سؤال وجواب؟
1991/04/08م
المقالات
1,959 زيارة
السؤال:
لقد سارت بريطانيا جنباً إلى جنب مع أميركا في استصدار القرارات من مجلس الأمن ضد العراق، وفي ضرب الجيش العراقي، فهل كان ذلك نتيجة لخروج صدام حسين عن عمالته لبريطانيا؟ أو كان نتيجة صفقة بين أميركا وبريطانيا على منطقة الخليج وعلى العراق نفسه؟ وما هي حقيقة موقف بريطانيا؟
الجواب:
يقتضي البحث السليم في حدثٍ ما وضع ذلك الحدث في سياقه التاريخي والسياسي، لأنه لا يوجد حدث منقطع. ولذلك فإن الفهم السليم لما حدث في الكويت يقتضي استعراض الحدث، وموقع الكويت من السياسة البريطانية، وموقف السياسة البريطانية منها، في الماضي وفي الحاضر، واستعراض الموقف الدولي وتطورات السياسة البريطانية.
احتلت الكويت تاريخياً مكانة بارزة في السياسة البريطانية لموقعها البحري القريب من طرق المواصلات البريطانية مع مستعمراتها في الشرق الأقصى، ومع الهند التي كانت تعتبر درّة التاج البريطاني، وازدادت تلك المكانة بعد اكتشاف البترول فيها، فكانت القواعد البريطانية في كل من البحرين وعدن بدرجة كبيرة لحماية الكويت. ولما كانت القنابل النووية البريطانية يقتصر حملها على الطائرات في الستينات، شحنت بريطانيا قواعدها في قبرص بالقنابل النووية للدفاع عن الكويت.
لم تتغير مكانة الكويت في السياسة البريطانية، وقد بدا ذلك واضحاً عندما تعرضت الكويت للخطر الإيراني بتعرض منطقة البصرة ومنطقة الفاو لخطر الاجتياح الإيراني، فقد صرحت مارغريت تاتشر نفسها، كما صرح وزير خارجيتها أن بريطانيا ستدخل الحرب ضد إيران إذا تعرضت الكويت للخطر، بل وأنها ستستعمل الأسلحة النووية لحماية الكويت.
وقد أصبحت الكويت مطمحاً أميركياًِ، فأخذت تضغط على مشايخها، وتعمل على خلق الظروف لأخذها من بريطانيا. وإذا كانت أميركا قد دفعت عمليها عبد الكريم قاسم للتراجع عن تهديد الكويت عام 1962، بعد أن قاسمتها بريطانيا بترول الكويت، فإنها اليوم تريد الكويت كاملة، ومعها منطقة الخليج بأكملها.
أما السياق السياسي، فقد بات واضحاً أن الوهن قد دبّ في الاتحاد السوفياتي، فانحسر تأثيره في الحلبة الدولية. وقد أدى هذا إلى انفراد أميركا في السياسة الدولية، فأخذت تعمل على توسيع نفوذها وتعميقه، مما جعل بريطانيا تخشى على مراكز نفوذها، فأخذت تعمل على جمع تلك المراكز في تجمعات وتكتلات تعطيها قوة أكبر للصمود في وجه المدّ الأميركي. ولما كانت الكويت كياناً ضعيفاً بين جارين قويين، هما: العراق والسعودية، ومن غير الوارد عند بريطانيا ضم الكويت إلى السعودية باعتبارها قاعدة لأميركا، رأت بريطانيا ضمها للعراق الذي أناطت به بريطانيا الدفاع عن مصالحها في الخليج، وأثبت أهلية وكفاءة واستعداداً دائماً للتضحية، كما ظهر من حربه مع إيران، فأوعزت لصدام باجتياح الكويت، وضمها إلى العراق.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن بريطانيا اعتمدت بعد حرب السويس سنة 1956 الابتعاد عن أسلوب المجابهة مع أميركا، واعتمدت عوضاً عن ذلك أسلوب التآمر والاعتماد على العملاء، مع إظهار نفسها أنها تسير مع أميركا. يضاف إلى ذلك أن الكويت عضو هام في مجلس التعاون الخليجي، الذي تدين جميع دوله، باستثناء السعودية بالولاء لبريطانيا. وطبيعي أن بريطاني لا تريد أن تفقد ثقة أيٍ من تلك الدول، حتى لا تجعل منها فريسة سهلة لأميركا، وهذا يقتضي المزيد من التخفي في العمل. يضاف إلى كل ذلك أن أميركا قد تصرفت في الأزمة تحت ستار الشرعية الدولية، ولفرض القانون الدولي، مما حتم على بريطانيا وعملائها الظهور بالسير في الاتجاه نفسه، لأنه لا يوجد من بين دول العالم من يتحدّى الشرعية الدولية، والقانون الدولي. لذلك فإن الدولة التي تخرج على الشرعية الدولية إنما تخرج تحت ستار تفسير خاص للشرعية الدولية، وللقانون الدولي. وليس بتحدّيها تحدّياً سافراً.
لقد قام صدام حسين باجتياح الكويت في 02/08 بعد أن اختلق معها أزمة امتدت معظم شهر تموز. وبالرجوع إلى تصرفات بريطانيا في الأزمة قبل الضم وبعده نجد الموقف البريطاني من هذه الأزمة واضحاً جلياً. فموقع الكويت في السياسة البريطانية هو بالأهمية التي ذكرنا، ومع ذلك فإنها لم تحرك ساكناً ضد صدام إبّان الأزمة في شهر تموز، بل إن عدم الاكتراث دفع رئيسة وزراء بريطانيا عند ئذ مارغريت تاتشر للسفر في رحلة طويلة إلى الولايات المتحدة، بينما تتعرض الكويت للتهديد بالاجتياح. وبالرغم من حصول الاجتياح فإنها بقيت تتسكع في ولايات أميركا حتى يوم 07/08 مع أن الأمر في غاية الأهمية، ويستوجب رجوعها إلى دولتها، وبقاءها على راس حكومتها، ولم تعد إلى بريطانيا إلا بعد الاجتياح بأسبوع. وهذا يلقي ضوءاً على اطمئنانها على الكويت، وعلى أنها لا زالت في يدها وإن صارت في يد صدام.
وفي يوم الاجتياح 02/08 أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن الحكومة البريطانية لا تعتزم في الوقت الراهن إرسال سفن حربية قبالة شواطئ الكويت، وأن لها قطعتين هناك، وهي تعتبرهما كافيتين.
وفي 03/08 أعلنت وزارة الدفاع عن إرسال فرقاطتين من قبيل الاحتياط إلى منطقة الخليج إضافة للقطعتين هناك. وفي 06/08 قال وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد: «إن لبريطانيا فرقاطتين متواجدتين حالياً في الخليج لطمأنة أصدقائنا في جنوب الخليج وللمشاركة في أي عمل جماعي مشترك.
وفي 07/08 أعلنت بريطانيا بعد اجتمع غير عادي للحكومة البريطانية أنها قررت إرسال قوات للدفاع عن السعودية تعتمد في جوهرها على القوات البحرية والجوية.
هاذ هو موقف بريطانيا من اجتياح العراق للكويت، وهي التي أبدت استعدادها في أكثر من مناسبة لاستعمال الأسلحة النووية لحمايتها.
ولما كشفت أميركا عن حقيقة نواياها، وعن ردة فعلها العنيفة، أظهرت بريطانيا السير معها، بينما كانت تعمل في حقيقة الأمر على إشعال حرب واسعة في المنطقة ضد أميركا، يشارك فيها إلى جانب العراق كل من اليمن والأردن وعُمان. وقد بدا هذا واضحاً في الحشود العسكرية لتلك الدول، وفي طلب الملك حسين من الفعاليات في الأردن أن يدعوه بالشريف حسين، مذكراً بهذا بالحجاز، وبثورة جده الشريف حسين، مما أثار انتقاداً حاداً في أميركا، فأعلن بيكر بغضب أن الولايات المتحدة ليست بريطانيا. وأن ما سيصيب الملك حسين شر مما أصاب جده، ومما دفع السعودية لضرب المصالح الأردنية.
ولما قام بيكر بجولته في أوروبا بتاريخ 08/11 للتحضير لاستصدار قرار من مجلس الأمن يخول باستعمال القوة رفضت تاتشر ذلك بحجة أنه غير ضروري، وذلك لإضعاف موقف أميركا، مما جعل بيكر يعود خالي الوفاض. ولم توافق تاتشر إلا بعد لقائها مع بوش الذي أكد أن القرار إنما هو لتوجيه مزيد من الضغط على صدام حسين.
وبعد استصدار قرار مجلس الأمن، وتصعيد أميركا من حشودها عدلت بريطانيا عن خطتها للحرب المذكورة إلى خطة إشعال حرب بين الأردن وإسرائيل تُجرّ إليها سوريا لضرب جيشها والعمل على حل القضية الفلسطينية حسب الرؤية البريطانية. وقد كان هذا واضحاً من استدعاء الأردن للاحتياط جزئياً، ومن حشد قواته على حدوده مع إسرائيل، وإرسال مضر بدران في 17/12 إلى سوريا ليأخذ وعداً من حافظ أسد بأن تقوم سوريا بنجدة الأردن إذا هو تعرض لهجوم إسرائيلي.
ومن أجل إحباط هذا المسعى قامت أميركا بإرسال مساعد وزير خارجيتها ايجل بيرغر إلى إسرائيل في 12/01/91 للعمل على تحييد إسرائيل، ولكنه فشل.
ولما أخذ العراق قذف إسرائيل بالصواريخ، أرسلت أميركا ايجل بيرغر ثانية إليها بتاريخ 10/01/91 حيث مكث عدة أيام، واستعمل جميع إمكانات أميركا من الترغيب والترهيب، ولم يغادر إسرائيل إلا بعد أن نجح في مهمته نجاحاً لا يعرف مداه، ولكن الثمن الذي دفعته أميركا كان باهضاً.
هذا بينما أرسلت أميركا في الوقت نفسه مساعد وزير دفاعها ارميتاج للغرض نفسه إلى الأردن، ولكننه فشل في مهمته، مما جعل أميركا تصعّد من ضرب المصالح الأردنية.
ولما قامت أميركا بمهاجمة العراق نفسه باختراق حدوده مع السعودية فيما سمي بالحرب البرية، فدفعت بقوات ضخمة داخل العراق في محورين توجه أهدهما لتطويق الجيش العراقي لمنعه من التوجه إلى بغداد فيما لو أراد، بينما توجه المحور الآخر بعيداً خلف الجيش العراقي في اتجاه وسط العراق، مما فتح الطريق أمامه إلى بغداد، فأصبح النظام العراقي، والقيادة العراقية تحت رحمته، أعلن رئيس وزراء بريطانيا جون ميجور أنه لا يجوز استعمال الحرب لإسقاط نظام الحكم في بغداد.
وفي فجر يوم 27/02 أعلن العراق أن الجيش العراقي أنهى انسحابه من الكويت. فقد قام صدام حسين بجعل الانسحاب حقيقة واقعه ليضع أميركا أمام الأمر الواقع، فتوقف القتال، وقام وزير خارجية العراق طارق عزيز بإرسال رسالة إلى مجلس الأمن في 27/02 يعلن فيها موافقة العراق على قراري مجلس الأمن رقم، 662، 674، وأن العراق على استعداد للموافقة على بقية القرارات إذا أوقف القتال. ولما رفض بوش ذلك معتبراً العرض العراقي مشروطاً وغير كاف، وطالب بتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن دون قيد أو شرط، مضيفاً شروطاً أخرى قام ميجور بالاتصال ببوش يطلب منه وقف القتال. فقد قالت ناطقة باسم ميجور أن ميجور وبوش اتفقا خلال المكالمة الهاتفية على وقف العمليات العسكرية في الخليج، وأن إعلان بوش يعكس الموقف الذي اتفقا عليه.
وفي اليوم نفسه 28/02 وصل وزير الخارجية البريطاني دوغلس هيرد إلى واشنطن، واجتمع ببوش قبل اجتماعه ببيكر، كما تقضي الأعراف البروتوكولية مما يدل على أن الأمر مستعجل لا يحتمل التأجيل، وطلب منه، أي من بوش وقف القتال. وفعلاً أصدر بوش أمراً بإيقاف القتال، على عكس نصيحة عدد من مساعديه الذين طالبوا، كما قال فتيزووتر، بتأجيل إعلان وقف القتال حتى صباح الخميس 28/02 بتوقيت واشنطن.
وكانت إذاعة لندن قد أعلنت يوم الأربعاء 27/02 أن بريطانيا قد طلبت من قواتها التوقف عن العمليات العسكرية. وهذا يعني أن بريطانيا قد اتخذت هذا الإجراء المنفرد دون انتظار قرار من أميركا.
ولما وقفت الحرب، ونشبت أعمال عنف في جنوب العراق تغذيها إيران قام جون ميجور بزيارة للاتحاد السوفياتي في 4،5/03 وكان مما بحثه مع غورباتشوف الأحداث الداخلية في العراق، وموقف إيران منها، وطلب منه التدخل لدى إيران، أو نقل رسالة من ميجور إلى رفسنجاني، فقام غورباتشوف بإرسال نائب وزير خارجيته إلى إيران فوراً بتاريخ 06/03.
أما ما ظهر من قيام القوات البريطانية بالأعمال العسكرية من قصف جوي للعراق واشتباكات برية مع الجيش العراقي فإن الأمر يحتاج إلى تثبت من حقيقة ومدى الأعمال التي قامت بها تلك القوات، وبخاصة إذا رأينا أن القوات البريطانية والفرنسية لم توضع حقيقة تحت إمرة قائد القوات الأميركية شوارزكوف فبقيت لها قياداتها والناطقون باسمها، ولابد من أن نستذكر أن رئيس وزراء بريطانيا ميجور قام بالاجتماع بنفسه بقائد القوات البريطانية في منطقة الخليج قبل سفره للسعودية، متخطياً بذلك وزير الدفاع ورئيس الأركان وغيرهما. وهذا يدلل على أن هناك شيئاً هاماً غير عسكري أبلغه له.
ومن هذا كله يتبين أن بريطانيا كانت وراء العراق في اجتياح الكويت، وأن صدام ما قام بذلك إلا بترتيب منها، وبقيت مع صدام حتى آخر لحظة من هزيمته. غير أنها أخطأت في حساباتها، فلم تكن تتوقع أن تكون ردة الفعل الأميركية بهذا الشكل وبهذا العنف. كما أخطأت في كل حساباتها التي رتبتها لإقامة حرب في المنطقة بواسطة عملائها، وبواسطة إسرائيل، لتفسد على أميركا تحقيق هدفها، وقد استطاعت أميركا أن تفسد على بريطانيا كل ترتيباتها، فألجمت إسرائيل، وعرقلت كل إمكانية عمل عسكري يمكن أن يقوم به عملاء بريطانيا، لأن زمام الأمور جميعها كان بيد أميركا، وكانت متيقظة لكل حركة، حتى أفسدت على بريطانيا كل ترتيباتها، وبذلك خرجت بريطانيا هي الخاسرة¨
09/03/1991م.
· بوش يبلغ الحسن الثاني «امتنانه العميق إزاء مساهمته التي لا تقدر بثمن» في دعم التحالف في حربه.
· بقعة النفط التي ضجّت منها دول الحلفاء تبين أنها خمس الحجم الذي أعلن وأنها تعادل شحنة ناقلة عملاقة.
· عباس مدني قال بأن مصير الجزائر أن تصبح دولة إسلامية لها احترامها في حوض المتوسط، وأنه لو كانت الجبهة تريد الاستيلاء على الحكم لاستولت عليه اليوم، وهاجم الحكومة الإيرانية لأنها اتخذت موقفاً مغايراً لموقف الشعب الإيراني.
· السلع الأميركية
النائب السابق عبد الله العظيمي قال: «إذا كنا عاجزين عن مقارعة استكبار الولايات المتحدة رائدة الاستعمار الجديد بقيادة بيتها الأسود في واشنطن بالوسائل العسكرية فإننا نستطيع مقارعتها بمقاطعة الجماهير لما تنتجه مصانعها».
1991-04-08