ومن القاهرة كان السير مكماهون المعتمد البريطاني يعمل لاكتساب ود الشريف حسين أمير مكة والحجاز ويعمل على تمنيته على أن يصبح زعيم العرب إن هو حالف بريطانيا وأعلن الثورة على تركيا [الخلافة العثمانية] وكان ذلك من خلال المراسلات ومن خلال الجاسوس الإنجليزي الكولونيل لورنس، الذي قال في كتابه (أعمدة الحكمة السبعة): «لقد كنت أؤمن بالحركة العربية إيماناً عميقاً، وكنت واثقاً قبل أن آتي إلى الحجاز أنها هي الفكرة التي ستمزق تركيا شذر مذر» [لورنس، أعمدة الحكمة السبعة، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1980م ص55].

أدركت بريطانيا أهمية الشريف حسين وخطورته على الدولة العثمانية

لقد أدركت بريطانيا أهمية الشريف حسين منذ البداية وخطورته على الدولة العثمانية [د. عبد اللطيف الراوي، مقالات في تاريخ العراق المعاصر، دار وهران، قبرص 1985 ص13] فنمّت الخلافات بينهما من جهة، وبينه وبين أمراء نجد السعوديين من جهة أخرى، وإن كانت هذه الخلاقات قديمة تعود إلى أيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أفتى من قبل بأن الأتراك اغتصبوا الخلافة من العرب، وأن الخليفة يجب أن يكون عربياً [د. نور عبد العزيز، المصدر السابق، ص 387]. وعن طريق الخداع والمكر كانت تخيف أحدهما بالآخر، وتحقق بذلك ولاءهما معاً لها، وعداءهما معاً للدولة العثمانية. وبهذا أصبح الشريف حسين المدافع عن حقوق العرب. والمشهّر بسياسة الدولة العثمانية، خاصة بعد مجيء الاتحاديين إلى السلطة في اسطنبول.

ومن خلال التعرف على صحيفة (القبلة) واتجاهها السياسي والفكري تتضح أمامنا أبعاد ما سمي (بالثورة العربية) التي باركها الإنجليز ونفخوا في كيرها. فقد جاء في افتتاحية لها «إن الجامعة الجنسية (القومية) هي من أقوى أسباب اجتماع الأمم، ومن أمتن روابط اتحاد الشعوب» [عبد العزيز الدوري (التكوين التاريخي للأمة العربية) مركز الدراسات العربية، بيروت 1984  ص266] وهي بهذا تحل الرابطة القومية بدل الرابطة الدينية التي كانت سلاح العالم الإسلامي في وجه التوسع الأوروبي وهذا تفكير جديد لم يألفه ولم يعرفه العالم الإسلامي قبل هذا العصر. وتنشر على صفحاتها كتاب (نيل الأرب في فضل العرب) للكاتب القومي (جميل العظمة) وفيه من الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد أهمية العرب في الإسلام، وبأن ذلهم ذل للإسلام، ومن غشّهم حرم الشفاعة، وهلاك العرب من أشراط الساعة. والمهم في هذه الأحاديث أنها موظفة لتضخيم الإحساس القومي والعرقي. وأخيراً تدّعي صحيفة (القبلة) أن دولة حمورابي العريقة في التاريخ دولة عربية، وتنسب أمجاداً كثيرة للعرب دون أن تشير إلى دور الأجناس الأخرى في بناء الحضارة  الإسلامية.

بل إن الشريف اختار لرئاسة تحريرها (محب الدين الخطيب) وهو عضو في إحدى الجمعيات السريّة العربية (حزب العربية الفتاة) التي أسست في الشام، وناوأت الدولة العثمانية، كما كان (محمد رشيد رضا) الشيخ اللبناني المعروف وصاحب مجلة المنار الزائعة الصيت في مصر من المقربين للشريف حسين ومن المؤيدين لسياسته الانفصالية (عن الدولة العثمانية) [كتاب ديوان النهضة، أدونيس وخالدة سعيد دار العلم للملايين، بيروت 1983 ص 153 ـ 161].

جنّد الإنجليز كلاً من الأدرييسي وابن سعود والشريف حسين مع الحلفاء ضد الدولة العثمانية

وحين أعلنت الحرب الكبرى وانضمت الدولة العثمانية إلى الدول الوسطى شرع الإنجليز في تنفيذ مخططهم الرامي إلى إدخال العرب مع الحلفاء. فكان أن لبى الدعوة كل من السيد محمد الأدريسي أمير عسير في نيسان ابريل 1916م، ثم ابن سعود الذي عقد معاهدة جديدة مع الإنجليز في كانون الأول من نفس العام، وأخيراً الشريف حسين في كانون الثاني من نفس العام أيضاً. ولم يبق على ولائه للدولة العثمانية إلا ابن رشيد أمير حائل، وكان عقابه أن كان طُعماً لابن سعود بتحريض من الإنجليز ومساعدة منهم، حتى أن أحد المشتركين في الحملة على ابن رشيد كان ضابطاً إنجليزياً يدعى شكسبير [تاريخ نجد الحديث ص 219 ـ 229].

وبهذا انهارت فكرة الجهاد الإسلامي الذي كان سلاح الدولة العثمانية القوي هذا ما أوضحته رسالة الجنرال كلاييتون التي أرسلها إلى مدير الاستخبارات العسكرية في وزارة الحربية البريطانية «في الساعة التي يعلن فيها الشريف. عداءه القاطع للأتراك فإننا سنكون قد قطعنا شوطاً طويلاً نحو الهدف الذي نرمي إليه وأتينا بحامي الأماكن المقدسة إلى صف الحلفاء، وأكثر من هذا فإن إعلان الشريف جهراً ثروته سيكون ضربة خطيرة لهيبة تركيا في العالم الإسلامي [عبد الحليم الرهيمي، تاريخ الحركة الإسلامية في العراق، الدار العالمية، بيروت 1985م ص 1082، رسالة ماجستير من الجامعة اللبنانية].

ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لا شيء أبداً مما وعدت به بريطانيا، فلا صار الشريف ملكاً على العرب، بل ولا على الجزء الآسيوي من أقطارهم، ولا حتى على الجزيرة العربية، وإنما منح لقب ملك الحجار فقط ولفترة محدودة.

وأخيراً يأتي ابن سعود فيلتهم الشريف كما التهم ابن رشيد أمير حائل من قبل، ويجبر الشريف على التنازل ثم يُساق منفياً إلى قبرص بعد أن أدى وظيفته على احسن وجه، وقضى الإنجليز منه وطرهم فيموت في قبرص عام 1931م فلا على الحجاز أبقى ولا حقق شيئاً اللهم إلا شيئاً واحداً وهو أن ثمار جهوده جناها أولاده من بعده، وذلك حين عُيّن أحدهم بمرسوم إنجليزي ملكاً على العراق بعد أن طرد من الشام من قبل الجيش الفرنسي، وحتى هذا التعيين كان بثمن وهو اتفاقه مع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن بالتنازل عن فلسطين لتكون وطناً قومياً لليهود، كما عُين أخوه الملك عبد الله أخيراً أميراً على شرقي الأردن وذلك من خلال مقررات (سان ريمو) بين الإنجليز والفرنسيين عام 1920م، ومهما قيل عن سلامة نية الرجل، وأنه وقع في فخ الإنجليز، ولم يكن يقصد سوى استقلال العرب، فإنه يبقى الرمز الدال على الولاء للكافرين ]وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ[. [المائدة: 51] ويبقى الرمز الذي يذكّر بـ (سنمّار).

يقول الدكتور عمر الدسوقي: «فالحق الذي لا مراء فيه أن الفكرة القومية المصرية لم تكن حتى نهاية القرن التاسع عشر قد نضجت النضج الكافي، ولم يكن المصريون يفكرون جدياً في الاستقلال التام عن تركيا».

دور الجمعيات السرية في بلاد الشام

هذا في مصر التي نفذ إليها الاستعمار الفرنسي والإنجليزي في فترة مبكرة، أما في العراق والشام فكانا أكثر تمسكاً بالاتجاه الإسلامي وبالرابطة العثمانية حتى بدايات هذا القرن، ولكن مع بداية تأسيس الجمعيات العربية السرية في الشام وبيروت خاصة وبإيحاء من الاستعمار الفرنسي والبريطاني على السواء، وجدنا الاتجاه القومي يأخذ في الظهور ليناوئ الخلافة ويدعو العرب إلى الخروج عن الرابطة العثمانية وساعده في ذلك ضعف الدولة العثمانية واستيلاء حزب الاتحاد والترقي على السلطة في اسطنبول، وتهيؤ الأجواء في الجزيرة العربية بمساعدة الإنجليز ليقف ابن سعود والشريف حسين موقف العداء من الدولة العثمانية كل ذلك ساعد هذا الاتجاه القومي أن ينافس الاتجاه الإسلامي، ويتغنى بالأمجاد القومية، ويلهب المشاعر بالجنسية العرقية والعصبية… كان العرب يطمحون إلى إقامة دولة عربية تحت زعامة الشريف حسين وأولاده. ولكنهم حينما تبيّنت لهم الخطة الاستعمارية التي استدرجتهم إلى الانفصال عن جسد الدولة العثمانية ثم وَزّعت أوطانهم، وسخرت أمانيّهم، حين تبيّنوا ذلك شعروا بمرارة الحالة التي آل إليها العرب والمسلمون وأمراؤهم الذين أبرموا العهود، وآمنوا بالوعود، فمن الشعراء من وجه اللوم إلى الشريف حسين وأولاده، ومنهم من راح يندب الحظ العاثر، ويأسف على الأمل الضائع ومنهم من لم ين ولم ييأس بل راح يستفز الهمم ويحرض على الاستعمار ويكشف أحابيله… والحق أن الشعور الذي تلاه هذه الخيبة لدى الشعراء هو طابع التحدي واستنهاض الهمم وتوجيه الأمة إلى عدوها الذي يتربص بها الدوائر ويريد أن يلتهمها كلها. ولا نجد شاعراً في هذا الجيل إلا وقد كتب في هذا اللون من الصراع بين حضارتين حضارة الإسلام وحضارة أوروبا الغازية الاستدمارية، وكان من نتائج ذلك شعور بالنقمة على المحتل، وشعور بالرغبة في التخلص من آثاره العسكرية والسياسية والفكرية عامة…» انتهى مقال الدكتور النيجيري شلتاع عبود شراد¨

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *